المسألة الأولى: البطاقات التخفيضية العامة:
وهي البطاقات التخفيضية التي يستفيد منها المستهلك في الحسم من أسعار السلع والخدمات لدى جهات تجارية عديدة.
الفرع الأول: أطرافها:
هذا النوع من البطاقات التخفيضية العامة له ثلاثة أطراف:
الطرف الأول: جهة الإصدار:
وهي الجهة القائمة على برنامج التخفيض والمنظّمة له، حيث تقوم بإصدار البطاقات التخفيضية، مع الجهات التجارية المشاركة في برنامج التخفيض، ومتابعتها في الوفاء بما تعهدت به من تخفيض على سلعها وخدماتها. وهذه الجهة غالبًا ما تكون إحدى شركات الدعاية والإعلان، أو السفر والسياحة.
الطرف الثاني: جهة التخفيض:
وهي الجهة التجارية المشاركة في برنامج التخفيض، والتي تلتزم بتقديم نسبة تخفيضية من أسعار سلعها أو خدماتها لحاملي بطاقة التخفيض.
الطرف الثالث: المستهلك أو العميل:
وهو المستهلك حامل البطاقة التخفيضية المستفيد منها في حسم أسعار السلع والخدمات لدى جهات التخفيض المشاركة في برنامج التخفيض.
الفرع الثاني: واقع العلاقة بين أطرافها:
أولًا: العلاقة بين جهة الإصدار وجهة التخفيض:
تتلخص العلاقة بين هذين الطرفين فيما يلي:
1- تقوم جهة الإصدار بالتنسيق مع جهة التخفيض، والاتفاق معها على منح المستهلك المشترك في برنامج التخفيض حسمًا متفقًا على نسبته من أسعار السلع والخدمات.
2- تقوم جهة الإصدار بإعداد دليل يسمى دليل التخفيضات، يُعلَن فيه اسم جهة التخفيض، وعنوانها، ورقم الهاتف، ونسبة التخفيض، وغير ذلك من المعلومات التي يحتاج إليها المستهلك. وذلك مقابل أمرين:
أ- رسم واشتراك سنوي أو نسبة متفق عليها من ثمن كل بيع يكون لجهة الإصدار أثر فيه.
ب- نسبة تخفيضية لكل مستهلك يحمل بطاقة تخفيضية تابعة لجهة الإصدار.
3- تلتزم جهة التخفيض بنسبة الحسم المتفق عليها لكل عميل يشتري سلعة أو خدمة منها، وفي حال عدم وفاء جهة التخفيض بذلك يحق لجهة الإصدار مطالبتها بنسبة التخفيض عند الجهات المختصة.
ثانيًا: العلاقة بين جهة الإصدار والمستهلك:
1- تقوم جهة الإصدار بتزويد المستهلك المشترك في برنامج التخفيض ببطاقة يكتب عليها اسم المستهلك، ومدة صلاحية البطاقة، كما أنها تحمل اسم الجهة المصدِرة، أو اسم البطاقة. وذلك مقابل رسم أو اشتراك سنوي يتراوح بين 100 ريال و500 ريال، أو يزيد قليلًا، وذلك حسب قوة البطاقة ومكانتها.
2- تُعِدُّ جهة الإصدار كُتيبًا يسمى دليل الخدمات أو التخفيضات، يحتوي على أسماء جهات التخفيض المشاركة في برنامج التخفيض، وبيانات تتعلق بها من حيث العنوان، ونسبة التخفيض، ونحو ذلك من المعلومات.
3- تقوم جهة الإصدار بمتابعة جهات التخفيض في الوفاء، بما تعهدت به من تخفيضات، وحلّ ما ينشأ من مشكلات بين المستهلك وجهات التخفيض، وفي بعض أنواع البطاقات تلتزم جهة الإصدار بدفع نسبة التخفيض للمستهلك إذا لم تفِ جهة التخفيض بما تعهدت به من حسم.
ثالثًا: العلاقة بين المستهلك وجهة التخفيض:
الصلة بين هذين الطرفين هي غاية هذه المعاملة ومقصودها؛ وتتلخص العلاقة بينهما في أن المستهلك إذا قدّم بطاقة التخفيض إلى جهة التخفيض المشاركة في برنامج هذه البطاقة حصّل حسمًا من أسعار السلع والخدمات التي يشتريها من هذه الجهة.
