المسألةُ الثانيةُ: الحكمُ فيما إذا كانتْ هذهِ المبالغُ الماليةُ غرامةً:
تقدَّم َأنَّ أقربَ التكييفاتِ لمقترحِ فرضِ مبالغَ ماليةً على الأراضي البيضاءِ أنهُ غرامةٌ على أصحابِ تلكَ الأراضي بسببِ تعطيلِها وعدمِ تطويرِها.
وعليهِ فإنَّ الوصولَ إلى حكمِ هذا المقترحِ سينتجُ منْ خلالِ معرفةِ كلامِ العلماءِ في حكمِ فرضِ الغراماتِ الماليةِ. ولأهلِ العلمِ في ذلكَ قولانِ:
القولُ الأولُ: جوازُ التعزيرِ بالغراماتِ الماليةِ، وبهذا قالَ أبو يوسفَ منَ الحنفيةِ ينظر: "البحر الرائق" (5/45).، وقولٌ عندَ المالكيةِ ينظر: "مختصر خليل"(8/110).، وهوَ قديمُ قولِ الشافعيِّ ينظر:" المجموع شرح المهذب" (5/304).، وهوَ قولُ ابنِ تيميةَ ينظر: "مجموع الفتاوى" (20/348). وابنِ القيمِ ينظر: "الطرق الحكمية " ص (224-228)..
القولُ الثاني: عدمُ جوازِ التعزيرِ بالغراماتِ الماليةِ، وبهذا قالَ جمهورُ الفقهاءِ منَ الحنفيةِ ينظر:" فتح القدير"(5/345).، والمالكيةِ ينظر: "حاشية الدسوقي" (4/355).، والشافعيةِ ينظر: "المجموع شرح المهذب" (5/304).، والحنابلةِ ينظر:" المغني"(9 / 149)..
وقدْ أدلى كلُّ فريقٍ بأدلتِهِ، وقدْ تناولَ الباحثونَ أدلةَ الفريقينِ بالمناقشةِ في عدَّةِ دراساتٍ ينظر: "التعزيرات المالية وحكمها في الشريعة الإسلامية"ص (137-160)، ينظر بحث "أكثر ما قيل في التعزير بالجلد والسجن، وبدائل السجن"لمعالي الدكتور عبد الله بن محمد المطلق، والشيخ\ خالد بن علي العرفج، طبع بمجلة البحوث الإسلامية (69/ 207)..
وبعدَ النظرِ في ذلكَ، يظهرُ أنَّ أقربَ القولينِ جوازُ التعزيرِ بالغراماتِ الماليةِ منَ حيثُ الأصلُ، فإنَّ الشواهدَ على جوازِ ذلكَ في السنةِ وفعلِ الصحابةِ كثيرةٌ ، قالَ ابنُ القيمِ: «أمَّا تغريمُ المالِ وهوَ العقوبةُ الماليةُ فشرعُها في مواضعَ؛ منها تحريقُ متاعِ الغالِّ منَ الغنيمةِ، ومنها حرمانُ سهمِهِ، ومنها إضعافُ الغُرمِ على سارقِ الثمارِ المعلقةِ، ومنها إضعافُهُ على كاتمِ الضالةِ الملتقطةِ، ومنها أخذُ شطرِ مالِ مانعِ الزكاةِ، ومنها عزمُهُ على تحريقِ دورِ منْ لا يصلي في الجماعةِ، لولا ما منعَهُ منْ إنفاذِهِ ما عزمَ عليهِ، منْ كونِ الذريةِ والنساءِ فيها فتتعدى العقوبةُ إلى غيرِ الجاني، وذلكَ لا يجوزُ كما لا يجوزُ عقوبةُ الحاملِ، ومنها عقوبةُ منْ أساءَ على الأميرِ في الغزوِ بحرمانِ سلبِ القتيلِ لمنْ قتلهُ، حيثُ شفعَ فيهِ هذا المسيءُ وأمرَ الأميرُ بإعطائهِ فحرمَ المشفوعُ لهُ عقوبةً للشافعِ الآمرِ» إعلام الموقعين (2/ 117)..
وقالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: «لمْ يجئْ عنِ النبيِّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- شيءٌ قطُّ يقتضي أنَّهُ حرَّمَ جميعَ العقوباتِ الماليةِ؛ بلْ أخْذُ الخلفاءِ الراشدينَ وأكابر أصحابِهِ بذلكَ بعدَ موتِهِ دليلٌ على أنَّ ذلكَ محكَمٌ غيرُ منسوخٍ. وعامَّةُ هذهِ الصورِ منصوصةٌ عنْ أحمدَ ومالكٍ وأصحابهِ، وبعضُها قولٌ عندَ الشافعيِّ باعتبارِ ما بلغهُ منَ الحديثِ» ينظر: مجموع الفتاوى (28/111)..
وعلى هذا فإنهُ ليسَ ثمَّةَ مانعٌ شرعيٌّ منْ فرضِ غراماتٍ ماليةٍ على مُلَّاكِ الأراضي البيضاءِ الذينَ يمسكونها دونَ تطويرٍ؛ شريطةَ أنْ يثبتَ أنَّ ذلكَ التعطيلَ كانُ نتاجَ إمساكِهمُ الأرضَ، وليسَ لأسبابٍ خارجةٍ عنهمْ؛ «إمَّا لكونها تخضعُ لدراساتٍ استثماريةٍ فعليةٍ وجادَّةٍ، أوْ لتأخرِ إجراءاتها في أمانةِ المدنِ التي تعاني بعضٌ منها بيروقراطية تؤثرُ في سرعةِ البتِّ في قراراتِ وخياراتِ المستثمرِ التي تُخضِعُ بعضَ المشاريعِ إلى إجراءاتٍ مطوَّلةٍ قدْ تتسببُ في جعلِ الأرضِ بيضاءَ لفتراتٍ طويلةٍ قدْ تمتدُّ لسنواتٍ» صحيفة الاقتصادية، الأراضي البيضاء تحول دون تطوير المدن وفرض الرسوم يحدُّ من أزمة الإسكان.
http://www.aleqt.com/2010/01/01/article_550194.html .