المطلب الأول: التخريج الفقهي للهدايا التذْكَارية:
تقدم أن الهدايا التذكارية هي ما يقدمه أصحاب السلع إلى عموم الناس بغرض تكوين علاقة طيبة، والتذكير بسلعهم وأنشطتهم. ومن أمثلة هذا النوع من الهدايا التقاويم السنوية، والمفكرات، ونحوها.
وهذا النوع من الهدايا الترغيبية يخرّج على أنه هبة مطلقة، يُقصد منها تذكير الناس بأعمال التجار، وإقامة علاقة وديّة معهم.
ما يترتب على هذا التخريج:
أولًا: جواز هذا النوع من الهدايا الترغيبية؛ لأن الأصل في المعاملات الحل.
ثانيًا: يُستحب قبول هذا النوع من الهدايا؛ لعموم الأدلة الحاثة على قبول الهدية، ما لم تكن هذه الهدية التذكارية لا تُستعمل إلا في محرم، أو يَغلب استعمالها فيه، فإنه لا يجوز عند ذلك قبولها، ومن أمثلة ذلك ما تقدمه بعض الشركات، أو المؤسسات، أو التجار، كولاعات المدخنين، أو طفايات السجائر التي لا تُستعمل إلا في ذلك، أو يغلب استعمالها فيه، فإنه لا يجوز بذلها؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم، وقد قال الله- تعالى-: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ سورة المائدة، جزء آية: (2)..
ويُمنع قبولُها أيضًا سدًّا للذريعة، وإعانة لهذا التاجر على ترك هذا النوع من الهدايا التي تغري بملابسة المحرمات، حتى ولو علم المهدَى إليه أنه لا يستعملها إلا في مباح؛ إذ درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
ومن الهدايا الترغيبية التذكارية التي لا تجوز بذلًا ولا قبولًا الهدايا التي ترغّب في التعاملات المحرمة؛ كهدايا البنوك الربوية مثلًا؛ فإنها لا تجوز، لما فيها من الدعاية لهذه البنوك الربوية، إذ لا تخلو هذه الهدايا غالبًا من شعار البنك، وعبارات تدعو إلى التعامل معه، أو ترغب في ذلك، فهي وسيلة للتعامل معها والرغبة فيها. هذا بالنسبة لعموم الناس. أما من لهم حسابات وأموال في هذه البنوك، فإنه لا يجوز لهم قبول شيء من هداياهم على كل حال، وذلك أن أموالهم التي في البنوك قروض لهم على البنك، فالعلاقة بين البنك وهؤلاء علاقة مقرض ومقترضينظر: الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية ص (345-350). فهدايا البنوك لهؤلاء داخلة في قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا، فَأَهْدَى إِلَيْهِ، أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ، فَلَا يَرْكَبُهَا، وَلَا يَقْبَلُهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» رواه ابن ماجه في كتاب الصدقات- باب القرض-، رقم (2432)، (2/813)، من حديث أنس بن مالك- رضي الله عنه -. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة رقم (252)، (2/253): "هذا إسناد فيه مقال: عتبة بن حميد ضعَّفه أحمد، وقال أبو حاتم: صالح....، ويحيى بن أبي إسحاق الهنائي لا يعرف حاله"، وقد ضعَّفه ابن عبد الهادي بابن عياش، فقال: هذا حديث غير قوي، فإن ابن عياش متكلَّم فيه". نقل ذلك الألباني في إرواء الغليل، رقم (1400)، (5/237). .
وهذه القاعدة فيما لا يقبل من الهدايا الترغيبية ليست خاصة بالهدايا التذكارية، بل هي عامة لسائر أنواع الهدايا الترغيبية، وإنما ذكرت هنا لأنه أول موضع يُبحث فيه قبول الهدايا الترغيبية، فيغني هذا عن تكرارها في سائر الأنواع.
ثالثًا: لا يجوز للواهب الرجوع في هذه الهدايا بعد أن يقبضها المهدى إليه؛ لعموم قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» رواه البخاري في كتاب الهبة- باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها-، رقم (2589)، (2/234)، ومسلم في كتاب الهبات- باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض-، رقم (1622)، (3/1241)، من حديث عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما -. .