×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مكتبة الشيخ خالد المصلح / كتب مطبوعة / الحوافز التجارية / المسألة الأولى: تخريجه الفقهي وحكمه

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المسألة الأولى: تخريجه الفقهي وحكمه: هذا الأسلوب الترغيبي يستعمل كثيرا في بيع الملابس، والأجهزة الكهربائية، وما أشبه ذلك، فيتم العقد على أن للمشتري رد السلعة إذا كانت لم تستعمل خلال مدة زمنية محددة أو مطلقة. وبهذا يتبين أن هذا النوع من الرد الترغيبي للسلع يندرج تحت ما يسميه الفقهاء خيار الشرط، وهو خيار يثبت للعاقدين، أو لأحدهما حق فسخ العقد بالاشتراط+++ينظر: حاشية ابن عابدين (4/567)، القاموس الفقهي ص (126). ---، فحكم هذا النوع من الرد الترغيبي مبني على حكم اشتراط الخيار. وبالنظر إلى كلام أهل العلم في خيار الشرط يتبين أن لهم فيه قولين:  القول الأول: جواز اشتراط الخيار. وهذا مذهب الحنفية+++ينظر: شرح فتح القدير (6/298)، تبيين الحقائق (4/14)، حاشية ابن عابدين (4/560). ---، والمالكية+++ينظر: المعونة للقاضي عبد الوهاب (2/1042)، القوانين الفقهية ص (180)، الفواكه الدواني (2/124). ---، والشافعية+++ينظر: العزيز شرح الوجيز (4/182)، الحاوي الكبير (5/62)، نهاية المحتاج (4/12). ---، والحنابلة+++ينظر: المغني (6/39)، المبدع (4/67)، كشاف القناع (3/202). ---، وقال ابن رشد: ((أما جواز الخيار فعليه الجمهور)) +++ بداية المجتهد (2/209). ---. القول الثاني: عدم جواز اشتراط الخيار. وهذا قول ابن حزم من الظاهرية+++ينظر: المحلى (8/370).---. أدلة القول الأول:  الأول: قول النبي- صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي يخدع في البيوع: «من بايعت فقل: لا خلابة، ثم أنت بالخيار...» +++رواه البخاري في كتاب البيع- باب ما يكره من الخداع في البيع-، رقم (2117)، (2/94)، ومسلم في كتاب البيوع- باب من يخدع في البيع -، رقم (1533)، (3/1165). من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما -. ---. وجه الدلالة:  أن النبي- صلى الله عليه وسلم- جعل للمشتري اشتراط الخيار في هذا الحديث، فدل ذلك على جوازه+++ينظر: الهداية للمرغيناني (2/31)، تبيين الحقائق (4/14)، المقدمات والممهدات (2/85)، مغني المحتاج (2/47)، نهاية المحتاج (4/3). ---. الثاني: قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا، إلا بيع الخيار» +++ رواه البخاري بهذا اللفظ في كتاب البيوع- باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا-، رقم (2111)، (2/92)، ومسلم في كتاب البيوع- باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين-، رقم (1531)، (3/1163) من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما-. ---. وجه الدلالة:  أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أثبت الخيار للمتبايعين قبل التفرق، وبعده إذا كان البيع بيع خيار، كما جاء مصرحا في بعض روايات هذا الحديث، فدل ذلك على أن اشتراط الخيار جائز+++ينظر: المقدمات والممهدات (2/85)، بداية المجتهد (2/209)، الذخيرة للقرافي (5/23)، الحاوي الكبير (5/37)، المجموع شرح المهذب (9/222)، فتح الباري (4/333). ---. المناقشة:  نوقش هذا الاستدلال بأن المراد ببيع الخيار: هو قطع الخيار، وإمضاء البيع قبل التفرق، فالحديث أثبت للمتعاقدين الخيار ما لم يتفرقا، فإن اختارا أو أحدهما إمضاء البيع قبل التفرق لزم في حقهما أو في حق أحدهما+++ينظر: سنن الترمذي (3/540)، المحلى (8/268)، المجموع شرح المهذب (9/223)، فتح الباري (4/323). ---، ويشهد لهذا المعنى بعض روايات الحديث التي هي في الحقيقة تفسير لمعنى الاستثناء في هذه الرواية، ففي بعض الروايات قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر، وربما قال: أو يكون بيع خيار» +++ رواه البخاري في كتاب البيوع- باب إذا لم يوقت الخيار، هل يجوز البيع؟ -، رقم (2109)، (2/91)، من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما -. ---، وفي رواية أخرى قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: «إذا تبايع الرجلان، فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعا، أو يخير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع، فقد وجب البيع» +++ رواه البخاري في كتاب البيوع- باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب البيع-، رقم (2112)، (2/91)، ومسلم في كتاب البيوع- باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين- رقم (1531- 44)، (3/1163)، من حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-. ---. الثالث: قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما» +++ رواه الترمذي بهذا اللفظ في كتاب الأحكام- باب ما ذكر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الصلح بين الناس-، رقم (1352)، (3/626)، من حديث عمرو بن عوف- رضي الله عنه -. وروى البخاري أوله معلقا بصيغة الجزم في كتاب الإجارة- باب أجر السمسرة- (2/135) بلفظ: "المسلمون عند شروطهم"، وأبو داود موصولا في كتاب الأقضية- باب في الصلح-، رقم (3594)، (4/20)، من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-. وقال الترمذي (3/626) عن رواية عمرو بن عوف- رضي الله عنه -: "هذا حديث حسن صحيح"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (29/147) معلقا على كلام الترمذي: "فلعل تصحيح الترمذي له لروايته من وجوه"، ثم قال بعد ذكر بعض أسانيد هذا الحديث: "هذه الأسانيد وإن كان الواحد منها ضعيفا فاجتماعها من طرق يشد بعضها بعضا". وقال ابن حجر معلقا على كلام الترمذي في بلوغ المرام (291): "وأنكروا عليه؛ لأن راويه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ضعيف، وكأنه اعتبره بكثرة طرقه، وقد صححه من حديث أبي هريرة"، وقال في تغليق التعليق (3/281): "حديث: (المسلمون عند شروطهم) روي من حديث أبي هريرة، وعمرو بن عوف، وأنس بن مالك، ورافع بن خديج، وعبد الله بن عمر، وغيرهم، وكلها فيها مقال، لكن حديث أبي هريرة أمثلها". وقال عنه ابن العربي في عارضة الأحوذي (6/103) معلقا على كلام الترمذي: "قد روي من طرق عديدة، ومقتضى القرآن وإجماع الأمة على لفظه ومعناه"، وقد صححه السخاوي في المقاصد الحسنة ص (386)، فقال معلقا على إخراج البخاري له معلقا: "فهو صحيح على ما تقرر في علوم الحديث".---. وجه الدلالة:  أن شرط الخيار من الشروط الجارية في بيوع المسلمين، وهو لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، فهو شرط جائز لا حرج فيه+++ينظر: التمهيد لابن عبد البر (14/30، 23)، الحاوي الكبير (5/66)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (3/399)، معونة أولي النهى (4/111). ---. المناقشة:  نوقش هذا الاستدلال من وجهين: 1-أن الحديث ضعيف لا يصح، فلا يصلح الاحتجاج به+++ينظر: المحلى (8/375). ---. الإجابة:  أجيب بأن الحديث جاء من طرق عديدة يشد بعضها بعضا، يبلغ بها درجة الاحتجاج، وقد بينت ذلك في تخريجه. 2-أن شروط المسلمين هي ما جاء القرآن والسنة بإباحتها نصا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله، فهو باطل»، واشتراط الخيار ليس في كتاب الله- تعالى-، ولا في شيء من السنة، فوجب بطلانه، وعدم جوازه+++ينظر: المحلى (8/375). ---. الإجابة:  أجيب بأن قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «ليس في كتاب الله» يحتمل أحد أمرين: 1- أن الشرط الذي ليس في كتاب الله هو المخالف لحكم الله تعالى. 