المبحث الخامس: أثر الزحام في تحديد نسب الحجاج وتنظيم حجاج الداخل:
إنَّ قراءةً عَجْلى للنشراتِ والدراساتِ المتضمِّنةِ لأعدادِ الحجاجِ خلالَ السنواتِ الماضيةِ، تبيِّنُ بجلاءٍ القفزاتِ الكبيرةَ والزياداتِ الملحوظةَ لأعدادِ الحجاجِ من داخلِ البلادِ وخارجِها، كما أنها تظهرُ بوضوحٍ أنَّ هذه الزياداتِ مرشَّحةٌ للتنامِي في ظلِّ هذه التسهيلاتِ التي تشهدُها وسائلُ النقلِ، وكذلك النموُ المتتابعُ في أعدادِ المسلمينَ عمومًا، وفي أعدادِ الراغبينَ في الحجِّ خصوصًا، سواءٌ أكانَ الحجُّ فرضًا أم نفلًا.
والازديادُ المطَّردُ في أعدادِ الحجاجِ أفضى إلى ازدحامِ الناسِ في مشاعرِ الحجِّ ومناسكِهِ, وذلك أنَّ أماكنَ هذه الشعيرةِ محدودةٌ لا تتَّسعُ، فالطاقةُ الاستيعابيةُ معَ كلِّ الأعمالِ والإنشاءاتِ الممكنةِ تقفُ عند سقفِ لا تتعدَّاهُ؛ لذلك كانَ منَ الضروراتِ التي لا مندوحةَ عنها اتخاذُ تدابيرَ تقِي المسلمينَ مخاطرَ الاجتماعِ غيرِ المضبوطِ، من هلاكِ الأنفسِ، وتلفِ الأموالِ، وحصولِ الأخطارِ والمشاقِّ. فكانَ من ذلك تحديدُ نِسَبِ الحجاجِ منَ الدولِ الإسلاميةِ، والذي أقرَّتْهُ منظمةُ مؤتمرِ العالمِ الإسلاميِّ، بحيثُ تكونُ حِصَّةُ كلِّ بلدٍ واحدًا منَ الألفِ.
وفي هذا السياقِ يجيءُ ما أصدرتْهُ الحكومةُ السعوديةُ، من تنظيماتٍ لحجاجِ الداخلِ، من عدمِ السماحِ لمن حجَّ بتكرارِ الحجِّ إلَّا بعدَ خمسِ سنواتٍ، وقد استندَ هذا التنظيمُ إلى قرارٍ من هيئةِ كبارِ العلماءِ برقمِ (187) وتاريخِ 26/3/1418هـ، جاءَ فيه: (فإنَّ مجلسَ هيئةِ كبارِ العلماءِ بالأكثريةِ لا يَرى ما يمنعُ من وضعِ تنظيمٍ للحجاجِ السعوديينَ، ومن ذلك ألَّا تسمحَ الحكومةُ لمن حجَّ إلَّا بعدَ خمسِ سنواتٍ، كما هو المعمولُ به معَ المقيمينَ في المملكةِ، من غيرِ السعوديينَ، ما دامتِ الضرورةُ تدعو إلى ذلك، وإسهامًا في التخفيفِ على الحجاجِ، وإعانةً لهم على أداءِ مناسكِ الحجِّ، ودفعًا للحرجِ والمشقةِ عنهم).
ولا ريبَ أنَّ هذا القرارَ منَ الأسبابِ التي يحصلُ به التوسعةُ على حجاجِ بيتِ اللهِ، ويساعدُ في درءِ المخاطرِ عنهم؛ لذا فإنَّ امتثالَهُ والتزامَهُ منَ التعاونِ على البرِّ والتقوى الذي أمرَ اللهُ به أهلَ الإيمانِ في قولِهِ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ المائدة: 2.
فأوصي جميعَ المسلمينَ بتقوى اللهِ والالتزامِ بهذه الترتيباتِ التي تهدفُ لتيسيرِ النسكِ والتخفيفِ على الحُجَّاجِ والعُمَّارِ وتجنبِهِم المخاطرَ والأضرارَ الناجمةَ عن الازدحامِ.