الفرع الثالث: التخريج الفقهي للعلاقة بين هذه الأطراف:
بعد هذا العرض لواقع العلاقة بين أطراف هذا النوع من البطاقات التخفيضية يتبين أنها معاملة مركبة من أكثر من عقد، فيحتاج في تخريجها إلى النظر في كل علاقة من العلاقات التي بين أطراف هذه البطاقة على حِدة.
أولًا: التخريج الفقهي للعلاقة بين جهة الإصدار وجهة التخفيض:
هذه العلاقة يختلف تخريجها الفقهي بناء على صفة الاتفاق بين الطرفين، وهو على نوعين:
النوع الأول: أن يكون الاتفاق على مبلغ مقطوع:
وصورة هذا أن تدفع جهة التخفيض رسمًا أو اشتراكًا سنويًّا لجهة الإصدار، إضافة إلى نسبة تخفيضية على أسعار سلع وخدمات جهة التخفيض لمن يحمل بطاقة تخفيض تابعة لجهة الإصدار، وذلك مقابل ما تقوم به جهة الإصدار من أعمال، فالعقد في هذه الحال يخرّج على أنه عقد إجارة مقدرة بالزمن، يكون المستأجر فيها جهة التخفيض، والمؤجر جهة الإصدار، والمنفعة المعقود عليها هي تسويق جهة الإصدار لجهة التخفيض بالإعلان عنها في دليل التخفيضات، والدلالة على مكانها، ونوع نشاطها، ورقم الاتصال بها، وما أشبه ذلك، وكذلك الترويج لها من خلال الدعاية لبطاقة التخفيض التي هي الوصلة التي يصل بها المستهلك إلى جهة التخفيض.
والأجير في هذا العقد، وهو جهة الإصدار، أجير مشترك؛ إذ إنها تعمل لجهات تخفيضية عديدة، فليس عملها لواحد، بل تعمل لغير ما واحد، وما كان كذلك فإنه يسمى أجيرًا مشتركًاينظر: حاشية ابن عابدين (6/64)، المقدمات والممهدات (2/245)، نهاية المحتاج (5/311)، الشرح الكبير لابن قدامة (14/475). فيجب أن تكون الأجرة معلومة لا جهالة فيها ولا غررينظر: الفتاوى الهندية (4/411)، عقد الجواهر الثمينة (2/836 - 837)، العزيز شرح الوجيز (6/84)، الكافي لابن قدامة (2/212)، المحلى (8/203.
والأجرة في هذا العقد قسمان:
القسم الأول: رسم أو اشتراك سنوي، وهذا معلوم لا حرج فيه.
القسم الثاني: نسبة تخفيضية تعطى للمستهلك؛ مقابل استعماله بطاقة جهة الإصدار عند الشراء. وهذا القسم من الأجرة يخرّج على حكم كون الأجرة نسبة هي جزء مشاع من عمل الأجير. وفي صحة كون الأجرة كذلك قولان لأهل العلم:
القول الأول: أنها تجوز.
وهو قول بعض المالكيةينظر: المعيار المعرب (8/224). ، ومذهب الحنابلةينظر: كشاف القناع (4/11)، مطالب أولي النهى (3/612). ، وقول ابن حزم من الظاهريةينظر: المحلى (8/198 - 199)..
القول الثاني: أنها لا تجوز.
هو مذهب الحنفيةينظر: الفتاوى الهندية (4/450)، حاشية ابن عابدين (6/63). ، والمالكيةينظر: المدونة الكبرى (4/411، 410)، البيان والتحصيل (8/464). ، والشافعيةينظر: روضة الطالبين (4/301)، مغني المحتاج (2/335). .
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر، أو زرعرواه البخاري في كتاب الحرث والمزارعة - باب المزارعة بالشطر ونحوه -، رقم (2328)، (2/154)، ومسلم في كتاب المساقاة-باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع-، رقم (1151)، (3/1186)، وهو من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -. .
وجه الدلالة: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر ببعض ما يخرج منها، وهذا هو معنى إجارتها ببعض الخارج منهاينظر: مجموع الفتاوى (3/123، 111)، كشاف القناع (3/526). ، فدلّ ذلك على جواز أن تكون الأجرة نسبة مما عمل فيه الأجير.
