المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم: الدين والحياة، والتي تأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، نرحب بكم ونحييكم في مطلع هذا اللقاء، والذي نسعد بصحبتكم فيه من الإعداد والتقديم، يصحبكم عبد الله الداني، ومن التنفيذ على الهواء والإخراج الزميل: محمد باصويلح.
يسرني كذلك مستمعينا الكرام في بدء هذا اللقاء أن أرحب بضيفي وضيفكم الدائم في هذا البرنامج فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: خالد بن عبد الله المصلح، أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، السلام عليكم ورحمة الله، أهلًا وسهلًا بكم شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك، حياك الله أخي عبد الله، وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المذيع: أهلًا وسهلًا بكم، وحيا الله المستمعين معنا في هذا اللقاء الذي يمتد بنا وبكم -بإذن الله- نحو ساعة من الآن في حديث شيق وماتع، سيكون حول هذا المسجد المبارك المسجد الأقصى، حديثنا مستمعينا الكرام، وعنوان حلقتنا في هذه الحلقة عن:
"المسجد الأقصى في قلوب ووجدان المسلمين"
فقد ارتبطت قدسية هذا المسجد المبارك في العقيدة الإسلامية منذ أن كان القبلة الأولى للمسلمين، فهو أولى القِبْلَتَيْن، حيث صلى المسلمون إليه في بادئ الأمر نحو سبعة عشر شهرًا قبل أن يتحولوا إلى الكعبة ويتخذوها قبلتهم بعد أن أنزل الله -سبحانه وتعالى- قوله: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾[البقرة:144].
وتوثقت مكانة المسجد الأقصى في نفوس المسلمين بحادثة الإسراء والمعراج تلك المعجزة العقائدية التي اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختص بها فصاغها المولى بكلمات مجلجلة في أذان وقلوب المؤمنين إلى يوم الساعة في مطلع سورة الإسراء، حياكم الله، وأهلًا ومرحبًا بكم وبضيفنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: خالد بن عبد الله المصلح.
شيخ خالد، عندما نتحدث في بادئ الأمر عن هذا الموضوع المهم، لعله من المناسب أن يكون هنا حديث مستفيض عن المسجد الأقصى، خاصة وأن هذا الأمر يتواكب مع هذه الأحداث التي تجري حول المسجد الأقصى، وحول القدس؛ هذه العاصمة، أو هذه المدينة التي هي مدينة إسلامية خالصة، وهذا الحديث ربما يدعونا إلى الحديث عن هذا المسجد الأقصى، ومكانته في نفوس ووجدان وقلوب المسلمين، إضافة إلى ما يكون في الكتاب والسنة من فضائل لهذا المسجد المبارك وتلك البقعة المباركة، وأيضًا مرورًا بما قدَّمته هذه البلاد المباركة عبر قاداتها في نصرة القضية الفلسطينية.
في البداية المسجد الأقصى بالتأكيد معروف أهميته ومكانته، لكن كيف يمكن لنا أن نقدم هذا الحديث عن المسجد الأقصى؟ وما هي المكانة التي يتبوَّؤها هذا المسجد؟
الشيخ: الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلِّي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي عبد الله، ومرحبًا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
ما يشك أحد في ارتباط هذه البقعة المباركة؛ المسجد الأقصى بهذه الرسالة الخاتمة رسالة نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في أول رسالته -صلى الله عليه وسلم- قد أسرى الله -تعالى- به إلى المسجد الأقصى، ولقد كان هذا الإسراء له دلالة كبرى في بيان ارتباط هذه الرسالة بالرسالات السابقة، والأنبياء المتقدمين، وبهذه البقعة على وجه الخصوص التي ذكرها الله-تعالى-وبيَّن عظيم ما خصَّها به من المباركة فيها وما حولها، يقول الله-جلَّ وعلا-: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء:1]؛ هذه الآية الكريمة التي ذكر الله -تعالى- فيها إسراءه بالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تبيِّن عظيم ما لهذه البقعة من ارتباط بالمسجد الحرام؛ حيث إن الله -تعالى- جعل من آيات النبي الكريم الدالة على عظمة ما جاء به والدالة على صدقه -صلى الله عليه وسلم- أن ربط بين هاتين البقعتين؛ هذه البقعة المباركة وهذا المسجد الحرام، وقد أقسم الله -تعالى- بهذه البقاع المباركة تنويهًا بمكانتها، وإشارة إلى عظيم ما خصَّها الله -تعالى- بها من الصفات، فقال -جلَّ وعلا-: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ﴾ [التين:1 - 3]؛ هذا القَسَم هو قسم بأرض الرسالات التي خصَّها الله -تعالى- بإنزال نوره على أعظم الأمم؛ على اليهود والنصارى، وعلى الأمة الخاتمة؛ أمة الإسلام بما أنزله على محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
فارتباط هذه البقع المباركة بيِّنٌ في كتاب الله –عزَّ وجلَّ- ظاهر ظهورًا لا ريب فيه لكل من رأى ما جاء في النصوص في الكتاب والسنة، وظهور هذا يؤكد حقيقة أنَّ هذه البقعة المباركة لا ترتبط بجنس، ولا ترتبط بعمارة لها، إنما ترتبط بتحقيق العبودية لله -عزَّ وجلَّ- ، فمن كان محققًا للعبودية لله -عزَّ وجلَّ- فهو أحق بها، كما قال -تعالى- : ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: 105]؛ فالأرض هي لله -عزَّ وجلَّ- يورثها من يشاء من عباده، وقد كتب -جلَّ وعلا- شرعًا، وتقدَّم ذلك كتابة قدرية، فإن قوله -تعالى- : ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ [الأنبياء:105]؛ يعني من بعد اللوح المحفوظ ﴿أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء:105]؛ أي: أن الأرض يُمَكِّن الله -تعالى- فيها لعباده الصالحين؛ وذلك بإقامتهم التوحيد، وقيامهم بشرع الله-عزَّ وجلَّ-، وحفاظهم على ما أمروا بالمحافظة عليه، فكل من حقق ذلك فإنه متأهل أن يكون وارثًا للأرض، وبالتالي من يزعم أن هذه الأرض لفلان، أو لفلان، أو للجنس الفلاني، فإنَّه غافل عن سنة شرعية قدرية في فعل الله -عزَّ وجلَّ-، إنما يمكِّن من كان أَعْبَدَ له، من كان أقوم بشرعه، من كان أقرب إليه -سبحانه وبحمده-، ولذلك التسابق ليس في أن يظن الإنسان استحقاقه للأرض، إنما في تحقيق طاعة الله -عزَّ وجل-، وقد ذكر الله -تعالى- ذلك فيما يكون من إخراج من الديار والإجلاء عنها، يقول الله -تعالى- : ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [الحج:40]، ثم يقول: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج:40].
بعد ذلك ذكر الله -عزَّ وجلَّ- موجبات النصر: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الحج:41]، ثم أكد أنه إذا تحقق ذلك فإنَّ له -جلَّ وعلا- التدبير الخفي، وله –جلَّ وعلا- اللطف فيما يشاء فإنه سينفذ ما وعد، ولذلك قال: ﴿وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾، فإذا كان الله يملك البدايات، ويملك النهايات، فكيف يخرج شيءٌ عن وعدِه؟! أو يخرج شيءٌ عن حكمه، وقضائه وقدره –جلَّ في علاه- فهو سبحانه وبحمده على كلِّ شيءٍ قدير، وهو بكلِّ شيءٍ محيط، فكل الشأن في تحقيق طاعة الله-عزَّ وجلَّ-.
هذه الأرض المباركة قد أُسْرِي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إليها، فجاءها رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهي على نحو من العمارة، فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- بيت المقدس، وصلَّى فيه -صلى الله عليه وسلم-؛ صلى فيه بإخوته من الأنبياء الكرام -صلوات الله وسلامه عليهم-، صلى بهم ركعتين، ثم خرج -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعُرِجَ به إلى السماء، ثم لما نزل إلى الأرض نزل إلى بيت المقدس.
