المطلب الثالث: التخريج الفقهي للهدايا الإعلانية (العيّنات):
الهدايا الإعلانية: وهي ما تقدمه المؤسسات والشركات للعملاء، من نماذج معدّة إعدادًا خاصًّا للتعريف ببضاعة جديدة، أو إعطاء العملاء فرصة تجربة السلعة، أو لأجل الترويج لهاينظر: ص (62). .
وهذا النوع من الهدايا الترغيبية يهدف إلى تحقيق أحد غرضين:
الأول: تعريف الناس بالسلعة الجديدة، وكيفية استعمالها، ومعرفة مدى تلبيتها لحاجاتهم وإشباعها لرغباتهم.
الثاني: أن تكون نموذجًا لما يطلب في السلعة المعقود عليها من المواصفات، فتكون هذه الهدية ممثلة للمعقود عليه، وغالبًا ما تستعمل هذه النماذج الإعلانية في السلع التي تحتاج إلى تصنيعالنموذج: بفتح النون، ويقال: الأنموذج، بضم الهمزة، هو ما يدل على صفة الشيء، وهو معرب. [ينظر: القاموس المحيط، مادة (النموذج)، ص (266)، المصباح المنير، مادة (ن م و ذ ج)، ص .
أما حقيقة هذا النوع من الهدايا الترغيبية فقهيًّا، فهي هدية وهبة.
ما يترتب على هذا التخريج:
أولًا: جواز هذا النوع من الهدايا الترغيبية؛ لأن الأصل في المعاملات الحل، ولا دليل على المنع.
ثانيًا: استحباب قبول هذا النوع من الهدايا؛ لدخوله في عموم الأحاديث التي تحث على قبول الهدية.
ثالثًا: لا يجوز للواهب الرجوع في هذا النوع من الهدايا؛ لدخولها في عموم قوله- صلى الله عليه وسلم -: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» رواه البخاري في كتاب الهبة - باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها -، رقم (2589)، (2/234)، ومسلم في كتاب الهبات- باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض-، رقم (1622)، (3/1241)، من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. .
رابعًا: يجب أن تكون هذه الهدايا الإعلانية مطابقة للواقع في بيان حقيقة السلعة وجودتها ومدى تلبيتها لحاجات العملاء.
خامسًا: جواز اعتماد هذه العينات التعريفية عند إجراء العقود بناءً على القول بصحة بيع الأنموذج.
وقد اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:
القول الأول: يصح اعتماد هذه العينات في عقد البيع، إذا كان المبيع مما لا تتفاوت آحاده، ويمكن ضبط أوصافه بهذا الأنموذج.
وهذا مذهب الحنفيةينظر: الهداية للمرغيناني (2/37)، تبيين الحقائق (4/26). ، والمالكيةينظر: مواهب الجليل (4/294-295). ، والشافعيةينظر: شرح المحلي على منهاج الطالبين (2/165)، مغني المحتاج (2/19). ، وقول في مذهب أحمدينظر: الفروع (4/21)، الإنصاف (4/295). وهو قول ابن حزم من الظاهريةينظر: المحلى (8/337). .
القول الثاني: لا يصح اعتماد هذه العينات في عقد البيع مطلقًا.
وهذا هو الصحيح من مذهب أحمدينظر: الإنصاف (4/295)، كشاف القناع (3/163). .
ومنشأ هذا الخلاف هو هل يحصل بهذا الأنموذج أو العيّنة العلم بالمبيع أو لا؟ فمن قال: إنه يحصل بها العلم بالمبيع صحَّح بيع العيِّنة أو الأنموذج.
ومن قال: لا يحصل بها العلم بالمبيع وقت العقد لم يصحح البيع.
ولذلك اشترط القائلون بصحة بيع الأنموذج أن يكون المبيع مما لا تتفاوت آحاده؛ كالمكيل والموزون، أما ما تتفاوت أجزاؤه فلا يجوزينظر: البناية في شرح الهداية (7/124-125)، مغني المحتاج (2/19). . وقد مثلوا- رحمهم الله- بالمكيل والموزون بناءً على أنه لا يمكن ضبط غيرهما، وهذا بالنظر إلى عصرهم صحيح. أما اليوم فإن التطور الصناعي بلغ حدًّا أصبح فيه كل شيء يمكن ضبطه بأوصافٍ لا تختلف، ولا تتفاوت آحاده، وعلى هذا فإن بيع الأنموذج بيع صحيح، وإن اعتماد هذه العينات الإعلانية التعريفية في البياعات جائز لا حرج فيه.