المبحثُ الثاني: حكمُ إحدادِ المرأةِ على غيرِ زوجِها
اتفقَ العلماءُ على جوازِ إحدادِ المرأةِ على غيرِ زوجِها ثلاثةَ أيامٍ؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أنْ تحدَّ على ميتٍ فوقَ ثلاثٍ، إلا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا». رواه البخاري في كتاب الطلاق، باب: تحد المتوفَّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا (3/420) برقم (5334، 5335، 5336، 5337). ورواه مسلم (2/1123 ـ 1125) برقم (1486) قالَ العينيُّ رحمهُ اللهُ: «قالَ ابنُ بطَّالٍ: أجمعَ العلماءُ على أنَّ منْ ماتَ أبوها أوِ ابنها وكانتْ ذاتَ زوجٍ، وطالبَها زوجُها بالجماعِ في الثلاثةِ الأيامِ التي أبيحَ لها الإحدادُ فيها أنْ يقضى لهُ عليها بالجماعِ». عمدة القاري 8/64. وظاهرُ الحديثِ جوازُ الإحدادِ على كلِّ ميتٍ غيرِ الزوجِ، قريبٍ أوْ بعيدٍ، ولذلكَ بوَّبَ البخاريُّ رحمهُ اللهُ لهذا الحديثِ بقولِهِ: «بابُ إحدادِ المرأةِ على غيرِ زوجِها». فتح الباري 3/146. وقالَ ابنُ القيمِ رحمهُ اللهُ: «فإنَّ الإحدادَ على الزوجِ واجبٌ، وعلى غيرِهِ جائزٌ». زاد المعاد 5/696. واختارَ جوازَهُ على كلِّ ميتٍ شيخُنا عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ وشيخُنا محمدٌ العثيمينُ -رحمهما اللهُ- عملًا بعمومِ الحديثِ. وذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى عدمِ جوازهِ على الأجنبيِّ مطلقًا، وخصَّ بعضُهمْ عدمَ الجوازِ بما إذا وُجِدَتِ الريبةُ، قالَ الهيثميُّ رحمهُ اللهُ: «وبحثَ الأذرعيُّ حرمتهُ منْ أجنبيةٍ على أجنبيٍّ ولوْ بعضَ يومٍ، وهوَ مُتَّجِهٌ حيثُ وُجِدَتْ ريبةٌ، وإلا كأنْ حزِنتْ عليهِ لنحوِ علمِهِ وصلاحهِ، وصداقتِهِ لنحوِ والدها وإحسانِهِ إليها، ولا ريبةَ بوجهٍ؛ فلا حرمةَ كما هوَ ظاهرٌ». فتح الجواد 2/203. وما قالَهُ متوجهٌ، إلا أنَّهُ لا يخالفُ ما تقدمَ عنْ جمهورِ العلماءِ؛ إذ إنَّ كلامَهمْ -رحمهمُ اللهُ- على المسألةِ منْ حيثُ الأصلُ دونَ ما قدْ يعرضُ لها مما يؤدي إلى تحريمهِ، وأمَّا ما ذكرَهُ عنِ الأذرعيِّ، فلا وجهَ لهُ، وظاهرُ السُّنةِ يردُّهُ، واللهُ أعلمُ.