المسألةُ الأولى: حكمُ إحدادِ الصغيرةِ.
ذهبَ الحنفيةُ إلى أنَّهُ ليسَ على الصغيرةِ إحدادٌ، واستدلوا بقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «رفعَ القلمُ عنْ ثلاثةٍ: عنِ الصبيِّ حتى يبلغَ، وعنِ النائمِ حتى يستيقظَ، وعنِ المعتوهِ حتى يفيقَ». رواه أحمد (6، 100 – 101)، وأبو داود (4398)، واللفظ له، والنسائي (2/100). وبقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أنْ تحدَّ على ميتٍ فوقَ ثلاثٍ، إلا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا» رواه البخاري في كتاب الطلاق، باب: تحد المتوفَّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا (3/420) برقم (5334، 5335، 5336، 5337). ورواه مسلم (2/1123 ـ 1125) برقم (1486) فالخطابُ موضوعٌ عنها لصغرها انظر: شرح فتح القدير 4/341، تبيين الحقائق 3/35. ، وأن لفظ المرأة غيرُ متناولٍ لها، فلا يجبُ عليها الإحدادُ. سبل السلام 3/413. وأجاب الجمهور عن التقييد بالمرأة بأنه خرجَ مخرجَ الغالب.
وأمَّا الجمهورُ فذهبوا إلى لزومِ حكمِ الإحدادِ للصغيرةِ، ولوْ كانتْ في المهدِ. الفروق للقرافي 3/204. واستدلوا بما أخرجَهُ الشيخانِ رواه البخاري في كتاب الطلاق، باب: تحد المتوفَّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا (3/420) برقم (5334، 5335، 5336، 5337). ورواه مسلم (2/1123 ـ 1125) برقم (1486) عنْ أمِّ سلمةَ رضي اللهُ عنها قالتْ: جاءتِ امرأةٌ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، ابنتي توفي زوجُها وقدِ اشتكتْ عينها، أفنكحلُها؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا» مرتينِ أوْ ثلاثًا، كلُّ ذلكَ يقولُ: «لا». قالَ القرطبيُّ رحمهُ اللهُ: «ولمْ يسألْ عنْ سِنِّها حتى يبينَ الحكمَ، وتأخُّرُ البيانِ في مثلِ هذا لا يجوزُ، وأيضًا: فإنَّ كلَّ منْ لزمتها العدةُ بالوفاةِ لزمها الإحدادُ كالكبيرةِ». الجامع لأحكام القرآن 3/180. وما قالَهُ رحمهُ اللهُ ظاهرُ القوةِ، أضِفْ إلى ذلكَ «أنَّ غيرَ المكلفةِ تساوي المكلفةَ في اجتنابِ المحرماتِ كالخمرِ والزنا، وإنما يفترقانِ في الإثمِ، فكذلكَ الإحدادُ». المغني 11/284. «فإنْ كانتِ الصغيرةُ مميزةً، فإنها تلزمُ الأحكامَ المتعلقةَ بالإحدادِ، وإلا فعلى وليِّها أنْ يجنبَها ما يحرمُ على الحادةِ». انظر: جواهر الإكليل 1/389، المنتقي 4/148. وقالَ ابنُ حزمٍ رحمهُ اللهُ مُعلِّقًا على دليلِ الجمهورِ: «فلمْ يخصَّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كبيرةً منْ صغيرةٍ، ولا عاقلةً منْ مجنونةٍ، ولا خاطبها، بلْ خاطبَ غيرَها، فهذا عمومٌ زائدٌ على ما في القرآنِ»، المحلى 10/275. وقالَ النوويُّ رحمهُ اللهُ: «وولي الصبيةِ والمجنونةِ يمنعُها مما تُمْنَعُ منهُ الكبيرةُ العاقلةُ». روضة الطالبين 8/405. وهذا هوَ الصوابُ والأرجحُ دليلًا.