الفرعُ الثاني: التكييفُ الفقهيُّ لفرضِ مبالغَ ماليَّةٍ على الأراضي البيضاءِ:
حقيقةُ هذا الحلِّ أنهُ إلزامُ أصحابِ الأراضي البيضاءِ بدفعِ مبالغَ سنويَّةٍ لتعطيلِهمْ تطويرِها. وقدْ تراوحَ توصيفُ المهتمينَ والكُتَّابِ لهذهِ المبالغِ على واحدٍ منْ ثلاثةِ تكييفاتٍ:
التكييفُ الأولُ: أنَّ المبالغَ المفروضةَ على الأراضي البيضاءِ رسومٌ:
تتميزُ الرسومُ المفروضةُ على الأشياءِ- منْ وجهةِ نظرِ علمِ الماليةِ العامةِ- بالسِّمَتينِ التاليتينِ ينظر: "النظم الضريبية بين الفكر المالي المعاصر والفكر المالي الإسلامي دراسة تحليلية مقارنة" ص (11-13)، "مفهوم الضريبة" ص (3).:
1- أنهُ مبلغٌ ماليٌّ يُدْفَعُ مقابلَ منفعةٍ أوْ خدمةٍ، تقدمُها بعضُ مرافقِ الدولةِ التي يختصُّ بها الدافعُ ينظر: "المالية العامة والتشريع الضريبي" ص (24-25).، وذلكَ كرسومِ رخصِ السياراتِ ورسومِ استخراجِ الجوازاتِ وغيرِها منَ الخدماتِ.
2- أنَّهُ مبلغٌ يدفعُ اختيارًا وبرضا دافعِهِ، ويمكنهُ تجنُّبَ الدفعِ بعدمِ طلبِ الخدمةِ أوِ المنفعةِ التي يُقدَّمُ هذا المبلغُ في مقابلِها.
ومنْ هنا يتبينُ أنَّ توصيفَ ما يُقترحُ فرضُهُ على الأراضي البيضاءِ منْ مبالغَ ماليةٍ، لا تنطبقُ عليهِ خصائصُ الرسمِ بمعناهُ المعهودِ في علمِ الماليةِ، فإنَّ ما يُفرَضُ على الأراضي البيضاءِ ليسَ مقابلَ خدمةٍ أوْ منفعةٍ، فإنَّ هذهِ الأراضي «لا تستهلكُ أيَّ نوعٍ منَ الخدماتِ، حتى وإنْ كانتْ داخلَ النطاقِ العمرانيِّ» صحيفة الاقتصادية، الأراضي البيضاء تحول دون تطوير المدن وفرض الرسوم يحدُّ من أزمة الإسكان.
http://www.aleqt.com/2010/01/01/article_550194.html، كما أنَّ ملاكَ تلكَ الأراضي لا يرضونَ بأخذِ تلكَ المبالغِ منهمْ.
ومنَ الجديرِ بالذكرِ أنَّ؛ في إطلاقِ مصطلحِ الرَّسمِ على هذهِ المبالغِ المقترحِ فرضُها على مُلَّاكِ الأراضي البيضاءِ فيهِ تجوُّزٌ وسَعةٌ؛ حيثُ يطلقهُ بعضهمْ على ما يؤخذُ لأجلِ مخالفةِ القوانينِ والأنظمةِ يُنظَر: "معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال" ص (543)..
التكييفُ الثاني: أنَّ المبالغَ المفروضةَ على الأراضي البيضاءِ ضرائبُ:
الضرائبُ هي أيُّ مبلغٍ نقديٍّ تفرضُهُ سلطةٌ حكوميةٌ مختصةٌ على الأشخاصِ أوِ الممتلكاتِ وتحصِّلهُ بهدفِ جمعِ المالِ، لتغطيةِ النفقاتِ الحكوميةِ ينظر: "موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية" ص (104، 216، 827)، "مبادئ الاقتصاد الكلي" ص (323)، "النظم الضريبية بين الفكر المالي المعاصر والفكر المالي الإسلامي دراسة تحليلية مقارنة" ص (11-13).. كالضريبةِ على الثروةِ، وعلى الدخلِ، ونحو ِذلكَ.
ومنْ أبرزِ سماتِ ما يوصفُ بأنَّهُ ضريبةٌ في علمِ الماليةِ الأوصافَ التاليةَ ينظر: "مفهوم الضريبة" ص (3).:
1- أنها مبلغٌ يدفعُ دونَ مقابلٍ.
2- أنها تُؤخذُ جبرًا منْ صاحِبِها.
3- أنها تفرضُ فرضًا عامًّا على الناسِ.
ومنْ هنا يتبينُ أنَّ؛ توصيفَ ما يقترحُ فرضُهُ على الأراضي البيضاءِ منْ مبالغَ ماليَّةٍ أقربُ إلى حقيقةِ الضريبةِ منها إلى الرسومِ. فإنَّ المقترحَ فرضُهُ على الأراضي البيضاءِ ليسَ مقابلَ خدماتٍ أوْ منافعَ، وهيَ تؤخذُ عنوةً منْ غيرِ رضا ملاكِ تلكِ الأراضي.
إلاَّ أنَّ هذهِ الرسومَ المقترحةَ تفارقُ الضريبةَ في كونِ الضريبةِ عامَّةً، وهذهِ الرسومُ مفروضةٌ على ملاكِ الأراضي البيضاءِ، كما أنَّ ثمَّةَ فرقًا جوهريًّا وهوَ أنَّ المقصودَ منْ فرضِ الضرائبِ عمومًا هوَ: «تأمينُ إيراداتٍ دائمةٍ منْ مصادرَ داخليةٍ لخزانةِ الدولةِ، وهيَ أحدُ غاياتِ السلطاتِ الحكوميةِ» ينظر: "مفهوم الضريبة" ص (7)..
التكييفُ الثالثُ: أنَّ المبالغَ المفروضةَ على الأراضي البيضاءِ غرامةٌ:
الغرامةُ هيَ أيُّ مبلغٍ نقديٍّ تفرضُهُ سلطةٌ حكوميةٌ مختصةٌ على الأشخاصِ أوِ الممتلكاتِ باعتبارهِ عقوبةً على ارتكابِ إحدى المخالفاتِ ينظر: "موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية" ص (104،216،827)، "مبادئ الاقتصاد الكلي" ص (323)، "النظم الضريبية بين الفكر المالي المعاصر والفكر المالي الاسلامي دراسة تحليلية مقارنة" ص (11-13)..
ومنْ أبرزِ سماتِ الغرامةِ الخصائصُ التاليةُ ينظر: "معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال" ص (543)، "مفهوم الضريبة" ص (3).:
1- أنها مبلغٌ عقوبةً على مخالفةٍ.
2- أنها تُؤخذُ جبرًا منْ صاحبِها.
3- أنها تُفرَضُ على كلِّ مخالفٍ.
ومنْ هنا يتبينُ أنَّ توصيفَ ما يُقتَرحُ فرضهُ على الأراضي البيضاءِ منْ مبالغَ ماليةٍ، حقيقتُهُ: أنَّهُ غرامةٌ ماليةٌ على أصحابِ تلكَ الأراضي، بسببِ تعطيلِها وعدمِ تطويرِها الذي يترتبُ عليهِ منَ المفاسدِ والأضرارِ العامَّةِ والخاصةِ ما سبقَ الإشارةُ إلى بعضهِ.