مسرد أحاديث الإحداد
أولًا: أحاديثُ الصحيحينِ أوْ أحدهما:
1 ـ عنْ حميدِ بنِ نافعٍ، عنِ زينبَ بنتِ أبي سلمةَ، أنَّها أخبرتهُ هذهِ الأحاديثَ الثلاثةَ:
قالَ: قالتْ زينبُ: دخلتُ على أمِّ حبيبةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حينَ توفِّي أبوها أبو سفيانَ، فدعتْ أمُّ حبيبةَ بطيبٍ فيهِ صفرةٌ؛ خلوقٌ أوْ غيرُهُ، فدهنتْ منهُ جاريةً، ثمَّ مستْ بعارضيها، ثمَّ قالتْ: واللهِ ما لي بالطِّيبِ منْ حاجةٍ، غيرَ أني سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ على المنبرِ: «لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أنْ تحدَّ على ميتٍ فوقَ ثلاثٍ، إلا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا».
قالتْ زينبُ: ثمَّ دخلتُ على زينبَ بنتِ جحشٍ حينَ توفي أخوها، فدعتْ بطيبٍ فمستْ منهُ، ثمَّ قالتْ: أَمَا واللهِ ما لي بالطِّيبِ منْ حاجةٍ، غيرَ أني سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ على المنبرِ: «لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أنْ تحدَّ على ميتٍ فوقَ ثلاثِ ليالٍ، إلا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا». قالتْ زينبُ: سمعتُ أمي أمَّ سلمةَ تقولُ: جاءتِ امرأةٌ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ ابنتي توفي عنها زوجُها وقدِ اشتكتْ عينها، أفتكحلها؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا» (مرتينِ أوْ ثلاثًا، كلُّ ذلكَ يقولُ: لا)، ثمَّ قالَ: «إنما هي أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ، وقدْ كانتْ إحداكنَّ في الجاهليةِ ترمي بالبعرةِ على رأسِ الحولِ». قالَ حميدٌ: قلتُ لزينبَ: وما «ترمي بالبعرةِ على رأسِ الحولِ»؟ فقالتْ زينبُ: كانتِ المرأةُ إذا توفي عنها زوجُها دخلتْ حشفًا، ولبستْ شرَّ ثيابها، ولمْ تمسَّ طيبًا ولا شيئًا حتى تمرَّ بها سنةٌ، ثمَّ تؤتى بدابةٍ؛ حمارٍ، أوْ شاةٍ، أوْ طيرٍ فتفتضُّ بهِ، فقلما تفتضُّ بشيءٍ إلا ماتَ، ثمَّ تخرجُ فتعطى بعرةً، فترمي بها، ثمَّ تراجعُ بعدُ ما شاءتْ منْ طيبٍ أوْ غيرِهِ. رواه البخاري في مواضع، وهو بهذا السياق في كتاب الطلاق، باب: تحد المتوفَّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا (3/420) برقم (5334، 5335، 5336، 5337).
ورواه مسلم (2/1123 ـ 1125) برقم (1486)، وفي رواية له (2/1127) برقم (1490) عن حفصة رضي الله عنها، زاد: «فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا».
2ـ وعنْ أمِّ عطيةَ رضي اللهُ عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلِاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلِاَّ ثَوْبَ عَصبٍ، وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ مِنْ نبذةٍ مِنْ قسطٍ أوْ أظفارٍ». رواه البخاري في كتاب الطلاق، باب: القسط للحادة عند الطهر (3/421) برقم (5341)، ورواه مسلم برقم (938) واللفظ له، وزاد أبو داود (2/292)، باب: فيما تجتنبه المعتدة في عدتها: «ولا تختطب». وزاد النسائي (6/203) برقم (3534): «ولا تمتشط».
3ـ عنْ عبيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عتبةَ: أنَّ أباهُ كتبَ إلى عمرَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الأرقمِ الزهريِّ يأمرهُ أنْ يدخلَ على سبيعةَ بنتِ الحارثِ الأسلميةِ، فيسألها عنْ حديثها وعنْ ما قالَ لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حينَ استفتتهُ، فكتبَ عمرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الأرقمِ إلى عبدِ اللهِ بنِ عتبةَ يخبرُهُ أنَّ سبيعةَ بنتَ الحارثِ أخبرتهُ: أنها كانتْ تحتَ سعدٍ ابنِ خولةَ، وهوَ منْ بني عامرِ بنِ لؤيٍّ، وكانَ ممنْ شهدَ بدرًا، فتوفي عنها في حجةِ الوداعِ وهي حاملٌ، فلمْ تنشبْ أنْ وضعتْ حملها بعدَ وفاتِهِ، فلما تعلتْ منْ نفاسِها تجمَّلتْ للخطَّابِ، فدخلَ عليها أبو السنابلِ بنُ بعككٍ رجلٌ منْ بني عبدِ الدارِ، فقالَ لها: ما لي أراكِ تجملتِ للخطَّابِ، ترجينَ النكاحَ؟! فإنكِ واللهِ ما أنتِ بناكح حتى تمرَّ عليكِ أربعة أشهرٍ وعشرٌ، قالتْ سبيعةُ: «فلما قالَ لي ذلكَ جمعتُ عليَّ ثيابي حينَ أمسيتُ، وأتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فسألتهُ عنْ ذلكَ، فأفتاني بأني قدْ حللتُ حينَ وضعتُ حملي، وأمرني بالتزوجِ إنْ بدا لي». رواه البخاري في المغازي، باب: فضل من شهد بدرًا (3/90) برقم (3991)، ومسلم (2/1122) برقم (1484).
4ـ قالَ البخاريُّ: حدثني إسحاقُ بنُ منصورٍ، أخبرنا روحُ بنُ عبادةَ، حدثنا شبلٌ، عنِ ابنِ أبي نجيحٍ، عنْ مجاهدٍ: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ [البقرة: 234]، قالَ: كانتْ هذهِ العدةُ تعتدُّ عندَ أهلِ زوجِها واجبًا، فأنزلَ اللهُ: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: 240]، قالَ: جعلَ اللهُ لها تمامَ السنةِ سبعةَ أشهرٍ وعشرينَ ليلةً وصيةً؛ إنْ شاءتْ سكنتْ في وصيتِها، وإنْ شاءتْ خرجتْ، وهوَ قولُ اللهِ تعالى: ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾، فالعدةُ كما هي واجبٌ عليها، زعمَ ذلكَ عنْ مجاهدٍ. رواه البخاري في كتاب الطلاق، باب: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [سورة البقرة: الآية 234] (3/422)، برقم (5344).
5ـ عنْ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ -رضي اللهُ عنهما- قالَ: طلقتْ خالتي، فأرادتْ أنْ تجدَّ نخلها، فزجرَها رجلٌ أنْ تخرجَ، فأتتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: «بَلَى، فَجُدي نَخْلَكِ؛ فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا». رواه مسلم (2/1121) برقم (1483).
ثانيًا: أحاديثُ الكتبِ التسعةِ سوى الصحيحينِ:
1ـ عنْ أمِّ سلمةَ رضي اللهُ عنها عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «المتوفَّى عنها زوجُها لا تلبسُ المعصفرَ منَ الثيابِ، ولا الممشقةَ ولا الحلي، ولا تختضبُ، ولا تكتحلُ». رواه الإمام أحمد (6/302)، وأبو داود (2/292) واللفظ لهما، ورواه النسائي (6/203 ) برقم (3535) دون قوله: «ولا الحلي»، وقد ضعف ابن حزم الحديث؛ فقال في المحلى (10/277): «ولا يصح؛ لأن إبراهيم بن طهمان ضعيف». وقد استنكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (5/708 -709) تضعيف الحديث بإبراهيم؛ فقال: «ولا يحفظ عن أحد من المحدثين قط تعليل حديث رواه ولا تضعيفه». وهذا الإطلاق من العلامة ابن القيم في نفي عدم تعليل وتضعيف المحدثين ما رواه ابن طهمان يحتاج إلى تأمل وتحرير؛ فقد قال ابن حبان: قد تفرد عن الثقات بأشياء معضلات، كما نقله الألباني في «تحذير الساجد»، بل قال فيه ابنُ عمار الموصلي: ضعيف الحديث مضطرب الحديث، فإطلاق ضعف حديثه وإن كان فيه نظر، إلا أنه كما قال الحافظ في التقريب: ثقة يغرب – وهو الذي تفرد بحديث: «إن في مسجد الخيف قبر سبعين نبيًّا». ا هـ «تحذير الساجد».
2ـ عنْ أسماءَ بنتِ عميسٍ، أنها قالتْ: لما أصيبَ جعفرُ بنُ أبي طالبٍ أمرني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: «تسلَّبي ثلاثًا، ثمَّ اصنعي بعدُ ما شئتِ». رواه الإمام أحمد (6/369، 438)، بلفظ: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر، فقال: «لا تحدِّي بعد يومك هذا»، ورواه ابن حبان (الإحسان) واللفظ له (7/418)، برقم (3148)، والبيهقي (7/438)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/75)، والطبراني في الكبير (24/193) برقم (369)، بلفظ: «تسكني ثلاثًا». وقد ذكر أهل العلم لهذا الحديث علتين: هما الشذوذ والانقطاع، وسيأتي بسط ذلك إن شاء الله.
3- عنْ أمِّ حكيمٍ بنتِ أسيدٍ، عنْ أمِّها: أنَّ زوجَها توفي وكانتْ تشتكي عينيها فتكتحلُ بالجلاءِ - قالَ أحمدُ هو أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل. (أحدُ الرواةِ): والصوابُ بكحلِ الجلاءِ - فأرسلتْ مولاة لها إلى أمِّ سلمةَ، فسألتها عنْ كحلِ الجلاءِ، فقالتْ: لا تكتحلي بهِ، إلا منْ أمرٍ لا بدَّ منهُ يشتدُّ عليكِ، فتكتحلينَ بالليلِ وتمسحينَهُ بالنهارِ، ثمَّ قالتْ عندَ ذلكَ أمُّ سلمةَ: دخلَ عليَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حينَ توفي أبو سلمةَ، وقدْ جعلتُ على عيني صبرًا، فقالَ: «ما هذا يا أمَّ سلمةَ؟» فقلتْ: إنما هوَ صبرٌ يا رسولَ اللهِ، ليسَ فيهِ طِيبٌ، قالَ: «إنهُ يشبُّ الوجهَ، فلا تجعليهِ إلا بالليلِ وتنزعيهِ بالنهارِ، ولا تمتشطي بالطِّيبِ ولا بالحناءِ؛ فإنهُ خضابٌ». قالتْ: بأيِّ شيءٍ أمتشطُ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: «بالسدرِ، تغلفينَ بهِ رأسكَ». رواه أبو داود واللفظ له (2/728)، باب: ما تجتنبه المعتدة في عدتها، ورواه النسائي (6/204 ) برقم (3537)، وقد صحح الحديث ابن عبد البر في التمهيد 17/318، وحسنه ابن القيم في زاد المعاد 5/703، والحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ص204، وضعفه عبد الحق كما ذكر ذلك الزيلعي في نصب الراية 3/261.
4 ـ عنْ علقمةَ والأسودِ قالا: أتي عبدُ اللهِ في رجلٍ تزوجَ امرأةً، ولمْ يفرضْ لها قبلَ أنْ يدخلَ بها، فقالَ عبدُ اللهِ: سلوا هلْ تجدونَ فيها أثرًا، قالوا: يا أبا عبدِ الرحمنِ ما نجدُ فيها –يعني أثرًا– قالَ: أقولُ برأيي، فإنْ كانَ صوابًا فمنَ اللهِ: لها كمهرِ نسائها، لا وكس ولا شططٌ، ولها الميراثُ، وعليها العدةُ، فقامَ رجلٌ منْ أشجع، فقالَ: في مثلِ هذا قضى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فينا في امرأةٍ يقالُ لها: بروعُ بنتُ واشقٍ، تزوجتْ رجلًا فماتَ قبلَ أنْ يدخلَ بها، فقضى لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بمثلِ صداقِ نسائها، ولها الميراثُ وعليها العدةُ، فرفعَ عبدُ اللهِ يديهِ وكبَّرَ. رواه النسائي واللفظ له (6/121) برقم (3354)، وأبو داود (2/588) والترمذي (3/441)، وابن ماجه (1/60) برقم (1891)، والإمام أحمد (3/480)، وابن حبان (الإحسان) (9/409) برقم (4100)، والحاكم في المستدرك (2/180)، وقال بعد سرد رواياته 2/181: «فصار الحديث صحيحًا على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي، وقال الألباني في إرواء الغليل 6/359: «هو كما قالا». قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير 3/191: «وصححه ابن مهدي والترمذي، وقال ابن حزم: لا مغمز فيه لصحة إسناده، والبيهقي في الخلافيات». وقال شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: «إسناده لا بأس به».
5 ـ عنْ مالكٍ، أنهُ بلغهُ أنَّ أمَّ سلمةَ زوجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالتْ لامرأةٍ حادٍّ على زوجها، اشتكتْ عينيها، فبلغَ ذلكَ منها: «اكتحلي بكحلِ الجلاءِ بالليلِ، وامسحيهِ بالنهارِ». الموطأ (2/598) برقم (105).