فارتباط هذه البقعة في شريعة الإسلام وبدين الإسلام ارتباط قديم وثيق؛ توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن قد بلغ الفتح تلك الجهات إلَّا أن الله -تعالى- أذن بالفتح المبين، والنصر الظاهر لهذه الأمة بفتح بيت المقدس في زمن عمر بن الخطاب-رضي الله تعالى عنه-، فجاء عمر-رضي الله تعالى عنه-بنفسه؛ وهو خليفة المسلمين، جاء ليفتح بيت المقدس ويستلم مفاتيحه من القساوسة الذين كانوا يشرفون على هذه البقعة، فجاء -رضي الله تعالى عنه- ، وجاء على صفةٍ عرفها أولئك القوم، حيث جاء عمر-رضي الله تعالى عنه-على نحو من التواضع والاستكانة لله -عزَّ وجلَّ- والعدل في الخلق، جعله مطابقًا لما ذَكَرَت الرسالات في صفة مَنْ يُعطَى مفاتيح بيت المقدس؛ فلذلك جاء-رضي الله تعالى عنه- وسلَّمه القساوسة مفاتيح بيت المقدس، فدخل فاتحًا-رضي الله تعالى عنه-، وكان دخوله إيذانًا بأن هذه البقعة لأهل الإسلام، وأن يُقام فيها شرع الله -عزَّ وجلَّ- ، وأن تكون قرينة الأرض المقدسة مكة البلد الحرام، في إظهار الدين وتطهير هذه البقعة من كل ما يكون من الشرك والكفر بالله -عزَّ وجلَّ-.
فكان ما كان من عدل عمر-رضي الله تعالى عنه-.
وتوالى على ذلك أهل الإسلام في إقامة شرع الله -عزَّ وجلَّ- وتعظيم هذه البقعة التي ارتكز حبُّها في نفوس المؤمنين إلى أن جاءت الغزوات الصليبية المتتالية التي نتج عنها ما نتج من ذهاب بيت المقدس إلى أيدي الصليبين الذي سعَوْا في الأرض فسادًا، وأظهروا في تلك البقاع من التنكيل والأذى، وامتهان البقعة المباركة، وما إلى ذلك من الفساد ما الله به عليم، حتى طهَّر الله -تعالى- بيت المقدس من أولئك، وعاد إلى حيازة البلاد الإسلامية، وبقي الأمر إلى أن حصل ما حصل في القرن الماضي من تَمَكُّن الصهاينة من هذه البقعة المباركة شيئًا فشيئًا حتى أصبح الأمر على ما نحن عليه ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 21].
هذا الاستعراض لتأكيد أن هذه البقعة هي لله يورثها عباده الصالحين، وهي لكلِّ من حقق توحيد الله -تعالى- وإقامة شرعه، وأهل الإسلام هم أعبد الأمم لله -عزَّ وجلَّ-، وهم أقوم الأمم بطاعة الله -عزَّ وجلَّ- وحفظ حدوده؛ ولذلك الاستحقاق في هذه البقعة هو لأجل صلاح هذه الأمة، وقيامها بشرع الله -عزَّ وجلَّ-، وتعظيمها لدينه ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف:21].
فالعاقبة حميدة، ولن تقوم الساعة حتى تعود هذه الأرض إلى أهلها، وإلى القائمين فيها بطاعة الله -عزَّ وجلَّ-؛ ولذلك ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في علامات الساعة: أنَّ هذه الأرض المباركة يفتحها عيسى بن مريم -عليه السلام- في آخر الزمان عندما يظهر الدجال، ويشيع فساده، ويكثر أذاه للخلق، وتكثر فتنته لهم، فيكون منتهى فتنته أن يقتله عيسى بن مريم -عليه السلام- في باب لُدٍّ، وباب لُدٍّ: هو من البقاع التي في بيت المقدس كما جاء الخبر، فإنه يدركه في باب لُدٍّ، ويقتله ويري الناس دمه، فكانت هذه البقعة أيضًا مرتبطة بتاريخ الأمة المستقبل، فإن عيسى بن مريم ينزل في آخر الزمان ويكون من جليل أفعاله وعظيم ما يجريه الله -تعالى- على يديه من الفتح، أن يأتي فلسطين في باب لُدٍّ فيقتل الدجال، ويري الناس دمه[صحيح مسلم:ح2937/110]؛ وهذا يبيِّن ارتباط جميع الأمة بهذه البقعة، كما أنَّه يبيِّن ارتباط آخرها وخاتمها بهذه الأمة.
فهي أمة مرتبطة بهذه البقعة سلفًا وخلفًا، نسأل الله-عزَّ وجلَّ-أن يصلح الحال، وأن يعيد هذه البقعة المباركة إلى بلاد الإسلام.
