المسألةُ الأولى: زكاةُ الأراضي:
اعتنتِ الشريعةُ المطهرةُ ببيانِ ما تجبُ فيهِ الزكاةُ منَ الأموالِ بيانًا لا يلتبسُ، ولهذا ضاقتْ دائرةُ الخلافِ في تعيينِ الأموالِ الزكويةِ وتحديدِ الوعاءِ الزكويِّ. وبالتالي صارَ منَ الميسورِ الإجابةُ على السؤالِ الأساسيِّ الذي يتصلُ بموضوعِ البحثِ: هلِ الأراضي داخلةٌ في وعاءِ الزكاةِ فتجبُ فيها الزكاةُ أوْ ليستْ داخلةً؟
ليسَ ثمةَ خلافٌ بينَ الفقهاءِ في أنَّ الأصلَ عدمُ وجوبِ الزكاةِ في الأراضي، ويتضحُ هذا الأصلُ منْ خلالِ استقراءِ ما ذكرَهُ أهلُ العلمِ ينظر: "المبسوط" (2/199)، "بدائع الصنائع" (2/12)، "الفواكه الدواني" (1/331)، "الأم "(2/51)،"المجموع" (5/303،311)، "الفروع" (2/514)، "كشاف القناع" (2/169). في عدِّ الأموالِ التي تجبُ فيها الزكاةُ، فإنَّ أحدًا منهمْ لمْ يذكرِ العقارَ عمومًا أوِ الأراضي خصوصًا، مما تجبُ فيهِ الزكاةُ منَ الأموالِ.
ويعززُ ذلكَ الإجماعُ الذي نقلهُ ابنُ عبدِ البرِّ في كلامِهِ على ما جاءَ في "الصحيحينِ" منْ حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلَامِهِ صَدَقَةٌ»"صحيح البخاري" (1394)، ومسلم (982).، قالَ رحمَهُ اللهُ: «فأجرى العلماءُ منَ الصحابةِ والتابعينَ ومنْ بعدَهمْ منَ الخلفِ سائرَ العروضِ كلها على اختلافِ أنواعِها مجرى الفرسِ والعبدِ إذا اقتني ذلكَ لغيرِ التجارةِ، وهمْ فهموا المرادَ وعَلِموهُ، فوجبَ التسليمُ لما أجمعوا عليهِ؛ لأنَّ اللهَ-عزَّ وجلَّ- قدْ توعَّدَ منِ اتبعَ غيرَ سبيلِ المؤمنينَ أنْ يوليهِ ما تولى ويصليهِ جهنمَ وساءتْ مصيرًا»" التمهيد "(17/126)..
وقدْ نقلَ الإجماعَ أيضًا ابنُ حزمٍ حيثُ قالَ: «مما اتفقوا على أنَّهُ لا زكاةَ فيهِ: كلُّ ما اكتُسِبَ للقُنْيَةِ لا للتجارةِ منْ جوهرٍ، وسلاحٍ، وخشبٍ، ودروعٍ، وضياعٍ...» "المحلى" (4/14). وينظر: "مراتب الإجماع" ص(43).. كما قدْ حكى الإجماعَ على ذلكَ غيرُ واحدٍ منْ أهلِ العلمِ ينظر:" بداية المجتهد" (1/196)، "المغني" (4/257)، "موسوعة الإجماع" (1/465)..
فالزكاةُ لا تجبُ في الأراضي عمومًا ما لمْ ينوِ بها التجارةَ. قالَ الجوينيُّ: «ونشترطُ في الزكاةِ أموالًا مخصوصةً، حتى لوْ ملكَ الرجلُ منَ العقارِ أموالًا لها مقدارٌ في النفوسِ فلا تستوجبُ الزكاةَ» نهاية المطلب (16/517)..