2- أن ماليس في كتاب الله هو ما لم يأت ذكره بعمومه ولا بخصوصه، وخيار الشرط جاءت به الأدلة عموما وخصوصا. الرابع: الإجماع على جواز خيار الشرط، وقد حكاه غير واحد من أهل العلم+++منهم: ابن قدامة في المغني (6/30)، والكافي (2/34)، والرافعي في شرح الوجيز (4/182)، وابن الهمام في شرح فتح القدير (6/300).---، قال النووي - رحمه الله -: ((واعلم أن أقوى ما يحتج به في ثبوت خيار الشرط الإجماع، وقد نقلوا الإجماع فيه، وهو كاف)) +++ المجموع شرح المهذب (9/225، 190). ---. المناقشة:  نوقش بأن في حكاية الإجماع في هذه المسألة نظرا؛ وذلك أن في المسألة خلافا قديما، فقد ذهب ابن شبرمة والثوري إلى أنه لا يجوز اشتراط الخيار للبائع بحال+++ينظر: التمهيد لابن عبد البر (14/28)، الاستذكار (20/250)، المحلى (8/373). ---، وهو قول ابن حزم من الظاهرية+++ينظر: المحلى (8/370). ---، فلا يستقيم مع هذا إجماع. أدلة القول الثاني:  الأول: قول النبي- صلى الله عليه وسلم -: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل». وجه الدلالة:  أن اشتراط الخيار ليس من الشروط التي جاءت في كتاب الله، ولا في شيء من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو شرط باطل+++ينظر: المحلى (8/378). ---. المناقشة:  تقدمت مناقشته عند ذكر أدلة القول الأول. الثاني: قول النبي- صلى الله عليه وسلم -: «لا يتفرق المتبايعان عن بيع إلا عن تراض» +++ رواه أحمد بهذا اللفظ في المسند (2/536)، وأبو داود في البيوع- باب في خيار المتبايعين -، رقم (3458)، (3/737)، والترمذي في كتاب البيوع- باب-، رقم (1248)، (3/542)، من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- وقال عنه الترمذي: "هذا حديث غريب"، وقد صحح الألباني الحديث في إرواء الغليل (5/126)، وقال عنه عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول (1/579): "إسناده صحيح".---. وجه الدلالة:  أن نهي النبي- صلى الله عليه وسلم- عن التفرق عن البيع قبل التراضي يدل على أنه لا يجوز اشتراط الخيار بعد المجلس؛ لأن بقاء الخيار بعد التفرق ينافي التراضي+++ينظر: المحلى (8/378).---. المناقشة:  يناقش هذا بعدم التسليم؛ وذلك أن خيار الشرط لا ينافي التراضي؛ لأنه لا يثبت في العقد إلا برضا المتبايعين، فإذا شرطاه أو أحدهما ثم تفرقا، فقد تفرق المتبايعان عن تراض. الثالث: إثبات خيار الشرط ينافي مقتضى عقد البيع؛ لأن مقتضاه نقل ملك البائع، وإيقاع ملك المشتري، واشتراط الخيار لا يحصل به ذلك، فلا يصح اشتراطه+++ينظر: المحلى (8/378).---؛ لأنه يمنع من ترتب آثار العقد عليه. المناقشة:  يناقش هذا بأن أهل العلم مختلفون في انتقال الملك زمن خيار الشرط، فمنهم من قال بانتقال الملك+++ينظر: المقنع لابن قدامة ص (103). ---، ومنهم من جعله موقوفا+++ينظر: بدائع الصنائع (5/174، 264)، القوانين الفقهية ص (180)، نهاية المحتاج (4/20)، المغني (6/39). --- إلى انقضاء مدة الخيار، أو اختيار الإمضاء أو الفسخ، فعلى القول الأول ينتفي ما ذكروه من منافاة مقتضى العقد، وعلى القول الثاني يكون انتقال الملك موقوفا؛ لوجود مانع من الانعقاد، وهو اشتراط الخيار، وهذا لا يبطل العقد، ولا ينافي مقتضاه؛ لأنه إذا زال المانع ترتبت على العقد آثاره. الترجيح:  بعد عرض أدلة الفريقين فالذي يظهر رجحانه- والله أعلم بالصواب- هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول؛ لقوة أدلتهم، وضعف ما استدل به القائلون بعدم جواز خيار الشرط. وعلى هذا تكون هذه الصورة من الرد الترغيبي مباحة؛ لأن حقيقتها بيع شرط فيه الخيار، وذلك جائز على الراجح.

