المسألة الثانية: الرمل في الزحام:
ذكرَ أهلُ العلمِ منَ الحنفيةِ"البحر الرائق" ( 2/ 355).، والمالكيةِ"مواهب الجليل "( 3/ 109).، والشافعيةِ"المجموع شرح المهذب" ( 8/ 53).، والحنابلةِ مطالب أولي النهى (2/395). أنَّ الطائفُ إذا تعارضَ عندهُ الدُّنوُّ منَ البيتِ حالَ الطوافِ والرَّمَلُ؛ بسببِ ازدحامِ الناسِ قريبًا منَ البيتِ، فإنَّ الأولى في حقِّهِ الخروجُ إلى حاشيةِ المطافِ؛ لتحصيلِ سنةِ الرَّمَلِ بعيدًا عنِ الزحامِ، بناءً على القاعدةِ الشرعيةِ وهي أنَّ الفضلَ المتعلقَ بذاتِ العبادةِ أولى بالمراعاةِ منَ الفضلِ المُتعلقِ بمكانِها المجموع شرح المهذب (4/378)، الأشباه والنظائرللسيوطي ص (275)، فإن كانَ تباعدُهُ منَ البيتِ لا يمكِّنُهُ منَ الرَّمَلِ لأجلِ الزحامِ سقطَ عنه الرَّمَلُ؛ لما يُخشى من حصولِ الأذى له والتأذِّي به.
وسقوطُ السُّننِ في النسكِ دفعًا لمشقةِ الزحامِ له شواهدُ منَ السنةِ، منها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طافَ راكبًا دفعًا لازدحامِ الناسِ عليه لمَّا غَشُوهُ، ففي صحيح مسلمٍ"صحيح مسلم" (1273). من طريقِ أبي الزبيرِ عن جابرٍ قالَ: "طافَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالبيتِ في حجةِ الوداعِ على راحلتِهِ يستلمُ الحَجَرَ بمِحْجَنِهِ؛ لأنْ يراهُ الناسُ وليُشرِفَ وليسألوه، فإنَّ الناسَ غَشُوهُ".
ومنَ الشواهدِ أيضًا، ما رواه أحمدُ، عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ له: «يَا عُمَرُ، إِنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ، لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ؛ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ.» وقد رَوَى الفاكهيُّ في كتابِهِ "أخبارُ مكةَ" عن عمرَ، وابنِ عباسٍ، وجماعةٍ منَ التابعينَ، كعطاءٍ، وجابرِ بنِ زيدٍ، النهيَ عنِ المزاحمةِ في استلامِ الحَجَرِ"أخبار مكة" (1/130-131)..