المسألة الثانية: كون الهدية الترويجية منفعة (خدمة):
هذه الصورة لا تخلو من حالين: هما في الفرعين التاليين:
الفرع الأول : أن يكون المشتري موعودًا بالمنفعة (الخدمة) قبل العقد
الأمر الأول: واقع هذه الحال:
صورة هذا ما تعلن عنه كثير من محطات وقود السيارات، أو تغيير الزيت، أو غسيل السيارات، مِن أنَّ مَن جمع عددًا محددًا من البطاقات التي تثبت أنه اشترى منهم وقودًا، أو غيّر عندهم الزيت، أو غسل السيارة، فله غسلة مجانيّة، ونحو ذلك من الخدمات.
ومما يدخل في هذه الحال ما تقوم به بعض الشركات، أو أصحاب السلع من أن مَن اشترى منهم سلعة أو خدمة، فإن له هدية تذكرة سفر مجانية إلى بلد معين.
الأمر الثاني: تخريجها الفقهي وحكمها:
يمكن تخريج هدايا المنافع (الخدمات) على نفس التخريجات التي ذكرت فيما إذا كانت الهدية سلعة وَعَدَ بها البائع قبل العقد.
التخريج الأول: أن الهدية الترويجية في هذه الحال وعد بهبة المنفعة.
التخريج الثاني: أن هدية المنفعة معقود عليها، فإن كان المقصود بالعقد أصلًا سلعة فإنه يكون قد جمع بين بيع وإجارة، وهذا جائز، كما هو مذهب المالكيةينظر: مواهب الجليل (4/314). ، والأظهر عند الشافعيةينظر: شرح المحلي على منهاج الطالبين (2/188). ، ومذهب الحنابلةينظر: الإقناع للحجاوي (2/73-74)، منتهى الإرادات (1/347). .
وإن كان المقصود بالعقد أصلًا المنفعة (الخدمة)، فإن هذه الهدية تكون زيادة في المعقود عليه.
التخريج الثالث: أن هدية المنفعة إنما هي من هبة الثواب.
التخريج الرابع: أن هدية المنفعة من الهدايا المحرمة التي يتذرع بها إلى أكل أموال الناس بالباطل، والإضرار بالتجار الآخرين.
الترجيح بين هذه التخريجات:
الأقرب من هذه التخريجات أن هدايا الخدمات ما هي إلا وعد بهبة المنفعة.
أما ما يترتب على هذه التخريجات فلم أذكره، لعدم مخالفته لما تقدم ذكره فيما إذا كانت الهدية سلعة وَعَدَ بها البائع قبل الشراء. وقد تقدم أنها متفقة من حيث جواز هذا النوع من الهدايا الترويجية، عدا التخريج الرابع، وقد تقدم مناقشته والجواب عليهينظر: ص (92 - 95) من هذا الكتاب. .
وقد أفتى بجواز هذه الصورة من الهدايا الترويجية اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية. ففي جوابها عن السؤال التالي: ((لدي محطة محروقات وعملت كروتًا توزع على المواطنين، أي بمعنى أنه عندما يكمل السائق ألف لتر يحق له غسيل سيارته مجانًا، وأرفق لكم صورة من هذا الكرت، فهل يجوز لنا الاستمرار فيه وتوزيعه أو نتوقف عنه نهائيًّا؟ علمًا بأننا الآن أوقفنا التوزيع)).
أجابت اللجنة:
((إذا كان الأمر كما ذكر جاز ذلك البيع، ونرفق لكم صورة في مسألة تشبه مسألتك، وبالله التوفيق)).
كما أفتى بالجواز أيضًا فضيلة شيخنا العلامة محمد الصالح العثيمين- رحمه الله-، ففي جواب له عن السؤال التالي: ((يوجد لدينا بنشر ومغسلة، طبعنا كروتًا كُتب عليها: اجمع أربعة كروت من غيار الزيت وغسيل، واحصل على غسلة لسيارتك مجانًا. هل في عملنا هذا شيء محذور؟، ولعلكم تضعون قاعدة في مسألة المسابقات وغيرها؟))، قال- رحمه الله -: ((أقول: ليس في هذا محذور ما دامت القيمة لم تزد من أجل الجائزة، والقاعدة هي أن العقد إذا كان الإنسان فيه سالمًا أو غانمًا فهذا لا بأس به، أما إذا كان إما غانمًا وإما غارمًا فإن هذا لا يجوز. هذه القاعدة..)) اللقاء الشهري مع فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين، اللقاء الأول، السؤال (20)، ص (50، 51). .
الفرع الثاني: ألَّا يكون المشتري موعودًا بالمنفعة قبل العقد
الأمر الأول: واقع هذه الحال:
صورة هذا: ما تقدمه بعض محطات وقود السيارات من خدمات لمن يشتري منها وقودًا، كتمسيح زجاج السيارة مثلًا، ونحو ذلك من الخدمات.
الأمر الثاني: تخريجها الفقهي وحكمها:
تخرّج هذه الهدية على أنها هبة محضة للمنفعة (الخدمة) مكافأة على التعامل وتشجيعًا عليه.
ما يترتب على هذا التخريج:
أولًا: جواز هذا النوع من الهدايا الترغيبية بذلًا وقبولًا، عملًا بأصل الإباحة في المعاملات.
ثانيًا: ليس للبائع الرجوع بأجرة الخدمة إذا انفسخ العقد؛ لعموم قوله- صلى الله عليه وسلم-: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» رواه البخاري في كتاب الهبة- باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها-، رقم (2589)، (2/234)، ومسلم في كتاب الهبات- باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض-، رقم (1622)، (3/1241)، من حديث عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما-. .