المسألةُ الثالثةُ: حكمُ الإحدادِ في النكاحِ الفاسدِ.
النكاحُ الفاسدُ: هوَ ما يسوغُ فيهِ الاجتهادُ، شرح الكوكب المنير 1/473. وقالَ شيخُنا محمدٌ العثيمينُ رحمهُ اللهُ: هوَ ما اختلفَ العلماءُ في فسادِهِ، والنكاحُ الفاسدُ هو ما يوافقُ النكاحَ الصحيحَ في بعضِ الأحكامِ ويخالفُهُ في بعضِها، شرح الكوكب المنير 1/473. وقدْ وقعَ الخلافُ بينَ العلماءِ في حكمِ الإحدادِ منهُ على قولينِ:
القولُ الأولُ: لا يجبُ الإحدادُ إلا على المعتدةِ منْ وفاةٍ في نكاحٍ صحيحٍ، وبِهِ قالَ الجمهورُ، ومنهمُ الأئمةُ الأربعةُ. انظر: حاشية رد المختار 3/530، المدونة 2/458، روضة الطالبين 8/405، الإنصاف 9/303.
واستدلوا بحديثٍ: «لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أنْ تحدَّ على ميتٍ فوقَ ثلاثٍ إلا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا»، رواه البخاري في كتاب الطلاق، باب: تحد المتوفَّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا (3/420) برقم (5334، 5335، 5336، 5337). ورواه مسلم (2/1123 ـ 1125) برقم (1486) وهذا ليسَ زوجًا؛ إذْ إنَّ نكاحَهُ فاسدٌ. قالَ النوويُّ رحمهُ اللهُ: «والمعتدةُ عنْ وطءِ شُبهةٍ أوْ نكاحٍ فاسدٍ وأمُّ الولدِ لا إحدادَ عليهنَّ قطعًا؛ لعدمِ بُرهانِ الزوجيةِ». روضة الطالبين 8/405. وقالَ ابنُ حزمٍ رحمهُ اللهُ: «ولا عدةَ منْ نكاحٍ فاسدٍ، برهانُ ذلكَ: أنها ليستْ مُتوفى عنها، ولمْ يأتِ بإيجابِ عدةٍ عليها قرآنٌ ولا سنةٌ ولا حجةٌ في سواهما، ونفي العدةِ نفي للإحدادِ». الإنصاف 9/303.
القولُ الثاني: أنَّهُ يجبُ الإحدادُ على المعتدةِ منْ وفاةٍ في النكاحِ الفاسدِ، وهوَ قولُ القاضي أبي يعلى. الإنصاف 9/303. وقالَ الباجيُّ رحمهُ اللهُ: «ومنْ تزوجَ امرأةً، فماتَ بعدَ بنائهِ بها، فتبينَ أنَّ نكاحَهما فاسدٌ، قالَ ابنُ قاسمٍ في المدونةِ: لا إحدادَ عليها ولا عدةَ، وتستبرئُ بثلاثِ حيضٍ، ووجهُ ذلكَ: أنها ليستْ بمعتدةٍ منْ وفاةٍ يلزمها إحدادٌ كالمطلقةِ. قالَ القاضي أبو الوليدِ: وهذا عندي في التي يُفْسَخُ نكاحُها ولمْ يثبتْ بينهما شيءٌ منْ أحكامِ النكاحِ منْ توارثٍ ولا غيرِهِ، وأمَّا التي يثبتُ بينهما أحكامُ التوارثِ، فإنها تعتدُّ عدةَ الوفاةِ، ويلزمُها الإحدادُ واللهُ أعلمُ». المنتقى 4/144.