×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / التفسير / دفع إيهام الاضطراب / الدرس(47) قول الله تعالى {ولا يزالون مختلفين}

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

قوله تعالى :{ ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } . اختلف العلماء في المشار إليه بقوله :" ذلك" ، فقيل : إلا من رحم ربك وللرحمة خلقهم . والتحقيق : أن المشار إليه هو اختلافهم إلى سقي وسعيد ، المذكور في قوله :{ ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } ولذلك الاختلاف خلقهم ، فخلق فريقا للجنة وفريقا للسعير، كما نص عليه بقوله تعالى :{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس..} الآية . وأخرج الشيخان في صحيحهما ، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه : " ثم يبعث الله إليك الملك فيؤمر بأربع كلمات : فيكتب رزقه ، وأجله وعمله ، وشقي أم سعيد " . وروى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها " ياعائشة ، إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق النار وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم " . وفي صحيح مسلم ، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء" . وفي الصحيحين من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كل ميسر لما خلق له" . وإذا تقرر أن قوله تعالى {ولذلك خلقهم} معناه : أنهم خلقهم لسعادة بعض وشقاوة بعض ،كما قال :{ ولقد ذرأنا } الآية ، وقال :{ {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن (2) سورة التغابن } فلا يخفى ظهور التعارض بين هذه الآيات ، مع قوله تعالى :{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (56) سورة الذاريات } . والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه : الأول ونقله ابن جرير عن زيد بن أسلم وسفيان : أن معنى الآية : { إلا ليعبدون أي : يعبدي السعداء منهم ويعصيني الأشقياء . فالحكمة المقصودة من إيجاد الخلق التي هي عبادة الله حاصلة بفعل السعداء منهم ، كما أشار له قوله تعالى :{ يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين } . وغاية ما يلزم على هذا القول ، أنه أطلق المجموع وأراد بعضهم ،وقد بينا أمثال ذلك من الآيات التي أطلق فيها المجموع مرادا بعضه ، في سورة الأنفال . الوجه الثاني هو ما رواه ابن جرير عن ابن عباس ، واختاره ابن جرير : أن معنى قوله :{إلا ليعبدون} أي : إلا ليقروا إلي بالعبودية طوعا أو كرها ؛ لأن المؤمن يطيع باختياره ، والكفار مذعن منقاد لقضاء ربه جبرا عليه . الوجه الثالث ويظهر لي أنه هو الحق ؛ لدلالة القرآن عليه : أن الإرادة في قوله :{ولذلك خلقهم} إرادة كونية قدرية ، والإدارية في قوله :{وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} إرادة شرعية دينية . فبين في قوله :{ولذلك خلقهم }وقوله :{ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس} ؛ أنه أراد بإرادته الكونية القدرية صيرورة قوم إلى السعادة ، وآخرين إلى الشقاوة وبين بقوله :{ إلا ليعبدون } أنه يريد العبادة بإرادته الشرعية الدينية من الجن والإنس ، فيوفق من شاء بإرادته الكونية فيعبده ، ويخذل من شاء فيمتنع من العبادة . ووجه دلالة القرآن على هذا : أنه تعالى بينه بقوله :{وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} فعمم الإرادة الشرعية بقوله :{إلا ليطاع} ، وبين التخصيص في الطاعة بالإرادة الكونية بقوله :{ بإذن الله} فالدعوة عامة ،والتوفيق خاص . وتحقيق النسبة بين الإرادة الكونية القدرية والإرادة الشرعية الدينية ، أنه بالنسبة إلى وجود المراد وعدم وجوده ، فالإرادة الكونية أعم مطلقا ؛ لأن كل مراد شرعا يتحقق وجوده في الخارج إذا أريد كونا وقدرا ، كإيمان أبي بكر . وليس يوجد ما لم يرد كونا وقدرا ولو أريد شرعا ، كإيمان أبي لهب . فكل مراد شرعي حصل فبالإرادة الكونية ، وليس كل مراد كوني حصل مرادا في الشرع . وأما بالنسبة إلى تعلق الإرادتين بعبادة الإنس والجن لله تعالى ، فالإرادة الشرعية أعم مطلقا ، والإرادة الكونية أخص مطلقا ؛ لأن كل فرد من أفراد الجن والإنس أراد الله منه العبادة شرعا لم يردها من كلهم كونا وقدرا فتعم الإرادة الشريعة عبادة جميع الثقلين ، وتختص الإرادة الكونية بعبادة السعداء منهم ، كما قدمنا من أن الدعوة عامة ، والتوفيق خاص كما بينه تعالى بقوله :{ والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } فصرح بأنه يدعو الكل ، ويهدي من شاء منهم . وليست النسبة بين الإرادة الشرعية والقدرية العموم والخصوص من وجه ؛ بل هي العموم والخصوص المطلق ،كما بينا ، إلا أن إحداهما أعم مطلقا من الأخرى باعتبار ، والثانية أعم مطلقا باعتبار آخر ، كما بينا والعلم عند الله تعالى . (سورة يوسف) قوله تعالى :{ وجاء بكم من البدو..} الآية . هذه الآية يدل ظاهرها على أن بعض الأنبياء ربما بعث من البادية . وقد جاء في موضع آخر ما يدل على خلاف ذلك ، وهو قوله تعالى :{ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى } . وأجبي عن هذا بأجوبة : منها : أن يعقوب نبئ من الحضر ، ثم انتقل بعد ذلك إلى البادية . ومنها : أن المراد بالبدو نزول موضع اسمه " بدا" هو المذكور في قوله جميل أو كثير : وأنت الذي حبب شغبا إلى بدا إلي وأوطاني بلاد سواهما حللت بهذا مرة ثم مرة بهذا فطاب الواديان كلاهما وهذا القول مروي عن ابن عباس . ولا يخفى بعد هذا القول ، كما نبه عليه الألوسي في تفسيره . ومنها : أن البدو الذي جاءوا منه مستند للحضر ، فهو في حكمه والله تعالى أعلم . (سورة الرعد) قوله تعالى :{ إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ...} . هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأن لكل قوم هاديا . وقد جاء في آيات أخر ما يدل على أن بعض الأقوام لم يكن لهم هاد ، سواء فسرنا الهدى بمعناه الخاص أو بمعناه العام . فمن الآيات الدالة على أن بعض الناس لم يكن لهم هاد بالمعنى الخاص ؛ قوله تعالى :{ وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك } فهؤلاء المضلون لم يهديهم هاد الهدى الخاص ، الذي هو التوفيق لما يرضي الله . ونظيرها قوله :{ ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } ، وقوله :{ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } وقوله :{ إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين } إلى غير ذلك من الآيات . ومن الآيات الدالة على أن بعض الأقوام لم يكن لهم هاد بالمعنى العام ، الذي هو إبانة الطريق ، قوله تعالى :{ {لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم (6) سورة يس } بناء على التحقيق من أن " ما " نافية لا موصولة ، وقوله تعالى :{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل..} الآية . فالذين ماتوا في هذه الفترة ، لم يكن لهم هاد بالمعنى الأعم أيضا . والجواب عن هذا من أربعة أوجه . الأول : أن معنى قوله : { ولكل قوم هاد } أي داع يدعوهم ويرشدهم ، إما إلى خير الأنبياء ، وإما إلى شر كالشياطين . أي وأنت يا رسول الله منذر هاد إلى كل خير . وهذا القول مروي عن ابن عباس ، من طريق علي بن أبي طلحة ، وقد جاء في القرآن استعمال الهدى في الإرشاد إلى الشر أيضا ، كقوله تعالى :{كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير } وقوله تعالى :{فاهدوهم إلى صراط الجحيم} ، وقوله تعالى :{ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم} كما جاء في القرآن أيضا إطلاق الإمام على الداعي إلى الشر ، في قوله :{وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار .. } الآية . الثاني : أن معنى الآية : أنت يامحمد - صلى الله عليه وسلم - منذر ، وأنا هادي كل قوم ويروى هذا عن ابن عباس من طريق العوفي ، وعن محمد وسعيد بن جبير والضحاك وغير واحد . قاله ابن كثير . وعلى هذا القول ، فقوله :{ ولكل قوم هاد }، يعني به نفسه جل وعلا . ونظيره في القرآن قوله تعالى :{ ولا ينبئك مثل خبير } يعني نفسه ، كما قاله قتادة . ونظيره من كلام العرب قول قتادة بن سلمة الحنفي : ولئن بقيت لأرحلن بغزوة تحوي الغنائم أو يموت كريم يعني : نفسه . وسيأتي تحرير هذا المبحث إن شاء الله في سورة القارعة . وتحرير المعنى على هذا القول : أنت يا محمد منذر ، وأنا هادي كل قوم سبقت لهم السعادة والهدى في علمي ؛ لدلالة آيات كثيرة على أنه يتعالى هدى قوما وأضل آخرين ، على وفق ما سبق به العلم الأزلي ، كقوله تعالى :{ إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } . الثالث : أن معنى : {ولكل قوم هاد} أي : قائد ، والقائد : الإمام والإمام : العمل . قاله أبو العالية ، كما نقله عنه ابن كثير . وعلى هذا القول ، فالمعنى : ولكل قوم عمل يهديهم إلى ما هم صائرون إليه من خير وشر . ويدل لمعنى هذا الوجه قوله تعالى :{هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت} على قراءة من قرأها بتاءين مثناتين ، بمعنى : تتبع كل نفس ما أسلف من خير وشر . وأما على القول بأن معنى : " تتلو" : تقرأ في كتاب عملها ما قدمت من خير وشر ، فلا دليل في الآية . ويدل له أيضا حديث : " لتتبع كل أمة ما كانت تعبد . فيتبع من كان يعبد الشمس : الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت : الطواغيت" الحديث .

المشاهدات:3901

قوله تعالى :{ ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } .
اختلف العلماء في المشار إليه بقوله :" ذلك" ، فقيل : إلا من رحم ربك وللرحمة خلقهم .
والتحقيق : أن المشار إليه هو اختلافهم إلى سقي وسعيد ، المذكور في قوله :{ ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } ولذلك الاختلاف خلقهم ، فخلق فريقا للجنة وفريقا للسعير، كما نص عليه بقوله تعالى :{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس..} الآية .
وأخرج الشيخان في صحيحهما ، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه : " ثم يبعث الله إليك الملك فيؤمر بأربع كلمات : فيكتب رزقه ، وأجله وعمله ، وشقي أم سعيد " .
وروى مسلم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ " ياعائشة ، إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق النار وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم " .
وفي صحيح مسلم ، من حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء" .
وفي الصحيحين من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كل ميسر لما خلق له" .
وإذا تقرر أن قوله تعالى {ولذلك خلقهم} معناه : أنهم خلقهم لسعادة بعض وشقاوة بعض ،كما قال :{ ولقد ذرأنا } الآية ، وقال :{ {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن (2) سورة التغابن } فلا يخفى ظهور التعارض بين هذه الآيات ، مع قوله تعالى :{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (56) سورة الذاريات } .
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه :
الأول ـ ونقله ابن جرير عن زيد بن أسلم وسفيان ـ : أن معنى الآية : { إلا ليعبدون أي : يعبدي السعداء منهم ويعصيني الأشقياء . فالحكمة المقصودة من إيجاد الخلق ـ التي هي عبادة الله ـ حاصلة بفعل السعداء منهم ، كما أشار له قوله تعالى :{ يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين } .
وغاية ما يلزم على هذا القول ، أنه أطلق المجموع وأراد بعضهم ،وقد بينا أمثال ذلك من الآيات التي أطلق فيها المجموع مرادا بعضه ، في سورة الأنفال .
الوجه الثاني ـ هو ما رواه ابن جرير عن ابن عباس ، واختاره ابن جرير : أن معنى قوله :{إلا ليعبدون} أي : إلا ليقروا إلي بالعبودية طوعا أو كرها ؛ لأن المؤمن يطيع باختياره ، والكفار مذعن منقاد لقضاء ربه جبرا عليه .
الوجه الثالث ـ ويظهر لي أنه هو الحق ؛ لدلالة القرآن عليه ـ : أن الإرادة في قوله :{ولذلك خلقهم} إرادة كونية قدرية ، والإدارية في قوله :{وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} إرادة شرعية دينية . فبين في قوله :{ولذلك خلقهم }وقوله :{ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس} ؛ أنه أراد بإرادته الكونية القدرية صيرورة قوم إلى السعادة ، وآخرين إلى الشقاوة وبين بقوله :{ إلا ليعبدون } أنه يريد العبادة بإرادته الشرعية الدينية من الجن والإنس ، فيوفق من شاء بإرادته الكونية فيعبده ، ويخذل من شاء فيمتنع من العبادة .
ووجه دلالة القرآن على هذا : أنه تعالى بينه بقوله :{وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} فعمم الإرادة الشرعية بقوله :{إلا ليطاع} ، وبين التخصيص في الطاعة بالإرادة الكونية بقوله :{ بإذن الله} فالدعوة عامة ،والتوفيق خاص .
وتحقيق النسبة بين الإرادة الكونية القدرية والإرادة الشرعية الدينية ، أنه بالنسبة إلى وجود المراد وعدم وجوده ، فالإرادة الكونية أعم مطلقا ؛ لأن كل مراد شرعا يتحقق وجوده في الخارج إذا أريد كونا وقدرا ، كإيمان أبي بكر . وليس يوجد ما لم يرد كونا وقدرا ولو أريد شرعا ، كإيمان أبي لهب . فكل مراد شرعي حصل فبالإرادة الكونية ، وليس كل مراد كوني حصل مرادا في الشرع .
وأما بالنسبة إلى تعلق الإرادتين بعبادة الإنس والجن لله تعالى ، فالإرادة الشرعية أعم مطلقا ، والإرادة الكونية أخص مطلقا ؛ لأن كل فرد من أفراد الجن والإنس أراد الله منه العبادة شرعا لم يردها من كلهم كونا وقدرا فتعم الإرادة الشريعة عبادة جميع الثقلين ، وتختص الإرادة الكونية بعبادة السعداء منهم ، كما قدمنا من أن الدعوة عامة ، والتوفيق خاص كما بينه تعالى بقوله :{ والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } فصرح بأنه يدعو الكل ، ويهدي من شاء منهم .
وليست النسبة بين الإرادة الشرعية والقدرية العموم والخصوص من وجه ؛ بل هي العموم والخصوص المطلق ،كما بينا ، إلا أن إحداهما أعم مطلقا من الأخرى باعتبار ، والثانية أعم مطلقا باعتبار آخر ، كما بينا والعلم عند الله تعالى .

(سورة يوسف)

قوله تعالى :{ وجاء بكم من البدو..} الآية .
هذه الآية يدل ظاهرها على أن بعض الأنبياء ربما بعث من البادية . وقد جاء في موضع آخر ما يدل على خلاف ذلك ، وهو قوله تعالى :{ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى } .
وأجبي عن هذا بأجوبة :
منها : أن يعقوب نبئ من الحضر ، ثم انتقل بعد ذلك إلى البادية .
ومنها : أن المراد بالبدو نزول موضع اسمه " بدا" هو المذكور في قوله جميل أو كثير :
وأنت الذي حبب شغبا إلى بدا إلي وأوطاني بلاد سواهما
حللت بهذا مرة ثم مرة بهذا فطاب الواديان كلاهما
وهذا القول مروي عن ابن عباس . ولا يخفى بعد هذا القول ، كما نبه عليه الألوسي في تفسيره .
ومنها : أن البدو الذي جاءوا منه مستند للحضر ، فهو في حكمه والله تعالى أعلم .

(سورة الرعد)

قوله تعالى :{ إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ...} .
هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأن لكل قوم هاديا . وقد جاء في آيات أخر ما يدل على أن بعض الأقوام لم يكن لهم هاد ، سواء فسرنا الهدى بمعناه الخاص أو بمعناه العام .
فمن الآيات الدالة على أن بعض الناس لم يكن لهم هاد بالمعنى الخاص ؛ قوله تعالى :{ وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك } فهؤلاء المضلون لم يهديهم هاد الهدى الخاص ، الذي هو التوفيق لما يرضي الله . ونظيرها قوله :{ ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } ، وقوله :{ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } وقوله :{ إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين } إلى غير ذلك من الآيات .
ومن الآيات الدالة على أن بعض الأقوام لم يكن لهم هاد بالمعنى العام ، الذي هو إبانة الطريق ، قوله تعالى :{ {لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم (6) سورة يس } بناء على التحقيق من أن " ما " نافية لا موصولة ، وقوله تعالى :{ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل..} الآية .
فالذين ماتوا في هذه الفترة ، لم يكن لهم هاد بالمعنى الأعم أيضا .
والجواب عن هذا من أربعة أوجه .
الأول : أن معنى قوله : { ولكل قوم هاد } أي داع يدعوهم ويرشدهم ، إما إلى خير الأنبياء ، وإما إلى شر كالشياطين . أي وأنت يا رسول الله منذر هاد إلى كل خير . وهذا القول مروي عن ابن عباس ، من طريق علي بن أبي طلحة ، وقد جاء في القرآن استعمال الهدى في الإرشاد إلى الشر أيضا ، كقوله تعالى :{كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير } وقوله تعالى :{فاهدوهم إلى صراط الجحيم} ، وقوله تعالى :{ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم} كما جاء في القرآن أيضا إطلاق الإمام على الداعي إلى الشر ، في قوله :{وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار .. } الآية .
الثاني : أن معنى الآية : أنت يامحمد - صلى الله عليه وسلم - منذر ، وأنا هادي كل قوم ويروى هذا عن ابن عباس من طريق العوفي ، وعن محمد وسعيد بن جبير والضحاك وغير واحد . قاله ابن كثير .
وعلى هذا القول ، فقوله :{ ولكل قوم هاد }، يعني به نفسه جل وعلا . ونظيره في القرآن قوله تعالى :{ ولا ينبئك مثل خبير } يعني نفسه ، كما قاله قتادة . ونظيره من كلام العرب قول قتادة بن سلمة الحنفي :
ولئن بقيت لأرحلن بغزوة تحوي الغنائم أو يموت كريم
يعني : نفسه .
وسيأتي تحرير هذا المبحث إن شاء الله في سورة القارعة . وتحرير المعنى على هذا القول : أنت يا محمد منذر ، وأنا هادي كل قوم سبقت لهم السعادة والهدى في علمي ؛ لدلالة آيات كثيرة على أنه يتعالى هدى قوما وأضل آخرين ، على وفق ما سبق به العلم الأزلي ، كقوله تعالى :{ إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } .
الثالث : أن معنى : {ولكل قوم هاد} أي : قائد ، والقائد : الإمام والإمام : العمل . قاله أبو العالية ، كما نقله عنه ابن كثير .
وعلى هذا القول ، فالمعنى : ولكل قوم عمل يهديهم إلى ما هم صائرون إليه من خير وشر . ويدل لمعنى هذا الوجه قوله تعالى :{هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت} على قراءة من قرأها بتاءين مثناتين ، بمعنى : تتبع كل نفس ما أسلف من خير وشر .
وأما على القول بأن معنى : " تتلو" : تقرأ في كتاب عملها ما قدمت من خير وشر ، فلا دليل في الآية . ويدل له أيضا حديث : " لتتبع كل أمة ما كانت تعبد . فيتبع من كان يعبد الشمس : الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت : الطواغيت" الحديث .

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94001 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف