الأمرُ الأولُ: الأراضي البيضاءِ عروضُ تجارةٍ:
لما كانَ الأصلُ أنَّهُ لا تجبُ الزكاةُ في الأراضي عمومًا، فإنَّ فرضَ الزكاةِ على الأراضي البيضاءِ مندرجٌ تحتَ ذلكَ الأصلِ. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ: «ولمْ يختلفِ العلماءُ أنَّ العروضَ كلَّها منَ العبيدِ وغيرِ العبيدِ إذا لمْ تكنْ تبتاعُ للتجارةِ، أنَّهُ لا زكاةَ فيها، وسواءٌ ورثها الإنسانُ أوْ وُهِبَتْ لهُ أوِ اشتراها للقُنْيَةِ، لا شيءَ فيها بوجهٍ منَ الوجوهِ» التمهيد (17/129).، فإذا لمْ تكنْ هذهِ الأراضي البيضاءُ للتجارةِ فلا تجبُ فيها زكاةٌ.
فما يُطرَحُ منْ مقترحِ جبايةِ الزكاةِ وفرضِها على الأراضي البيضاءِ يمكنُ أنْ يُتناولَ منْ زاويةِ أنْ تكونَ هذهِ الأراضي البيضاءُ مندرجةً في عروضِ التجارةِ. فإنَّهُ حينئذٍ تجبُ فيها الزكاةُ لكونها عروضَ تجارةٍ في قولِ أكثرِ الفقهاءِ ومنهمُ الأئمةُ الأربعةُ ينظر: "المبسوط" (2/191)، الذخيرة (3/40)، "بداية المجتهد" (1/185)، "روضة الطالبين" (2/266)، "المغني" (4/248)، "شرح الزركشي" (2/513).، حتى حكى ابنُ المنذرِ إجماعَ منْ يحفظُ عنهُ منْ أهلِ العلمِ ينظر: "بداية المجتهد" (1/246)، "المجموع شرح المهذب" (6/44)، "مجموع الفتاوى " (25/15).، فقالَ: «أجمعَ أهلُ العلمِ على أنَّ في العروضِ التي يرادُ بها التجارةُ الزكاةَ» ينظر: "الشرح الكبير" (7/51).. وفي هذا الإجماعِ نظرٌ ، فإنَّ ثمَّةَ خلافًا في وجوبِ الزكاةِ في عروضِ التجارةِ، قالَ ابنُ عبدِ البرِ: «وجرى عندَ العلماءِ مجرى العبيدِ والخيلِ الثيابُ والفُرُشُ والأواني والجواهرُ وسائرُ العروضِ والدورِ، وكلُّ ما يُقتنى منْ غيرِ العينِ والحرثِ والماشيةِ، وهذا عندَ العلماءِ ما لمْ يُرَدْ بذلكَ أوْ بشيءٍ منهُ تجارةٌ، فإنَّ أريدَ بشيءٍ منْ ذلكَ التجارةُ فالزكاةُ واجبةٌ فيهِ عندَ أكثرِ العلماءِ»"التمهيد" (17/125)..
لكنْ ينبغي أنْ يُعلَمَ أنًّ وجوبَ الزكاةِ في عروضِ التجارةِ يُشتَرطُ لهُ شرطانِ في قولِ أكثرِ الفقهاءِ:
الأولُ: نيةُ التجارةِ.
والثاني: أنْ يتملكَها بفعلِهِ.
فلذلكَ لا بدَّ منَ النظرِ في توفُّرِ هذينِ الشرطينِ في الأراضي البيضاءِ لجبايةِ الزكاةِ منها. وهذا ما سأتناولُهُ فيما يأتي.