المذيع: اللهم آمين، قبل أن ندخل في المحور التالي استأذنكم في فتح باب الاتصالات، ومعنا الاتصال الأول من المستمع عبد العزيز الشريف من الرياض، تفضل يا عبد العزيز.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل: أحييك وأحيي فضيلة الشيخ، وبارك الله فيك، المسجد الأقصى؛ هذا المسجد المبارك الآن لما صدر هذا القرار الجائر، سمعنا اندفاعًا من الشباب، تهورًا، وقد وضعوا بلادهم ووليَّ أمرهم في إحراج، توجيه الشيخ للشباب وأن مثل هذا ممنوع، نعم، نحن نغار على المسجد الأقصى، نحب المسجد الأقصى، ندعوا له أن يحرره الله من هؤلاء الأجناس الأرجاس، لكن التهور وعدم تقدير المسئولية، ووضع الدولة وولي الأمر، وغير ذلك يضع في حرج، ومنهم من ينادي بالجهاد، وكذا وكذا، فنرجوا توجيه الشيخ للشباب، نعم المسجد الأقصى أُولى القبلتين، وقد أسرى له النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وله معزَّة في قلوبنا، ونتمنى أن نحرره، وندعوا له، لكن لا نريد التهور، ولا نريد أن نؤذي بلادنا، أو نجلب لها ولولي أمرنا المشاكل وغير ذلك، وجزاكم الله كل خير، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: شكرًا لك عبد العزيز، إذا كان بالإمكان تعليق شيخ خالد قبل الفاصل.
الشيخ: سنأتي إليه -إن شاء الله تعالى-، لكن قبل أن نأتي على هذه النقطة، ما يتعلق بمكانة المسجد الأقصى، فمكانته تظهر فيما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنه ثاني مسجد بُنِيَ على وجه هذه البسيطة، إن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعله في الصحيحين من حديث أبي ذر «أنَّه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أيُّ مسجد وُضِعَ أَوَّلُ؟»؛ يعني أي مسجد كان بناؤه سابقًا في الأرض، «فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : المَسْجِدُ الْحَرَامُ»؛ أي مسجد الكعبة شرفها الله، وأدام حرمتها وعزَّها، وذلك أنه أول بيت عبد فيه الله -عزَّ وجلَّ- كما قال الله-جلَّ وعلا-: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران:96] ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران:97]، ثم قال أبو ذر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأله: «ثُمَّ أَيٌّ؟»؛ يعني أي المساجد بعد المسجد الحرام، «قال: ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، فقال أبو ذر: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قال أَرْبَعُونَ، ثمَّ قال -صلى الله عليه وسلم- : حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، وَالْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ»[صحيح البخاري:ح3366]؛ وهذا من خصائص الأمة المباركة أن جعلت لها الأرض مسجدًا وطهورًا.
الشاهد من هذا الحديث: ارتباط هذه البقعة المباركة؛ المسجد الأقصى بالمسجد الحرام، حيث إنَّه الثاني على الأرض في تحقيق العبودية لله-عزَّ وجلَّ- وعبادة الله وحده لا شريك له، وبالتالي يتأكد هذا الارتباط بين هاتين البقعتين الشريفتين المباركتين في تحقيق العبودية لله -عزَّ وجلَّ-؛ وهذا من الأسرار والحكم التي أُسْرِيَ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من أَجْلِهَا إلى المسجد الأقصى؛ كما قال -تعالى- : ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء:1].
ومما يبرز مكانة هذه البقعة المباركة أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- جعل شدَّ الرحال إلى هذه البقعة من العبادات التي يتقرب بها إلى الله -جلَّ في علاه-، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ؛ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى»[صحيح البخاري:ح1189]، فهو من المساجد التي يُرْتَحَل للتقرب إلى الله -تعالى- بالصلاة فيها، والصلاة عندها تعظيمًا لله -عزَّ وجلَّ- وطاعة له -جلَّ وعلا-؛ وذلك لما له من المكانة والمنزلة، ولما له من الاصطفاء والاختيار، فالله -عزَّ وجلَّ- بارك حوله، والشيء إذا كانت البركة حوله ففيه من باب أولى؛ لأن البركة التي حوله هي ببركته؛ كما قال -تعالى- : ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء:1]؛ هذا يبيِّن أن فيه من البركة والخير، وكثرة العطايا، والهبات ما جعل ذلك فائضًا على ما حوله من المواقع والمواضع.
ومن بركته: أنَّ الله يُطْفِئ أعظم فتنة تجري على الناس في بيت المقدس؛ كما جاء أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن عيسى بن مريم، وأنَّه يدرك الدجال في باب لُدٍّ[سبق]؛ وهو من المواضع القريبة من بيت المقدس، فيقتله ويريهم دمه؛ وهذا من بركة هذه البقعة المباركة التي تزول بها هذه الفتنة العظيمة التي تزلزل القلوب، وتصرفها عن طاعة الله -عزَّ وجلَّ-.
النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما هاجر إلى المدينة توجَّه في صلاته إلى بيت المقدس؛ وذلك في أول الأمر، واستمر عليه -صلى الله عليه وسلم- مدة من الزمن، ثم صرف الله -تعالى- وجهه إلى الكعبة البيت الحرام؛ القبلة التي استقر عليها الأمر، ولهذا كانت هذه الجهة هي موضع الاستقبال أولًا، ثم نسخت بالاستقبال إلى الكعبة البلد الحرام.
كل هذه المعطيات تشير وتدل على ارتباط هذه الأمة بهذه البقعة، وأن هذه الأمة لها من الخاصية في هذه البقعة ما ليس لغيرها من الأمم.
لا شك أنَّ ما يجري في فلسطين عمومًا وبيت المقدس على وجه الخصوص من احتلال الصهاينة، وانتهاكهم لهذه البقعة المباركة، مما يُشْحِن النفوس ويجعلها تمتلئ غيظًا على هؤلاء الذين فعلوا ما فعلوا بهذه البقعة المباركة، وبسلبهم حقوق أهل الإسلام فيها، بل حتى حقوق غير أهل الإسلام من النصارى، وأصحاب الديانات الأخرى، لا شك إنَّ هذا مما يملأ القلوب غيظًا، ويملؤها كمدًا على هذا التسلط، وهذا الأذى، وهذا الاستكبار العظيم من هذه الشرذمة من شُذَّاذ الأرض الذين سَعَوْا في الأرض فسادًا، ولا شك أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- غالبٌ على أمره، وهو -جلَّ وعلا- مطلع على هذا الذي يجري، وهو -سبحانه وبحمده- العليم به المحيط، لكن جعل الله -تعالى- لكلِّ شيءٍ سببًا، وجعل الله -تعالى- لكلِّ أجلٍ قدرًا، فالواجب على أهل الإسلام أن يعرفوا أسباب ما جرى ويعالجوه بالأسباب الشرعية، والأسباب المتاحة الممكنة حتى يرتفع ما نزل بهذه البقعة من بلاء ويزول ما حصل فيها من شر.
ولا شك أنَّ ما أشار إليه الأخ عبد العزيز من أنَّه ثمة من يتحمس، ومن يندفع في رد الفعل، وهؤلاء نقول لهم: كلُّ رَدَّةِ فعل لا تكون منضبطة، لا تكون محقِّقة للغاية، لا تكون مستنيرة بوحي الكتاب والسنة، وما جرى عليه سلف الأمة فإنَّه يخرج بالناس إلى أزمات متراكمة متتابعة، ولا يحلُّ مشكلة، بل يزيد الطين بلة، ويجعل الأمر من سوء إلى أسوأ، فليس الأمر بخطوات عجلى، ولا بصُراخات تدعو إلى الفوضى، ولا إلى غير ذلك مما قد ينفس به الإنسان عما يجده من غيظ آني، ثم يذهب إلى حياته وتعود الأمور إلى مجراها دون تحقيق الغرض المنشود والعمل المطلوب من السعي الجاد لكف يد هؤلاء الغاصبين عن هذه البقعة وعن سائر فلسطين، وعدم الاشتغال بالنافع من العمل الممكن الذي يحقق للأمة الثناء والعز والتمكين؛ ولذلك ما نشاهده من طعن بعض الناس في الحكام، والاتهام بالتهم الباطلة زورًا وبهتانًا دون بينة ولا برهان، وأيضًا المطالبة بما لا يمكن فعله، ولا يمكن تحقيقه؛ كل هذا نوع من أنواع القفز على الواقع، والهروب من قضية ومشكلة إلى ما هو أعقد منها، فإنَّ فساد الصلة بين الناس وحكامهم، وزرع بذور الشقاق، وعدم الوفاق، والشك، والاتهام بالباطل والبهتان؛ كلُّ هذا هو في الحقيقة خدمة لأعداء الأمة، خدمة لأهل الفساد والشر، خدمة لمن انتهكوا حرمات هذه البقعة المباركة؛ ولهذا ينبغي أن نتفطن، وأن نكون على وعي بكلِّ هذه المخططات، وألَّا ننساق وراء هذه الهتافات التي تدعونا إلى الاشتغال بأنفسنا عن عدونا، هناك من يخون الحكام، هناك من يزوِّر على الشعوب؛ ولذلك نجد الاتهامات تتبادل بين الشعوب بالخذلان، فتسمع من يقول: ماذا قدَّم هؤلاء للفلسطينيين، أو للقضية الفلسطينية، ويجحدون ما قدمته الدول العربية، والدول الإسلامية لهذه القضية بما يستطيعون، فالأمة مُنْهَكَة، الأمة مصابة في نفسها، الأمة متفرقة، الأمة مشغولة بأعداء من داخلها أكثروها جراحًا، أعاقوها عن كلِّ رُقِيٍّ وسمو، ويزيد الأمر شرًّا عندما يعمل هؤلاء على مزيد إثخان في الأمة، مزيد اشتعال، مزيد تفريق؛ ولذلك هذه الأبواق المأجورة التي ترتهن لمصالح شخصية طائفية، أو مصالح سياسية مؤقتة، فيتهمون البلدان، ويتهمون الحكام، ويتهمون الأمة بأنواع من الاتهامات.
كلُّ هؤلاء ينبغي أن يُعْرَض عنهم، وألَّا يُلتَفت إليهم، فعلاجهم أن تُبيَّن الحقائق، وأن تظهر الوقائع، وأن تنتقل الأمة إلى العمل الجاد المُرَتَّب، ولا تلتفت إلى هذا الصراخ، وهذه الكلمات التي لا تصدر عن ناصح، ولا عن عاقل، ولا عن بصير، إنما هو كيد الكائدين، ومكر الماكرين.
نحن نسمع بلدانًا ترفع الشعارات ليل نهار؛ الموت لكذا، الموت لكذا، الموت لإسرائيل، والواقع أنَّهم لم يقدموا للأمة في هذه القضية سوى التفريق والتمزيق، وليس الأمر بشال يوضع على الصدر، ولا بكلمات رنانة، ولا بخطب تشبع رغبات السامعين من السباب والشتائم ورمي التهم، إنما العمل الجاد الذي يسلك المسالك الممكنة، المتاحة لتخفيف وطأة الأمر على إخواننا في فلسطين وكبح جماح هذا العدو الغاشم الذي يستقوي لا بقوة، ولا بما يملكه من مقدرات، بل حقيقة الأمر يستقوي؛ لأنَّنا ضعفاء، يستقوي لأنَّنا ممزقون، يستقوي لأنَّنا متفرقون ولسنا على قلب رجل واحد، بل نحن شذر مذر؛ يطحن بعضنا بعضًا، ويشتغل بعضنا ببعض عن البناء والتقدم بما ينفع الأمة، ويزيل عنها هذا الكابوس الجاثم على صدرها من تفرق وتخلف وتمكن لهذه الميليشيات الحاقدة الطائفية، وتمكن لأرباب المصالح الشخصية، بعيدًا عن كلِّ صدق في نصرة هذه القضية، ونصح لهذه البقعة المباركة التي هي بالأساس قضية دينية، بالأساس هي قضية تتعلق بوجدان كل مسلم يعرف حرمة هذه البقع المباركة.
المذيع: جزاك الله خيرًا، ربما فيما تبقى من وقت هذه الحلقة من المناسب أن نتحدث عن هذه القضية، وكيف يمكن أن نجعلها حية دائمة في قلوبنا ووجداننا؟ وأن ننصرها بقدر المستطاع، سواء بالدعاء، أو بالتعريف بهذه القضية، وأنَّها قضية إسلامية، قضية دينية بحتة، كما تفضلتم.
ولعل مِن قَدَر هذه البقعة المباركة أن تكون دائمًا حاضرة في وجدان المسلمين مع تجدد الحوادث والأمور التي تطرأ عليها دائمًا.
كيف يمكن -شيخ خالد- أن تُستَغَلَّ مثل هذه القضية إيجابيًّا حتى تحيا دائمًا في نفوس المسلمين، وخاصة الناشئة حتى تصل إليهم الفكرة بشكل واضح وجلي بعيدًا عن أي تشويش؟
الشيخ: بالنسبة للحديث الذي تكلمنا عنه قبل قليل من الإنصاف والعدل أن يقال للمحسن: أحسنت، وأن يقال للمسيء: أسأت، وما تشهده الساحة الإعلامية في عدة وسائل -سواء كانت وسائل تقليدية، أو الإعلام الحديث- من تراشق وكلام بعض مَنْ مُلِئَ قلبُه حقدًا وغيظًا على هذه البلاد المباركة؛ المملكة العربية السعودية من أبواق الصَّفَوية إيران، ومن تقاطعت مصالحه معهم، كالقنوات التي تصطنع الكذب، وتمتهن التزوير، وتلغي التاريخ، وتتجاوز الحقائق لتشويه دور هذه البلاد المباركة، نحن بحاجة إلى أن نقول لهؤلاء: الشمس لا يمكن أن يغطيها غربال؛ فالمملكة العربية السعودية منذ توحيدها على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود-رحمه الله-، ومن بعده من ملوك هذه البلاد المباركة، هذه القضية ساكنة في قلوبهم، هذه القضية قضية إسلامية، قضية دينية، تنبثق هذه البلاد وحكامها في النظر إليها من خلال وحي الكتاب والسنة، لا من خلال مصالح سياسية، أو مصالح طائفية، أو دعوات ترويجية لحزب أو لفئة لكسب ولاء، أو ما إلى ذلك، بل تنطلق من أساس متين وقاعدة صلبة، وهي ما كان عليه دستور هذه البلاد من اعتماده على الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة.
ولهذا يشترك في العناية بهذه القضية والاهتمام بها منذ تأسيس هذه البلاد المباركة، ولمِّ شملها على يد المغفور له الملك: عبد العزيز، ومن بعده من الملوك يجتمع على ذلك ولاة الأمر والرعية، فالراعي والرعية كلُّهم يساندون هذه القضية ويدعمونها بالمال، بالجاه، بالمواقف السياسية، والمحافل الدولية، فهم يبذلون كلَّ ما يتمكنون منه في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وتحقيق تطلعاته، وبناء دولته، وحفظ كيانه بما يستطيعون من الوسائل المتاحة الممكنة؛ ولذلك المملكة -حفظها الله- تبذل جهودًا حثيثة، وتتصل اتصالات مكثفة مع كافة العناصر المؤثرة في كبح جماح هذه الدولة الاحتلالية، ومن كان لا يقرأ التاريخ فهذا يقال له: اتقِ الله، وانظر إلى جهود هذه البلاد المباركة منذ نشأتها إلى يومنا هذا في نصرة هذه القضية ودعمها بالمال وبالجاه، وبالمواقف السياسية، وبالدعم الاقتصادي، وبالدعم الاجتماعي، وبتحقيق كلِّ ما يكون معينًا ومُهوِّنًا ومخفِّفًا على إخواننا فيما يعانونه من بطش وظلم، وقلة ذات اليد، وحصار.
وهذا كما ذكرت ليس شيئًا حديثًا، بل هو من المواقف التي شهدها التاريخ، وحفظها الناس، وتكلم بها المنصفون من كلِّ الأعراق، ومن كلِّ الجنسيات، ومن كلِّ الأديان؛ ولهذا ينبغي أن تُبرَزَ هذه المواقف، وأن تُذْكَر حتى تنخرس تلك الأبواق المأجورة التي لم تقدم للقضية الفلسطينية إلَّا التفريق، والتمزيق.
إيران لما دعمت مَنْ دعمت من الفصائل التي انساقت وراءها، إنَّما عملت لتوجد لها نقاط ضعف تلعب بها لتحقيق مصالحها ومآربها، ثم إنَّها شقَّت الصف الفلسطيني؛ وهذا هو دأبها في كلِّ موضع تضع فيه أنفها لا تحقق إلَّا تفريقًا وتمزيقًا وشقًّا لصف الأمم والمجتمعات والنسيج الواحد، فعلت ذلك في العراق، وفعلت ذلك في سوريا، وفعلت ذلك في لبنان، وتحاول أن تفعل ذلك في اليمن، وفعلت ذلك في فلسطين، وهلمَّ جرًّا في كل البقاع، هذه الدولة الخبيثة التي لا يعرف عنها إلَّا الفساد والشر، لا تضع قدمها في موضع إلَّا وينتشر الشر والفساد، أمَّا ما تروّجه من دعم للقضية فإنَّما هو للاستهلاك؛ ولهذا تجدهم يشاركون في قتل المسلمين في العراق سابقًا، وقتل المسلمين في سوريا، وقتل المسلمين في اليمن بما يدعمونه من هذا الخاسر الحوثي، وهلمَّ جرًّا في كلِّ المواضع، ويسعون لزعزعة أمن البلدان في الخليج وفي غيرها من المواضع التي يتمكَّنون فيها من الفساد، ولم نرَ لهم دعمًا حقيقيًّا للقضية الفلسطينية إلَّا بالشعارات والوشاحات التي يموِّهون بها على الناس ليستروا سوءاتهم التي فضحهم الله -تعالى-، وأسقط عن كل سوءاتهم ورق التوت الذي يغطون به شرَّهم وفسادهم، حتى أصبح الأمر عيانًا بيانًا في تسلطهم على الأمة، وتمزيقهم لها.
وهكذا تلك الأبواق، كقناة الجزيرة القطرية التي لا تترك خبرًا كاذبًا عن هذه البلاد، وعما تقدمه إلَّا وتعكسه، تبرر مواقفها المخزية التي وافقت فيها وتقاطعت فيها مع هؤلاء الأخباث في تنكُّر للجوار، وتنكُّر للعروبة، وتنكر للإسلام، وتنكر للمبادئ التي يجب أن يتمسك بها أهل الإيمان من الرجوع إلى الحق، وعدم التمادي في الباطل.
هذه الأمور يا أخي الكريم، نحن بحاجة إلى ذكرها وتذكيرها، ليس لأجل أن نُبيِّض صفحة بلادنا، صفحة بلادنا -ولله الحمد- بيضاء ناصعة، بما تقدمه من الواقع الملموس في شرق الأرض وغربها، فهذه البلاد وحكامها وشعبها لا يترك خيرًا إلَّا ويسابق إليه، ولا قضية إسلامية إلَّا ويدافع عنها، ولا من شيء ينصر أهل الإسلام، ويكبت أهل الفساد إلَّا ويبادر إليه وفق الإمكانات والقدرات، والمتاح مما تستطيعه، وتقدره، والله -تعالى- يقول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16]، ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة:286]، أمَّا أولئك فليس لهم إلَّا الشعارات، وإلَّا الأبواق الإعلامية الكاذبة التي تقلب الحقائق وتظهر الأمر على خلافه، نسأل الله أن يعاملهم بما يستحقونه، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يسدِّدَهم في الأقوال والأعمال، وأن يحفظ هذه البلاد من كيد الكائدين، ومكرهم وكذبهم، وتزويرهم، اللهم آمين.
المذيع: اللهم آمين، وهذا مؤكد - كما تفضلتم - لا يمكن للشمس أن تُحْجَب بغربال، ولا يمكن لهذه الأكاذيب، وهذه الأغلوطات أن تنجلي على كل حصيف، وذي لُبٍّ، فالمملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين كانت - ولا تزال - وفيَّةً لقضايا المسلمين الكبرى، وهي أيضًا تقود دائمًا وأبدًا زمام المبادرات للتضامن مع المسلمين، وحماية مقدساتهم، وكذلك أيضًا رعاية أحوالهم؛ هذا الأمر تؤكده الأفعال لا الأقوال، فقد تعاقب أيضًا ملوك هذه البلاد خاصة على نصرة قضية فلسطين، والدفاع عن المسجد الأقصى؛ أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين، ومسرى نبينا -صلى الله عليه وسلم- حيث كانت هذه البلاد المباركة، المملكة العربية السعودية- ولا تزال- تؤكد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الكريم، ونسأل الله-سبحانه وتعالى-أن يزيل الكُرْبَة، ويجلي الغمة، وأن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان، وأن يعيد هذه البلاد المباركة ويظهرها على أعدائها، أشكركم فضيلة الشيخ، وأسأل الله-سبحانه وتعالى-لكم التوفيق والسداد، وأن يجزيكم خير الجزاء على ما تفضلتم به في هذا اللقاء، شكرًا جزيلًا لكم شيخ خالد.
الشيخ: آمين، وأنا أوصي نفسي وإخواني بالاجتهاد في الدعاء، والاجتماع والائتلاف، وقطع الطريق على المفسدين، وأيضًا ترك كلِّ ما يكون سببًا للفُرقة والشقاق والخلاف، وأن نُعْرِض عن الجاهلين من أصحاب السفاهة والكذب والتزوير، وأن نثبت لهم بالحقائق الثابتة دون أن نجاريهم في سفههم، نسأل الله أن يحفظنا، وأن يحفظ ولاة أمرنا، وأن يحفظ هذه البلاد من كل سوء وشر، وأن يجمع كلمتنا على الحق والهدى، وأن ينصر إخواننا في فلسطين، وأن يستنقذ فلسطين جميعها والمسجد الأقصى من براثن الصهاينة الغاصبين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: شكرًا لكم فضيلة الشيخ، وشكرًا لكل المستمعين والمستمعات الذين كانوا معنا عبر هذه الساعة.