الفرع الثالث : أن يكون الحصول على الهدية مشروطًا بجمع أجزاء مفرّقة في أفراد سلعة معيّنة:
الأمر الأول: واقع هذه الحال:
صورة ذلك ما تقوم به بعض الشركات، من وضع ملصقات مجزأة في أفراد سلعة معينة غالبًا ما تكوّن هذه الأجزاء شكلًا معينًا.
ومن صور هذه الحال ما تقوم به بعض محلات المواد الغذائية والاستهلاكية الكبيرة (السوبر ماركت) سوبر ماركت: كلمة مأخوذة من (SUPER MARKET) في اللغة الإنجليزية، وهي عبارة عن كلمتين سوبر (SUPER)، و ماركت (MARKET). والأولى تعني كبير أو إضافي، والثانية تعني سوق، فمعناها بالعربية: سوق كبير. [ينظر: قاموس المنار ص (392، 719) ]. من إعطاء مَن بلغ حدًّا معينًا من الشراء بطاقة فيها جزء من جهاز، على أنه إذا كرر الشراء ثانية، وبلغ ذلك الحد، فإنه يعطى بطاقة أخرى، فإذا كمّل الجزء الآخر يكون ذلك الجهاز هدية مجانيّة لصاحب البطاقة.
الأمر الثاني: تخريجها الفقهي وحكمها:
هذه الصورة من الهدايا الترويجية تُخرَّج على أنها هبة.
ما يترتب على هذا التخريج:
يترتب على هذا التخريج تحريم هذا النوع من الهدايا الترويجية؛ لما يلي:
أولًا: أن هذا النوع من الهدايا الترويجية يفضي إلى حمل الناس على شراء ما لا حاجة لهم فيه من السلع؛ طمعًا في تكميل هذه الأجزاء المفرّقة، وهذا من الإسراف والتبذير الذي نهى الله عنه في قوله- تعالى-: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ سورة الأنعام، جزء آية: (141). ، وقوله: ﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ سورة الإسراء، جزء آية: (26). .
وفي هذا الأسلوب من أساليب الترويج إضاعة للمال الذي نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن إضاعتهرواه البخاري في كتاب الاستقراض- باب ما ينهى عن إضاعة المال-، رقم (2408)، (2/177)، ومسلم في كتاب الأقضية- باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة... -، رقم (593)، (3/1341). من حديث المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه -، ولفظ البخاري: "إن الله حرّم عليكم: عقوق الأمهات ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال"..وفيه أيضًا حمل للناس على التخوّض في مال الله بعير حق، وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه البخاري في كتاب فرض الخمس - باب قول الله: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾[الأنفال: 41] -، رقم (3118)، (2/393)، من حديث خَوْلَة بنت عامر الأنصارية- رضي الله عنها -. .
ثانيًا: أن في هذا النوع من الهدايا قمارًا وميسرًا؛ وذلك أن مشتري هذه السلع والخدمات يبذل مالًا في شرائها؛ ليجمع الأجزاء المفرقة، أو يملأ الدفتر الخاص، ثم هو على خطر بعد الشراء، فقد يحصّل الجزء المطلوب فيغنم، وقد لا يحصّله فيغرم. وهذا نوع من المخاطرات التي أجمع أهل العلم على تحريمها.
وقد أفتى بتحريم هذه الصورة من الهدايا الترويجية شيخنا العلامة الشيخ محمد الصالح العثيمين- رحمه الله- حيث قال في إجابة له عن سؤال حول هذه الهدايا: ((أما الصورة الثانية: فهي جعل صورة سيارة نصفها في كارت ونصفها الثاني في كارت آخر مثلًا، ولا تدري عن هذا النصف الآخر هل هو موجود، أو غير موجود؟ وعلى فرض أنه موجود، فهو حرام بلا شك؛ لأن الإنسان إذا اشترى كرتونًا يكفيه وعائلته، ووجد فيه كارت السيارة، فإنه سوف يشتري عشرات الكراتين أو مئات الكراتين رجاء أن يحصل على النصف الثاني، ليحصل على السيارة، فيخسر مئات الدراهم، والنهاية أنه لا شيء، فقد تحصل لغيره، فيكون في هذا إضاعة مال وخطر، فلا يجوز استعمال هذه الأساليب)) فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين (2/708). .