6 ـ عنْ مالكِ بنِ يحيى بنِ سعيدٍ، قالَ: بلغني أنَّ السائبَ بنَ خبابٍ توفي، وأنَّ امرأتَهُ جاءتْ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ وذكرتْ لهُ وفاةَ زوجها، وذكرتْ لهُ حرثًا لهمْ بقناةٍ، وسألتهُ: هلْ يصلحُ لها أنْ تبيتَ فيهِ؟ فنهاها عنْ ذلكَ، فكانتْ تخرجُ منَ المدينةِ بسحر، فتصبحُ في حرثهمْ، فتظلُّ فيهِ يومَها، ثمَّ تدخلُ المدينةَ إذا أمستْ، فتبيتُ في بيتها». رواه مالك في الموطأ (2/592) برقم (88). وقد ضعفه الألباني لانقطاع سنده، إرواء الغليل 7/212.
7 ـ عنْ زينبَ بنتِ كعبِ بنِ عجرةَ، عنِ الفريعةِ بنتِ مالكِ بنِ سنانَ –وهي أختُ أبي سعيدٍ الخدريِّ– أخبرتها أنها جاءتْ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تسألهُ أنْ ترجعَ إلى أهلِها في بني خدرةَ؛ فإنَّ زوجها خرجَ في طلبِ أعبدٍ لهُ أبقوا حتى إذا كانوا بطرفِ القدومِ لحقهمْ فقتلوهُ، فسألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أرجعَ إلى أهلي؛ فإني لمْ يتركني في مسكنٍ يملكُهُ ولا نفقةٍ، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «نعمْ»، قالتْ: فخرجتُ حتى إذا كنتُ في الحجرةِ أوِ المسجدِ دعاني، أوْ أمرَ بي فدعيتُ لهُ، فقالَ: «كيفَ قلتِ؟» فرددتُ عليهِ القصةَ التي ذكرتُ منْ شأنِ زوجي، قالتْ: فقالَ: «امكثي في بيتكِ حتى يبلغَ الكتابُ أجلَهُ»، قالتْ: فاعتددتُ فيهِ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، قالتْ: فلما كانَ عثمانُ بنُ عفانَ أرسلَ إليَّ فسألني عنْ ذلكَ، فأخبرتُهُ، فاتبعهُ وقضى بهِ. رواه أبو داود واللفظ له (2/723)، والترمذي (3/499 ـ 500) وقال: (حسن صحيح )، والنسائي (6/199) برقم (3529)، وبلفظ: «اعتدي حيث بلغك الخبر»، وفي لفظ آخر له أيضًا برقم (3530): «امكثي في أهلك حتى يبلغ الكتاب أجله»، وابن ماجه (1/654) برقم (203) وفيه: «امكثي بيتك الذي جاء فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله». ورواه الإمام أحمد في مسنده (6/370، 420، 421) بلفظ قريب من لفظ ابن ماجه.
وقد صححه الترمذي كما تقدم، والحاكم ووافقه الذهبي، كما في المستدرك (2/208)، ذكره ابن حبان في صحيحه، انظر الإحسان (10/128-129) برقم (4292)، وذكر ذلك الحاكم أيضًا في المستدرك 2/208، ونقل الحافظ ابن حجر في الدراية 2/80 تصحيحه عن الذهبي، وصححه ابن عبد البر في التمهيد 21/31، وابن القيم في زاد المعاد 5/680، والصنعاني في سبل السلام 6/419، وأعله ابن حزم في المحلى 10/32 بجهالة زينب وبأن سعد بن إسحاق غير مشهور بالعدالة، وتابعه على ذلك عبد الحق، كما قال الحافظ في تلخيص الحبير 3/240، وضعفه الألباني أيضًا في إرواء الغليل (7/206-207)، وقد أجاب ابن القيم رحمه الله عن علة جهالة زينب رحمها الله فقال في زاد المعاد 5/681: «فهذه امرأة تابعية كانت تحت صحابي، وروى عنها الثقات، ولم يطعن فيها بحرف، واحتج الأئمة بحديثها وصححوه». وقال الحافظ عن هذه العلة في تلخيص الحبير 3/240: «زينب وثقها الترمذي»، وقد وثقها ابن حبان في الثقات 4/271، واحتج بها مالك كما في الموطأ في كتاب الطلاق، باب: مقام المتوفَّى عنها زوجها في بيتها حتى تحل ص405 برقم: (125)، وأما سعد فقد قال الحافظ في تلخيص الحبير 3/240: «وثقه النسائي وابن حبان»، فالراجح أن الحديث ثابت مُحتج به.
8 ـ عنْ أبيِّ بنِ كعبٍ رضي الله عنه، أنَّهُ سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عنْ قولِهِ: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾، فقالَ صلى الله عليه وسلم: «هي للمطلقةِ ثلاثًا وللمتوفَّى عنها». رواه أحمد 5/116، والطبري في تفسيره 14/28/143، وفي رواية أحمد المثنى بن الصباح وهو ضعيف، وفي رواية الطبري من طريق ابن لهيعة وهو متكلم فيه، وطريقه الثانية فيها عبد الكريم بن أبي مخارق وهو ضعيف، ولم يدرك أُبَيًّا، كما قال الزيلعي في نصب الراية 3/256. وقد ضعف الحديث ابن كثير رحمه الله في تفسيره 8/178، والألباني في إرواء الغليل 7/196. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الدراية ص 78: «ويقوي قول ابن مسعود ما جاء عن أبي بن كعب -إن ثبت عنه-».
ثالثًا: ما سوى الكتبِ التسعةِ:
1ـ عنْ عليٍّ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ المتوفَّى عنها أنْ تعتدَّ في غيرِ بيتها إنْ شاءتْ. رواه الدارقطني (3/266): وقال: لم يسنده غير أبي مالك النخعي وهو ضعيف، ومحبوب ضعيف أيضًا.
2ـ عنْ مجاهدٍ، قالَ: استشهدَ رجالٌ يومَ أحدٍ، فجاءَ نساؤهمْ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقلنَ: إنَّا نستوحشُ بالليلِ، فنبيتُ عندَ إحدانا، فإذا أصبحنا تبادرْنا إلى بيوتِنا؟ فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «تحدثنَ عندَ إحداكنَّ ما بدا لكنَّ، فإذا أردتنَّ النومَ، فلتأتِ كلُّ امرأةٍ منكنَّ إلى بيتِها». رواه البيهقي في السنن الكبرى (7/436)، ومعرفة السنن (11/218)، وعبد الرزاق في المصنف (7/36). وفي إسناد البيهقي عبد المعين بن عبد العزيز بن أبي رواد، قال عنه الحافظ في التقريب ص 361: «صدوق يخطئ»، ورجال إسناد عبد الرزاق كلهم موثقون إلا أنه مرسل، ولذا ضعفه الألباني في إرواء الغليل (7/211)، وعندي أن هذا المرسل يعتضد بحديث الفريعة، فيستأنس به والله أعلم.
3 ـ عنْ أمِّ سلمةَ رضي اللهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى المعتدةَ أنْ تختضبَ بالحناءِ؛ فإنَّ الحناءَ طيبٌ. وفي لفظٍ آخرَ: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم المعتدةَ عنِ التكحلِ والدهنِ والخضابِ والحناءِ. عزاه السروجي للنسائي، قال الحافظ ابن حجر: «وروى النسائي بلفظ: نهي المعتدة عن الكحل والدهن والخضاب بالحناء، وقال: «الحناء طيب»، كذا عزاه السروجي في الغاية ولم أجده فليتأمل» الدراية 2/79، وقد وهَّم الزيلعيُّ السروجيَّ في هذا العزو، فقال في نصب الراية 3/261: «وعزاه للنسائي ولفظه –وذكر لفظ الحديث– وهو وهم منه». وقد ذكر محقق معرفة السنن في 7/168 أن ابن التركماني عزاه لابن عبد البر في التمهيد وللبيهقي في المعرفة بلفظ: «لا تطيبي وأنت محدة، ولا تمسي الحناء؛ فإنه طيب»، وقد راجعت معرفة السنن زمنًا طويلًا، المطبوع منه والمخطوط، لكني لم أجده بلفظ المحدة أو المعتدة، بل هو موجود بلفظ: «لا تطيبي وأنت محرمة، ولا تمسي الحناء؛ فإنه طيب» معرفة السنن 7/168، والذي يظهر -والعلم عند الله- أن هناك تصحيفًا لكلمة (محرمة) فجعلها بعضهم (محدة) وبعضهم (معتدة)، وبهذا يرتفع الإشكال. وقد قال البيهقي في معرفة السنن 7/168 عن حديث نهي المُحْرِمَة عن الطِّيب: «وهذا إسناد ضعيف؛ ابن لهيعة غير محتج به». وقال التهانوي عن حديث نهي المعتدة عن الطِّيب والحناء في إعلاء السنن 11/265: «قال بعض الناس: فالحاصل أن الحديث لم يثبت».
4 - عن عمرو بن شعيب، قال: «رخَّص رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم للمرأةِ أن تحدَّ على زوجها حتى تنقضيَ عِدتها، وعلى أبيها سبعةَ أيامٍ، وعلى مَنْ سواهما ثلاثةَ أيامٍ». رواه أبو داود في مراسيله ص 295، قال عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري 9/486: «مرسل أو معضل»، وهو شاذ أيضًا؛ إذ إنه مخالف لما رواه الثقات، فلا يعتمد عليه.