×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مكتبة الشيخ خالد المصلح / أبحاث علمية / إخبار الطبيب أحد الزوجين بنتائج الفحوص الطبية / المطلب الثاني: إخبار أحد الزوجين بنتائج الفحوصات الطبية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المطلب الثاني: إخبار أحد الزوجين بنتائج الفحوصات الطبية: تقدم أن أوثق العلاقات الإنسانية هي العلاقة بين الزوجين، فكل منهما لباس للآخر، كما قال الله تعالى: ﴿أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن﴾ +++ سورة البقرة، آية: (187).---.  فكنى باللباس عن شدة المخالطة وعظيم الالتصاق+++ تفسير اللباب لابن عادل (1/571).---.  وهذا الاختصاص والتقارب يشمل أوجها عديدة من المخالطة والسكن، ثم المعاشرة في الفراش، ثم النسل والذرية التي تنشأ عنهما، ولهذا كان تناول مسألة أحكام إخبار أحد الزوجين بنتائج فحوصات الآخر، من المسائل الملحة، لدعاء الحاجة إلى تجليتها؛ لما يترتب على ذلك من آثار مهمة، قد تؤدي إلى فك الارتباط بين الزوجين، وحل عقد النكاح.  تقدم أن الأصل وجوب حفظ أسرار المرضى، وأنه لا يجوز إفشاؤها، إلا إذا اقتضت ذلك مصلحة أو دعت إلى ذلك حاجة، فإنه يزول المنع حينئذ؛ فيكون إفشاء السر إما مباحا أو مستحبا أو واجبا، وذلك بناء على قدر المصلحة المترتبة على إفشاء السر، أو المفسدة الناتجة عن كتمانه.  وإلى هذا أشار كثير من أهل العلم المعاصرين، وهو ما تضمنه قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الصادر عن مجلسه المنعقد في دورة مؤتمره الثامن؛ حيث جاء فيه: «تستثنى من وجوب كتمان السر حالات يؤدي فيها كتمانه إلى ضرر يفوق ضرر إفشائه بالنسبة لصاحبه، أو يكون في إفشائه مصلحة ترجح على مضرة كتمانه»+++ مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثامن، (3/409).---.  وذلك يشمل ما إذا كان في إفشاء السر درء للمفسدة، عن المجتمع أو عن الفرد، ومثله أيضا ما إذا كان في إفشاء السر جلب للمصلحة، للمجتمع أو الفرد+++ مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثامن، (3/410).---.  والذي يتصل بموضوع البحث، هو ما يتعلق بجلب المصلحة للفرد ودرئها عنه، ومعلوم أن تقدير ذلك من مواطن الاجتهاد، التي قد تختلف فيها الآراء، كسائر مواضع تقدير المصالح والمفاسد، فإن «أكثر المصالح والمفاسد لا وقوف على مقاديرها وتحديدها، وإنما تعرف  تقريبا لعزة الوقوف على تحديدها»+++ القواعد الصغرى ص (100).---.  وليعلم أن الأصل في «اعتبار مقادير المصالح والمفاسد، هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقل أن تعوز النصوص من يكون خبيرا بها وبدلالتها على الأحكام»+++ مجموع الفتاوى (28/129).--- ، وتيسيرا لإدراك الحالات التي يؤذن فيها للطبيب بإفشاء سر المريض، لجلب مصلحة أو درء مفسدة؛ سأذكر الضوابط التالية: أولا: كل مرض يثبت حق الفرقة لأحد الزوجين، فإنه يجب الإخبار بنتائج فحوصه. هذا الضابط متصل بما يعرف عند الفقهاء بمسألة التفريق بين الزوجين بسبب العيب.  وقد تكلم الفقهاء على ذلك من حيث أصل المسألة، وهي: هل يثبت حق الفرقة لأجل العيب بالمرض الطارئ+++ المغني (7/142).--- ؟ وقد اختلفوا في ذلك على أقوال، أقربها ثبوت حق الفرقة للزوجين بالعيب إذا طرأ؛ لأن ما أثبت حق الفرقة مقارنا فإنه يثبته طارئا، وهذا هو مذهب الجمهور من المالكية+++ التاج والإكليل (5/148)، منح الجليل (3/385).--- ، والشافعية+++ ينظر: تحفة المحتاج (7/349)، أسنى المطالب (3/177-178).--- ، والحنابلة+++ ينظر: دقائق أولي النهى (2/678)، كشاف القناع (5/111).--- ، على تفصيل بينهم.  كما اختلفوا أيضا في العيب الذي يثبت به ذلك الحق، إلا أنهم متفقون على أن ما كان فيه ضرر من الأمراض على الطرف الآخر، مما لا يرجى برؤه، فإنه يثبت حق الفرقة+++ التاج والإكليل (5/148).--- ، دون حصره في مرض بعينه، وأن ما ذكر إنما هو على سبيل التمثيل، قال الكاساني: «وقال محمد: خلوه من كل عيب، لا يمكنها المقام معه إلا بضرر،  كالجنون والجذام والبرص»+++ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/327).---.  ورد ابن القيم على من حصر العيوب بعدد معين، فقال: «وأما الاقتصار على عيبين أو ستة، أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها، أو مساو لها، فلا وجه له...» +++ زاد المعاد في هدي خير العباد (5/166)--- ، ثم قال: «والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة، يوجب الخيار»+++ زاد المعاد في هدي خير العباد (5/166)---. والذي يمكن استخلاصه مما ذكره الفقهاء: أن كل مرض لا يمكن المقام معه إلا بضرر، سواء أكان  مرضا خطيرا معديا، أم غير معد، فإنه يجب الإخبار بنتائج فحوصه؛ دفعا للضرر عن الطرف الآخر، ولا يجوز كتمانه، لا يقتصر ذلك على ما ذكره الفقهاء من الأمراض، بل كل مرض تحقق فيه الوصف المذكور، ثبت له الحكم. وقد أخذ بهذا مجمع الفقه الإسلامي الدولي في قراره بشأن مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) الذي نص على أنه: «في حالة إصابة أحد الزوجين بهذا المرض، فإن عليه أن يخبر الآخر، وأن يتعاون معه في إجراءات الوقاية كافة»+++ مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثامن، (3/410).---.  وذلك لأن «من حق السليم من الزوجين طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)» +++ مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثامن، (3/410).---.  ومثله مرض التهاب الكبد الوبائي، وكذلك الأمراض التي تتطلب الحجر الصحي.  وقد نصت القوانين على استثناء الأمراض المعدية والسارية من وجوب الكتمان، فيما يتعلق بسر المهنة الطبي، فنصت المادة الحادية والعشرون من نظام مزاولة المهن الصحية السعودي، على أنه: «يجب على الممارس الصحي أن يحافظ على الأسرار التي علم بها عن طريق مهنته، ولا يجوز له إفشاؤها إلا في الأحوال الآتية» ومن تلك الأحوال التي نص عليها النظام: «الإبلاغ عن مرض سار أو معد»+++ ينظر: نظام مزاولة المهن الصحية، الذي أقره مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 3 ذي القعدة 1426ه. http://www.rkh.med.sa/ar/healthawareness/ethics.htm---.  ثانيا: كل مرض يفوت كمال الحياة الزوجية السوية، فإنه يباح الإخبار بنتائج فحوصه،  سواء أكان مرضا نفسيا كانفصام الشخصية، والاكتئاب المزمن، ونحو ذلك، أم كان مرضا عضويا؛ كالإصابات التي تذهب القدرة على الجماع، أو تضعفها ضعفا شديدا. ثالثا: كل مرض له تأثير في النسل، وهو ما يعرف بالأمراض الوراثية، كمرض فقر الدم المنجلي، وأمراض التمثيل الغذائي، فإنه يباح الإخبار بنتائج فحوصه، وقد يجب بناء على خطورة المرض ونسبة الإصابة به وإمكانية معالجته.  وذلك لأن سلامة النسل مقصودة للوالدين، بل والمجتمع، فلهذا ينبغي أن يخبر الطرف الآخر بنتائج الفحوصات التي تثبت احتمالية انتقال أمراض وراثية إلى الذرية والنسل. رابعا: كل مرض لا تأثير له في الحياة الزوجية، وكشفه لا يجلب مصلحة للطرف الآخر، ولا يدرأ عنه مفسدة، فإنه لا يجوز للطبيب الإخبار بنتائج فحوصه؛ لما تقدم من الأصل الذي يجب أن يراعى، وهو وجوب حفظ أسرار المريض، وعدم جواز إفشائها، إلا إذا اقتضت ذلك مصلحة، أو دعت إلى ذلك حاجة، ولأن الإخبار بها قد يفسد أحد الزوجين على الآخر،   فيكون منهيا عنه؛ لما جاء من الوعيد في تخبيب المرأة على زوجها وإفسادها عليه، ففي "السنن" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها»+++ رواه أحمد (2/397)، وأبو داود، باب فيمن خبب امرأة على زوجها، رقم (2175)، والنسائي في "عشرة النساء"، باب من أفسد امرأة على زوجها رقم (315)، بإسناد جيد كما قال الهيتمي في "الزواجر" (1/43) .---. خامسا: كل مرض يثبت حقا لأحد الزوجين على الآخر أو يسقطه، فإنه يجب الإخبار بنتائج فحوصه.  ومن تطبيقات ذلك: حالة ما إذا كان إثبات الدعاوى المرفوعة من أحد الطرفين، ضد الآخر، يتطلب كشف نتائج الفحوصات الطبية، فإنه يجب حينئذ بيانه، إذا  كان مما لا يثبت الحق إلا به، فهو حينئذ يشبه أداء الشهادة التي يضيع الحق بكتمانها، والتي قال الله فيها: ﴿ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم﴾+++ سورة البقرة، آية: (283).---.  «وموضع النهي هو حيث يخاف الشاهد ضياع حق»+++ تفسير القرطبي (3/ 415)---.  وفي معناه كتمان الطبيب نتائج الفحوصات، التي يفضي كتمانها إلى ضياع حق أحد الزوجين، سواء في مقام القضاء أو غيره.

المشاهدات:2911
المطلبُ الثاني: إخبارُ أحدِ الزَّوجينِ بنتائجِ الفحوصاتِ الطبيَّةِ:
تقدَّمَ أنَّ أوثقَ العلاقاتِ الإنسانيَّةِ هي العلاقةُ بينَ الزَّوجينِ، فكلٌّ منهما لباسٌ للآخرِ، كما قالَ اللهُ تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ سورة البقرة، آية: (187).
فكنَّى باللباسِ عن شِدَّةِ المخالطةِ وعظيمِ الالتصاقِ تفسير اللباب لابن عادل ـ (1/571).
وهذا الاختصاصُ والتقاربُ يشملُ أوجهًا عديدةً مِنَ المخالطةِ والسَّكنِ، ثم المعاشرةِ في الفراشِ، ثم النَّسلِ والذُّرِّيَّةِ التي تنشأُ عنهما، ولهذا كانَ تناوُلُ مسألةِ أحكامِ إخبارِ أحدِ الزوجينِ بنتائجِ فحوصاتِ الآخرِ، مِنَ المسائلِ الملحةِ، لدعاءِ الحاجةِ إلى تجليَتِها؛ لما يترتَّبُ على ذلكَ مِن آثارٍ مهمَّةٍ، قد تؤدِّي إلى فكِّ الارتباطِ بينَ الزَّوجينِ، وحلِّ عقدِ النَّكاحِ. 
تقدَّمَ أنَّ الأصلَ وجوبُ حفظِ أسرارِ المرضَى، وأنَّه لا يجوزُ إفشاؤُها، إلا إذا اقتضتْ ذلكَ مصلحةٌ أو دعتْ إلى ذلكَ حاجةٌ، فإنَّهُ يزولُ المنعُ حينئذٍ؛ فيكونُ إفشاءُ السِّرِّ إما مباحًا أو مُستحبًّا أو واجبًا، وذلك بناءً على قدرِ المصلحةِ المترتِّبةِ على إفشاءِ السرِّ، أوِ المفسدةِ النَّاتجةِ عن كتمانِهِ. 
وإلى هذا أشارَ كثيرٌ مِن أهلِ العلمِ المعاصرينَ، وهو ما تضمَّنهُ قرارُ مجلسِ مجمعِ الفقهِ الإسلاميِّ الدَّوليِّ، الصادرُ عن مجلسِهِ المنعقدِ في دورةِ مؤتمرِهِ الثامنِ؛ حيثُ جاءَ فيهِ: «تُستثنى مِن وجوبِ كتمانِ السرِّ حالاتٌ يؤدِّي فيها كتمانُهُ إلى ضررٍ يفوقُ ضررَ إفشائِهِ بالنسبةِ لصاحبِهِ، أو يكونُ في إفشائِهِ مصلحةٌ ترجُحُ على مَضرَّةِ كتمانِهِ» مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثامن، (3/409).
وذلكَ يشملُ ما إذا كانَ في إفشاءِ السِّرِّ درءٌ للمفسدةِ، عنِ المجتمعِ أو عن الفردِ، ومثلُهُ أيضًا ما إذا كانَ في إفشاءِ السِّرِّ جلبٌ للمصلحةِ، للمجتمعِ أوِ الفردِ مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثامن، (3/410).
والذي يتَّصلُ بموضوعِ البحثِ، هو ما يتعلقُ بجلبِ المصلحةِ للفردِ ودرئِها عنهُ، ومعلومٌ أنَّ تقديرَ ذلكَ مِن مواطنِ الاجتهادِ، التي قد تختلفُ فيها الآراءُ، كسائرِ مواضعِ تقديرِ المصالحِ والمفاسدِ، فإنَّ «أكثرَ المصالحِ والمفاسدِ لا وقوفَ على مقاديرِها وتحديدِها، وإنَّما تُعرفُ  تقريبًا لعِزَّةِ الوقوفِ على تحديدِها» القواعد الصغرى ص (100).
وليُعلمَ أنَّ الأصلَ في «اعتبارِ مقاديرِ المصالحِ والمفاسدِ، هو بميزانِ الشريعةِ، فمتى قدَرَ الإنسانُ على اتِّباعِ النصوصِ لم يَعدلْ عنها، وإلا اجتهدَ برأيِهِ لمعرفةِ الأشباهِ والنظائرِ، وقلَّ أن تعوزَ النصوص من يكونُ خبيرًا بها وبدلالتِها على الأحكامِ» مجموع الفتاوى (28/129). ، وتيسيرًا لإدراكِ الحالاتِ التي يؤذنُ فيها للطبيبِ بإفشاءِ سرِّ المريضِ، لجلبِ مصلحةٍ أو درءِ مفسدةٍ؛ سأذكرُ الضَّوابطَ التَّاليةَ:
أولًا: كلُّ مرضٍ يُثبتُ حقَّ الفرقةِ لأحدِ الزوجينِ، فإنَّهُ يجبُ الإخبارُ بنتائجِ فحوصِهِ.
هذا الضابطُ متصلٌ بما يُعرفُ عندَ الفقهاءِ بمسألةِ التفريقِ بينَ الزوجينِ بسببِ العَيبِ. 
وقد تكلَّمَ الفقهاءُ على ذلكَ مِن حيثُ أصلُ المسألةِ، وهي: هل يَثبُتُ حقُّ الفرقةِ لأجلِ العيبِ بالمرضِ الطارئِ المغني (7/142). ؟
وقدِ اختلفوا في ذلكَ على أقوالٍ، أقربُها ثبوتُ حقِّ الفرقةِ للزوجينِ بالعيبِ إذا طرأَ؛ لأنَّ ما أثبتَ حقَّ الفرقةِ مقارنًا فإنهُ يُثبتُهُ طارئًا، وهذا هو مذهبُ الجمهورِ مِنَ المالكيةِ التاج والإكليل (5/148)، منح الجليل (3/385). ، والشافعيةِ ينظر: تحفة المحتاج (7/349)، أسنى المطالب (3/177-178). ، والحنابلةِ ينظر: دقائق أولي النهى (2/678)، كشاف القناع (5/111). ، على تفصيلٍ بينهم. 
كما اختلفوا أيضًا في العيبِ الذي يَثبتُ به ذلكَ الحقُّ، إلا أنَّهم متَّفقونَ على أنَّ ما كانَ فيهِ ضررٌ مِنَ الأمراضِ على الطرفِ الآخرِ، مما لا يُرجَى برؤهُ، فإنهُ يُثبِتُ حقَّ الفرقةِ التاج والإكليل (5/148). ، دونَ حصرِهِ في مرضٍ بعينِهِ، وأنَّ ما ذُكرَ إنما هو على سبيلِ التَّمثيلِ، قالَ الكاسانيُّ: «وقالَ محمدٌ: خلوُّهُ مِن كلِّ عيبٍ، لا يُمكنُها المقامُ معهُ إلا بضررٍ،  كالجنونِ والجذامِ والبرصِ» بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/327)..
 وردَّ ابنُ القيمِ على مَن حصرَ العيوبَ بعددٍ معينٍ، فقالَ: «وأما الاقتصارُ على عيبينِ أو ستةٍ، أو سبعةٍ أو ثمانيةٍ دونَ ما هو أولى منها، أو مساوٍ لها، فلا وجهَ لهُ...» زاد المعاد في هدي خير العباد (5/166) ، ثم قالَ: «والقياسُ أنَّ كلَّ عيبٍ ينفر الزوج الآخر منهُ، ولا يحصُلُ به مقصودُ النكاحِ مِنَ الرحمةِ والمودَّةِ، يوجبُ الخيارَ» زاد المعاد في هدي خير العباد (5/166).
والذي يمكنُ استخلاصُهُ مما ذكرَهُ الفقهاءُ: أنَّ كلَّ مرضٍ لا يمكنُ المقامُ معهُ إلا بضررٍ، سواءٌ أكانَ  مرضًا خطيرًا مُعدِيًا، أم غيرَ معدٍ، فإنَّه يجبُ الإخبارُ بنتائجِ فحوصِهِ؛ دفعًا للضَّررِ عنِ الطَّرفِ الآخرِ، ولا يجوزُ كتمانُهُ، لا يقتصرُ ذلكَ على ما ذكرَهُ الفقهاءُ مِنَ الأمراضِ، بل كلُّ مرضٍ تحقَّقَ فيهِ الوصفُ المذكورُ، ثبتَ لهُ الحكمُ.
وقد أخذَ بهذا مجمعُ الفقهِ الإسلاميُّ الدوليُّ في قرارِهِ بشأنِ مرضِ نقصِ المناعةِ المكتسبِ (الإيدز) الذي نصَّ على أنهُ: «في حالةِ إصابةِ أحدِ الزَّوجينِ بهذا المرضِ، فإنَّ عليهِ أن يُخبِرَ الآخرَ، وأن يتعاونَ معهُ في إجراءاتِ الوقايةِ كافَّةً» مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثامن، (3/410).
وذلكَ لأنَّ «مِن حقِّ السَّليمِ مِنَ الزوجين طلب الفرقةِ مِنَ الزَّوجِ المصابِ بعدوى مرضِ نقصِ المناعةِ المكتسبِ (الإيدز)» مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثامن، (3/410).
ومثلُه مرضُ التهابِ الكبدِ الوبائيِّ، وكذلكَ الأمراضُ التي تتطلَّبُ الحجرَ الصِّحِّيَّ. 
وقد نصَّتِ القوانينُ على استثناءِ الأمراضِ المعديةِ والسَّاريةِ مِن وجوبِ الكتمانِ، فيما يتعلَّقُ بسرِّ المهنةِ الطِّبِّيِّ، فنصّتْ المادةُ الحاديةُ والعشرونَ مِن نظامِ مزاولةِ المهنِ الصِّحِّيَّةِ السُّعوديِّ، على أنَّهُ: «يجبُ على الممارسِ الصِّحِّيِّ أن يُحافظَ على الأسرارِ الَّتي علِمَ بها عن طريقِ مِهنتِهِ، ولا يجوزُ لهُ إفشاؤُها إلا في الأحوالِ الآتيةِ» ومِن تلكَ الأحوالِ التي نصَّ عليها النظامُ: «الإبلاغُ عن مرضٍ سارٍ أو معدٍ» ينظر: نظام مزاولة المهن الصحية، الذي أقره مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 3 ذي القعدة 1426هـ.
http://www.rkh.med.sa/ar/healthawareness/ethics.htm. 
ثانيًا: كلُّ مرضٍ يُفوِّتُ كمالَ الحياةِ الزوجيةِ السَّويَّةِ، فإنَّه يُباحُ الإخبارُ بنتائجِ فحوصِهِ،  سواءٌ أكانَ مرضًا نفسيًّا كانفصامِ الشَّخصيَّةِ، والاكتئابِ المزمنِ، ونحوِ ذلكَ، أم كانَ مرضًا عضويًّا؛ كالإصاباتِ التي تُذهبُ القدرةَ على الجماعِ، أو تُضعفُها ضعفًا شديدًا.
ثالثًا: كلُّ مرضٍ له تأثيرٌ في النَّسلِ، وهو ما يُعرفُ بالأمراضِ الوراثيَّةِ، كمرضِ فقرِ الدَّمِ المنجلِي، وأمراضِ التمثيلِ الغذائيِّ، فإنهُ يُباحُ الإخبارُ بنتائجِ فحوصِهِ، وقد يجبُ بناءً على خطورةِ المرضِ ونسبةِ الإصابةِ بهِ وإمكانيةِ معالجتِهِ. 
وذلكَ لأنَّ سلامةَ النَّسلِ مقصودةٌ للوالدينِ، بل والمجتمعِ، فلهذا ينبغي أن يُخبَرَ الطرفُ الآخرُ بنتائجِ الفحوصاتِ التي تُثبتُ احتماليَّةَ انتقالِ أمراضٍ وراثيَّةٍ إلى الذُّرِّيَّةِ والنَّسلِ.
رابعًا: كلُّ مرضٍ لا تأثيرَ له في الحياةِ الزوجيةِ، وكشفُهُ لا يجلبُ مصلحةً للطَّرفِ الآخرِ، ولا يدرأُ عنهُ مفسدةً، فإنَّهُ لا يجوزُ للطَّبيبِ الإخبارُ بنتائجِ فحوصِهِ؛ لِمَا تقدَّمَ مِنَ الأصلِ الذي يجبُ أن يُراعَى، وهو وجوبُ حفظِ أسرارِ المريضِ، وعدمُ جوازِ إفشائِها، إلا إذا اقتضتْ ذلكَ مصلحةٌ، أو دعتْ إلى ذلك حاجةٌ، ولأنَّ الإخبارَ بها قد يُفسدُ أحدَ الزَّوجينِ على الآخرِ،   فيكونُ منهيًّا عنهُ؛ لما جاءَ مِنَ الوعيدِ في تخبيبِ المرأةِ على زوجِها وإفسادِها عليهِ، ففي "السُّننِ" مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «ليسَ مِنَّا مَن خَبَّبَ امرأةً على زَوجِها» رواه أحمد (2/397)، وأبو داود، باب فيمن خبَّب امرأة على زوجها، رقم (2175)، والنسائي في "عشرة النساء"، باب من أفسد امرأة على زوجها رقم (315)، بإسناد جيد كما قال الهيتمي في "الزواجر" (1/43) ..
خامسًا: كلُّ مرضٍ يُثبت حقًّا لأحدِ الزَّوجينِ على الآخَرِ أو يُسقطُهُ، فإنَّه يجبُ الإخبارُ بنتائجِ فحوصِهِ. 
ومِن تطبيقاتِ ذلكَ: حالةُ ما إذا كانَ إثباتُ الدَّعاوى المرفوعةِ مِن أحدِ الطرفينِ، ضدَّ الآخرِ، يتطلَّبُ كشفَ نتائجِ الفحوصاتِ الطبِّيَّةِ، فإنَّهُ يجبُ حينئذٍ بيانُهُ، إذا  كانَ مما لا يثبتُ الحقُّ إلا بهِ، فهو حينئذٍ يُشبهُ أداءَ الشهادةِ الَّتي يَضيعُ الحقُّ بكتمانِها، والتي قالَ اللهُ فيها: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ سورة البقرة، آية: (283)..
 «وموضعُ النَّهيِ هو حيثُ يَخافُ الشاهدُ ضياعَ حقٍّ» تفسير القرطبي (3/ 415)
وفي معناهُ كتمانُ الطبيبِ نتائجَ الفحوصاتِ، التي يُفضِي كتمانُها إلى ضياعِ حقِّ أحدِ الزَّوجينِ، سواءٌ في مقامِ القضاءِ أو غيرِهِ.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات86260 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80696 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74966 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات62206 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56499 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53477 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات51186 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50935 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46186 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45730 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف