×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مكتبة الشيخ خالد المصلح / كتب مطبوعة / الحوافز التجارية / المطلب الثاني: ضابط الغرر الممنوع في المعاملات

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المطلب الثاني: ضابط الغرر الممنوع في المعاملات:  منع الغرر أصل عظيم من أصول الشريعة في باب المعاملات في المبايعات، وسائر المعاوضات+++ينظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (6/74)، إعلام الموقعين (2/9). ---؛ فإنه لما كان الخلق في ضرورة إلى المعاوضات اقتضت حكمة أحكم الحاكمين تحقيق هذا المقصود، مع نفي الغرر عن مصادر العقود ومواردها؛ لتتمم بذلك مصالح العباد+++ينظر: تخريج الفروع على الأصول ص (145).---، وتحصن أموالهم من الضياع، وتقطع المنازعات والمخاصمات بينهم+++ينظر: حاشية الروض النضير للحيمي (3/241).---. والأصل في ذلك ما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن بيع الغرر» +++ رواه مسلم في كتاب البيوع- باب بطلان بيع الحصاة، والبيع الذي فيه غرر -، رقم (1513)، (3/1153). ---، وقد دخل تحت هذا النهي مسائل كثيرة؛ فمن ذلك النهي عن بيع حبل الحبلة+++حبل الحبلة: بفتح الجميع، الولد الذي في بطن الناقة.---، والملاقيح+++الملاقيح: وهو ما في بطون النوق من الأجنة.---، والمضامين+++المضامين: جمع مضمون، وهو ما في أصلاب الفحول. [ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (ضمن)، (4/263)، المصباح المنير، مادة (ض م ن)، ص (189)].---، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه، وبيع الملامسة+++الملامسة: من اللمس، وهو أن يقول: إذا لمست ثوبي، أو لمست ثوبك، فقد وجب البيع [ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (لمس)، (4/269)، المصباح المنير، مادة (ل م س)، ص (288)].---، وبيع المنابذة+++المنابذة: من النبذ، وهو أن يقول الرجل لصاحبه: إذا نبذت متاعك، أو نبذت متاعي، فقد وجب البيع. [ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (نبذ)، (5/6)، المصباح المنير، مادة (ن ب ذ)، ص (304)].---، وبيع المعجوز عن تسليمه، كبيع الطير في الهواء، ونحو ذلك من البياعات التي هي نوع من الغرر+++ينظر: القواعد النورانية ص (138)، زاد المعاد (5/818)، الموافقات للشاطبي (3/151_152).---، المجهول العاقبة، الدائر بين العطب والسلامة، سواء كان الغرر في العقد أو العوض أو الأجل+++ينظر: المنتقى للباجي (5/41)، المعلم بفوائد مسلم (2/244- 245). ---. ومما ينبغي ملاحظته في معرفة الغرر الممنوع أن نهي الشارع عن الغرر لا يمكن حمله على الإطلاق الذي يقتضيه لفظ النهي، بل يجب فيه النظر إلى مقصود الشارع، ولا يتبع فيه اللفظ بمجرده؛ فإن ذلك يؤدي إلى إغلاق باب البيع، وليس ذلك مقصودا للشارع+++ينظر: الموافقات للشاطبي (2/14)، (3/151-152).---؛ إذ لا تكاد تخلو معاملة من شيء من الغرر+++ينظر: عقد الجواهر الثمينة (2/419)، المنتقى للباجي (5/41). ---. ولذلك اشترط العلماء- رحمهم الله- أوصافا للغرر المؤثر، لا بد من وجودها، وهي كما يلي: أولا: أن يكون الغرر كثيرا غالبا على العقد. فقد أجمع العلماء على أن يسير الغرر لا يمنع صحة العقود+++حكى هذا الإجماع: ابن رشد في بداية المجتهد (2/155)، والقرافي في الفروق (3/265)، والنووي في المجموع شرح المهذب (9/258).---؛ إذ لا يمكن التحرز منه بالكلية+++ينظر: بداية المجتهد (2/155، 157)، الذخيرة للقرافي (5/93)، الفروق للقرافي (3/265-266)، المجموع شرح المهذب (9/258).---، وذلك كجواز شرب ماء السقاء بعوض، ودخول الحمام بأجرة، مع اختلاف الناس في استعمال الماء، أو مكثهم في الحمام، وما أشبه ذلك+++ينظر: المجموع شرح المهذب (9/258)، زاد المعاد (5/821)، الموافقات للشاطبي (4/158).---. ثانيا: أن يمكن التحرز من الغرر دون حرج ومشقة. فقد أجمع أهل العلم+++حكى هذا الإجماع: النووي في المجموع شرح المهذب (9/258)، وابن القيم في زاد المعاد (5/820). ---، على أن ما لا يمكن التحرز فيه من الغرر إلا بمشقة كالغرر الحاصل في أساسات الجدران، وداخل بطون الحيوان، أو آخر الثمار التي بدا صلاح بعضها دون بعض، فإنه مما يتسامح فيه، ويعفى عنه+++ينظر: المجموع شرح المهذب (9/258)، زاد المعاد (5/820)، الموافقات للشاطبي (4/158). ---. ثالثا: ألا تدعو إلى الغرر حاجة عامة. فإن الحاجات العامة تنزل منزلة الضرورات، قال الجويني : ((الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة)) +++ غياث الأمم في التياث الظلم، ص (478-479). ---، وضابط هذه الحاجة هي كل ما لو تركه الناس لتضرروا في الحال، أو المآل+++ينظر: غياث الأمم في التياث الظلم، ص (481). ---، فإذا دعت حاجة الناس إلى معاملة فيها غرر لا تتم إلا به؛ فإنه يكون من الغرر المعفو عنه، قال ابن رشد في ضابط الغرر غير المؤثر: ((وإن غير المؤثر هو اليسير أو الذي تدعو إليه ضرورة، أو ما جمع بين أمرين)) +++ بداية المجتهد (2/175)، وينظر: المجموع شرح المهذب (9/258).---، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر، بل يبيح ما يحتاج إليه من ذلك)) +++ مجموع الفتاوى (29/227)، وينظر: (32/236، 29/25-26).---. ومما استدل به أهل العلم على إباحة ما تدعو الحاجة إليه من الغرر؛ أحاديث النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع» +++ رواه البخاري في كتاب البيوع- باب بيع الثمار قبل بدو صلاحها- رقم (2194)، (2/112)، ومسلم في كتاب البيوع- باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع- رقم (1534)، (3/1165)---. وجه الدلالة: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أرخص في ابتياع ثمر النخل بعد بدو صلاحه مبقاة إلى كمال صلاحه، وإن كان بعض أجزائها لم يخلق، فدل ذلك على إباحة ما تدعو إليه الحاجة من الغرر+++ينظر: مجموع الفتاوى (20/341)، إعلام الموقعين (2/6-7). ---. رابعا: أن يكون الغرر أصلا غير تابع. فإن الغرر التابع مما يعفى عنه؛ لأنه يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان دليل ذلك: ((وجوز النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا باع نخلا قد أبرت أن يشترط المبتاع ثمرتها+++يشير إلى حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع الذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع".---، فيكون قد اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها، لكن على وجه التبع للأصل، فظهر أنه يجوز من الغرر اليسير ضمنا وتبعا ما لا يجوز من غيره)) +++ مجموع الفتاوى (29/26). ---. خامسا: أن يكون الغرر في عقود المعاوضات، وما فيه شائبة معاوضة كالنكاح. أما عقود التبرعات، كالصدقة، والهبة، والإبراء، وما أشبه ذلك، فقد اختلفوا في وجوب منع الغرر فيها، على قولين، بعد اتفاقهم على جوازه في الوصية+++ينظر: بدائع الصنائع (6/118)، عقد الجواهر الثمينة (3/403)، مغني المحتاج (3/45)، الإنصاف (7/253، 355)، المحلى (9/321). تنبيه: ممن حكى الاتفاق على ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري (5/374).---: القول الأول: لا يمنع الغرر في عقود التبرعات: وهو مذهب المالكية+++ينظر: بداية المجتهد (2/329)، الذخيرة للقرافي (6/243-244)، الفروق للقرافي (1/151). ---، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية+++ينظر: مجموع الفتاوى (31/270-271)، الإنصاف (7/133). ---، وابن القيم+++ينظر: إعلام الموقعين (2/9). ---، والحارثي من الحنابلة+++ينظر: الإنصاف (7/131-133). ---. القول الثاني: يمنع الغرر في عقود التبرعات، كما في عقود المعاوضات: وهو مذهب الحنفية+++ينظر: بدائع الصنائع (6/118). ---، والشافعية+++ينظر: روضة الطالبين (5/373)، مغني المحتاج (2/399). ---، والحنابلة+++ينظر: منتهى الإرادات (2/42)، الإنصاف (7/131-133). ---، وابن حزم من الظاهرية+++ينظر: المحلى (9/116، 152). ---. أدلة القول الأول:  الأول: حديث صاحب كبة+++الكبة: هي قطعة مكبكبة، أي: مجموعة متضامة من غزل شعر.[ينظر: الفائق في غريب الحديث، مادة (كبب)، (3/243)، عون المعبود شرح سنن أبي داود (7/360)، التعليقات السلفية على سنن النسائي (2/127)].--- الشعر، التي أخذها من الغنائم ثم رفعها بيده وسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يهبه إياها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أما ما كان لي، ولبني عبد المطلب+++بنو عبد المطلب: هم بنو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب. [ينظر: جمهرة أنساب العرب ص (14-15)، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير (1/75)، الشجرة النبوية في نسب خير البرية ص (35)].---، فهو لك» +++ رواه أحمد (2/184)، ورواه أبو داود في كتاب الجهاد- باب فداء الأسير بالمال- رقم (2694)، (3/142)، والنسائي في كتاب الهبات- باب هبة المشاع- رقم (3688)، (6/26)، كلهم من طريق حماد عن ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وقال عنه في مجمع الزوائد (6/88): "رواه أحمد، ورجال أحد إسناديه ثقات"، وقال أحمد شاكر عن الحديث في تحقيقه للمسند (11/18): "إسناده صحيح"، ثم قال معلقا على كلام صاحب المجمع: "وهذا صنيع غير جيد، يوهم أن أحد الإسنادين فيه طعن، في حين أن إسناديه في المسند.. كلاهما رجاله ثقات"، وقد حسن الحديث الألباني في إرواء الغليل (5/36-37).---.  وجه الدلالة: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهبه نصيبه ونصيب بني عبد المطلب من كبة الشعر، وهذا القدر مشاع مجهول، فدل ذلك على أن الغرر لا يمنع في عقود التبرعات+++ينظر: إعلام الموقعين (2/9).---. المناقشة: يناقش هذا الاستدلال: بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- وهب نصيبه، ونصيب بني عبد المطلب من تلك الكبة التي رفعها الرجل، وهذان نصيبان مشاعان معلومان؛ إذ إن نصيب النبي- صلى الله عليه وسلم- خمس الخمس، ونصيب بني عبد المطلب خمس الخمس، فيكون قد وهب الرجل خمسي خمس الكبة، فلا جهالة في الهبة. الثاني: أن الأصل في العقود الحل والصحة، حتى يقوم الدليل على المنع، وقد جاءت النصوص مانعة من الغرر في عقود المعاوضات؛ لما في إباحته من الضرر وإضاعة المال، أما التبرعات فلم يأت ما يدل على تحريم الغرر فيها، ولا يمكن إلحاقها بعقود المعاوضات لاختلافهما، فتبقى على الأصل، وهو الإباحة. أدلة القول الثاني:  الأول: حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- وفيه: «نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن بيع الغرر» +++ رواه مسلم في كتاب البيوع- باب بطلان بيع الحصاة، والبيع الذي فيه غرر-، رقم (1513)، (3/1153). ---. وجه الدلالة: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الغرر، وهذا نص في منع الغرر في المبايعات والتجارات، فيلحق