المبحثُ الأولُ: تجنبُ أنواعِ الطِّيبِ ونحوِها
أجمعَ كلُّ منْ أوجبَ الإحدادَ على أنَّ الحادةَ ممنوعةٌ منَ الطِّيبِ. الإشراف على مذاهب العلماء ص 296. ودليلُهم حديثُ أمِّ عطيةَ رضي اللهُ عنها وفيهِ قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في شأنِ الحادةِ: «وَلَا تَمَسُّ طِيبًا». رواه البخاري في كتاب الطلاق، باب: القسط للحادة عند الطهر (3/421) برقم (5341)، ورواه مسلم برقم (938) واللفظ له، وزاد أبو داود (2/292)، باب: فيما تجتنبه المعتدة في عدتها: «ولا تختطب». وزاد النسائي (6/203) برقم (3534): «ولا تمتشط». وعِلةُ هذا المنعِ: أنَّ الطِّيبَ مما يدعو إلى النكاحِ، فمنعتِ الحادةُ منهُ؛ لأنها ممنوعةٌ منَ النكاحِ منْ بابِ منعِ وسائلِ المنهيِّ عنهُ، واستثنى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الشيءَ اليسيرَ عندَ الطهرِ للحاجةِ إليهِ، فقالَ صلى الله عليه وسلم: «إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ». والقسطُ والأظفارُ منْ أنواعِ الطِّيبِ، فأباحَ للحادةِ النبذةَ، وهي الشيءُ اليسيرُ بعدَ الطهرِ؛ لأنها تحتاجُ إلى دفعِ رائحةِ الحيضِ المنتنةِ. قالَ النوويُّ رحمهُ اللهُ في شرحِ القسطِ والأظفارِ: «نوعانِ معروفانِ منَ البخورِ، وليسا منْ مقصودِ الطِّيبِ، رُخِّصَ فيهِ للمغتسلةِ منَ الحيضِ لإزالةِ الرائحةِ الكريهةِ، تتبعُ بهِ أثرَ الدمِ لا للتطيبِ، واللهُ تعالى أعلمُ». شرح مسلم للنووي 10/119. وقولُهُ صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تَمَسُّ طِيبًا»، يشملُ جميعَ أنواعِ الأطيابِ، والأدهانِ المطيبةِ، والمياهِ المعتصرةِ منَ الأدهانِ الطيبةِ، فهذهِ كلُّها منَ الطيبِ الممنوعِ. انظر: زاد المعاد 5/(701 – 702)، المحلى 10/276. وقدْ أدخلَ بعضُ أهلِ العلمِ الصابونَ والشامبو اللذينِ لهما رائحةٌ طيبةٌ في عمومِ الحديثِ؛ لأنَّهُ منْ جملةِ الطيبِ، واختارَ شيخنا عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ وشيخُنا محمدُ بنُ صالحٍ العثيمينُ -رحمهما اللهُ- عدمَ الدخولِ؛ لأنَّ الذي في الصابونِ ليسَ طيبًا بلْ نكهةً، والنكهةُ ليستْ طيبًا مقصودًا، إلا أنَّ الأحوطَ تجنبُهُ خروجًا منَ الخلافِ، واللهُ أعلمُ.
وفي هذا المبحثِ عدةُ مسائلَ: