المطلبُ الثالثُ: ألفاظٌ تشاركُ النعيَ:
هناكَ ألفاظٌ يطلقُها أهلُ العلمِ ويذكرونَ لها أحكامًا، وهي تشاركُ النعيَ من بعضِ الوجوهِ، ولذلك نحنُ بحاجةٍ إلى الوقوفِ على معاني هذهِ الألفاظِ:
أولًا: الندبُ:
وهو في اللغةِ حسنُ الثناءِ على الميتِ معجم مقاييس اللغة ص: (1021).، وقيلَ: دعاءُ الميتِ بحسنِ الثناءِ عليهِ: وافلانَاهُ لسان العرب (1/754).، وقيلَ: الإقبالُ على تعدادِ محاسنِ الميتِ كأنَّ الميتَ يسمعُها المصباح المنير..
أمَّا الاصطلاحُ؛ فقالَ ابنُ الأثيرِ في النهايةِ في تعريفِ الندبِ :هوَ" أنْ تذكرَ النائحةُ الميتَ بأحسنِ أوصافِهِ، وأفعالِهِ"(5/34)..
وقالَ النوويُّ:" الندبُ: أن تُعَدَّ شمائلُ الميتِ وأياديهُ. فيقالَ: واكرِيماهُ ..." تحرير ألفاظ التنبيه ص: (100)..
وقالَ ابنُ المبردِ:" الندبُ البكاءُ على الميتِ وتعدادُ محاسنِهِ"(1/ 315)..
وقالَ المنبجيُّ:" اسمٌ للبكاءِ على الميتِ وتعدادِ محاسنِهِ" تسلية أهل المصائب ص: (63)..
وعلى هذا فإنَّ الندبَ يشتركُ معَ النعيِ في كونِهِ تعدادًا لصفاتِ الميتِ ومحاسنِهِ.
ثانيًا: النياحةُ:
وهيَ في اللغةِ منَ النوحِ، وهو يدلُّ على مقابلةِ الشيءِ للشيءِ معجم مقاييس اللغة ص: (1021).، والنياحةُ على الميتِ هي البكاءُ عليهِ بجزَعٍ وعَويلٍ المعجم الوسيط..
وأمَّا في الاصطلاحِ فهيَ موافِقَةٌ للمعنى اللغويِّ قالَ في الإقناعِ:" وهيَ رفعُ الصوتِ بذلك ـ أي بالندبِ ـ برنةٍ"(1/384)..
وقالَ في الزواجرِ:" النوحُ وهو رفعُ الصوتِ بالندبِ، ومثلُهُ إفراطُ رفعِهِ بالبكاءِ..." (1/361)..
وقد وسَّعَ بعضُ أهلِ العلمِ معنى النياحةِ فجعلَ منها كلَّ ما هيَّجَ المصيبةَ من وعظٍ أو إنشاءِ شعرٍ، وهذا اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ ينظر: الفروع (2/227)، الإنصاف (2/569)..
ومِن هذا يتبينُ أنَّ النياحةَ هي إظهارُ الجَزَعِ والتسخطِ على موتِ الميتِ.
قالَ القرافيُّ:" وصورتُهُ: أن تقولَ النائحةُ لفظًا يقتضي فرطَ جمالِ الميتِ، وحسنِهِ، وكمالَ شجاعتِهِ، وبراعتِهِ، وأُبَّهتِهِ، ورئاستِهِ، وتبالغُ فيما كانَ يفعلُ مِن إكرامِ الضيفِ، والضربِ بالسيفِ، والذبِّ عنِ الحريمِ والجارِ، إلى غيرِ ذلكَ من صفاتِ الميتِ التي يقتضي مثلُها ألَّا يموتَ، فإنَّ بموتِهِ تنقطعُ هذهِ المصالحُ، ويعزُّ وجودُ مثلِ الموصوفِ بهذهِ الصفاتِ، ويعظُمُ التفجُّعُ على فقدِ مثلِهِ، وأنَّ الحكمة َكانت بقاءَهُ وتطويلَ عمرِهِ؛ لتكثرَ تلك المصالحُ في العالمِ. فمتى كانَ لفظُها مشتملًا على هذا كانَ حرامًا، وهذا شرحُ النوحِ.
وتارةً لا تصلُ إلى هذهِ الغايةِ غيرَ أنها تبعدُ السلوةَ عن أهلِ الميتِ، وتهيجُ الأسفَ عليهم، فيؤدي ذلك إلى تعذيبِ نفوسِهِم، وقلةِ صبرِهِم، وضجرِهِم، وربما بعثَهُم ذلك على القنوطِ، وشقِّ الجيوبِ، وضربِ الخدودِ، فهذا أيضًا حرامٌ" الفروق (2/172). .
ثالثًا: الرثاءُ:
وهوَ في اللغةِ بكاءُ الميتِ بعدَ موتِهِ ومدحُهُ، وكذا إذا عَدَّدَتْ محاسنَهُ، وكذلك إذا نظمَتْ فيه شعرًا لسان العرب (14/309)..
ويرادُ بهِ أيضًا التوجُّعُ منَ الوقوعِ في مكروهٍ الفائق (2/36).. ومنهُ قولُ سعدِ بنِ أبي وقاصٍ رضيَ اللهُ عنهُ في قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لهُ:((لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ))، يرثي لهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن ماتَ بمكةَ فتح الباري (3/164-165)..
رابعًا: التأبينُ:
وهوَ في اللغةِ مِن "أَبَنَ الرجلَ تأبينًا"، أي:"مدحَهُ بعدَ موتِهِ وبَكَاهُ" لسان العرب (13/5)..