بذلك عقود التبرعات؛ لاتفاقها في المعنى؛ وهو حفظ المال الذي هو أحد مقاصد الشارع+++ينظر: الفروق للقرافي (1/150). ---. المناقشة: نوقش هذا الاستدلال بأن الغرر منع في عقود المعاوضات، وما فيه شائبة معاوضة؛ لأن المال في هذه العقود مقصود تحصيله أو مشروط، فمنع الشارع الحكيم الغرر فيهما؛ صونا للمال عن الضياع في أحد العوضين أو كليهما. أما عقود الإحسان والتبرعات فمقصودها بذل المال وإهلاكه في البر، فلذلك لم يأت ما يدل على منع الغرر فيها، وليست كعقود المعاوضات، فتلحق بها+++ينظر: الفروق للقرافي (1/150)، الذخيرة للقرافي (6/243-244)، (7/30)، مجموع الفتاوى (31/270-271). ---. الثاني: أن الأصل في العقود الحظر حتى يدل الدليل على الإباحة، ولم يرد عن الشارع ما يدل على إباحة الغرر في عقود التبرعات، وهذا الدليل استدل به ابن حزم على تحريم الغرر في التبرعات+++المحلى (9/320).---. المناقشة: يناقش هذا الاستدلال: بأن الأدلة قد دلت على أن الأصل في العقود الحل، حتى يقوم دليل المنع+++ينظر: ص (21). ---. الترجيح: الراجح هو القول الأول؛ لقوة أدلته، وضعف أدلة القول الثاني، وعدم سلامتها من المناقشات، ولعدم ما يدل على المنع، فيبقى الحكم على الأصل، وهو الإباحة، كما تقدم تقريره، والله أعلم.

المشاهدات:12740
المطلب الثاني: ضابط الغرر الممنوع في المعاملات: 
منع الغرر أصل عظيم من أصول الشريعة في باب المعاملات في المبايعات، وسائر المعاوضاتينظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (6/74)، إعلام الموقعين (2/9). ؛ فإنه لما كان الخلق في ضرورة إلى المعاوضات اقتضت حكمة أحكم الحاكمين تحقيق هذا المقصود، مع نفي الغرر عن مصادر العقود ومواردها؛ لتتمم بذلك مصالح العبادينظر: تخريج الفروع على الأصول ص (145).، وتُحصن أموالهم من الضياع، وتُقطع المنازعات والمخاصمات بينهمينظر: حاشية الروض النضير للحيمي (3/241)..
والأصل في ذلك ما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- قال: «نهى رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- عن بَيْعِ الغَرَرِ» رواه مسلم في كتاب البيوع- باب بطلان بيع الحصاة، والبيع الذي فيه غرر -، رقم (1513)، (3/1153). ، وقد دخل تحت هذا النهي مسائل كثيرة؛ فمن ذلك النهي عن بيع حَبَل الحَبَلةحَبَل الحبلة: بفتح الجميع، الولد الذي في بطن الناقة.، والملاقيحالملاقيح: وهو ما في بطون النوق من الأجنة.، والمضامينالمضامين: جمع مضمون، وهو ما في أصلاب الفحول. [ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (ضمن)، (4/263)، المصباح المنير، مادة (ض م ن)، ص (189)].، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه، وبيع الملامسةالملامسة: من اللمس، وهو أن يقول: إذا لمست ثوبي، أو لمست ثوبك، فقد وجب البيع [ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (لمس)، (4/269)، المصباح المنير، مادة (ل م س)، ص (288)].، وبيع المنابذةالمنابذة: من النبذ، وهو أن يقول الرجل لصاحبه: إذا نبذت متاعك، أو نبذت متاعي، فقد وجب البيع. [ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (نبذ)، (5/6)، المصباح المنير، مادة (ن ب ذ)، ص (304)].، وبيع المعجوز عن تسليمه، كبيع الطير في الهواء، ونحو ذلك من البياعات التي هي نوع من الغررينظر: القواعد النورانية ص (138)، زاد المعاد (5/818)، الموافقات للشاطبي (3/151_152).، المجهول العاقبة، الدائر بين العطب والسلامة، سواء كان الغرر في العقد أو العوض أو الأجلّينظر: المنتقى للباجي (5/41)، المعلم بفوائد مسلم (2/244- 245). .