أدلة القول الثاني:
احتج القائلون بالمنع بأن من شروط الإجارة العلم بالأجرةينظر: تبيين الحقائق (5/105)، البهجة في شرح التحفة (2/340)، حاشية قليوبي وعميرة (3/68)، مطالب أولي النهى (3/587).، فإذا كانت الأجرة جزءًا مشاعًا من ناتج عمل الأجير فإنها تكون حينئذ مجهولةينظر: البيان والتحصيل (8/464)، المعيار المعرب (8/223 - 225)، المغني (8/327 - 328). .
المناقشة:
نوقش هذا الدليل بأن الجهالة في هذه الصورة شبيهة بالجهالة التي في معاملة النبي- صلى الله عليه وسلم- لأهل خيبر بجزء مشاع من ناتج عملهم، فلما لم تكن الجهالة مؤثرة في تلك المعاملة، فهي هنا غير مؤثرة أيضًاينظر: المغني (7/116)، الشرح الكبير لابن قدامة (14/296)..
ويمكن أن يقال: إن الجهالة التي تفسد العقد هي ما كان يفضي إلى التنازع والاختلافينظر: الشرح الكبير لابن قدامة (14/48). ، وتقدير الأجرة بنسبة من ناتج عمل الأجير لا يفضي إلى ذلك، بل هو أقرب إلى العدل والتراضي.
الترجيح:
الأقرب إلى الصواب من هذين القولين هو القول الأول؛ لقوة ما احتجوا به، وسلامته من المناقشة، والله أعلم بالصواب.
المناقشة لهذا التخريج:
يناقش هذا التخريج بأن في الأجرة جهالة وغررًا، فجهالة الأجرة في هذا العقد جهالة كبيرة؛ فإنها قد تحصل وقد لا تحصل؛ إذ البيع الذي يكون التخفيض من ثمنه لا يعلم حصوله، وإن حصل فلا يعلم مقداره، وما كان كذلك فإنّه لا يجوز حتى على القول بجواز كون الأجرة جزءًا مشاعًا من عمل الأجير؛ فإن الصور التي ذكرها القائلون بجواز كون الأجرة جزءًا مشاعًا من عمل الأجير المؤثر في قدر الأجرة فيها هو عمل الأجير، بينما عمل الأجير في هذه الصورة من بطاقات التخفيض ليس هو العامل المؤثر؛ إذ إن المستهلك له أثر كبير، فالإجارة إجارة فاسدة.
النوع الثاني: إذا كان الاتفاق بالنسبة:
وصورة هذا أن تتعاقد جهة التخفيض مع جهة الإصدار على أن تدفع جهة التخفيض نسبة متفقًا عليها من ثمن المبيعات التي استعملت فيها بطاقة التخفيض التابعة لجهة الإصدار.
فالعقد في هذه الحال يمكن تخريجه على ما يلي:
التخريج الأول: أنه عقد جعالة:
وجه هذا التخريج أن عوض العمل فيه غير مستحق للعامل إلا بعد تمام العمل، وهو شراء المستهلك الحامل لبطاقة التخفيض من جهة التخفيض. فحقيقة العقد أن جهة التخفيض جعلت نسبة من ثمن المبيعات التي يكون لجهة الإصدار أثر فيها، فإذا تم البيع استحقت جهة الإصدار الجُعل وإلا فلا، على أن يكون ذلك خلال مدة زمنية متفق عليها.
المناقشة:
يناقش هذا التخريج بثلاثة أمور هي:
1- أن العقد في هذه البطاقات التخفيضية عقد لازم، والجعالة عقد جائز عند جميع القائلين بهاينظر: الفروق للقرافي (4/13)، المنثور في القواعد (2/398)، قواعد ابن رجب ص (110). . فلا يصح تخريج هذه المعاملة على الجعالة؛ لكون ذلك يصيّر العقد الجائز لازمًا، وفي هذا ضرر على المتعاقدين أو أحدهما؛ لأنه يجتمع في العقد الجهالة بتحصيل المقصود واللزوم وهما متنافيانينظر: المقدمات والممهدات (2/179)، الفروق للقرافي (4/13).
2- أن هذا العقد مؤقت له مدة معلومة، والجعالة يشترط لصحتها عند المالكيةينظر: البهجة في شرح التحفة (2/358)، حاشية الدسوقي (2/62). ، والشافعيةينظر: العزيز شرح الوجيز (6/203 - 204)، حاشية البجيرمي على الخطيب (3/186). عدم تأقيت العمل بوقت محدد.
وذهب الحنابلةينظر: التوضيح للشويكي (2/806)، نيل المآرب شرح دليل الطالب (1/465) إلى صحة كون الجعالة مؤقتة، فلا يعد ذلك مشكلًا على هذا التخريج عندهم.
3- أن في الجُعل جهالة، والعلم بالجعل شرط لصحة العقد عند المالكيةينظر: التفريع (2/190)، حاشية الدسوقي (3/60). ، والشافعيةينظر: المهذب (3/571)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (2/21). ، والحنابلةينظر: شرح منتهى الإرادات (2/372). ، فتكون على هذا جعالة فاسدة.
الإجابة:
يجاب عن هذا بأن الجهالة هنا ليست جهالة مؤثرة، فهي نظير ما صححه الحنابلة فيما لو قال الجاعل: من ردّ ضالتي فله ثلثهاينظر: الإنصاف (6/391). .
المناقشة:
يناقش هذا بأن الحنابلة صححوا هذه الصورة؛ لكون الجهالة فيها يسيرة، فالضالة يمكن تقدير قيمتها، وبذلك يمكن تقدير الجعل؛ ولذلك فإن الشافعية نصوا على صحة ما لو قال الجاعل: من ردّ رقيقي مثلًا فله ثيابه أو رُبْعُه إذا كان يعلم المشروطينظر: مغني المحتاج (2/431)، حاشية قليوبي وعميرة (3/132)..
أما الجعل في هذه الصورة من الحوافز الترغيبية فهو مجهول جهالة تامة؛ إذ إن قدر المبيعات التي يكون لجهة الإصدار أثر فيها مجهولة ويتعذر توقعها. ثم إن الصورة المنظّر بها لم يصححها بعض الحنابلةينظر: المغني (8/328). وفاقًا للمالكيةينظر: العزيز شرح الوجيز (6/87)، حاشية قليوبي وعميرة (3/131). ، والشافعيةينظر: المغني (8/328). ؛ لجهالة الجعل.
التخريج الثاني: أنه عقد إجارة:
وجه هذا أن العقد في هذه الصورة عقد على منفعة مدة معلومة بنسبة من ثمن مبيعات جهة التخفيض للمستهلك الذي يحمل بطاقة جهة الإصدار التخفيضية.
ما يترتب على هذا التخريج:
يترتب على هذا التخريج عدم جواز هذا النوع من بطاقات التخفيض؛ لأن عقدها عقد إجارة فاسدة؛ لجهالة الأجرة، حيث إنها نسبة تحطها جهة التخفيض من ثمن كل بيع لمستهلك يكون لجهة الإصدار أثر في شرائه من جهة التخفيض أو تسبب، والأجرة يشترط فيها أن تكون معلومة. كما أن المنفعة مجهولة الحصول، فقد تحصل وقد لا تحصل.
ثانيًا: التخريج الفقهي للعلاقة بين جهة الإصدار والمستهلك:
العلاقة بين هذين الطرفين يمكن تخريجها على أنها عقد إجارة مقدرة بزمن يكون المستهلك فيه مستأجرًا، وجهة الإصدار مؤجرًا، وتكون المنفعة المعقود عليها الحط من أسعار سلع وخدمات جهات التخفيض، ومتابعتها في ذلك، وإصدار بطاقة لكل مستهلك يشارك في برنامج التخفيض، وتزويده بدليل يشتمل على الشركات والمؤسسات والمحلات التجارية المشاركة في برنامج التخفيض.
ما يترتب على هذا التخريج:
يترتب على هذا التخريج عدم جواز هذا العقد؛ لأنه إجارة فاسدة لما يلي:
أولًا: الجهالة في المنفعة المعقود عليها، فلا يعلم قدر التخفيض الذي يحصله المستهلك، فقد تكون مشترياته كثيرة، فتكون نسبة التخفيض كبيرة، وقد تكون مشترياته قليلة، فتكون نسبة التخفيض قليلة. وجهالة المعقود عليه في الإجارة يصيّرها إجارة فاسدةينظر: بدائع الصنائع (4/181، 179)، الذخيرة للقرافي (5/415)، مغني المحتاج (2/339)، الإقناع للحجاوي (2/283). .
