هنا حيثُ ينتهي بنا مطافُ ما تناولتْهُ مسائلُ هذا البحثِ: "إخبارُ الطبيبِ أحدَ الزوجين بنتائجِ الفحوصِ الطبيَّةِ للآخرِ: رؤيةً شرعيةً"، أسجِّلُ أبرزَ النتائجِ في النقاطِ التاليةِ:
أولًا: إنَّ الأسرارَ التي يجبُ حفظُها، ولا يجوزُ إفشاؤُها، تشملُ كلَّ أمرٍ علمتَهُ عن غيرِكَ، وعرفتَ أنه يرغبُ منكَ أن تَكتُمَهُ ولا تُظهرَهُ، سواءٌ أعرفتَ ذلكَ بتصريحِهِ أو بقرينةٍ.
ثانيًا: مِن آكدِ ما يجبُ حفظُهُ مِنَ الأسرارِ: ما يطَّلعُ عليهِ الإنسانُ مِن خفايا الناسِ، بمقتضَى وظيفتِهِ وطبيعةِ عملِهِ، وعلى رأسِ أولئكَ في أنواعِ المهنِ والأعمالِ الأطباءُ.
ثالثًا: الأصلُ وجوبُ حفظِ أسرارِ المرضَى، إلا ما دعتْ حاجةٌ أو مصلحةٌ، لبيانِهِ وكشفِهِ وإفشائِهِ.
رابعًا: الحالاتُ التي لا يجبُ فيها كتمانُ السرِّ، ترجعُ إلى أحدِ الأسبابِ التاليةِ:
إمَّا أن يكونَ درءًا للمفسدةِ عنِ المجتمعِ أوِ الأفرادِ.
وإمَّا أن يكونَ جلبًا لمصلحةٍ للمجتمعِ أوِ الفردِ.
وإمَّا أن يكونَ صاحبُ السِّرِّ قد أذِنَ بإفشائِهِ.
خامسًا: إنَّ الأنظمةَ لم تكنْ واضحةً فيما يتعلقُ بتحديدِ المسئوليةِ الجزائيةِ، كما أنَّ الأبحاثَ القانونيَّةَ لم تستوعبْ- بصورةٍ كافيةٍ- مشكلةَ إفشاءِ السرِّ الطبِّيِّ، حيثُ لا يزالُ الفراغُ القانونيُّ حولَ هذا الموضوعِ.
سادسًا: على القاضي أن يبذلَ وسعَهُ، ويجتهدَ في تقديرِ العقوبةِ التي تترتَّبُ على إفشاءِ الطبيبِ سرًّا مِن أسرارِ المريضِ، بحسبِ الحالِ والمكانِ والزَّمنِ والشخصِ.
سابعًا: إخبارُ الطبيبِ أحدَ الزوجينِ بنتائج ِفحوصاتِ الآخرِ متَّصلٌ بجلبِ المصلحةِ للفردِ ودرئِها عنهُ، ومعلومٌ أنَّ تقديرَ ذلكَ مِن مواطنِ الاجتهادِ التي قد تختلفُ فيها الآراءُ، كسائرِ مواضعِ تقديرِ المصالحِ والمفاسدِ.
ثامنًا: الحالاتُ التي يُؤذنُ فيها للطبيبِ بإفشاءِ سرِّ المريضِ، لجلبِ مصلحةٍ أو درءِ مفسدةٍ، يُمكنُ ضبطُها بما يلي:
1. كلُّ مرضٍ يُثبتُ حقَّ الفرقةِ لأحدِ الزوجينِ، فإنَّه يجبُ الإخبارُ بنتائجِ فحوصِهِ.
2. كلُّ مرضٍ يُثبتُ حقًّا لأحدِ الزوجينِ على الآخرِ أو يُسقطُهُ، فإنَّهُ يجبُ كذلكَ الإخبارُ بنتائجِ فحوصِهِ.
3. كلُّ مرضٍ يُفَوِّتُ كمالَ الحياةِ الزوجيةِ السويَّةِ؛ فإنه يُباحُ الإخبارُ بنتائجِ فحوصِهِ.
4. كلُّ مرضٍ له تأثيرٌ في النَّسلِ، وهو ما يُعرفُ بالأمراضِ الوراثيَّةِ، كمرضِ فقرِ الدمِ المنجلي، وأمراضِ التَّمثيلِ الغذائيِّ، فإنهُ يُباحُ الإخبارُ بنتائجِ فحوصِهِ.
5. ما لا تأثيرَ تثير لهُ في الحياةِ الزوجيةِ مِنَ الأمراضِ، وكشفُهُ لا يجلبُ مصلحةً للطرفِ الآخرِ، ولا يدرأُ عنهُ مفسدةً؛ فإنَّهُ لا يجوزُ للطبيبِ الإخبارُ بنتائجِ فحوصِهِ.
تاسعًا: إفشاءُ الطبيبِ نتائجَ فحوصاتِهِ الطبيَّةَ يُعتبرُ خيانةً للأمانةِ شرعًا ونظامًا، واعتداءً على المريضِ، وانتهاكًا لخصوصيتِهِ. وهذا موجبٌ للعقوبةِ شرعًا ونظامًا. وهي في القوانينِ الجزائيةِ السجنُ أوِ الغرامةُ أو هما معًا.
عاشرًا: إذا ترتَّبَ على إخبارِ أحدِ الزوجينِ بنتائجِ فحوصاتِ الآخرِ ضررٌ، سواءٌ أكانَ ضررًا معنويًّا، كالإضرارِ بسُمعَتِهِ أو إفسادِ زوجِهِ عليهِ، أم كانَ ضررًا ماديًّا، كمطالبةِ الزوجِ بالمهرِ، أو مطالبةِ المرأةِ بتعويضٍ، دونَ جلبِ مصلحةٍ أو درءِ مفسدةٍ، فإنَّ على القاضي تضمينَ الطبيبِ ما ترتَّبَ على فعلِهِ مِن ضررٍ معنويٍّ أو مادِّيٍّ، فإنَّ ما ترتَّبَ على غيرِ المأذونِ فهو مضمونٌ.
حادي عشر: ليسَ ثمةَ شيءٌ واضحٌ فيما يتعلقُ بتضمينِ الطبيبِ الضَّررَ المترتبَ على كتمانِ ما يجبُ بيانُهُ مِن نتائجِ الفحوصاتِ الطبيَّةِ للطرفِ الآخرِ، لم أقفْ على شيءٍ واضحٍ فيهِ ما عدا العقوباتِ. أمَّا المدوَّناتُ الفقهيَّةُ، فلم تذكرْ هذهِ الصورةَ بعينِها، لكنها جاءتْ مندرجةً في عمومِ معنى ما نصَّ عليه جماعةٌ مِنَ الفقهاءِ، مِن ضمانِ ما يترتَّبُ على كتمانِ الشَّهادةِ التي يجبُ بيانُها.
والموضوعُ ما يزالُ بحاجةٍ إلى مزيدِ عنايةٍ وبحثٍ مِن ناحيتينِ: تأصيليَّةٍ وتنظيميَّةٍ، وما فيه مِن دراساتٍ لا يَفي بالحاجةِ، واللهُ وليُّ التوفيقِ.