طوفنا- فيما مضى منْ أوراقٍ- في جنباتِ أبرزِ الحلولِ المقترحةِ لمشكلةِ الأراضي البيضاءِ، وهي الأراضي ذاتُ المساحاتِ الكبيرةِ داخل النطاقِ العمرانيِّ، والتي عطِّلَتْ ولمْ تطورْ ولمْ تعرضْ للبيعِ، وقدْ توصلتُ إلى نتائجَ عديدةٍ منْ أبرزِها ما يلي:
أولاً: نشوءُ الملكِ في الأراضي لهُ أسبابٌ عديدةٌ، منْ شراءٍ وميراثٍ وتبرعٍ منْ هبةٍ وهديةٍ ووصيةٍ كسائرِ الأملاكِ، إلاَّ أنَّ أبرزَ ذلكَ المنحُ، والمنحُ الساميةُ والإحياءُ.
ثانيًا: مشكلةُ الأراضي البيضاءِ المعطلةِ في داخلِ المدنِ، تعدُّ منْ كبرياتِ المشاكلِ التي تواجهُ اقتصادياتِ كثيرٍ منَ البلدانِ، لا سيما بلدانَ العالمِ الثالثِ.
ثالثًا: إنَّ مشكلةَ الأراضي البيضاءِ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ قديمةٌ، يتبينُ ذلكَ منْ حزمةِ الأوامرِ والتوجيهاتِ الحكوميةِ على أعلى المستوياتِ التي عنيتْ بها.
رابعًا: إنَّ أكثرَ التدابيرِ التي اتخذتْ لمعالجةِ مشكلةِ الأراضي البيضاءِ كانتْ حلولاً وقائيةً استباقيةً خففتْ منَ المشكلةِ، لكنها لمْ تكنْ كافيةً لمنعِ حدوثِها، حيثُ تعثرَ التطويرُ العقاريُّ بسببِ الخروقاتِ الكثيرةِ التي أدتْ إلى تملكِ أفرادٍ مساحاتٍ واسعةٍ وإمساكِها دونَ تطويرٍ، ما أدى إلى ما يُعرَفُ بمشكلةِ الأراضي البيضاءِ.
خامسًا: إنَّ تنامي الطلبِ على المساكنِ الناشئِ عنْ زيادةِ معدلِ النموِّ السكانيِّ أظهرَ مشكلةَ الأراضي البيضاءِ على السطحِ، فتنادى لذلكَ كثيرٌ منَ المهتمينَ منَ الباحثينَ والعقاريينَ والكُتَّابِ والصحفيينَ والخبراءِ؛ بحثًا عن حلولٍ لهذهِ المشكلةِ، وقدْ تنوعتْ رؤاهمْ وتعددتْ توجهاتهم في أساليبِ معالجةِ هذهِ المشكلةِ وأدواتها، والإلزامِ بتطويرِها وعمارِتها، وتمثلَ أبرزُها في الحلولِ التاليةِ: فرضُ رسومٍ على الأراضي البيضاءِ، وجبايةُ الزكاةِ، وتسعيرُ الأراضي البيضاءِ، ونزعُ ملكيتِها.
سادسًا: ليسَ ثمةَ مانعٌ شرعيٌّ منْ فرضِ غراماتٍ ماليةٍ على ملاكِ الأراضي البيضاءِ الذينَ يمسكونها دونَ تطويرٍ؛ شريطةَ أنْ يثبتَ أنَّ ذلكَ التعطيلِ كانَ نتاجَ إمساكِهم الأرضَ.
سابعًا: مقترحُ جبايةِ الزكاةِ على الأراضي البيضاءِ، منْ أجلِ معالجةِ مشكلةِ الأراضي البيضاءِ وتحفيزِ ملاكِها على تطويرِها يكتنفهُ إشكالاتٌ فقهيةٌ منْ حيثُ أصلُ وجوبِ الزكاةِ في العروضِ، ثمَّ في تحقَّقِ شروطِ الوجوبِ. كما أنَّ ثمةَ عوائقَ عديدةً فيما يتعلقُ بآليةِ تفعيلِ جبايةِ الزكاةِ.
ثامنًا: يجوزُ تسعيرُ ثمنِ الأراضي، إنِ اقتضتْ ذلكَ مصلحةٌ؛ لأنَّ التسعيرَ المحرمَ ما كانَ متضمنًا للظلمِ، أمَّا إنْ كانَ محقِّقًا للعدلِ ومصلحًا لحالِ الخلقِ، فإنَّهُ مطلوبٌ شرعًا، والنظرُ في ذلكَ مرجعُهُ إلى أهلِ الاختصاصِ والعلمِ بهذهِ الأمورِ منْ أهلِ الاقتصادِ والخبرةِ والعقارِ.
تاسعًا: يجوزُ استردادُ ملكيةِ الأراضي البيضاءِ المملوكةِ بإقطاعٍ أوْ إحياءٍ؛ لأنَّ الملكَ لا يثبتُ بمجردِ الإقطاعِ، بلْ يفتقرُ إلى إحياءِ الأراضي بما يقصدُ منها. والناظرُ في حالِ أكثرِ الأراضي البيضاءِ يجدها معطلةً عنْ أيِّ تطويرٍ، فينتفي وصفُ الإحياءِ عنها والانتفاعُ. فيكونُ لوليِّ الأمرِ نزعُ ملكيتِها؛ لتعطيلِها. كما يجوزُ نزعُ ملكيةِ الأراضي البيضاءِ المملوكةِ بمعاوضةٍ أوْ تبرعٍ أوْ ميراثٍ وِفقًا للأحكامِ الوارِدةِ في نِظامِ نزعِ الملكيةِ للمنفعةِ العامةِ.
هذهِ أبرزُ النتائجِ ولا ريبَ أنَّ الموضوعَ بحاجةٍ إلى مزيدِ بحثٍ ودراسةٍ منْ نواحيهِ التنظيميةِ والعقاريةِ والاقتصاديةِ والشرعيةِ للوصولِ إلى أمثلِ الحلولِ، فأوصي ببذلِ المزيدِ منَ الجهودِ لتجليةِ الموضوعِ، وفقَ اللهُ الجميعَ لما فيهِ الخيرُ.