×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (95) لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:8233

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم ''الدين والحياة''، والتي تأتيكم عبر أثير "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، نُحييكم ونرحب بكم في هذه الحلقة، والتي نستمر فيها بإذن الله معكم على مدى نحو ساعةٍ من الآن، نُحييكم ونرحب بكم، ويسعد بصحبتكم في هذه الحلقة من الإعداد والتقديم  محدثكم /عبد الله الداني، ومن التنفيذ على الهواء الزميل/ محمد باصويلح، كما يسرني أن أرحب بضيفي وضيفكم الدائم في هذا البرنامج فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه في كلية الشريعة في جامعة القصيم، المشرف العام على الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، فالسلام عليكم ورحمة الله، وحياكم الله يا شيخ خالد.
 
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخ عبد الله، حياك الله وحيَّا الله الجميع، أسأل الله للجميع التوفيق والسداد في القول والعمل.
المقدم: أهلًا وسهلًا بكم، وحيَّا الله المستمعين والمستمعات معنا في هذه الحلقة، ونسعد بصحبتهم، ومشاركاتهم، واتصالاتهم كذلك في موضوع حلقتنا اليوم عن حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَزَولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ»[سنن الترمذي:ح2417، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ] سنتحدث عن هذا الحديث بإذن الله، وشرحه، يمكنكم أن تشاركونا في الاتصال المباشر على الرقم٠١٢٦٤٧٧١١٧ و٠١٢٦٤٩٣٠٢٨ يمكنكم كذلك أيضًا مشاركتنا بالرسائل النصية على الواتس أب على الرقم 0500422121 وكذلك عبر هشتاج البرنامج على توتير "الدين والحياة"، أهلًا وسهلًا بكم وحياكم الله، حيَّا الله أيضًا الشيخ خالد معنا في هذه الحلقة.
شيخ خالد، عندما نتحدث عن هذا الحديث نود لو كانت هناك مقدمة قبل أن نشرع في ذكر هؤلاء الأصناف الأربعة المذكورين في هذا الحديث الشريف؟
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 
أما بعد:
تحية لك أخ عبد الله، وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، لا ريب أنَّ الإنسان في هذه الدنيا يمرُّ بدارٍ هو فيها مختبَر، فنحن في هذه الحياة الدنيا في اختبار، وهذا الاختبار نتيجته وحصاده هو يوم لقاء الله -عز وجل- يوم القيامة، إيمان المؤمن باليوم الآخر، وأنه سيعود إلى الله تعالى، وأنه إليه راجع مما يزيده بصيرةً بما يفعله في هذه الدنيا، وله من الآثار على النفس والقول والعمل والمعاملة ما لا يخفى على أحد، فإنَّ الناس في هذه الحياة الدنيا على صنفين:

صنفٌ يظن أنَّ هذه الحياة الدنيا هي نهاية المطاف ليس وراءها حياة، ولا بعدها بعثٌ ونشور، ولا بعدها سؤال، إنما هي حياةٌ تنتهي بانتهاء أيام الإنسان في الدنيا، وهؤلاء هم الذين قالوا: إنما هي حياتنا الدنيا  نموت ونحيي، كما قال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ[الجاثية:24].
 
فهؤلاء قوم لا نظر لهم وراء أيام حياتهم، وأيام معاشهم في هذه الدنيا، ولذلك ليس ثمة حضورٌ لليوم الآخر، بل نظرهم أنَّ هذه الحياة عبث، وأنها سُدًى لا يُؤمر فيها الإنسان، ولا يُنهى، وقد نفى الله تعالى ذلك، وبيَّن أنه لم يتركنا سُدًى، ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى[القيامة:36]، وهذا استفهام استنكار كيف يحسب الإنسان أنه سيُترَك هملًا، لا يؤمر ولا يُنهى، ولا يُسأل ويحاسب على ما يكون من عمله؟ ويقول -جل وعلا- في موضعٍ آخر: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا[المؤمنون:115] أي: بلا غايةٍ ولا هدف، إنَّ الله تعالى لم يخلقنا عبثًا، بل خلقنا لغايةٍ عظمى، ومقصدٍ أسمى وهو عبادته، ومن عدله ورحمته أنَّ هذه العبادة، وأنَّ تحقيق هذه الغاية ليست خارجة عن المحاسبة، بل سيحاسب عليها الإنسان بعادته، وسؤاله عن كل ما يكون من عمله؛ ولهذا المؤمن الذي يُدرك أنه سيرى سعيه لن يتخلَّف عن إصلاح عمله؛ لأنه يعلم أنه لن يُنجيَه يوم القيامة إلا ما كان من سعيه بفضل الله ورحمته، ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى﴾ [النجم:39 - 41] فالإنسان في هذه الدنيا يكدح، ويعمل ثم هو ملاقٍ ربه كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ[الانشقاق:6] ، ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا[مريم:95].
فليس منا من يتخلف عن هذا المجيء، وعن هذا المعاد يوم القيامة، وبالتالي ننتقل إلى القسم الثاني: وهم الذين يدركون أنَّ هذه الحياة الدنيا ليست المطاف الأخير.
القسم الأول: مَنْ ليس له نظر إلا الحياة الدنيا، لا يؤمن بالحساب، ولا بالجزاء، ولا باليوم الآخر الذي يقف فيه الناس بين يدي رب العالمين، يُسألون عن النقير والقطمير، ويحاسبون على الدقيق والجليل.
القسم الثاني: هم من يؤمن بذلك، وهؤلاء على مراتب، يؤمن بأنَّ ثمة يومًا يُبعث فيه الناس من قبورهم، ويُسألون عن أعمالهم، ويُجازون على ما كان من سعيهم جزاءً وِفاقًا، جزاءً عدلًا، جزاءً يكون الناس فيه بين عدل الله وفضله، وهذا الجزاء لا يغيب عن قليلٍ ولا كثير؛ لذلك قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ[الأنبياء:47].
هذا الصنف من الناس وهم من يؤمن بالله واليوم الآخر، يقينهم باليوم الآخر ليس على درجة واحدة، وبالتالي لما كان اليقين والإيمان بذلك اليوم متفاوتًا في قلوبهم انعكس هذا على أعمالهم؛ فمن الناس من يؤمن بالله وباليوم الآخر إيمانًا نظريًّا، ويُخرجه عن دائرة غير المؤمنين بأهل الكفر والشرك والعِناد، فيكون من أهل الإيمان من المصطفَين، لكنهم ليس عندهم من الإيمان الجازم؛ لذلك ما يحمله على الاستعداد والتهيؤ بهذا اليوم، وأن يكون هذا اليوم حاضرًا في ذهنه يَرْقُبه ويستعد له ويتهيأ له، فبالتالي يكون مساره ويكون سيره إلى الله -عز وجل- ضعيفًا، ليس كما هو سير أولئك الذين امتلأت قلوبهم يقينًا بذلك اليوم، فهم يستعدون له، وهم يعملون له طاقتهم وجهدهم، رجاء أن ينجوا من ذلك اليوم العظيم الذي تشيب فيه الولدان، ويُحاسِبُ الله تعالى فيه الناس، وينقسمون إلى: فريقٍ في الجنة، وفريقٍ في السعير.
إنَّ الناس ينقسمون إلى هذين القسمين في الجملة: مؤمنٌ باليوم الآخر، وكافرٌ به كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ[التغابن:2].
فأقسام الناس على هذا النحو من الإيمان  والكفر، كافرٌ ومؤمن بذلك اليوم، وعلى ضوء اختلاف الناس في إيمانهم، وفي ما يكون من كفر بعضهم تتفاوت أعمالهم، إننا نتحدث عن أهل الإيمان ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ[التغابن:2].
 
ثم قال: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[التغابن:2].
 
نحن نتحدث عن المؤمنين الموقنين؛ لأنَّ الله تعالى بصيرٌ بأعمالهم، وأن إليه الرجعى -جل في علاه-، وأن إليه المصير -سبحانه وبحمده-، وأنه يرث الأرض ومن عليها، وأنَّ الناس عائدون إليه، وصائرون إليه، وأنهم ملاقوه، ولقاؤهم له بأعمالهم على نحو ما يكون مما جاءت به السنة في بيان هذا الإيقاع وصفاته وتفاصيله، إنَّ الناس يوم القيامة إذا وردوا ذلك اليوم لا يريدونه بجاهٍ، ولا بمال، ولا بكثرة أتباع، ولا بأقارب وأنصار، ولا بشيءٍ من ذلك كله، بل يفدون إلى الله -عز وجل- فُرادى كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ[الأنعام:94] الله -عز وجل يُخبر بصفة المجيء في ذلك اليوم، وأنه مجيءٌ عظيم، يرد فيه الناس إلى رب العالمين على هذا النحو فُرادى ليس معهم مال، ولا معهم خدم وأعوان، ولا معهم أقارب، بل هم كما خلقهم الله تعالى على نحو الصفة التي خرجوا فيها من بطون أمهاتهم، ليس معهم شيء، بل يعودون  كما قال تعالى: ﴿كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ[الأنعام:94] بيَّن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا»[صحيح البخاري:ح3349] أي؛ غير مختونين، يأتون على هذه الصفة إلى الله -جل وعلا-، وقد تركوا وراءهم كل ما كان من مُتَعِ الدنيا، وما يكون فيها من مصالح، ولا يبقى إلا النسب؛ لأنَّ الإنسان يوم القيامة يُنسب إلى أبيه، وإلى أهله الذين يُنْتَسب إليهم، لكن هذا أيضًا لا ينفع صاحبه، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ[المؤمنون:101]، فالأنساب بينهم ليس المقصود أنه ينقطع صلة الإنسان بأبيه، بل الله -عز وجل- أثبت بنوته ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ[عبس:34 - 36]، فأثبت وجود العلاقات، وحضورها ذلك اليوم، لكن النفي في قوله تعالى: ﴿فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ[المؤمنون: 101]، مقصوده أنه لا ينتفع بعضهم ببعض لسبب النسب، بل كما قال تعالى: ﴿لَنْ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[الممتحنة:3] فهذه الصلات التي تكون بين الناس لا تجلب لهم شيئًا يوم القيامة من النفع، وذلك أنه لا تواصل بين الناس من حيث النفع إلا بما قدَّره الله تعالى من الشفاعة التي تكون لأهلها على النحو الذي جاءت به النصوص، لكن من حيث الانتفاع الذي يوصله الإنسان لغيره بمالٍ أو ما إلى ذلك، الله -عز وجل- يقول: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ[عبس: 34 – 37]
وبالتالي ينبغي للإنسان أن يستحضر هذا المعنى، ويجِدَّ في استحضار أنه لن ينتفع من ذلك بشيء، وقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خطابه لأقرب الناس إليه فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أنزل الله: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ[الشعراء:214] فقال -صلى الله عليه وسلم-: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أو كلمة نحوها - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» «اشتروا أنفسكم»؛ أي: بطاعة الله، وأنقذوها مما أحاط بهم من الهلاك، «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا»[صحيح البخاري:ح2753]، هذا يبين أن ذلك اليوم لا ينتفع فيه الإنسان إلا بما يكون من عمله، يَرِدُ الناس ذلك اليوم حُفاةً عراةً غُرْلًا، تقطعت بينهم الأنساب والصلات والعلاقات، وكل أحدٍ مُرتَهِنٌ بعمله ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ[المدثر:38] لا يفكها إلا صالح عمله، ولكن هذا الفِكاك إنما يكون بما يكون من صالح العمل في الدنيا الذي سيُسأل عنه بين يدي الله -عز وجل-، وإنَّ يوم القيامة يومٌ مهول، يومٌ ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ[الحج:2]، فالذي أطار الألباب وحير الأفهام، ودهش النفوس هو ما في ذلك اليوم العظيم من الأهوال، وكبير التغيرات والوقائع التي يفزع فيها الناس إلى الملك الديَّان، يرجون منه أن يخرجهم من ذلك الكرب، وينجيَهم من ذلك المصاب، ولا ينجو إلا من كان قد عمل صالحًا، وعمل ما يفلح به، وينجح بين يدي ربه، والنجاح مُرتَّب على أسباب، الأول في الدنيا العمل الصالح الذي قاعدته توحيد الله، والإخلاص له، والاجتهاد في فعل الواجبات ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ويعطف على ذلك الاشتغال بالصالحات والحسنات وجامع عند الله -عز وجل-، بعد هذا إذا مات الإنسان جاء ذلك اليوم الموعود الذي هو اليوم الآخر، وفيه يُسأل الناس عن أشياء عدة، هذا ما سنتناوله في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى، ونبين ما الذي يُسأل عنه الناس يوم القيامة.
الحديث الشريف تضمن ذكر بعض الأمور، ونحن سنأتي على مجموع ما جاءت به النصوص مما يُسأل عنه الناس يوم القيامة، ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الشعراء: 88 - 89] اللهم اجعلنا منهم.
المقدم: شكرًا لكم شيخنا، ونتواصل معكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم ''الدين والحياة''.
فاصل قصير بعده نعود لمواصلة هذه الحلقة من برنامجكم ''الدين والحياة''، وحديثنا المستمر المتواصل حول حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَزَولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ» الحديث مستمر ومتواصل، وكذلك أيضًا نسعد بتلقي مشاركاتكم، وأيضًا مداخلاتكم حول هذا الموضوع في هذه الحلقة التي سوف تستمر معنا ومعكم -بإذنه تعالى- حتى النصف ساعة القادمة، سوف نوضح فيها كثيرًا مما ورد في هذا الحديث الشريف.
متواصلون معكم، مستمعينا الكرام، نرحب بكم، وأيضًا ندعوكم لمواصلة الاستماع لِمَا تبقى من هذه الحلقة، فاصل قصير نعود بعده لمواصلة هذه الحلقة، تفضلوا بالبقاء معنا.
المقدم: من جديد نحييكم، ونُرحب بكم، نتواصل معكم في هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم ''الدين والحياة'' حديثنا مستمر معكم في هذه الحلقة، مستمعينا الكرام حول حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- «لَا تَزَولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ»، مع ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح، أيضًا ما زالت الاتصالات متواصلة معنا، ولعلنا شيخ خالد نستأذنك في الاتصال الأول معنا في هذه الحلقة من المستمع عبد العزيز الشريف من الرياض، أخ عبد العزيز، السلام عليكم، حياكَ الله.
المتصل: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أستاذ عبد الله، كيف حالك؟
المقدم: بخير وفضل من الله، بشرك الله.
المتصل: أحييكم وأحيي فضيلة الشيخ، بارك الله فيكم جميعًا.
المقدم: الله يحييك.
المتصل: «لَا تَزَولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ ... وَعَنْ شَبَابِه» لماذا ذُكر هنا الشباب مع أن الشباب داخل في العمر، وهل لهذه الفترة ميزة خاصة لكون النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكرها مع أنها داخلة في العمر.
السؤال الثاني: بارك الله فيك «حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ مَالِهِ» في زماننا كثُرت الصفقات، وكثرت المشاركة، وكثُر غير ذلك، وأصبح الناس حيارى كيف يضبط المسلم مدخوله الشهري، وكيف يضبط المسلم هذا المال حتى يكون كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نِعْمَ المَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ»، وهل إذا تزود الإنسان من هذا المال وأكثر منه، ليكون سببًا في بُعْدِه عن الله، واهتمامه بهذا المال على حساب العبادة والطاعة، وهل إذا سعى المسلم في سبيل تحصيل رزقه، ورزق أولاده، وأكثر من جمع المال هل نقول: إنَّ هذا هل أساء وتعدى، جزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: شكرًا جزيلًا لك أخ عبد العزيز، ولعل يا شيخ خالد، أسئلة الأخ عبد العزيز تصب في نفس حديثنا، وفي المحاور التي سوف نتطرق إليها، وفي بداية هذا الحديث الشريف شيخنا، وبعد هذه المقدمة التي تفضلتم بها في بداية هذا اللقاء، ربما نأتي إلى الخصلة الأولى، والصنف الأول من هؤلاء أو هذا السؤال الأول الوارد في الحديث الشريف وهو «عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ» اتفضل يا شيخ.
الشيخ: أخي الكريم عبد الله، يعني يناسب أن نتحدث في هذه الحلقة حول الأسئلة إجمالًا، هناك أسئلة رئيسة ذكرها الله -عز وجل- في القرآن، وجاءت تفصيلها في السنة في حديثنا الذي دار عليه موضوع حلقتنا: «لَنْ تَزُولَ قَدَمُ عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عَلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ».
هذه الأربعة الأسئلة فيها تفصيل لمجموع الأسئلة، ولمجموع النصوص التي أخبرت بأنَّ الناس يوم القيامة مسئولون، إنني بحاجة إلى أن أقف عند هذه الكلمة مع كل واحدٍ منا على وجه الفكر والتدبر، جميعنا نحتاج إلى السؤال عن هذا الموقف، ما الذي سنُسْأل عنه؟ الله -جل وعلا- يُقسم في كتابه عن أننا سنُسْأَل ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ[الأعراف:6] نحن الذين أُرسِل إليهم، والله -عز وجل- في الآية يُقسِمُ، فاللام هنا لام واقعة في جواب القسم أو موطئة للقسم، والمعنى: والله لنسألن الذين أرسل إليهم، والله تعالى سيسألنا وسيَسْأل الذين أَرْسَلَهم إلينا وهم الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم-، والسؤال بينه الله -عز وجل- في مواضع عديدة من كتابه، السؤال الإجمالي الذي سنُسأل عنه جميعًا ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ[المائدة:109] هذا سؤال، وإن كان موجهًا للرسل، لكنه في الحقيقة هو سؤالٌ لنا، ولذلك يقول تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ[القصص:65] سؤال أنزله الله إلينا، وهو ذكرٌ لنا وتذكيرٌ لنا، يقول الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ﴾ أي؛ القرآن،﴿لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ[الزخرف:44] يعني عما في القرآن مما جاء به البيان مما يتصل بالعقائد والأحكام، كل ذلك مما سنُسْأَل عنه يوم القيامة، والله تعالى أخبر عن سؤاله الجميعَ: المسلمَ والكافرَ، هذا السؤال عام للمسلم والكافر، ثم جاء التخصيص على سؤال أقوام لتذكيرهم؛ لأنَّ ما يفعلونه ليس ذاهبًا سُدًى، وليس غائبًا عن علم الحي القيوم الملك الديَّان، بل سيسألهم الله تعالى يقول -جل في علاه- في المشركين: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ[النحل:56]، فالله يقسم -جل في علاه- ﴿لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ[النحل:56]، ويقول -جل وعلا-: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ[الزخرف:19]، ثم يقول: ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ[الزخرف:19] والسؤال ليس فقط لهؤلاء أو عما يكون من الأعمال الخاطئة فقط، بل يسأل الإنسان عن كل ما يكون منه؛ يسأل عن النعم التي أنعم الله تعالى بها عليه، كما قال تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا[الإسراء:36].
فالله -عز وجل- سيسألنا عن كل ما يَصدُر منا، وما يجري من سمعٍ، أو بصرٍ، بل حتى حركة الفؤاد، وما يكون فيه من أعمال، نحن مسئولون عنه، وداخلٌ في قوله تعالى: ﴿كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا[الإسراء:36]، ويقول -سبحانه وبحمده-:﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الحجر:92، 93] فالسؤال عن كل العمل، سيسألنا الله تعالى عن كل ما يصدر منا، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ»، يسأل العبد عما كان يعمل، ويسأل ماذا أجاب المرسلين، وتفصيل ذلك أنَّ النصوص جاءت ببيان محاسبة الله تعالى على مفردات الأعمال، وإن كان الإنسان مسئولًا عن كل شيء، فيُسأَل الإنسان عن صلاته، ويسأل عن زكاته، ويُسأل عن صومه، ويسأل عن حَجِّه، يسأل عن بره لوالديه، يسأل عن صلته لأرحامه، يسأل عن حق جاره، يسأل عن حق زوجه وولده، يسأل الإنسان عن أمانته، عن أعماله، وعن معاملاته، وعن كل شيءٍ من حاله، فإنه لن يُترك شيءٌ إلا وسيسأل عنه، ﴿لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا[الكهف:49]، ولذلك ينبغي أن يُعِدَّ للسؤال جوابًا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنَّ العهد، وهو ما يكون من التعاقد موضع للسؤال، فيقول: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا[الإسراء:34].
العهد هنا: ليس فقط العهد الذي يُلْزِمُ الإنسان به نفسه في أمرٍ من الأمور، بل شاملٌ لكل العقود، والمعاملات التي تكون بين الناس، هو مسئولٌ عنها جميعًا، بجميع أصنافه: العهد مع الله، والعهد مع الخلق، كل ذلك مسئولٌ عنه، ما تتنعم به من المأكل، والمشرب، والملبس، والأمن، وجمال الحال، كل ذلك مما ستسأل عنه؛ لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ[التكاثر:8].
قال قتادة -رحمه الله-: إنَّ الله تعالى سائل عن كل نعمةٍ فيما أنعم عليه[تفسير الطبري:24/586]، وقد خرج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مع أصحابه: أبي بكر، وعمر، بسبب جوعٍ أصابهم، فأصابهم ما قدَّر الله لهم من الطعام، ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «هَذَا مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي سَتُسْأَلُونَ عَنْهُ»[صحيح البخاري:ح2038/140]، ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ[التكاثر:8].
وقد جاء في مسند الإمام أحمد أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ[التكاثر:8]، فقال له الزبير بن العوام: عن أي نعيمٍ نُسأَل، وإنما هما الأسودان؛ الماء، والتمر، وسيوفنا في رقابنا، والعدو حاضر، فعن أي نعيمٍ نُسأل قال: «إنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ»[مسند أحمد:ح23640، وقال الألباني :حسن لغيره] أي؛ سيكون النعيم الواسع الذي تُسْأَلون عنه، ولذلك يُسأل الإنسان عند لقاء ربه، السائل له هو الله، ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ»[صحيح البخاري:ح6539]، وفي الصحيح قال -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْتِي بِالْعَبْدِ، فَيَقُولُ: أَلَمْ أُرَبِّعْكَ؟ أَلَمْ أُسَوِّدْكَ؟ أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟» هذا سؤال؛ أي: تظن بأنك سترجع إلي، وأحاسبك على عملك؟ «فَقَالَ: لَا، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: الْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي»[صحيح مسلم:ح2968/16] هذا في صحيح الإمام مسلم. الحديث الذي بين أيدينا، حديث أبي برزة الأسلمي ذكر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- المسألة عن أربعة أمور، لكن هذا ليس حصرًا، إنما هذه أصول المسائل التي يُسْأَلُ عنها الإنسان يوم القيامة في وقوفه بين يدي ربه -جل في علاه-.
يوم القيامة هو اليوم الذي يقوم فيه الأشهاد، وهو اليوم الذي يُقام فيه القصد، وهو اليوم الذي تُوضَعُ وتُقامُ فيه الموازين، ويخرج الناس فيه من قبورهم، ولذلك سُمِّيَت القيامة بهذا الاسم يوم القيامة؛ لأنه يقوم الناس من قبورهم حفاةً عراةً غُرْلًا، ولأنَّ الله تعالى يُقيم فيه الأشهاد على الناس؛ فتشهد عليهم جلودهم، وأيديهم، وأرجلهم، وألسنتهم، ويشهد عليهم مَنْ جعله الله تعالى شاهدًا من الأشهاد؛ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[النور:24] وسُمِّي أيضًا يوم القيامة؛ لأنه اليوم الذي يُوقِف الله -جل وعلا- فيه الناس للميزان والحساب، فيضع الله الموازين القسط ليوم القيامة، هذه مجموعة الأسباب التي سُمِّيَ هذا اليوم بهذا الاسم من أجلها.
«يُسْأَلُ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ» العمر هو مُدَّة الحياة، ومدة الحياة تنقسم إلى قسمين: حياة لا تكليف فيها، وحياة فيها تكليف، الحياة التي لا تكليف فيها هي الحياة التي قبل البلوغ، وهي حياة التهيئة والإعداد، والاكتمال الذي يكتمل فيه بناء البدن أو يتأسس به يكتمل به أساس البدن، ويكتمل فيه تهيئة الصالح في دينه ودنياه في تربيته على الطاعة والإحسان، وما إلى ذلك مما يكون في مرحلة التهيئة، ثم إذا اكتمل البنيان وبلغ الرشد، عند ذلك جرى قلم التكليف.

 من جريان قلم التكليف بالبلوغ يبدأ السؤال والحساب.
«لَنْ تَزُولَ قَدَمُ عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ» أي عن أيام حياته، «فِيمَا أفناه» وحياته سواءً كانت في أولها، أو في آخرها، أو في أوسطها، في كل مراحل حياة التكليف، من الشباب إلى الكهولة إلى الشيخوخة، إلى أن يقضي الله تعالى الأجل، فهو سيُسْأَل عن كل دقائق عمره، إنما يقال لك: ستسأل عن جميع دقائق عمرك، أين أفنيتَها؟ أنا متأكد يقينًا أنك ستنظر إلى حياتك بمنظار آخر؛ لأنَّ الذي يفكر أن الدقيقة، الثانية، النفس، اللحظة سيحاسب عليها، ويُقال له: فيم أفنيتها؟ وهبتك هذه النعمة، فأين وضعتَها؟ هذا سؤالٌ يحتاج إلى أن يُفكِّر الإنسان في كل لحظات عمره، الآن لو أسأل نفسي، وأترك المجال لكل واحد منا أن يفكِّر بنفس التفكير يسأل نفسه من الصباح إلى الآن كيف أمضينا أوقاتنا؟ هل نُحصي كيف أمضينا هذه الأوقات على نحوٍ دقيق، إننا قد يصعب علينا الإجابة على مفردات لحظات محدودة قضيناها، يوم، يومين، فكيف بسنوات، وعمرٍ مديد، ستُسْأَل فيه عن لحظاتك، فيما أفنيتها، أهي في طاعة الله؟! أهي فيما يعود عليك مما في دينك ودنياك؟! أهي في رُشْدٍ وخير، أم هي في ضد ذلك من الفساد والشر، والضياع، إنك تندم على ساعة أو لحظة أفنيتَها في غير راشد نافع، من أمر دينٍ، أو أمر دنيا، فكيف إذا وضعتَها في ما تُفسِد به حياتك، ما يفسد به دينك، ما تفسد به دنياك، لا شك إنك ستندم غاية الندم، تأمل هذا المعنى في كل لحظات عمرك، وستجد أنك شهدت وقتك تحفظه من التبديد، والإضاعة، ما عندك وقت تقول: والله أضيع الوقت، أو أمضي الوقت، ما فيه شيء اسمه وقت يضيع، الوقت هو الحياة، فمن أضاع وقته أضاع حياته، وإنك ستُسْأَل عن هذا الوقت، ولا يعني هذا ألا يكون للإنسان مستراح، الإنسان ثمة ضرورات حياتية من نوم، وأكل، وشرب، ووسائل، ما يكون من ألوان الحياة، وساعة وساعة، ولكن شتان بين من يجعل ذلك كله في دعم الراشد من عمره فيكون في نومه، وفي أكله، وفي شربه وفي سائر حياته محتسبًا الأجر عند الله في ذلك، مستعينًا به على طاعة الله، مستعينًا به على ما ينفعه في دنياه وعمارتها، على الوجه الذي كُلِّف به، وبين من هو غائب يهدر وقته تلو الوقت، والساعة تلو الساعة، واليوم تلو اليوم، بل والشهر تلو الشهر، والسنة تلو السنة دون أن يتوقف مفكرًا.
«عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ بِهِ» العلم هنا المسئول عنه ليس فقط العلم الشرعي، بل على وجه العموم، كل ما علمك الله تعالى، الله أخرجنا من بطون أمهاتنا ما عندنا شيء، ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[النحل:78] فالله -جل وعلا- جعل هذه الملكات لبني آدم؛ لينظر منهم ما يكون وهم عنها مسئولون، فأخرجنا -جل وعلا- في غاية الجهل لا نعرف شيئًا، ولا نعلم شيئًا، ثم بعد ذلك يَسَرَّ لنا من المعارف ما كمُلت به قوانا، وصلُحت به أحوالنا، ونحن بحاجة إلى تحقيق العبودية، ولذلك يقول: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا[النحل:78] بالكلية، ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[النحل:78] أي؛ تحققون العبادة، ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[النحل:78]---
يعني: لعلكم تحققون العبادة بالشكر هنا، هو الذي قال الله تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[سبأ:13]؛ أي: قليلٌ من عبادي من يحقق العبادة له –جل في علا-.
المقدم: حتى الإنسان ما يمكن أن يفصل حتى.. إذا كان مثلًا في انتقال من حال إلى حال، وذهب في جانب مثلًا الترفيه عن النفس في خضم هذه الحياة يعني كذلك، هذا الأمر أيضًا كذلك لا ينفصل، كله في حلقة وفي سلسلة واحدة، لا يمكن أن تنفصل عن بعضها مهما تغيرت أحواله، ومهما تقلب به الوقت، وانتقل من أمرٍ إلى آخر، ومن عملٍ إلى آخر فهو يدور في فلكٍ واحد كله فيما يرضي الله -سبحانه وتعالى-.
أستأذنك شيخ خالد في الفاصل الأخير، أستأذنك فيه، ثم نعود أيضًا لمواصلة هذا الحديث وما تبقى من تعليقات فضيلتكم حول هذا الحديث، مستمعينا الكرام فاصل قصير سنعود لمواصلة هذه الحلقة بعده، فنرحب بكم وندعوكم للاستماع لِمَا تبقى من هذه الحلقة، أهلًا وسهلًا بكم.
من جديد نحييكم ونرحب بكم مستمعينا الكرام، نتواصل معكم في هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة" حديثنا مستمر ومتواصل في هذه الحلقة عن حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَزَولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ».
 
شيخ خالد، أحييك من جديد، ونرحب فيك، وطبعًا الحديث كان مستمرًّا حول هذه الأسئلة، وأنه يجمعها أنَّ الإنسان محاسب عن كل ما يعمله في هذه الحياة، وأنه محاسب ومسئول عن كل أموره، وعن كل دقائق حياته، ولحظاتها.
كانت هناك نقطة مهمة أثارها الأخ عبد العزيز حول التعاملات المالية، بعض الناس لا يأبه فيما يتعلق بمدخوله من المال، ولا يهتم لذلك، ويُحقق بذلك ما جاء في الحديث الشريف: «أَنَّهُ يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُناسٌ لَا يَهْتَمُّونَ بِمَا دَخَلَ مِنْ مَالِهِمْ، هَلْ مِنْ حَلَالٍ أو حَرَامٍ»[سنن النسائي:ح4454، وصححه الألباني في صحيح الجامع:ح8003]، أو كما جاء في هذا الحديث نقطة مهمة جدًّا وخاصَّةً وأنَّ أحاديث المجالس كثير منها تدور حول ما يتعلق بالتعاملات المالية، أو أنَّ الإنسان أحيانًا قد يكتسب المال بشكلٍ فيه شبهة، هذا في جانب، الجانب الآخر في مسألة أنَّ الإنسان يجمع المال، هل يمكن أن يتعارض هذا مع طاعة الله -سبحانه وتعالى-.
الشيخ: أخِي الكريم، هو في هذا الحديث ذكر ما يتعلق بهذا الجانب في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ».
أسألك أخ عبد الله، عندما يُقال: عندما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَعَنْ مَالِهِ».
إيش اللي يتبادر في ذهنك؟ ما المقصود بالمال هنا؟
المقدم: دخل الإنسان يا شيخ.
الشيخ: يعني هذا الذي ينقدح في أذهان كثير من الناس أن المال هو النقود التي تدخل عليك سواء كان الراتب الشهري، أو كان المحصول التجاري من كسب وعمل، أو كان ما كان مما يتعلق بالنقود، والحقيقة أنَّ المال أوسع من ذلك، النقود هي صورة من صور الأموال، لكن عندما يتسع فهمك للمال يشمل كل ما يدخل عليك مما يتمول، مما يُباع ويُشترى، مما يجري فيه المُعاوَضَة، سواءً كان هذا نقدًا أو كان هذا عينًا، أو كان هذا عقارًا أو كان هذا متاعًا، أو كان هذا خدمة لها مقابل مالي، كل هذا من المال، فالمال ليس فقط هو النقود، عندما تُقدَّم لك خدمة من جهة ما، فإنك ستُسْأَل عن هذه الخدمة؛ لأن هذه الخدمة في الحقيقة مآلها مال، هل أنت مستحق لهذه الخدمة، من أين اكتسبتَها؟ وفيما أنفقتها؟ فيما صرفتها، فيما استخدمت هذه الخدمة عندما تُمنح عقارًا فأنت أيضًا اكتسبت مالًا، فتسأل من أين اكتسبت هذا العقار، وفيما استعملته، الإنفاق هنا ليس فقط هو الإخراج عن اليد، بل يشمل أيضًا أوجه الانتفاع من هذه العقارات، أو هذه الخدمات المقدمة إذًا.
«وَعَنْ مَالِهِ» يشمل كل ما تنتفع به مما له قيمة، مما تجري فيه المعاوضة سواءً كان نقدًا أو كان عقارًا، أو كان متاعًا، أو كانت خدمات، أو كان سِلَعًا، أو كان مكانًا مما له ثمن وتجري المعاوضة عليه والتعامل به، إذا فهمنا معنى المال، السؤال وارد على أمرين: فيما يتعلق بالمال على الداخل، وعلى الخارج، على المُدخَل وعلى المُخرَج، من أين دخل لك هذا المال؟! وكيف صرفته وأخرجته؟ في أي موضعٍ وضعته، المال ملكك إذا دخل عليك، لكنك مسئولٌ عن هذا الملك، مسئولٌ كيف صار إليك؟ وكيف صار منك وخرج عنك، وبالتالي كل ما اكتسبه الإنسان بحاجة إلى أن يُعِدَّ لهذا المال جوابًا على هذه الأسئلة: من أين اكتسبته، وفيما أنفقته؟ ولا يغرنك غياب الرقيب؛ لأنه الرقيب مهما كان دقيقًا، ومهما كان بصيرًا، فإنَّ ثمة ما يمكن أن يخفى عنك، وما يغيب عنه، وما لا يحيط به كالبشر وقدراتهم، وطاقاتهم محدودة، وليست محيطة بكل ما يكون من الإنسان، وبالتالي ما خفي مما كسبته، وما خفي مما أنفقته لن يخفى على الله -عز وجل- الذي يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، فمن الضروري أن تَسألَ نفسك عن مالك الذي دخل عليك؛ من أين اكتسبته؟ ولا يكفي الجواب العام؛ لأنَّ الجواب العام لن يحقِّق المطلوب، لما أقول: هذا الراتب، من فين؟ هذه المكاسب المالية من فين؟ وتقول: من التجارة، هذا ليس المقصود المصدق، المقصود: هل وصل إليك بطريق مباح أو لا؟ وأيضًا لما تُسأَل فيما أنفقته؟ ليس المسئول عن موضع الإنفاق، لا، المسئول عنه: هل أنفقته فيما يحب الله تعالى ويرضى، ويأذن.
السؤال دائر على هذين الأمرين، وبالتالي من الضروري لكلِّ واحدٍ منا في أيِّ مكانٍ كان، سواء كان عاملًا خاصًّا لنفسه، أو عاملًا في شركات، والجهات المدنية أو عاملًا في الحكومة والوظائف الحكومية، ووظائف الدولة، أو لم يكن عاملًا في شيء، إنما هو قاعدٌ في بيته وجاءه مال، يحتاج أن يُعِدَّ لهذا السؤال جوابًا من أين اكتسبته؟ أي ما هو سبب كسبك لهذا المال؟ ما هو سبب دخول هذا المال في بيتك؟ ثم بعد ذلك نحتاج إلى أن تجيب على سؤال آخر، التصرف في المال، هل تصرفت به فيما أذن الله لك، أم صرفته وبدَّدْتَه في المحرمات وما يغضب الله -عز وجل-؟! أم صرفته وبددته فيما هو إسراف وإضاعة مال، وقد نهانا الله تعالى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، فينبغي الإعداد لهذا السؤال، وهذا يشمل كل إنسان، كل إنسان يدخل عليه شيء من المال، وليس فقط مالا نقديًّا، يعني: إذا قدم لك إنسان ساندويتش، هذا مال من أين أخذته؟ وفيما أنفقته؟ لمَّا يقدم لك إنسان عود أراك (سواك)، من أين أخذته، وفيما أنفقته؟ وهلم جرًّا.
أما السؤال الأخير الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث «وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ».
«وَعَنْ جِسْمِهِ» أي؛ بدنه، نحن مُؤْتَمَنون على أجسامنا فيما نضع هذه الأجسام، هذه مِنَن، يدك، بصرك، سمعك، قواك، كل هذه مِنَنٌ مِنَ الله -عز وجل-، والله -عز وجل- ائتمنك عليها، وأمرك بالمحافظة عليها، ونهاك عن إيذائها؛ قال تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[النساء:29] ، ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ[البقرة:195].
فأنت مأمورٌ بحفظ هذا الجسد، وهذا الجسم، وأن تضعه فيما يعود من نفع في دنياك، وفي أخراك.
المقدم: هو نفسه اللفظ شبابه فيما أبلاه، يا شيخ.
الشيخ: في بعض الروايات، «وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ» هذه في حديث عبد الله بن مسعود قال: «لَنْ تَزَولَ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ» ذكر «عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ»[الأوسط للطبراني4710]

المقدم: شكر الله لك، بارك الله فيكم يا شيخ.
الشيخ: والشباب هو مرحلة عمرية خاصة، وذُكِرَت؛ لأنها من أخطر مراحل العمر، والتي تكتمل فيها القوى، ويكون فيها الإنسان محتاجًا إلى أن يُحاسِبَ نفسَهُ في هذه المرحلة أوضعها في طاعة الله، أم في معصية الله؟ ومن وضعها في طاعة الله، فلْيَبْشَرْ «فَإِنَّهُ سَبْعَةٌ يُظِلُّهم اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلَّهُ، قَالَ: وَشَابٌّ نَشَأَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ».[صحيح البخاري:ح660]
المقدم: شكر الله لكم، وبارك فيكم وفي علمكم، شكرًا لفضيلة الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه في كلية الشريعة جامعة القصيم، والمشرف العام على الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91417 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87219 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف