المسألةُ الأولى: إعلانُ الموتِ في الصحفِ والمجلاتِ السيارةِ وما أشبهَها:
إعلانُ الوفاةِ في الصحفِ والمجلاتِ وما أشبهَها من وسائلِ الإعلامِ العامِّ كالمنتدياتِ والصفحاتِ العامةِ في شبكةِ الإنترنتِّ؛ كلُّ ذلكَ لا يخلو أن يكونَ إعلانًا مجردًا أو إعلانًا غيرَ مجردٍ. ولا يخلو أيضًا أن يكونَ قبلَ الصلاةِ على الميتِ أو بعدَهُ.
فإن كانَ الإعلانُ قبلَ الصلاةِ مجرَّدًا عن نداءٍ ورفعِ صوتٍ، وليسَ فيه تفجُّعٌ على الميتِ، ولا إعظامٌ لحالِ موتِهِ، ولا تَسَخُّطٌ فيه ولا ضجرٌ؛ فإنَّ ذلك جائزٌ، لا سيَّما إذا كانَ الميتُ مما يهُمُّ الناسَ أمرُهُ وحالُهُ، أو كانَ لهُ شأنٌ ومكانةٌ في الإسلامِ أو نفعُ علمٍ. ولا بأسَ أن يقترنَ بالإعلانِ ثناءٌ يسيرٌ مطابقٌ للواقعِ يرغِّبُ في الدعاءِ لهُ والصلاةِ عليهِ.
ويدلُّ لهذا نعيُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم النجاشيَّ في اليومِ الذي ماتَ فيهِ، ففي صحيحِ مسلمٍ من حديثِ جابرٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَاتَ عَبْدٌ لِهَِاب صَالِحٌ أصحَمَةُ» فقامَ فأمَّنا وصلَّى عليهِ. (1583).. فقولُهُ صلى الله عليه وسلم في نعيِهِ النجاشيَّ : «مَاتَ عَبْدٌ لِهَِمك صَالِحٌ» ثناءٌ عليهِ وتزكيةٌ لهُ؛ حيثُ وصفَهُ بالصلاحِ، وفي هذا تنشيطٌ على الدعاءِ لهُ والصلاةِ عليهِ.
ويشهدُ لهذا أيضًا ما رواهُ الشيخانِ من حديثِ أنسٍ رضي الله عنه قالَ: مَرُّوا بجنازةٍ فأثنَوْا عليها خيرًا، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَجَبَتْ». ثم مَرُّوا بأخرى، فأثنَوْا عليها شرًّا، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَجَبَتْ». فقالَ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه: ما وجبَتْ؟ قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا أَثْنَيتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ. أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ». فأقرَّهُم النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الثناءِ بالخيرِ على الجنازةِ، فدلَّ على جوازِ ذكرِ الميتِ بما فيهِ منَ الخيرِ.
أمَّا إن كانَ الإعلانُ عنِ الموتِ بعدَ الصلاةِ عليهِ؛ فإن كانَ لمجردِ الإعلامِ بالموتِ فالظاهرُ أنهُ منَ النعيِ المنهيِّ عنهُ؛ لأنَّ الصحفَ وشبهَهَا منَ الوسائلِ الإعلاميةِ هي أقربُ ما تكونُ لمجامعِ الناسِ ومنتدياتِهِم في العصرِ الأولِ. ويتأكدُ النهيُ والتحريمُ إذا كانَ الخبرُ متضمنًا لما يُثيرُ الأحزانَ ويهيجُ على البكاءِ، أو كانَ متضمنًا الشهادةَ بالجنةِ للميتِ أو ما يفهَمُ منهُ ذلكَ؛ ككتابةِ بعضِهِم في خبرِ الوفاةِ قولَ اللهِ تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} الفجر: 27 - 30 فإنَّ مثلَ هذا محرمٌ لا يجوزُ.
أمَّا إن كانَ الإعلامُ بالموتِ بعدَ الصلاةِ على الميتِ لمصلحةٍ معتبرةٍ شرعًا؛ كإبراءِ ذمَّةِ الميتِ، وما أشبهَ ذلكَ، فإنَّ هذا جائزٌ لا بأسَ بهِ؛ لما فيهِ منَ المصلحةِ.
قالَ شيخُنا محمدُ بنُ صالحٍ العثيمين رحمَهُ اللهُ تعالى في فتوى لهُ:" وأمَّا الإعلانُ عن موتِ الميتِ؛ فإن كانَ لمصلحةٍ؛ مثلِ أن يكونَ الميتُ واسعَ المعاملةِ معَ الناسِ بينَ أخذٍ وإعطاءٍ، وأُعلنَ موتُهُ لعلَّ أحدًا يكونُ لهُ حقٌّ عليهِ فيُقضَى أو نحوُ ذلكَ، فلا بأسَ".