المشاهدات:2952
المسألة الأولى: تخريجه الفقهي وحكمه:
هذا الأسلوب الترغيبي يستعمل كثيرًا في بيع الملابس، والأجهزة الكهربائية، وما أشبه ذلك، فيتم العقد على أن للمشتري رد السلعة إذا كانت لم تستعمل خلال مدة زمنية محددة أو مطلقة.
وبهذا يتبين أن هذا النوع من الرد الترغيبي للسلع يندرج تحت ما يسميه الفقهاء خيار الشرط، وهو خيار يثبت للعاقدين، أو لأحدهما حق فسخ العقد بالاشتراطينظر: حاشية ابن عابدين (4/567)، القاموس الفقهي ص (126). ، فحكم هذا النوع من الرد الترغيبي مبني على حكم اشتراط الخيار.
وبالنظر إلى كلام أهل العلم في خيار الشرط يتبين أن لهم فيه قولين: 
القول الأول: جواز اشتراط الخيار.
وهذا مذهب الحنفيةينظر: شرح فتح القدير (6/298)، تبيين الحقائق (4/14)، حاشية ابن عابدين (4/560). ، والمالكيةينظر: المعونة للقاضي عبد الوهاب (2/1042)، القوانين الفقهية ص (180)، الفواكه الدواني (2/124). ، والشافعيةينظر: العزيز شرح الوجيز (4/182)، الحاوي الكبير (5/62)، نهاية المحتاج (4/12). ، والحنابلةينظر: المغني (6/39)، المبدع (4/67)، كشاف القناع (3/202). ، وقال ابن رشد: ((أما جواز الخيار فعليه الجمهور)) بداية المجتهد (2/209). .
القول الثاني: عدم جواز اشتراط الخيار.
وهذا قول ابن حزم من الظاهريةينظر: المحلى (8/370)..
أدلة القول الأول: 
الأول: قول النبي- صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي يخدع في البيوع: «مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ...» رواه البخاري في كتاب البيع- باب ما يكره من الخداع في البيع-، رقم (2117)، (2/94)، ومسلم في كتاب البيوع- باب من يخدع في البيع -، رقم (1533)، (3/1165). من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما -. .
وجه الدلالة: 
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- جعل للمشتري اشتراط الخيار في هذا الحديث، فدلّ ذلك على جوازهينظر: الهداية للمرغيناني (2/31)، تبيين الحقائق (4/14)، المقدمات والممهدات (2/85)، مغني المحتاج (2/47)، نهاية المحتاج (4/3). .
الثاني: قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» رواه البخاري بهذا اللفظ في كتاب البيوع- باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا-، رقم (2111)، (2/92)، ومسلم في كتاب البيوع- باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين-، رقم (1531)، (3/1163) من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما-. .
وجه الدلالة: 
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أثبت الخيار للمتبايعين قبل التفرق، وبعده إذا كان البيع بيع خيار، كما جاء مصرحًا في بعض روايات هذا الحديث، فدلّ ذلك على أن اشتراط الخيار جائزينظر: المقدمات والممهدات (2/85)، بداية المجتهد (2/209)، الذخيرة للقرافي (5/23)، الحاوي الكبير (5/37)، المجموع شرح المهذب (9/222)، فتح الباري (4/333). .
المناقشة: 
نوقش هذا الاستدلال بأن المراد ببيع الخيار: هو قطع الخيار، وإمضاء البيع قبل التفرق، فالحديث أثبت للمتعاقدين الخيار ما لم يتفرقا، فإن اختارا أو أحدهما إمضاء البيع قبل التفرق لزم في حقهما أو في حق أحدهماينظر: سنن الترمذي (3/540)، المحلى (8/268)، المجموع شرح المهذب (9/223)، فتح الباري (4/323). ، ويشهد لهذا المعنى بعض روايات الحديث التي هي في الحقيقة تفسير لمعنى الاستثناء في هذه الرواية، ففي بعض الروايات قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَقُول أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ، وَرُبَّمَا قَالَ: أَوْ يَكُون بَيْعَ خِيَارٍ» رواه البخاري في كتاب البيوع- باب إذا لم يوقت الخيار، هل يجوز البيع؟ -، رقم (2109)، (2/91)، من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما -. ، وفي رواية أخرى قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّر أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» رواه البخاري في كتاب البيوع- باب إذا خيّر أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب البيع-، رقم (2112)، (2/91)، ومسلم في كتاب البيوع- باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين- رقم (1531- 44)، (3/1163)، من حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-. .
الثالث: قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» رواه الترمذي بهذا اللفظ في كتاب الأحكام- باب ما ذكر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الصلح بين الناس-، رقم (1352)، (3/626)، من حديث عمرو بن عوف- رضي الله عنه -. وروى البخاري أوله معلقًا بصيغة الجزم في كتاب الإجارة- باب أجر السمسرة- (2/135) بلفظ: "المسلمون عند شروطهم"، وأبو داود موصولًا في كتاب الأقضية- باب في الصلح-، رقم (3594)، (4/20)، من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-. وقال الترمذي (3/626) عن رواية عمرو بن عوف- رضي الله عنه -: "هذا حديث حسن صحيح"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (29/147) معلقًا على كلام الترمذي: "فلعل تصحيح الترمذي له لروايته من وجوه"، ثم قال بعد ذكر بعض أسانيد هذا الحديث: "هذه الأسانيد وإن كان الواحد منها ضعيفًا فاجتماعها من طرق يشد بعضها بعضًا". وقال ابن حجر معلقًا على كلام الترمذي في بلوغ المرام (291): "وأنكروا عليه؛ لأن راويه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ضعيف، وكأنه اعتبره بكثرة طرقه، وقد صححه من حديث أبي هريرة"، وقال في تغليق التعليق (3/281): "حديث: (المسلمون عند شروطهم) روي من حديث أبي هريرة، وعمرو بن عوف، وأنس بن مالك، ورافع بن خديج، وعبد الله بن عمر، وغيرهم، وكلها فيها مقال، لكن حديث أبي هريرة أمثلها". وقال عنه ابن العربي في عارضة الأحوذي (6/103) معلقًا على كلام الترمذي: "قد روي من طرق عديدة، ومقتضى القرآن وإجماع الأمة على لفظه ومعناه"، وقد صححه السخاوي في المقاصد الحسنة ص (386)، فقال مُعَلِّقًا على إخراج البخاري له مُعَلَّقًا: "فهو صحيح على ما تقرر في علوم الحديث"..
وجه الدلالة: 
أن شرط الخيار من الشروط الجارية في بيوع المسلمين، وهو لا يُحِلُّ حرامًا ولا يحرِّم حلالًا، فهو شرط جائز لا حرج فيهينظر: التمهيد لابن عبد البر (14/30، 23)، الحاوي الكبير (5/66)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (3/399)، معونة أولي النهى (4/111). .
المناقشة: 
نوقش هذا الاستدلال من وجهين:
1-أن الحديث ضعيف لا يصح، فلا يصلح الاحتجاج بهينظر: المحلى (8/375). .
الإجابة: 
أجيب بأن الحديث جاء من طرق عديدة يشدّ بعضها بعضًا، يبلغ بها درجة الاحتجاج، وقد بينتُ ذلك في تخريجه.
2-أن شروط المسلمين هي ما جاء القرآن والسنة بإباحتها نصًّا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ»، واشتراط الخيار ليس في كتاب الله- تعالى-، ولا في شيء من السنة، فوجب بطلانه، وعدم جوازهينظر: المحلى (8/375). .
الإجابة: 
أجيب بأن قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ» يَحتمل أحد أمرين:
1- أن الشرط الذي ليس في كتاب الله هو المخالف لحكم الله تعالى.
2- أن ماليس في كتاب الله هو ما لم يأتِ ذكره بعمومه ولا بخصوصه، وخيار الشرط جاءت به الأدلة عمومًا وخصوصًا.
الرابع: الإجماع على جواز خيار الشرط، وقد حكاه غير واحد من أهل العلممنهم: ابن قدامة في المغني (6/30)، والكافي (2/34)، والرافعي في شرح الوجيز (4/182)، وابن الهمام في شرح فتح القدير (6/300).، قال النووي - رحمه الله -: ((واعلم أن أقوى ما يحتج به في ثبوت خيار الشرط الإجماع، وقد نقلوا الإجماع فيه، وهو كافٍ)) المجموع شرح المهذب (9/225، 190). .
المناقشة: 
نوقش بأن في حكاية الإجماع في هذه المسألة نظرًا؛ وذلك أن في المسألة خلافًا قديمًا، فقد ذهب ابن شبرمة والثوري إلى أنه لا يجوز اشتراط الخيار للبائع بحالينظر: التمهيد لابن عبد البر (14/28)، الاستذكار (20/250)، المحلى (8/373). ، وهو قول ابن حزم من الظاهريةينظر: المحلى (8/370). ، فلا يستقيم مع هذا إجماع.
أدلة القول الثاني: 
الأول: قول النبي- صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ».
وجه الدلالة: 
أن اشتراط الخيار ليس من الشروط التي جاءت في كتاب الله، ولا في شيء من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو شرط باطلينظر: المحلى (8/378). .
المناقشة: 
تقدمت مناقشته عند ذكر أدلة القول الأول.
الثاني: قول النبي- صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَتَفَرَّقُ الْمُتَبَايِعَانِ عَنْ بَيْعٍ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ» رواه أحمد بهذا اللفظ في المسند (2/536)، وأبو داود في البيوع- باب في خيار المتبايعين -، رقم (3458)، (3/737)، والترمذي في كتاب البيوع- باب-، رقم (1248)، (3/542)، من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- وقال عنه الترمذي: "هذا حديث غريب"، وقد صحح الألباني الحديث في إرواء الغليل (5/126)، وقال عنه عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول (1/579): "إسناده صحيح"..
وجه الدلالة: 
أن نهي النبي- صلى الله عليه وسلم- عن التفرق عن البيع قبل التراضي يدل على أنه لا يجوز اشتراط الخيار بعد المجلس؛ لأن بقاء الخيار بعد التفرق ينافي التراضيينظر: المحلى (8/378)..
المناقشة: 
يناقش هذا بعدم التسليم؛ وذلك أن خيار الشرط لا ينافي التراضي؛ لأنه لا يثبت في العقد إلا برضا المتبايعين، فإذا شرطاه أو أحدهما ثم تفرقا، فقد تفرق المتبايعان عن تراضٍ.
الثالث: إثبات خيار الشرط ينافي مقتضى عقد البيع؛ لأن مقتضاه نقل ملك البائع، وإيقاع ملك المشتري، واشتراط الخيار لا يحصل به ذلك، فلا يصح اشتراطهينظر: المحلى (8/378).؛ لأنه يمنع من ترتب آثار العقد عليه.
المناقشة: 
يناقش هذا بأن أهل العلم مختلفون في انتقال الملك زمن خيار الشرط، فمنهم من قال بانتقال الملكينظر: المقنع لابن قدامة ص (103). ، ومنهم من جعله موقوفًاينظر: بدائع الصنائع (5/174، 264)، القوانين الفقهية ص (180)، نهاية المحتاج (4/20)، المغني (6/39). إلى انقضاء مدة الخيار، أو اختيار الإمضاء أو الفسخ، فعلى القول الأول ينتفي ما ذكروه من منافاة مقتضى العقد، وعلى القول الثاني يكون انتقال الملك موقوفًا؛ لوجود مانع من الانعقاد، وهو اشتراط الخيار، وهذا لا يبطل العقد، ولا ينافي مقتضاه؛ لأنه إذا زال المانع ترتبت على العقد آثاره.
الترجيح: 
بعد عرض أدلة الفريقين فالذي يظهر رجحانه- والله أعلم بالصواب- هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول؛ لقوة أدلتهم، وضعف ما استدل به القائلون بعدم جواز خيار الشرط.
وعلى هذا تكون هذه الصورة من الرد الترغيبي مباحة؛ لأن حقيقتها بيع شُرِط فيه الخيار، وذلك جائز على الراجح.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85992 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80483 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74768 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61837 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53355 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50921 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50647 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46027 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45574 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف