المسألةُ الأولى: الأصلُ في نزعِ الملكيةِ:
الأصلُ المتينُ الذي جاءتْ بهِ شريعةُ أحكمِ الحاكمينَ، هوَ حرمةُ الأموالِ وصيانتُها، فلا يحلُّ مالُ مسلمٍ إلاَّ بطيبِ نفسٍ منهُ، كما قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» أخرجه أحمد رقم (15569) (3/422)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/97). من حديث عمرو ابن يَثْربي رضي الله عنه.
وقد صححه ابن حزم في المحلى (10/365)، وقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد (4/172): «رجال أحمد ثقات». وقد جاء هذا الحديث من عدة طرق ذكرها الحافظ في التلخيص الحبير (3/45).. فتحريمُ انتزاعِ مالِ أحدٍ، مندرجٌ في هذا الأصلِ، إلَّا أنَّ الشريعةَ أجازتِ الخروجَ عنْ هذا الأصلِ في أحوالٍ يكونُ الخروجُ فيها هوَ الذي تدركُ بهِ المصالحُ. وقدْ تناولَ الباحثونَ ذلكَ بالتأصيلِ والتفصيلِينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (4/ 1404). وأجمَلَ ذلكَ قرارٌ أصدرَهُ مجلسُ مجمعِ الفقهِ الإسلاميِّ الدوليِّ جاءَ فيهِ:
«إنَّ مجلسَ مجمعِ الفقهِ الإسلاميِّ في دورةِ مؤتمرهِ الرابعِ بجدةَ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ منْ 18- 23 جمادى الآخرِ 1408هـ، الموافقِ 6-11 فبرايرَ 1988م، بعدَ الإطلاعِ على البحوثِ الواردةِ إلى المجمعِ بخصوصِ موضوعِ انتزاعِ الملكِ للمصلحةِ العامةِ.
وفي ضوءِ ما هوَ مسلمٌ في أصولِ الشريعةِ منِ احترامِ الملكيةِ الفرديةِ، حتى أصبحَ ذلكَ منْ قواطعِ الأحكامِ المعلومةِ منَ الدينِ بالضرورةِ ، وأنَّ حفظَ المالِ أحدُ الضرورياتِ الخمسِ التي عُرِفَ منْ مقاصدِ الشريعةِ رعايتُها، وتواردتِ النصوصُ الشرعيةُ منَ الكتابِ والسنةِ على صونها، معَ استحضارِ ما ثبتَ بدلالةِ السنةِ النبويةِ وعملِ الصحابةِ- رضيَ اللهُ عنهمْ- فمنْ بعدهمْ منْ نزعَ ملكيةَ العقارِ للمصلحةِ العامةِ، تطبيقًا لقواعِد الشريعةِ العامةِ في رعايةِ المصالحِ، وتنزيلَ الحاجةِ العامةِ منزلةَ الضرورةِ ، وتحملَ الضررِ الخاصِ لتفادي الضررِ العامِ.
قررَ ما يلي:
أولاً: يجبُ رعايةُ الملكيةِ الفرديةِ وصيانتِها منْ أيِّ اعتداءٍ عليها، ولا يجوزُ تضييقُ نطاقها أوِ الحدِّ منها، والمالكُ مسلطٌ على ملكِهِ، ولهُ في حدودِ المشروعِ التصرفُ فيهِ بجميعِ وجوهِهِ وجميعِ الانتفاعاتِ الشرعيةِ.
ثانيًا: لا يجوزُ نزعُ ملكيةِ العقارِ للمصلحةِ العامةِ، إلَّا بمراعاةِ الضوابطِ والشروطِ الشرعيةِ التاليةِ:
1-أنْ يكونَ نزعُ العقارِ مقابلَ تعويضٍ فوريٍّ عادلٍ، يقدِّرُهُ أهلُ الخبرةِ، بما لا يقلُّ عنْ ثمنِ المثلِ.
2-أنْ يكونَ نازِعُهُ وليَّ الأمرِ أوْ نائبَهُ في ذلكَ المجالِ.
3-أنْ يكونَ النزعُ للمصلحةِ العامةِ التي تدعو إليهِ ضرورةٌ عامةٌ أو حاجةٌ عامةٌ تُنزَّلُ منزلتها كالمساجدِ والطرقِ والجسورِ.
4-ألَّا يؤولُ العقارُ المنزوعُ منْ مالكِهِ إلى توظيفِهِ في الاستثمارِ العامِ أوِ الخاصِّ، وألَّا يعجلُ نزعُ ملكيتِهِ قبلَ الأوانِ.
فإنِ اختلتْ هذهِ الشروطُ أوْ بعضُها، كانَ نزعُ ملكيةِ العقارِ منَ الظلمِ في الأرضِ والغصوبِ التي نهى اللهُ- تعالى - عنها ورسولُهُ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -.
على أنَّهُ إذا صرفَ النظرَ عنِ استخدامِ العقارِ المنزوعةِ ملكيتُهُ في المصلحةِ المشارِ إليها، تكونُ أولويةُ استردادِهِ لمالكهِ الأصليِّ، أوْ لورثتهِ بالتعويضِ العادلِ» قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي ص (116-118)..