المطلب الأول : لزوم عقد البيع:
العقود من حيث لزومها قسمان:
الأول: عقود لازمة: وهي التي لا يملك فيها أحد العاقدين الفسخ دون رضا الآخر؛ كالبيع، والإجارة، ونحو ذلك.
الثاني: عقود جائزة: وهي التي يملك كل من العاقدين فيها الفسخ دون توقف على رضا الآخر، وذلك كالشركة، والوكالة، والوديعة، وما أشبه ذلكينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (399 - 400)، الفروق للقرافي (4/13)، التهذيب في فقه الإمام الشافعي (3/292)، الأشباه والنظائر للسيوطي ص (464)، المنثور في القواعد (2/398)، قواعد ابن رجب ص (65 - 66)، المدخل الفقهي العام للزرقا (1/444). .
والبيع عقد لازمينظر: المبسوط للسرخسي (13/40 - 41)، حاشية ابن عابدين (4/565)، الفروق للقرافي (4/13)، مواهب الجليل (4/409)، فتح العزيز شرح الوجيز (4/160)، مغني المحتاج (2/43)، معونة أولي النهى (4/115). ، دلّ على ذلك الكتاب، والسنة، والإجماع.
أولًا: من الكتاب:
الأول: قول الله- تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ سورة المائدة، جزء آية: (1). .
وجه الدلالة:
أن الله- تعالى- أمر بالوفاء بالعقود، وعقد البيع لا يتحقق الوفاء به إلا بتحصيل مقصوده، وهو ثبوت الملك ولزومهينظر: شرح فتح القدير (6/258)، البناية في شرح الهداية (7/22 - 23)، إعلاء السنن (14/7)، الذخيرة للقرافي (5/22)، مجموع الفتاوى (29/406). .
الثاني: قول الله- تعالى- : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ سورة النساء، جزء آية: (29). .
وجه الدلالة:
أن الله- جلَّ وعلا- علّق إباحة أكل الأموال في التجارات بالتراضي، فدلّ ذلك على أنه إذا وجد التراضي لزم العقد؛ لأنه رتب على العقد مقتضاه، وهو التصرف في المعقود عليه، والتصرف فرع اللزوم، والأصل ترتب المسببات على أسبابهاينظر: شرح فتح القدير (6/58)، إعلاء السنن (14/8)، الذخيرة للقرافي (5/20)، مغني المحتاج (2/43)..
الثالث: قول الله- تعالى- ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ سورة البقرة، جزء آية: (282)..
وجه الدلالة:
أن الله- سبحانه- أمر بالإشهاد؛ لتوثيق العقد، ولو لم يكن لازمًا لما احتاج إلى توثيق؛ إذ إن عدم اللزوم يسقط معنى التوثيقينظر: شرح فتح القدير (6/258)، البناية في شرح الهداية (7/23). .
ثانيًا: من السنة:
الأول: قول النبي- صلى الله عليه وسلم -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» رواه البخاري في كتاب البيوع- باب إذا بيّن البيعان ولم يكتما ونصحا-، رقم (2079)، (2/82-83)، ومسلم في كتاب البيوع- باب الصدق في البيع والبيان- رقم (1532)، (3/1164)، من حديث حكيم بن حزام- رضي الله عنه-..
وجه الدلالة:
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- جعل الخيار للمتبايعين قبل التفرق، فإذا تفرقا بطل الخيار ولزِم البيع، فدلّ ذلك على أنه عقد لازمينظر: شرح فتح القدير (6/298)، الذخيرة للقرافي (5/21). .
الثاني: قول النبي- صلى الله عليه وسلم- للذي كان يخدع في البيوع: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ» رواه البخاري في كتاب البيع- باب ما يكره من الخداع في البيع-، رقم (2117)، (2/94)، ومسلم في كتاب البيوع- باب من يخدع في البيع-، رقم (1533)، (3/1165). من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما-. .
وجه الدلالة:
أن البيع لو لم يكن لازمًا لما وجهه النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى اشتراط ذلك، فعُلِم بهذا أن عقد البيع عقد لازمينظر: البناية في شرح الهداية (7/23)..
ثالثًا: الإجماع:
حكى غير واحد من أهل العلمومنهم: ابن رشد في بداية المجتهد (2/170)، وابن قدامة في المغني (6/30، 12). أنه لا خلاف بين العلماء في أن عقد البيع عقد لازم.