المسألةُ الثانيةُ: حكمُ السكنى للحادةِ
ومما يتفرعُ عنْ مسألةِ وجوبِ لزومِ البيتِ للحادةِ مسألةُ حكمِ السكنى للحادةِ، وللعلماءِ فيها أربعةُ أقوالٍ:
القولُ الأولُ: يجبُ لها السكنى مطلقًا، سواءٌ كانتْ حاملًا أوْ حائلًا، مدخولًا بها أوْ غيرَ مدخولٍ بها، وهوَ الأصحُّ عندَ الشافعيةِ. انظر: روضة الطالبين 8/408، نهاية المحتاج 7/154.
القولُ الثاني: لا تجبُ لها السكنى مطلقًا، بلِ السكنى عليها، وهوَ قولُ الحنفيةِ. انظر: المبسوط 6/33، شرح فتح القدير 4/344.
القولُ الثالثُ: تجبُ لها السكنى إذا كانتْ مدخولًا بها فقطْ، وهوَ قولُ المالكيةِ. انظر: بلغة السالك 2/280، جواهر الإكليل 1/391.
القولُ الرابعُ: تجبُ لها السكنى إذا كانتْ حاملًا، وهوَ روايةٌ في مذهبِ أحمدَ. انظر: المغني 11/293، شرح الزركشي 5/577.
والراجحُ منْ هذهِ الأقوالِ: أنَّهُ لا يجبُ للمتوفَّى عنها السكنى مطلقًا؛ لعدمِ الدليلِ، فالأدلةُ تدلُّ على أنَّ الواجبَ على المتوفَّى عنها فِعْلُ السكنى لا أنْ يُبْذَلَ لها السكنى، فعليها أنْ تمكثَ في البيتِ الذي كانتْ تسكنُهُ حينَ موتِ زوجِها، سواءٌ كانَ البيتُ لهُ، أوْ لأبويهِ، أوْ لأحدِهما، أوْ لها، أوْ لأبويها، أوْ لأحدِهما، أوْ لغيرِهمْ، فالإضافةُ في قولِهِ: ﴿مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾ [سورة الطلاق: الآية 1]. وقولُهُ صلى الله عليه وسلم: «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ» رواه أبو داود واللفظ له (2/723)، والترمذي (3/499 ـ 500) وقال: (حسن صحيح )، والنسائي (6/199) برقم (3529)، وبلفظ: «اعتدي حيث بلغك الخبر»، وفي لفظ آخر له أيضًا برقم (3530): «امكثي في أهلك حتى يبلغ الكتاب أجله»، وابن ماجه (1/654) برقم (203) وفيه: «امكثي بيتك الذي جاء فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله». ورواه الإمام أحمد في مسنده (6/370، 420، 421) بلفظ قريب من لفظ ابن ماجه.
وقد صححه الترمذي كما تقدم، والحاكم ووافقه الذهبي، كما في المستدرك (2/208)، ذكره ابن حبان في صحيحه، انظر الإحسان (10/128-129) برقم (4292)، وذكر ذلك الحاكم أيضًا في المستدرك 2/208، ونقل الحافظ ابن حجر في الدراية 2/80 تصحيحه عن الذهبي، وصححه ابن عبد البر في التمهيد 21/31، وابن القيم في زاد المعاد 5/680، والصنعاني في سبل السلام 6/419، وأعله ابن حزم في المحلى 10/32 بجهالة زينب وبأن سعد بن إسحاق غير مشهور بالعدالة، وتابعه على ذلك عبد الحق، كما قال الحافظ في تلخيص الحبير 3/240، وضعفه الألباني أيضًا في إرواء الغليل (7/206-207)، وقد أجاب ابن القيم رحمه الله عن علة جهالة زينب رحمها الله فقال في زاد المعاد 5/681: «فهذه امرأة تابعية كانت تحت صحابي، وروى عنها الثقات، ولم يطعن فيها بحرف، واحتج الأئمة بحديثها وصححوه». وقال الحافظ عن هذه العلة في تلخيص الحبير 3/240: «زينب وثقها الترمذي»، وقد وثقها ابن حبان في الثقات 4/271، واحتج بها مالك كما في الموطأ في كتاب الطلاق، باب: مقام المتوفَّى عنها زوجها في بيتها حتى تحل ص405 برقم: (125)، وأما سعد فقد قال الحافظ في تلخيص الحبير 3/240: «وثقه النسائي وابن حبان»، فالراجح أن الحديث ثابت مُحتج به. إضافةُ سُكنى لا إضافةُ ملكٍ.
قالَ الحيميُّ نقلًا عنِ المقبليِّ: «القرآنُ والسنةُ إنما دلَّا على وُجوبِ لزومهنَّ لبيوتهنَّ، لا يَخْرُجنَ ولا يُخْرَجنَ، وذلكَ تكليفٌ لهنَّ؛ ولذلكَ لا يجوزُ لهنَّ الخروجُ». وقالَ أيضًا: «والآيةُ وحديثُ فريعةَ إنما دَلَّا على هذا، لا على لزومِ السكنى للزوجِ. كيفَ وقدْ صرحتِ الفريعةُ أنَّهُ ليسَ البيتُ للزوجِ؟ فسياقُ الحديثِ بيَّنَ أنَّهُ ليسَ منْ وُجوبِ السكنى على الزوجِ في شيءٍ، ولكنْ تكليفٌ لها». الروض النضير 4/124.