المطلب الثالث: أثر الزحام في الموالاة في السعي:
اختلفَ أهلُ العلمِ في اشتراطِ الموالاةِ بين أشواطِ السعْيِ نظيرَ اختلافِهم في اشتراطِها في الطوافِ، وكذلك في البناءِ على ما مَضَى من سعْيٍ أوِ الاستئنافِ بعد قطعِهِ.
ومهما يكنْ من أمرٍ، فإنه لا فرقَ بين السعْيِ والطوافِ، فيما تقدمَ من أنَّ قطعَ السعيِ للزحامِ الذي يلحقُ المكلفَ فيه ضيقٌ ومشقةُ عذرٍ لا يُفوِّتُ الموالاةَ، سواءٌ كانَ قطعُ السعْيِ لاستراحةٍ، أو كانَ دفعًا للمضرَّةِ الحاصلةِ بالزحامِ، أو كانَ لتكميلِ السعْيِ في الدورِ العلويِّ أوِ السطحِ بعيدًا عن شدةِ الزحامِ، وكذلك في البناءِ على ما تقدمَ من سعيٍ قبلَ قطعِهِ، قالَ شيخُنا محمدٌ العثيمينُ- رحمهُ اللهُ- بعد تقريرِ اشتراطِ الموالاةِ في السعْيِ، كما هي في الطوافِ: ((لكن لو فُرضَ أنَّ الإنسانَ اشتدَّ عليه الزحامُ، فخرجَ ليتنفسَ، أوِ احتاجَ إلى بولٍ أو غائطٍ، فخرجَ يقضِي حاجتَهُ ثم رجعَ، فهنا نقولُ: لا حرجَ؛ لعمومِ قولِهِ تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (الحج: من الآية78)، ولأنه رُويَتْ آثارٌ عنِ السلفِ في هذا، ولأنَّ الموالاةَ هنا فاتَتْ للضرورةِ، وهو حينَ ذهابِهِ قلبُهُ معلَّقٌ بالسعيِ، ففي هذه الحالِ، لو قيلَ بسقوطِ الموالاةِ لكانَ له وجهٌ)) "الشرح الممتع" ( 7/276)..