ثانيًا: عدم القدرة على تسليم المنفعة؛ لكون المنفعة عند غير المؤجر، فالمنفعة إنما تُستوفى من جهة التخفيض، لا من جهة الإصدار، وهذا يفضي إلى المنازعة التي تمنع صحة العقد؛ لتخلّف المقصود من العقدينظر: بدائع الصنائع (4/180)، بلغة السالك (3/120)، العزيز شرح الوجيز (6/88)، منتهى الإرادات (1/479). ، فتكون على هذا إجارة فاسدة.
ثالثًا: التخريج الفقهي للعلاقة بين جهة التخفيض والمستهلك:
جهة التخفيض هي مكان استيفاء المنفعة المعقود عليها بين المستهلك وجهة الإصدار، فالمستهلك إنما يحصّل منفعة التخفيض من الأسعار إذا اشترى من جهة التخفيض. ومن حيث الواقع فإن المستهلك لا يملك أن يلزم جهة التخفيض بمنحه تخفيضًا من أسعار السلع والخدمات، وغاية ما يمكنه في هذه الحال أن يراجع جهة الإصدار، وعلى هذا فإن العلاقة بين هذين الطرفين علاقة بائع بمشترٍ.
الفرع الرابع: حكمها:
بعد الوقوف على طبيعة وواقع العلاقة بين أطراف هذه البطاقة يتبين أنها مشتملة على عدة محاذير شرعية تنظمها في سلك المعاملات المحرمة. ويتضح ذلك بما يلي:
أولًا: أن هذا النوع من البطاقات التخفيضية فيه جهالة وغرر كبيران في جميع أطرافها؛ إذ لا يعلم حصول المقصود من العقد، ولا تُعرف حقيقته ومقداره، فالمشاركون في برنامج هذا النوع من بطاقات التخفيض تدور حالهم بين الغرم والغنم الناشئين عن المخاطرة، والغرر المحض، فهي داخلة في الميسر المحرم المذكور في قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ سورة المائدة، آيتا: (90 - 91). .
وهي أيضًا داخلة في نهي النبي- صلى الله عليه وسلم- عن بيع الغرر؛ إذ إن الإجارة بيع منفعةينظر: ملتقى الأبحر (2/157).، فلا يجوز فيها الغرر.
وممن قال بتحريم هذا النوع من بطاقات التخفيض اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية، وذلك ((لما يشتمل عليه من الغرر والمقامرة))، وقد صدر عن اللجنة عدة فتاوى حول بطاقات التخفيض تتفق كلها على تحريم هذه البطاقات. وممن ذهب إلى تحريم هذه البطاقات شيخنا العلامة محمد الصالح العثيمين، فقال في جواب له عن هذه البطاقات التخفيضية: ((الذي يظهر لي تحريم هذه الطريقة؛ وذلك لأنها تدخل تحت قاعدة الميسر؛ إما غانم، وإما غارم)).
ثانيًا: أن في هذه المعاملة أكلًا للمال بالباطل، فجهة الإصدار تتقاضى رسمًا أو اشتراكًا سنويًّا من المستهلك، ومن جهة التخفيض في بعض الصور، دون أن تقوم بعمل في مقابل ذلك، والله- تعالى- قد نهى عن ذلك، فقال: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ سورة البقرة، جزء آية: (188). .
المناقشة:
يناقش هذا بأن جهة الإصدار تتقاضى هذا الرسم أو الاشتراك مقابل ما تقوم به من أعمال لكل من جهة التخفيض والمستهلك، فهذه الرسوم ثمن لتلك الأعمال.
الإجابة:
يجاب عن هذا بأنه لما كانت هذه المعاملة مشتملة على محاذير شرعية، فإنها لا تخرج عن كونها أكلًا للمال بالباطل؛ لأن الشارع إذا حرم شيئًا حرم ثمنهرواه أحمد في المسند (1/322) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ إذا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ شَيئًا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ».
وجاء ذلك فيما رواه البخاري في صحيحه في كتاب البيوع- باب لا يذاب شحم الميتة، ولا يباع وَدَكُهُ -، رقم (2224)، (2/120)، ومسلم في صحيحه في كتاب المساقاة- باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام -، رقم (1583)، (3/1208) من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: «قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ: حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ فَبَاعُوها، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا»، فأكل ثمن المحرمات من أكل المال بالباطل.
ثالثًا: أن هذه المعاملة كثيرًا ما يكون فيها تغرير وخداع وفرصة لابتزاز الأموال بدون حق. فالتخفيضات التي يوعد بها المستهلك المشترك في برنامج التخفيضات غالبًا ما تكون تخفيضات وهميّة غير حقيقية، ويتضح ذلك بما يلي:
1- أن المستهلك الذي لم يشارك في برنامج التخفيض قد يحصل بمماكستهالمماكسة: استنقاص الثمن واستحطاطه. [ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (مكس)، (4/349) ].، وحذقه تخفيضًا مماثلًا أو يفوق ما يوعد به المشتركون في برنامج التخفيض.
2- أن بإمكان جهة التخفيض أن تزيد في ثمن السلع والخدمات بقدر ما يخفّض للمستهلك المشارك في برنامج التخفيض، لاسيما في السلع والخدمات التي لها وكيل معتمد كالسيارات، وكثير من الأجهزة الكهربائية، وغيرهما من السلع.
3- أن التخفيضات التي تعِد بها جهات إصدار هذه البطاقات كثيرًا ما تكون مكذوبة لا صحة لها، ولذلك نبهت وزارة التجارة في المملكة العربية السعودية المواطنين والمقيمين إلى الحذر في التعامل مع من يعرضون البطاقات التجارية الخاصة بمنح تخفيضات وخصومات في المحال والمعارض التجارية، وأنه قد تم تصفية العديد من الشركات والمؤسسات التي تعلن عن تخفيضات وهمية مكذوبة، لا حقيقة لهاينظر: جريدة الجزيرة، السبت (29/2/1415هـ)، العدد (7982)، ص (23)، وزارة التجارة: احذروا بطاقات التخفيضات الوهميّة. .
رابعًا: أن هذه المعاملة كثيرًا ما تكون سببًا للنزاعات والمخاصمات بين أطرافها، وذلك أن جهة الإصدار لا تملك في الواقع إلزام جهة التخفيض بنسبة التخفيض المتفق عليها للمستهلك المشارك في برنامج التخفيض، فيؤدي ذلك إلى نزاعات وخلافات، وما كان سببًا للخلاف والنزاع والبغضاء فإن الواجب منعه، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ سورة المائدة، آية: (91). . فحرّم - جل وعلا - الخمر والميسر لما يفضيان إليه من العداوة والبغضاء، وغير ذلك من الحِكَم. فدلّ هذا على تحريم كل ما كان مؤديًا إلى ذلكينظر: المحرر الوجيز لابن عطية (5/184 - 185)، تيسير الكريم الرحمن (1/515)..
خامسًا: أن في هذا النوع من بطاقات التخفيض إضرارًا بالتجار الذين لم يشاركوا في برنامج التخفيض.ووجه هذا الضرر أن هذا البرنامج إما أن يحملهم على المشاركة فيه، وهذا سيترتب عليه رسوم سنوية، وتخفيضات غير مرضية، وإما ألا يشاركوا، وهذا سيفقدهم نصيبًا كبيرًا من السوق، ويجعلهم في شبه عزلة، لاسيما إذا فشا استعمال هذه البطاقات، وانتشر بين الناس، فيورث ذلك ضررًا وعداوة بين أهل التجارات؛ من شارك منهم ومن لم يشارك.
سادسًا: أن هذا النوع من بطاقات التخفيض فيه تدويل للمال بين طائفة معينة من التجار، وهم المشاركون في برنامج التخفيض دون غيرهم ممن لم يشارك؛ إذ إن دائرة تعامل بطاقات التخفيض محصورة على المحالّ والشركات التجارية المشاركة في دليل التخفيض التجاري. وفي هذا مخالفة لمقصود الشارع من التسوية بين الجميع في تدويل المال، قال الله- تعالى- في آية قسم الفيءالفيء: هو ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد.: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ سورة الحشر، جزء آية: (7). . ومن معاني تدويل المال انتقاله بين أيدٍ عديدة في الأمة على وجه لا حرج فيه على مكتسبه، وألا يكون قارًّا في يد واحدة، بل منتقلًا من واحد إلى واحد على وجه مباحينظر: مقاصد الشريعة الإسلامية لابن عاشور ص (176 - 177)، تفسير التحرير والتنوير (28/85). .