ومما ينبغي ملاحظته في معرفة الغرر الممنوع أن نهي الشارع عن الغرر لا يمكن حمله على الإطلاق الذي يقتضيه لفظ النهي، بل يجب فيه النظر إلى مقصود الشارع، ولا يتبع فيه اللفظ بمجرده؛ فإن ذلك يؤدي إلى إغلاق باب البيع، وليس ذلك مقصودًا للشارعينظر: الموافقات للشاطبي (2/14)، (3/151-152).؛ إذ لا تكاد تخلو معاملة من شيء من الغررينظر: عقد الجواهر الثمينة (2/419)، المنتقى للباجي (5/41). . ولذلك اشترط العلماء- رحمهم الله- أوصافًا للغرر المؤثر، لا بد من وجودها، وهي كما يلي:
أولًا: أن يكون الغرر كثيرًا غالبًا على العقد.
فقد أجمع العلماء على أن يسير الغرر لا يمنع صحة العقودحكى هذا الإجماع: ابن رشد في بداية المجتهد (2/155)، والقرافي في الفروق (3/265)، والنووي في المجموع شرح المهذب (9/258).؛ إذ لا يمكن التحرز منه بالكليةينظر: بداية المجتهد (2/155، 157)، الذخيرة للقرافي (5/93)، الفروق للقرافي (3/265-266)، المجموع شرح المهذب (9/258).، وذلك كجواز شرب ماء السقاء بعوض، ودخول الحمام بأجرة، مع اختلاف الناس في استعمال الماء، أو مكثهم في الحمام، وما أشبه ذلكينظر: المجموع شرح المهذب (9/258)، زاد المعاد (5/821)، الموافقات للشاطبي (4/158)..
ثانيًا: أن يمكن التحرز من الغرر دون حرج ومشقة.
فقد أجمع أهل العلمحكى هذا الإجماع: النووي في المجموع شرح المهذب (9/258)، وابن القيم في زاد المعاد (5/820). ، على أن ما لا يمكن التحرز فيه من الغرر إلا بمشقة كالغرر الحاصل في أساسات الجدران، وداخل بطون الحيوان، أو آخر الثمار التي بدا صلاح بعضها دون بعض، فإنه مما يتسامح فيه، ويعفى عنهينظر: المجموع شرح المهذب (9/258)، زاد المعاد (5/820)، الموافقات للشاطبي (4/158). .
ثالثًا: ألَّا تدعو إلى الغرر حاجة عامة.
فإن الحاجات العامة تنزل منزلة الضرورات، قال الجويني : ((الحاجة في حق الناس كافة تُنزل منزلة الضرورة)) غياث الأمم في التياث الظلم، ص (478-479). ، وضابط هذه الحاجة هي كل ما لو تركه الناس لتضرروا في الحال، أو المآلينظر: غياث الأمم في التياث الظلم، ص (481). ، فإذا دعت حاجة الناس إلى معاملة فيها غرر لا تتم إلا به؛ فإنه يكون من الغرر المعفو عنه، قال ابن رشد في ضابط الغرر غير المؤثر: ((وإن غير المؤثر هو اليسير أو الذي تدعو إليه ضرورة، أو ما جمع بين أمرين)) بداية المجتهد (2/175)، وينظر: المجموع شرح المهذب (9/258).، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر، بل يبيح ما يحتاج إليه من ذلك)) مجموع الفتاوى (29/227)، وينظر: (32/236، 29/25-26)..
