المسألةُ الثالثةُ: حكمُ نفقةِ الحادةِ
حكى بعضُ أهلِ العلمِ الإجماعَ على أنَّ المعتدةَ منْ وفاةٍ لا نفقةَ لها إنْ كانتْ حائلًا. انظر: شرح السنة 9/302، أوجز المسالك 10/184. وقالَ البغويُّ رحمهُ اللهُ: «لا نفقةَ لها حاملًا كانتْ أمْ حائلًا، لمْ يختلفْ فيها أهلُ العلمِ»، شرح السنة 9/302. وفي هذا نظرٌ؛ فإنَّ أهلَ العلمِ مختلفونَ في وجوبِ نفقةِ الحاملِ المتوفَّى عنها زوجُها على قولينِ:
القولُ الأولُ: تجبُ النفقةُ لها، وتكونُ منْ جميعِ المالِ، وهذا قولُ جماعةٍ منَ العلماءِ، منهمْ: عليٌّ، وعبدُ اللهِ، وابنُ عمرَ، وابنُ سيرينَ، والشعبيُّ، والثوريُّ، وأبو عبيدٍ، وهوَ وجهٌ في مذهبِ أحمدَ. المسائل الفقهية 2/218.
واستدلوا بقولِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [سورة الطلاق: الآية 6]. قالوا: «ولأنها معتدةٌ بالحملِ عنْ نكاحٍ، فكانَ لها النفقةُ، كالمطلقةِ الحاملِ». المسائل الفقهية 2/218.
القولُ الثاني: ليسَ لها نفقةٌ، وهوَ قولُ الأكثرينَ. قالَ بهِ جابرٌ، وابنُ عباسٍ، وابنُ المسيبِ، وعطاءٌ، والحسنُ، وربيعةُ، الجامع لأحكام القرآن 3/185. وأبو حنيفةَ، بدائع الصنائع 3/211. ومالكٌ، الخرشي على مختصر خليل 4/150. والشافعيُّ، انظر: إخلاص الناوي 3/345، ونهاية المحتاج 7/154. وهوَ الراجحُ عندَ الحنابلةِ المسائل الفقهية 2/218. ورجحَهُ ابنُ المنذرِ رحمهُ اللهُ. نقلًا عن ابن المنذر الجامع لأحكام القرآن 3/185.
وقالوا: لا دليلَ على وجوبِ النفقةِ، فهي كالحائلِ؛ «ولأنهُ لا يخلو إمَّا أنْ تكونَ النفقةُ لها أوْ للحملِ، فبطلَ أنْ يكونَ للحملِ؛ لأنَّ نفقةَ الأقاربِ تسقطُ بالوفاةِ، وبطلَ أنْ يكونَ لها؛ لأنَّهُ لوْ كانَ لها لكانتْ لها وإنْ كانتْ حائلًا، فإذا لمْ تجبْ لواحدٍ منهما بطلَ وجوبها». المسائل الفقهية 2/218. وقالوا أيضًا: «والنفقةُ لسلطنتهِ عليها وقدِ انقطعتْ، وبأنَّ النفقةَ حقُّها فسقطتْ إلى الميراثِ» نهاية المحتاج 7/154. وأجابوا عنِ الآيةِ بأنها في الحاملِ المبتوتةِ، وهذا قولُ أكثرِ المفسرينَ، محاسن التأويل 16(201- 302). وهوَ الصوابُ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.