بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ، ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ، ومنْ يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، أرسلَهُ اللهُ بالهدى ودينِ الحقِ ليظهرَهُ على الدينِ كلهِ، وكفى باللهِ شهيدًا، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ وسلَّمَ تسليمًا.
أما بعدُ:
فإنَّ أراضي الدولِ هي النطاقُ الحيويُّ الّذي يعيشُ فيهِ سكانها، وتنشأُ عليها المشروعاتُ والمرافقُ العامةُ التي تقومُ بها حياتهمْ، لذلكَ عملتْ حكوماتُ الدولِ المعاصرةِ على إصدارِ التشريعاتِ والقوانين المنظِّمةِ لحيازةِ الأراضي الواقعةِ في حدودِها استثمارًا وتطويرًا، وتوظيفها منْ أجلِ مصلحةِ المجتمعِ، وإلَّا نتجَ منْ ذلكَ مشكلاتٌ كبيرةٌ تمسُّ استقرارَ المجتمعِ، أبرزها على الإطلاقِ: ما يُسمى بأزمةِ الإسكانِ.
ولا ريبَ أنَّ الشريعةَ الإسلاميةَ المطهرةَ، قدْ جاءتْ بأكملِ نظامٍ يحققُ العدالةَ ويحصِّلُ المصالحَ ويدرأُ المفاسدَ، فحرَّمتِ الاعتداءَ على الأراضي، ولوْ قِيد شبرٍ، ففي حديثِ سعيدِ بنِ زيدٍ رضي اللهعنهز أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا؛ طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» أخرجه مسلم (1610)..
كما ندبتِ الشريعةُ الإسلاميةُ، إلى إحياءِ الأراضي المواتِ المعطَّلةِ عنِ الانتفاعِ، وتنميتِها وتطويرِها، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» أخرجه أبو داود (3073)..
ولما كانتِ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ تعاني أزمةً إسكانيةً مثلَ كثيرٍ منْ بلدانِ العالمِ، تسبّبَ فيها النموُّ السكانيُّ الكبيرُ المتنامي منْ ناحيةٍ، والذي ترافقَ مَعَ عجزِ قطاعِ التطويرِ العقاريِّ عنْ تلبيةِ هذهِ الحاجةِ المتناميةِ، بالاتجاهِ نحوِ زيادةِ المشروعاتِ الاستثماريةِ العقاريةِ، منْ ناحيةٍ أخرى.
ولا ريبَ، أنَّ ثمَّةَ عوائقَ كثيرةً تحولُ دونَ تلبيةِ الطلبِ المتزايدِ على الإسكانِ. إلَّا أنَّ أهلَ الرأي والمختصينَ منَ الاقتصاديينَ والعقاريينَ، وغيرِهمْ منَ المهتمينَ، يكادُ أنْ ينعقدَ اتفاقُهمْ على أنَّ مشكلةَ الأراضي البيضاءِ، وهيَ الأراضي الواسعةُ غيرُ المطوّرةِ داخلَ النطاقِ العمرانيِّ تعُدُّ منْ أبرزِ أسبابِ عجزِ أنظمةِ التطويرِ العقاريِّ الذي كانَ سببًا رئيسًا لأزمةِ الإسكانِ. ولذا فقدْ قُدِّمتْ كثيرٌ منَ الحلولِ والاقتراحاتِ والتدابيرِ التي تعينُ على حلِّ مشكلةِ الأراضي البيضاءِ، والتي سأعرضُ أبرزَها في هذا البحثِ.
ومنَ الملفتِ أنِّي لمْ أقفْ على دراسةٍ أكاديميةٍ شرعيةٍ أو اقتصاديةٍ خصَّتْ هذا الموضوعَ بالبحثِ، ولكن جُلّ ما وقفتُ عليهِ في الجانبِ الفقهيِّ فتاوى أوْ مشاركات كتابية صغيرة في مقالاتٍ ومدوناتٍ، وأوسعَ ما اطلعتُ عليهِ منَ الدراساتِ الشرعيةِ في الموضوعِ ما كتَبَه الشيخ إبراهيم السكران في بحثِهِ الموسومِ بـ "المخارج الفقهية لأزمة الإسكان". فعزمتُ على المشاركةِ في تناولِ الموضوعِ، واستعنتُ اللهَ تعالى في ذلكَ، وقدْ حاولتُ في هذا البحثِ أنْ أقدِّمَ تقويمًا شرعيًّا لأبرزِ الحلولِ المقترحةِ في حلِّ هذهِ المشكلةِ. وقدْ وسمتُهُ بـ"الحلول المقترحة لمشكلة الأراضي البيضاءِ رؤية شرعية".
وقدْ تشكلتْ هذهِ الرؤيةُ الشرعيةُ الفقهيةُ منْ مقدمةٍ وثلاثةِ مباحثَ وخاتمةٍ، وذلكَ على النحوِ الآتي:
مقدمة.
المبحثُ الأولُ: مفهومُ الأراضي البيضاءِ.
المطلبُ الأولُ: تعريفُ الأراضي البيضاءِ.
المطلبُ الثاني: أقسامُ الأراضي البيضاءِ منْ حيثُ طريق تملُّكها.
المبحثُ الثاني: مشكلةُ الأراضي البيضاءِ.
المطلبُ الأولُ: حقيقةُ المشكلةِ.
المطلبُ الثاني: أسبابُ نشأةِ الأراضي البيضاءِ.
المطلبُ الثالثُ: تاريخُ مشكلةِ الأراضي البيضاءِ.
المطلبُ الرابعُ: حجمُ مشكلةِ الأراضي البيضاءِ.
المبحثُ الثالثُ: الحلولُ المقترحةُ لمشكلةِ الأراضي البيضاءِ.
المطلبُ الأولُ: فرضُ مبالغ مالية على الأراضي البيضاءِ.
الفرعُ الأولُ: حقيقةُ فرضِ المبالغِ الماليةِ.
الفرعُ الثاني: التكييفُ الفقهيُّ لفرضِ مبالغ مالية على الأراضي البيضاءِ.
الفرعُ الثالثُ: حكمُ فرضِ مبالغ مالية.
المطلبُ الثاني: جبايةُ الزكاةِ على الأراضي البيضاءِ.
الفرعُ الأولُ: حقيقةُ جبايةِ الزكاةِ.
الفرعُ الثاني: التكييفُ الفقهيُّ لجبايةِ الزكاةِ على الأراضي البيضاءِ.
المطلبُ الثالثُ: تسعيرُ الأراضي البيضاءِ.
الفرعُ الأولُ: حقيقةُ تسعيرِ الأراضي البيضاءِ.
الفرعُ الثاني:التكييفُ الفقهيُّ لتسعيرِ الأراضي البيضاءِ.
المطلبُ الرابعُ: نزعُ ملكيةِ الأراضي البيضاءِ.
الفرعُ الأولُ:حقيقةُ نزعِ ملكيةِ الأراضي البيضاءِ.
الفرعُ الثاني: التكييفُ الفقهيُّ لنـزعِ ملكيةِ الأراضي البيضاءِ.
خاتمةٌ.
فاللهَ أسألُ الإعانةَ والتسديدَ، وأنْ يباركَ في القولِ والعملِ، وأنْ يرزقَنا الفقهَ في الدينِ، والعملَ بالتنزيلِ، واللهُ المأمولُ وهوَ المرتجى وعليهِ المعوَّلُ، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.