ومما استدل به أهل العلم على إباحة ما تدعو الحاجة إليه من الغرر؛ أحاديث النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن بَيعِ الثِّمارِ حتى يبدوَ صلاحُها، نَهَى البائعَ والْمُبتاعَ» رواه البخاري في كتاب البيوع- باب بيع الثمار قبل بدو صلاحها- رقم (2194)، (2/112)، ومسلم في كتاب البيوع- باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع- رقم (1534)، (3/1165).
وجه الدلالة:
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أرخص في ابتياع ثمر النخل بعد بدو صلاحه مبقاة إلى كمال صلاحه، وإن كان بعض أجزائها لم يخلق، فدل ذلك على إباحة ما تدعو إليه الحاجة من الغررينظر: مجموع الفتاوى (20/341)، إعلام الموقعين (2/6-7). .
رابعًا: أن يكون الغرر أصلًا غير تابع.
فإن الغرر التابع مما يعفى عنه؛ لأنه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان دليل ذلك: ((وجوَّز النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا باع نخلًا قد أُبِّرت أن يشترط المبتاع ثمرتهايشير إلى حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "من ابتاع نخلًا بعد أن تؤبر، فثمرتها للبائع الذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع".، فيكون قد اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها، لكن على وجه التبع للأصل، فظهر أنه يجوز من الغرر اليسير ضمنًا وتبعًا ما لا يجوز من غيره)) مجموع الفتاوى (29/26). .
خامسًا: أن يكون الغرر في عقود المعاوضات، وما فيه شائبة معاوضة كالنكاح.
أما عقود التبرعات، كالصدقة، والهبة، والإبراء، وما أشبه ذلك، فقد اختلفوا في وجوب منع الغرر فيها، على قولين، بعد اتفاقهم على جوازه في الوصيةينظر: بدائع الصنائع (6/118)، عقد الجواهر الثمينة (3/403)، مغني المحتاج (3/45)، الإنصاف (7/253، 355)، المحلى (9/321). تنبيه: ممن حكى الاتفاق على ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري (5/374).:
القول الأول: لا يمنع الغرر في عقود التبرعات:
وهو مذهب المالكيةينظر: بداية المجتهد (2/329)، الذخيرة للقرافي (6/243-244)، الفروق للقرافي (1/151). ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيميةينظر: مجموع الفتاوى (31/270-271)، الإنصاف (7/133). ، وابن القيمينظر: إعلام الموقعين (2/9). ، والحارثي من الحنابلةينظر: الإنصاف (7/131-133). .
القول الثاني: يمنع الغرر في عقود التبرعات، كما في عقود المعاوضات:
وهو مذهب الحنفيةينظر: بدائع الصنائع (6/118). ، والشافعيةينظر: روضة الطالبين (5/373)، مغني المحتاج (2/399). ، والحنابلةينظر: منتهى الإرادات (2/42)، الإنصاف (7/131-133). ، وابن حزم من الظاهريةينظر: المحلى (9/116، 152). .
أدلة القول الأول: 
الأول: حديث صاحب كُبّةالكُبَّة: هي قطعة مكبكبة، أي: مجموعة متضامة من غزل شعر.[ينظر: الفائق في غريب الحديث، مادة (كبب)، (3/243)، عون المعبود شرح سنن أبي داود (7/360)، التعليقات السلفية على سنن النسائي (2/127)]. الشعر، التي أخذها من الغنائم ثم رفعها بيده وسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يهبه إياها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا مَا كَانَ لِي، وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِبنو عبد المطلب: هم بنو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مَناف بن قُصَي بن كِلاب. [ينظر: جمهرة أنساب العرب ص (14-15)، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير (1/75)، الشجرة النبوية في نسب خير البرية ص (35)].، فَهُوَ لَكَ» رواه أحمد (2/184)، ورواه أبو داود في كتاب الجهاد- باب فداء الأسير بالمال- رقم (2694)، (3/142)، والنسائي في كتاب الهبات- باب هبة المشاع- رقم (3688)، (6/26)، كلهم من طريق حماد عن ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
وقال عنه في مجمع الزوائد (6/88): "رواه أحمد، ورجال أحد إسناديه ثقات"، وقال أحمد شاكر عن الحديث في تحقيقه للمسند (11/18): "إسناده صحيح"، ثم قال معلقًا على كلام صاحب المجمع: "وهذا صنيع غير جيد، يوهم أن أحد الإسنادين فيه طعن، في حين أن إسناديه في المسند.. كلاهما رجاله ثقات"، وقد حسّن الحديث الألباني في إرواء الغليل (5/36-37).. 
وجه الدلالة:
أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهبه نصيبه ونصيب بني عبد المطلب من كبة الشعر، وهذا القدر مشاع مجهول، فدل ذلك على أن الغرر لا يمنع في عقود التبرعاتينظر: إعلام الموقعين (2/9)..
المناقشة:
يناقش هذا الاستدلال: بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- وَهَبَ نصيبه، ونصيب بني عبد المطلب من تلك الكُبَّة التي رفعها الرجل، وهذان نصيبان مشاعان معلومان؛ إذ إن نصيب النبي- صلى الله عليه وسلم- خمس الخمس، ونصيب بني عبد المطلب خمس الخمس، فيكون قد وهب الرجل خمسي خمس الكبة، فلا جهالة في الهبة.
الثاني: أن الأصل في العقود الحل والصحة، حتى يقوم الدليل على المنع، وقد جاءت النصوص مانعة من الغرر في عقود المعاوضات؛ لما في إباحته من الضرر وإضاعة المال، أما التبرعات فلم يأت ما يدل على تحريم الغرر فيها، ولا يمكن إلحاقها بعقود المعاوضات لاختلافهما، فتبقى على الأصل، وهو الإباحة.
أدلة القول الثاني: 
الأول: حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- وفيه: «نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن بيع الغَرَرِ» رواه مسلم في كتاب البيوع- باب بطلان بيع الحصاة، والبيع الذي فيه غرر-، رقم (1513)، (3/1153). .
وجه الدلالة:
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الغرر، وهذا نص في منع الغرر في المبايعات والتجارات، فيلحق بذلك عقود التبرعات؛ لاتفاقها في المعنى؛ وهو حفظ المال الذي هو أحد مقاصد الشارعينظر: الفروق للقرافي (1/150). .
المناقشة:
نوقش هذا الاستدلال بأن الغرر منع في عقود المعاوضات، وما فيه شائبة معاوضة؛ لأن المال في هذه العقود مقصود تحصيله أو مشروط، فمنع الشارع الحكيم الغرر فيهما؛ صونًا للمال عن الضياع في أحد العوضين أو كليهما. أما عقود الإحسان والتبرعات فمقصودها بذل المال وإهلاكه في البر، فلذلك لم يأتِ ما يدل على منع الغرر فيها، وليست كعقود المعاوضات، فتلحق بهاينظر: الفروق للقرافي (1/150)، الذخيرة للقرافي (6/243-244)، (7/30)، مجموع الفتاوى (31/270-271). .
الثاني: أن الأصل في العقود الحظر حتى يدل الدليل على الإباحة، ولم يرد عن الشارع ما يدل على إباحة الغرر في عقود التبرعات، وهذا الدليل استدل به ابن حزم على تحريم الغرر في التبرعاتالمحلى (9/320)..
المناقشة:
يناقش هذا الاستدلال: بأن الأدلة قد دلت على أن الأصل في العقود الحل، حتى يقوم دليل المنعينظر: ص (21). .
الترجيح:
الراجح هو القول الأول؛ لقوة أدلته، وضعف أدلة القول الثاني، وعدم سلامتها من المناقشات، ولعدم ما يدل على المنع، فيبقى الحكم على الأصل، وهو الإباحة، كما تقدم تقريره، والله أعلم.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85989 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80480 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74767 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61831 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53355 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50919 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50644 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46025 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45573 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف