المسألةُ الرابعةُ: المحاضراتُ العلميةُ والمشاركاتُ الإعلاميةُ:
مما انتشرَ بين الناسِ في الأزمنةِ المتأخرةِ أنه إذا ماتَ عالمٌ منَ العلماءِ، أو عَلَمٌ منَ الأعلامِ، طُلِبَ من طلابِهِ، أو معارفِهِ، أو أقاربِهِ، أو زملائِهِ، أو مَن لهم صلةٌ بهِ أن يتحدثوا عنهُ؛ إما في مشاركاتٍ إذاعيةٍ، أو مرئيةٍ، أو محاضراتٍ، أو ندواتٍ، أو مقالاتٍ، أو تعليقاتٍ. ويتلخَّصُ ذلكَ كلُّهُ في أنه عدٌّ لمحاسنِ الميتِ، وإبرازٌ لجوانبِ شخصيتِهِ، والثناءِ عليهِ، وما أشبهَ ذلكَ.
والذي يظهرُ لي أنَّ مثلَ هذهِ الأعمالِ تنقسمُ إلى قسمينِ:
القسمُ الأولُ: ما كانَ وقتَ المصيبةِ قبلَ السَّلْوةِ عنها فهذا داخلٌ في النعيِ المنهيِّ عنهُ؛ لأنَّ مؤداهُ التفجُّعُ على الميتِ، وإعظامُ حالِ موتِهِ، وأنَّ بموتِهِ تنقطعُ المصالحُ، ويعزُّ وجودُ نظيرِهِ، وفي هذا تجديدُ الأحزانِ ونكءُ الآلامِ، ومخالفةُ مقصودِ الشرعِ من تخفيفِ المُصابِ وتسهيلِهِ؛ ليكونَ ذلك عونًا في الصبرِ على قضاءِ اللهِ وقدرِهِ.
القسمُ الثاني: ما كانَ بعد السَّلوةِ وبرودِ المصيبةِ فلا بأسَ بذلكَ من حيثُ الأصلُ، فإن كانَ الغرضُ منهُ التأسيَ بالصالحينَ، والاقتداءَ بهم؛ فإنَّ ذلك مستحبٌّ؛ لما يتضمنُهُ منَ الدعوةِ إلى الخيرِ والتأسي بالصالحينَ، وعلى هذا بناءُ كثيرٍ من كتبِ السيرِ والتراجمِ والأعلامِ. ومما يدلُّ لذلك ما جاءَ في صحيحِ مسلمٍ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه خطبَ يومَ الجمعةِ فذكرَ نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وذكرَ أبا بكرٍ رضي الله عنه(879)..