المقدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا وسهلًا بكم مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، والتي تأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.
نحييكم ونُرَحِبُ بكم، ويسعد بصحبتكم في هذه الحلقة فريق العمل من إشراف العمل الأستاذ: عبد الرحمن القبيسي، ومن الإعداد والتقديم محدثكم: عبد الله الداني، ومن استقبال الاتصالات الزميل: خالد فّاته، ويخرج لنا هذه الحلقة الزميل: محمد باصويلح.
يسرني كذلك مستمعينا الكرام أن أُرَحِّب بضيفي وضيفكم الدائم في هذا البرنامج فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: خالد بن عبد الله المصلح، أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم.
السلام عليكم ورحمة الله، وأهلًا وسهلًا بكم شيخ خالد.
معي يا شيخ خالد؟
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا، وأهلًا وسهلًا بكم أخي عبد الله.
المقدِّم: أهلًا وسهلًا بكم، وأهلًا ومرحبًا بكل المستمعين والمستمعات الذين يرغبون في مشاركتنا هذه الحلقة، وعنوانها:
قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾[هود:123].
هذا هو حديثنا مستمعينا الكرام يمكنكم أن تشاركونا بالاتصال المباشر على الرقم: 0126477117 و0126493028
وعبر الواتس أب على الرقم: 0500422121
أو بالتغريد على هاشتاج البرنامج "الدين والحياة" على تويتر.
مستمعينا الكرام، حديثٌ شيقٌ وماتع سيكون حول هذه الآية الكريمة التي قال الله -سبحانه وتعالى- فيها: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود:123]
هذه الآية الكريمة التي تُطَمْئِنُ المؤمن، وتَدْفَعُ عنه القلق والهواجس مما عسى أن تأتي به الأيام، فالله -جلَّ جلاله- يقول لعبده المؤمن: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود:123]
هذا هو حديثنا مع فضيلة الشيخ الدكتور: خالد المصلح.
شيخ خالد، عندما نتحدث في هذا الموضوع الكبير عن التوكل على الله -سبحانه وتعالى-، وخاصةً في هذا الزمان المتأخر الذي يكون فيه صور التوكل متأكدة ومُتَعَيَّنة على كل الناس، خاصة ًوأنها تحتاج إلى تطبيق عملي وإنزال على الواقع، كيف يمكن لنا أن نقدم في الحديث عن هذه الآية الكريمة؟
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي عبد الله، وأهلًا وسهلًا بالإخوة والأخوات، المستمعين والمستمعات، حياكم الله جميعًا.
المقدِّم: أهلًا وسهلًا.
الشيخ: عنوان حلقتنا هو مما يتصل بقضية لا يَنْفَكُّ عنها الإنسان في لحظة من اللحظات، منذ أن خلقه الله إلى أن يؤويه قبره، فإنه فقيرٌ إلى الله -عزَّ وجلَّ- لا غِنَى به عن الله، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر:15]
وإنما يتفاوت الناس بتحقيق التوكل على الله -عزَّ وجلَّ-، يتفاوت الناس بإدراكهم لهذه القضية وهي أنهم لا تُقْضَى حوائجهم، ولا تُبْلَغ آمالهم، ولا يَصِلُون إلى ما يريدون من سعادة الدنيا وفوز الآخرة إلا بتفويض الأمر إلى الله -عزَّ وجلَّ-، إلا بالتوكل عليه -جلَّ في علاه-.
فالتوكل وثيق الصلة بالعبادة، وله تأثير كبير على مسار الإنسان في معاشه وفي معاده، هذه قضية لا بد أن تظهر وتتضح؛ لأننا نتحدث عن موضوع عمل قلبي من الأعمال التي تتعلق بأعمال القلوب، لكن هذا العمل له ميزة وخاصية أنه يُؤَثِّر على مسار الإنسان في كل لحظات حياته، ولا ينفك عنه في موضعٍ من مواضع معاشه، ولا في فترة من فترات عمره.
الله -جلَّ وعلا- نبَّه إلى هذا المعنى في الفاتحة فقال -جلَّ في علاه-: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5]، وجعل هذه الآية نصفين: نصفها الأول لله -عزَّ وجلَّ-، ونصفها الثاني للعبد.
فالأول: هو العبادة، هي حقه -جلَّ وعلا- الذي مَنْ حقَّقه له فاز في الدارين، حق الله على العبيد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أنَّ لا يُعَذِّب من لا يُشْرِك به شيئًا.
وأما الجزء الثاني الذي ذكره الله -عزَّ وجلَّ- في هذه الآية فهو: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5]، وهو حق العبد، وهو النصف الذي يخص العبد، وهو طلب العون من الله -عزَّ وجلَّ-.
والكل بالله، فلا عبادة إلا بالله، ولا عون إلا منه، فهو المعين على عبادته، وهو المعين -جلَّ وعلا- على كل مصالح المعاش والمعاد.
حديثنا عن قضية التوكل ليس حديثًا عن قضية وعظية أو قضية ليست ذات تأثير على مسار الإنسان، إننا نتحدث عن قضية ذات اتصال وثيق بكل لحظات عمره، وهو أن يكون قلبك معتمدًا على ربك في كل ما تأتي وفي كل ما تناول، فإنه لا غِنَى بك عن الله.
وإذا توكل العبد على الله -عزَّ وجلَّ- حقَّ التوكل قُضِيَت حوائجه، ونال مطلوبه، وأدرك ما يُؤَمِّل من خير الدنيا والآخرة؛ ولذلك جاء فيما صح عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه نقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ؛ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَانًا»[سنن الترمذي:ح2344، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].
«تَغْدُوا خِمَاصًا»، أي: تخرج في أول النهار خالية البطون، ليس في أجوافها ما يسد حوائجها.
«لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ»؛ يعني: التوكل الذي يُفَوِّض الأمر إليه، ويقطع النظر عما سواه، ولا يلتفت القلب إلى غير مولاه، هذا حق التوكل، ألَّا يكون في القلب نظرٌ، ولا اعتمادٌ، ولا ارتقابٌ لشيءٍ من غير الله -عزَّ وجلَّ-.
«لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ»، الطيور «تَغْدُوا خِمَاصًا» في أول النهار، تخرج من أوكارها وأعشاشها وأماكن بقائها، تخرج في أول النهار ليس في بطونها شيء، ما تلوي شيئًا، قلوبها معلَّقة بالله -عزَّ وجلَّ- أن يسوق لها الرزق.
فهنا خرجت هذه الطيور إلى طلب الرزق، ولكن هذا الرزق ساقه الله -جلَّ في علاه- الذي له ما في السماوات والأرض؛ ولذلك قال:«وَتَرُوْحُ بِطَانًا»، أي: ترجع في آخر النهار قد ملأت بطونها من الأرزاق.
هذا التوكل الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو حق التوكل مفتاح الأرزاق، مفتاح العطاء، مفتاح بلوغ الحاجات، وإدراك المطلوبات، والأمن من المرهوبات، هذا الطير نموذج مثَّل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإدراك حاجته، والأمن من مخوفه، لكن هنا نحتاج إلى أن نقف في أول ما نتحدث عنه تفصيلًا فيما يتعلق بالتوكل عن الصلة بين العبادة والتوكل؛ حتى يُدْرِك الإنسان أن العبادة التي خُلِق من أجلها ليست منفصلة عن أعمال القلوب، بل أصل تحقيق العبادة هو عبادة القلوب.
الله -جلَّ في علاه- أيها الإخوة والأخوات جعل العبادة هي غاية الوجود، فقال -جلَّ وعلا-: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك:2]، وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56]، وقال: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك:2]
فالخلق مخلوق لهذه الغاية، وهذه الغاية مقررة، وغاية واضحة جلية، لكنها تنحصر في أذهان بعض الناس ببعض الشعائر والتعبدات، وهي ليست كذلك، هي شاملة لكل عملٍ في القلب، وعملٍ في القول، وعملٍ في الجوارح.
الله -عزَّ وجلَّ- زين هذه الدنيا بما زين، وهب القدرات للخلق، ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الكهف:7]
هذا ما بينه الله -جلَّ وعلا- في غاية الخلق، وهذا الخلق أصله أعمال القلوب، وآكد ما يكون من أعمال القلوب التوكل عليه؛ ولذلك كرره الله تعالى في كتابه في مواضع عديدة: في سورة الفاتحة قال -جلَّ وعلا-: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5]، والاستعانة لا تكون إلا بتوكل، فمن هنا توكَّل ومن هنا اطلب الأمر، لا نطلب ذلك من سواه؛ ولذلك قال: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5]، ولا يكون العون إلا ممن يُتَوَكَّل عليه ويُعْتَمَد عليه.
وقد جمع الله -سبحانه وتعالى- في آيات أُخَر بين العبادة والتوكل، فقال: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود:123]، وقال تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [الشورى:10]، وقال -جلَّ وعلا-: ﴿قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾ [الرعد:30]، وقال -سبحانه وبحمده-: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ [المزمل:8]، ثم بعد أن أمر بذكره وعبادته والانقطاع لهذه العبادة، قال: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾ [المزمل:9]
فجمع الله بين هذين المقامين: مقام التوكل، ومقام العبودية؛ ليس لأن التوكل خارج عن العبادة، فقد ذكرتُ أن التوكل أصلٌ من أصول التعبد لله -عزَّ وجلَّ-، وهو من العبادة القلبية الجليلة العظيمة، لكن لما كان التوكل ذا منزلة عالية أفرده الله بالذكر بعد التوكل،﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾[هود:123]، وكذلك في الآيات الأخر.
وهذا يَحْصُل أنه يُذْكَر أحيانًا مفرد من مفردات المعنى العام لأجل التنبيه على شرفه ومنزلته ولفت الأنظار إلى أهميته، مثال ذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج:77]، أمر بالركوع والسجود، ثم بعد ذلك قال: ﴿وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [الحج:77]، فأمر بالعبادة، والعبادة تشمل أيش؟
الركوع والسجود، فالركوع والسجود عبادة، ثم جاء ما هو أعم قال: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ [الحج:77]، فعل الخير من العبادات، ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج:77].
فتُذْكَر أحيانًا بعض العبادات مع ما هو شاملٌ لها، أو ما هو عامٌّ لها -ما يَعُمُّهَا-؛ وذلك للتنبيه إلى أهميته.
التوكل عملٌ قلبي، ما هو التوكل؟
عملٌ قلبي مداره على صدق الاعتماد على الله في جلب النفع ودفع الضُّر.
هذا هو التوكل باختصار: اعتماد القلب خالصًا صادقًا على الله في جلب النفع وفي دفع الضُّر، في جلب ما تُحِب، وفي دفع ما تكره، في جلب النافع، وفي دفع الضار.
إذا توكلت على الله بلَّغك الله مُرَادك وأدركت مطلوبك.
هذا ما يتعلق بالصلة أو بمنزلة التوكل وصلته بالعبادة.
المقدِّم: جميل. أحسن الله إليكم.
في هذه الحلقة مستمعينا الكرام نحن متواصلون معكم ومع فضيلة الشيخ الدكتور: خالد المصلح.
وحديثنا مستمر عن قوله تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود:123]
حديثنا عن التوكل على الله -سبحانه وتعالى-.
يمكنكم أن تشاركوا بالاتصال على الرقم: 0126477117 والرقم الآخر: 0126493028
وكذلك على الواتس أب على الرقم: 0500422121
وبالتغريد على هاشتاج البرنامج "الدين والحياة" على تويتر.
لعلنا -إن شاء الله- يا شيخ خالد بعد هذا الفاصل نأخذ عددًا من التطبيقات التي تدخل ضمن حديثنا أو موضعنا اليوم عن: "التوكل على الله -سبحانه وتعالى-".
نستأذنكم في هذا الفاصل.
فاصل قصير مستمعينا الكرام بعده نعود لمواصلة هذه الحلقة من برنامجكم "الدين والحياة". تفضلوا بالبقاء معنا.
المقدِّم: حياكم الله من جديد مستمعينا الكرام، نتواصل معكم ومع هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، وحديثنا مستمر عن قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود:123].
أرقام التواصل من جديد نُذَكِّر بها من أراد أن يشاركنا في هذه الحلقة: 0126477117 والرقم الآخر: 0126493028
ورقم الواتس أب هو: 0500422121
وهاشتاج البرنامج "الدين والحياة" على تويتر
نستأذنك يا شيخ خالد في فتح باب الاتصالات، نأخذ عددًا من الاتصالات ونكمل حديثنا، وفي أثناء الحديث ربما يأتي الجواب على هذه الأسئلة.
الاتصال الأول من الأخ أبو فيصل، حياك الله أبو فيصل.
المتصل: مرحبا حياك الله.
المقدِّم: يا مرحبا، تفضل أخي، أبو فيصل.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله، فضيلة الشيخ.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: الله يجزيك خيرا، ويطول عمرك. فيه خلط كبير بين التوكل والتواكل، وهذا نلاحظه كثيرًا في بعض الإخوان، والناس اللي كأنه يقولون: خلاص يعني توكلت على الله، وأنه لا يتوجب الحرص على العمل وطلب الرزق؛ لأنه خلاص أنا توكلت على الله خلاص، وهذا طبعًا يندرج تحت التواكل، فالله يثيبك خيرًا، توضح الصفة هذه، أو صورة واضحة للإخوان اللي يلتبس عليهم الأمر.
الأمر الثاني: هناك شيء أخير أنه يُعِدُّ العدة وكل شيء لأمر ما، ويضمن النجاح في هذا الأمر، وينسى أن هذه كلها أسباب من الله -سبحانه وتعالى-، وهو مسبب الأسباب وأنه قادر على أن يكون النتيجة مغايرة لما أعده، فهاتان نقطتان مهمتان جدًّا، ونلاحظهما يعني نعيشهما ونلمسهما في كثير من الإخوان. الله يثيبك.
المقدِّم: أحسن الله إليك. شكرًا لك أخي أبو فيصل على هذه المشاركة، وعلى هذين السؤالين اللذين طرحتهما وهما في صُلْبِ حديثنا في هذه الحلقة. شكرًا لك.
نتواصل معكم أيضًا مستمعينا الكرام طيب إلى أن تجهز الاتصالات لعلنا نستكمل حديثنا يا شيخ خالد، إذا كان هناك من نقطة تودون إيرادها، أو نتحدث فيما يتعلق بالتطبيقات التي تكون داخلة في التوكل على الله -سبحانه وتعالى-، والتي يمكن أن نراها على أرض الواقع نُطَبِّقُها يعني، وكذلك أيضًا مسألة التوكل والتواكل، وخلط الناس في هذا الجانب والاعتماد على الأسباب بشكلٍ كبير جدًّا.
الشيخ: هو يا أخي الكريم هو الموضوع الذي طرحه أخونا الكريم المُدَاخِل قبل قليل هو ما كنا نتحدث عنه الآن.
عرفنا أن التوكل هو اعتماد القلب على الله -عزَّ وجلَّ- في دفع الضُّر وجلب النفع.
ما صلة هذا العمل القلبي بالأسباب؟ الأسباب هي الوسائل، هي الغايات، هي الطرق التي تُفْضِي إلى النتائج، فالنتائج هنا مقدمات، ومقدماتها أسبابها، وبالتالي كيف.
المقدِّم: شيخ خالد لعلكم تتكرمون بتغيير المكان؛ ليتضح الصوت أكثر.
الشيخ: ولذلك سؤال كيف يكون التوكل في هذه الحالة؟ ما صلة التوكل بالأسباب؟ الناس فيما يتعلق بالأسباب على ثلاثة أقسام:
• القسم الأول -مَنْ ذكر الأخ- وهم: الذي يُعَطِّلُون الأسباب، ويزعمون أن هذا هو
التوكل الذي ندبت إليه الشريعة والذي أمر الله تعالى به في مثل قوله: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود:123].
فيقولون: إنه ما كتب الله سيكون، وبالتالي ما حجة أنك تبذل جُهْدًا، ولا تأخذ سببًا لإدراك شيءٍ من الأشياء، بل الأمور كلها بيد الله، وهذا حق بلا شك، ويخلطون ما هو هذا المفهوم المنقوص، وهو أنه إذا كانت الأمور بيد الله يقضي ما يشاء ويَحكم ما يُريد فلا حاجة لبذل أيِّ سبب لإدراك أي نتيجة، إنما النتائج تأتي بدون مقدمات، وهذا لا يشك عاقل أنه غير مقبول، ولا يمكن أن يلتزمه أحد في حياته؛ لأنه لو كان هذا الاعتقاد قائمًا في ذهن الإنسان في كل أحواله فإن معناه أنه لا يصنع شيئًا بالكلية، لماذا؟ لأنه إذا شاء الله أن ألبس فسيأتي اللبس، إذا شاء الله أن أشبع فسيأتي الشبع بدون أن أمد يدي لصحفة لآكلها، إذا شاء الله أن يذهب الظمأ فسيذهب الظمأ بلا شُرب، وهذا لا يقوله عاقل، ولا يُقِرُّه شرع، هذا يُسمَّى عبثًا بمفهوم التوكل، ويسميه بعضهم تواكلًا.
يرفضه الشرع، وتنافيه الطبيعة، فإن الله تعالى قد جعل لكل شيء سببًا، هذه ليست آية ولا حديث، إنما هذا معنى مستفاد من النصوص.
ولك هذا المثال فيما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق التوكُّل في حديث عمر -رضي الله تعالى عنه- يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ»، يعني: التوكل المطلوب الكامل الوافي الذي تدركون به كل ما تُؤَمِّلُون وتسلمون مما ترهبون.
«لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ»، لكن متى رزق الطير؟ وهي في أوكارها؟ وهي لم تَسْعَ؟ وهي في أعشاشها؟ تغذو وتروح، «تَغْدُوا خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَانًا».
عَمَل -سبب-، وهو السعي والحركة، والذهاب والمجيء الذي نتج عنه الرزق، الذي نتج عنه الشبع، الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذهب الجوع في قوله: «تَغْدُوا خِمَاصًا» أي: جائعة، «وَتَرُوْحُ بِطَانًا»، أي: شبعانة.
فلا بد من أخذ الأسباب.
هذا القسم الأول وهم الذين أشار إليهم الأخ وهم الذين يقولون: توكل على الله، ومعنى هذا لا تأخذ سببًا، اعقلها وتوكل، «تَغْدُوا خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَانًا». هذا القسم الأول.
• القسم الثاني يُقَابِل هذا القسم وهو: الذي لا يَلْتَفِت لعمل القلب، كل جهده
وفكره وعمله في الأسباب، فهو قاطع الصلة عن مُسَبِّب الأسباب تعلُّقًا ونظرًا، كل فِكْرِه في الأسباب.
على نحوين هؤلاء. معي أخ عبد الله.
المقدِّم: معك يا دكتور.
الشيخ: القسم الأول: الذين غَلَوْا في الأسباب، هذا يُقابِل القسم الأول، أولئك عطلَّوا الأسباب وهؤلاء عظَّموا الأسباب وأخرجوها عن قَدْرِها الذي ينبغي أن تكون، هؤلاء على قسمين:
القسم الأول: وهم الذين يعتقدون أن الأسباب تفعل بذاتها، وهؤلاء على خطر
عظيم؛ لأنه يعتقد أنه الأكل هو الذي يُشْبِع هو بذاته يُشْبِع، والماء هو الذي يَرْوِي بذاته دون تقدير الله، ويغفل هذا أنه كم من إنسانٍ يأكل ولا يشبع، وكم من إنسانٍ يشرب ولا يَرْوَى، وكم من إنسانٍ يزرع ولا يحصد، وكم من إنسانٍ يفعل السبب ولا يدرك النتيجة، وكم من إنسانٍ يفعل السبب وقد تكون السبب على نقيض ما يُريد من نتيجة، بالعكس، فمعنى هذا أن الأسباب ليست فاعلة بذاتها، إنما الأسباب وسائل جعلها الله مقدِّمات لنتائج، لكنها لا تفعل بذاتها، إنما هي مقدِّمة، إذا شاء الله تعالى أتت بنتائجها، وإذا شاء الله عطَّل نتائجها، وإذا شاء الله أتتبنقيض نتيجتها المطلوبة.
وأضرب لذلك مَثَلًا: الله -جلَّ وعلا- ذكر في قصة إبراهيم أنَّ قومه أرادوا إهلاكه، أليس كذلك؟
المقدِّم: نعم.
الشيخ: لما كسَّر أصنامهم وسفَّه أحلامهم، فكان أن أوقدوا له نارًا؛ ليحرِقوه تعذيبًا له وتنكيلًا به لما صنعه بآلهتهم، فماذا جرى؟ إيه اللي صار؟
الذي صار أن هذه النار التي جرت العادة أن تكون مُحْرِقة، هذا سبب لنتيجة وهي الإحراق. جاءت النتيجة بنقيض المعتاد لهذا السبب، قال الله تعالى: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء:69].
فكانت النتيجة على العكس، مو السبب ما جاب نتيجة، السبب جاب نتيجة عكسية، ليش؟ لأن الأسباب بيد الله -عزَّ وجلَّ- هو الذي يُصَرِّفُها كيف شاء؛ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس:82].
وبالتالي هؤلاء الذين يعتقدون أن الأسباب تفعل في ذاتها هم مشركون بالله، مشركون بربوية الله الذي له الأمر كله -جلَّ في علاه-.
القسم الثاني من هذا الصنف: هم قوم لا يقولون الأسباب لا تفعل، لكن قلوبهم
متعلَّقة بالسبب بصورة تجعله يقطع النظر عن المسبب يشتغل بالسبب عن المسبب.
وهؤلاء علاجهم في أن يعرفوا أن الأسباب لا يمكن أن تُؤْتِي نتائجها إلا بالله، فإذا كنت تعرف أنه السبب ما يمكن يجيب نتيجة إلا بالله فعلِّق قلبك بالله أو بالسبب؟
بالتأكيد أن العاقل الرشيد لا يُعْلِّق قلبه إلا بمسبب الأسباب، ومدبر الأكوان، الذي له الملك، والذي له التصريف، والذي إذا شاء أمرًا إنما يقول له: كُنْ فيكون.
أما الخلق والأسباب مهما عظُمت ومهما كثرت ومهما قويت فهي لا تأتي بنتيجة بدون الله -عزَّ وجلَّ-، آخذها وأعلق قلبي بالله؛ ولهذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصيته لابن عباس: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ الله لَك لَنْ يَنْفَعُوكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يكَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَا ضَرُّوكَ»[سنن الترمذي:ح2516، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ "]، وهذا معناه أنه: لا مانع لما أعطى، ولا مُعْطِي لما منع.
فالأسباب قد لا تأتي بنتائجها، ولكن ينبغي أن نأخذها ونعلِّق قلبنا بالله. هذا هو القسم الثاني من الأقسام.
المقدِّم: نعم، جميل. أحسن الله إليكم.
نأخذ الاتصال الثاني من الأخ عبد العزيز الشريف. تفضل يا أخي عبد العزيز.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدِّم: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: حياكم الله، يا أستاذ عبد الله، كيف حالك؟
المقدِّم: أهلًا وسهلًا. حياك الله أخي عبد العزيز.
المتصل: أحييك، وأحيي فضيلة الشيخ خالد.
المقدِّم: حياك الله. تفضل.
المتصل: فضيلة الشيخ يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- عندما قيل في الطِيَرة قال:«الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، ثَلَاثًا، وَمَا مِنَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ»[سنن أبي داود:ح3910، سنن الترمذي:ح1614، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]
ما معنى قول ابن مسعود: «وَمَا مِنَّا إِلا»؟
يعني هل معناه أنه قد يكون فيه بعض الطيرة، وهكذا تقع في قلوبهم؟
السؤال الثاني: يعقوب -عليه السلام- يقول: ﴿يَا بَنِيَ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [يوسف:67]، ما معنى هذه الآية؟
وهل قوله: ﴿لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ﴾ [يوسف:67]، هذا سبب، ثم قال ذلك: ﴿وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [يوسف:67]معناه أنه: قد يتوكل الإنسان على ربه وقد يحصل له مكاره، وأشياء أخرى؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدِّم: وعليكم السلام. شكرًا لك أخي عبد العزيز.
تفضل يا شيخ خالد يعني فيما يتعلق إذا كان بإمكانك التعليق على السؤال الأول حول قول ابن مسعود؟
الشيخ: لا، باقي فيما يتعلق، باقي القسم الثالث.
المقدِّم: جميل. هذا فيما يتعلق بالأسباب والتوكل على الله.
الشيخ: فيما يتعلق بأحوال الناس مع الأسباب.
المقدِّم: جميل.
الشيخ: نحن ذكرنا في أحوال الناس مع الأسباب.
المقدِّم: قسمين.
الشيخ: قسمين:
• القسم الذي يُعَطِّل الأسباب، وهؤلاء يردهم العقل والشرع.
• والقسم الثاني: الذين يغلون في الأسباب ويعلِّقون قلوبهم بها سواءً.
المقدِّم: كلا القسمان متواكلان يا شيخ.
الشيخ: هؤلاء كلهم خارجون عن الصراط المستقيم في الأسباب.
الطريق القويم هو أن تأخذ السبب وتُعَلِّق القلب بالله، تأخذ ما استطعت من السبب، ما تمكنت من الأسباب، وفوِّض الأمر إلى الله، وعلِّق قلبك بالله، وكن جازمًا أنه "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن"، "لا ما نع لما أعطى، ولا مُعْطِي لما منع"، وأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يُبَلِّغُك بصدق توكلك ما لا يمكن أن تبلغه بجهدك وعملك.
الله -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال:60].
أمر بالإعداد، والإعداد هو أخذ السبب، وجعل ذلك مطلوبًا في ذروة سنام الإسلام وهو الجهاد.
أمر الله -عزَّ وجلَّ- بأخذ الأسباب في كل ما يتعلق من حوائج الدنيا والآخرة، أمرنا بطاعته؛ لأنها سبب دخول جنته، نهانا عن معصيته؛ لأنها تقرِّبُنا إلى سَخَطِه، وهَلُّمَّ جَرًّا في كل ما يتعلق بأمور الشرع، وفي كل ما يتعلق بأمور الديانة، وفي أمور الدنيا ومصالح المعاش، كلها لا تُبْلَغ إلا بالتوكل؛ ولذلك نحن نحتاج إلى النظرة المُتَّزِنة فيما يتعلق بالأسباب، لا نغلوا فيها ولا نُقَصِّر عنها؛ «تَغْدُوا خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَانًا».
المقدِّم: قول بعضهم يا شيخ: أنا أفعل الذي عليَّ والباقي على الله -سبحانه وتعالى-. هل تستقيم هذه المقولة يا شيخ؟
الشيخ: يعني هو المقصود أنه أنا أفعل ما في يديَّ من الأسباب، وهذه الأسباب التي في يدك هو الذي يسَّرها لك الله -عزَّ وجلَّ-، من الذي أعطاه الطعام لتشبع؟ الله.
فتأكل والشبع يحصل بإرادة الله وبتدبيره، تزرع، تبذر الحبة وتفوِّض الأمر إلى الله في نباتها، إن شاء شُقت الأرض ونمَت، وإن شاء ذهبت ولم تُنْتِج.
فالباقي على الله المقصود بذلك يعني، ما لا يَدَ لِي فيه مما يسره الله لي أفوِّضه إلى الله، وليس المقصود أنه اللي سويته يعني هو بجهدي، وكسبي، وعملي، وقدرتي، ومن قِبَل نفسي دون تيسير الله، هذا ما يكون أبدًا من مؤمن، ولا يُقْصَد بهذا.
وهذا يستعمله بعض الناس بمعنى نتيجتهم في اختبارات -وفَّق الله أبناءنا وبناتنا لما فيه الخير-، يقول: أنا راجعت، والباقي على الله، درست والباقي على الله.
نعم صح هذه العبارة إذا كان المقصود أنه أفوِّض أمري إلى الله في حصول النتيجة فصحيح.
المقدِّم: نعم. أحسن الله إليكم.
الشيخ: ولذلك العبارة هذه لها وجه صحيح فلا يُتَعَقَّب بها على أحد.
المقدِّم: جميل. أحسن الله إليكم.
السؤال للأخ عبد العزيز فيما يتعلق بمقولة الصحابي الجليل ابن مسعود -رضي الله عنه-: «وَمَا مِنَّا إِلا». فيما يتعلق بالطيرة يا شيخ. «وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ».
الشيخ: نجعل هذا في قوادح التوكل في آخر اللقاء.
المقدِّم: جميل. طيب.
الشيخ: عندي محور إذا سمحت لي أو نقطة أحب أتحدث عنها.
موضوع: التوكل في ماذا يكون؟ ما هي الأشياء التي يتوكل الإنسان فيها على الله عزَّ وجلَّ؟
المتبادر إلى الذهن عندما يُذْكَر التوكل أنَّ التوكل يكون في موضوع الأرزاق، وحوائج الإنسان في الدنيا، وما يكون من مصالح المعاش، ويكفي في ذلك التوكل ولا يزيد على هذا فيما يتعلق بالتوكل والتفويض.
وهذا الحقيقة جهل بالتوكل وتضييق لدائرته، التوكل يدخل في كل قضية، وفي كل أمر، الله -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [الطلاق:3]، ولم يذكر في أي شيء؛ ليشمل كل شيء، ﴿فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق:3]، أي: فهو كافيه -جلَّ في علاه-.
وأعلى مراتب التوكل: التوكل على الله في هداية القلوب، في صلاح العمل، في ثبوت الإيمان، في السلامة من الفتن، في النجاة من المُضِلَّات.
هذا النوع من التوكل غائب عن كثير من الناس، فإن كثيرًا من الناس إذا ذُكِر التوكل يَذْكُر التوكل في المصالح والمعاش، وهذا صحيح، ولكن هناك التوكل على الله في الهداية، التوكل على الله في الطاعة، التوكل على تحصيل الخير، هذا من أهم وأعلى منازل التوكل، وإذا حققه العبد فتح الله له من أبواب الهداية، والاستقامة، والصلاح، والوقاية من الفتن والشرور والضلال ما ليس له على بال.
قال النبي- صلى الله عليه وسلم- فيما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي ذر: يقول الله -عزَّ وجلَّ-: «يا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلا من هَدَيْتُهُ، فاستهدوني أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلا من أَطْعَمْتُهُ، فاستطعموني أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إلا من كَسَوْتُهُ، فاستكسوني أَكْسُكُمْ».[صحيح مسلم:ح2577/55]
هذه ثلاثة أمور نادى الله الناس والخلق لافتًا أنظارهم إلى ضرورة الاتكال على الله والالتجاء إليه في تحصيلها، وهي شاملة لمصالح الدين ومصالح الدنيا، رزق القلوب بالهداية، ورزق الأبدان بالطعام والشراب واللِبَاس وما يصلح به.
إذًا التوكل على الله -عزَّ وجلَّ- في هداية القلوب من أشرف وأعلى ما يكون من التوكل.
«فاستهدوني أَهْدِكُمْ».
وكيف يتوكل الإنسان على ربه في هداية قلبه؟
يأخذ من السبب صادقًا في تحقيق الهداية وسيبلغ الهداية بتوفيق الله.
اجتهد في طاعة الله، في لزوم شرعه، توكل على الله في إقامة أمره، عندما تنام، مِثَال: عندما تنام تضع رأسك على فراشك في الليل، تعتمد في قلبك مع أخذ السبب أن تقوم لصلاة الفجر.
عندما تتحمل مسئولية من المسئوليات، وظيفة عامة، وظيفة خاصة، أمانة من الأمانات، ابذل الأسباب التي يسَّرها الله لك في القيام بالمسئولية، وفوِّض قلبك إلى الله -عزَّ وجلَّ- في تحقيق الغاية والمقصود من هذا العمل وهذه المسئولية، والقيام بهذه المهمة التي وُكِّلت بها، عند ذلك ستجد أن الله لك مُعِين، ستجد أن الله لك ظهير، ستجد أنه ييسر لك ما تُؤَمِّل من الخير، يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت:69].
لابد من بذل جهد، وبذل طاقة؛ لتحصيل المطلوب.
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت:69]، أي: سيدركون الهداية إلى الطرق الموصلة إلى الله -عزَّ وجلَّ-.
هذا النوع من الأول من أنواع التوكل:
- التوكل على الله في هداية القلوب، وهو الذي كان الصحابة يستشعرونه ويقولون:
"وَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلاَ تَصَدَقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا".[صحيح البخاري:ح2837]
فكل ذلك إنعامٌ منَّ الله عليك، وتفضُّلٌ منه عليه، فثق به وتوكل عليه في هداية قلبك، وابذل السبب وجاهد نفسك وهواك وأبشر بالنتيجة.
- النوع الثاني من أنواع التوكل: التوكل على الله في مصالح الدنيا، وهذا هو الذي يقع، وينصرف إليه أذهان كثير من الناس، التوكل على الله في الأرزاق، في المساكن، في النجاح، في التفوق، في الوظائف، في الصفقات التجارية، وهذا يفعله الناس ويدركونه؛ لأنه لا قِوَام للناس إلا به، بل للخلق حتى الطير، تتوكل على الله.
«لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ» فهي متوكلة، «تَغْدُوا خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَانًا» كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- القسم الثالث من التوكل: التوكل على الله في المعصية، وهذا قد يقول قائل: كيف يكون هذا؟
أولًا: هذا توكل لا يؤجر عليه الإنسان، بل هو آثمٌ بنتيجته، وهي حصول المعصية، لكن يقع أن من الناس من يتوكل على الله في إدراك ما يريد من المعاصي.
السُرَّاق، قطَّاع الطرق، أهل الفساد، يغامرون بأنفسهم، ويدخلون في مداخل مُهْلِكَة، وتجد أن قلبه معلَّق بالله في إنجاز هذه المهمة، هذه السرقة، هذا القاطع للطريق، يُدْرِك أنه ينجيه الله -عز وجل- بتوكله، لكن هذا التوكل لا ثواب فيه، بل صاحبه آثمٌ بنتيجته وثمرته، وإن كان قلبه قد افتقر إلى الله -عزَّ وجلَّ-، لكن هذا افتقار إلى الله في معصيةٍ، وقد يعطيك الله ما توكلت عليه من المعصية، ليس إكرامًا لك، ولكن استدراجًا لك في هذا المسار الذي سرت فيه، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطارق:17]، وقال -جلَّ وعلا-: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [آل عمران:178]، كما قال في سورة آل عمران: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [آل عمران:178]
فهذه أقسام الناس في التوكل:
- التوكل على الله في طاعته.
- التوكل على الله في معصيته.
- التوكل على الله في مصالح المعاش والمعاد.
أعلاها التوكل على الله في الطاعة، والواجب التوكل على الله في مصالح المعاش، وأما التوكل على الله في الفساد فهذا محرَّم.
المقدم: نعم. بقيت ثلاث نقاط -إن شاء الله- نأخذها بعد هذا الفاصل.
نستأذنكم شيخ خالد في الخروج إلى هذا الفاصل، نعود بعده مع مستمعينا الكرام لمواصلة هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة"، تفضلوا بالبقاء معنا.
المُقدِّم: حياكم الله مستمعينا الكرام من جديد، نحييكم ونواصل معكم هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، وحديثنا مستمر حول: "أثر التوكل في تحقيق العبودية" مع فضيلة الشيخ الدكتور: خالد المصلح.
شيخ خالد حياكم الله مجددًا، ولعله من المناسب أن نطرح الثلاث نقاط التي نوَّهْنَا عنها قبل هذا الفاصل:
النقطة الأولى حول: السؤال الذي تركه أو الذي طرحه المستمع عبد العزيز الشيخ، ولعله من المناسبة أن نأتي إلى ما يتعلق بقوادح التوكل بشكلٍ مختصر يا شيخ.
الشيخ: قوادح التوكل يا أخي الذي يقدح التوكل هو:
- الغفلة عن الله -عزَّ وجلَّ-.
- هو: عدم العلم بكماله -جلَّ في علاه-.
- هو: التعلُّق بغيره -سبحانه وبحمده-.
هذه أصول يرجع إليها كل هذه الخروقات التي يخرج فيها الإنسان عن تحقيق التوكل على الله -عزَّ وجلَّ-:
- إما بعدم علمه بالله.
- وإما بتعلقه بغير الله -عزَّ وجلَّ-.
- وإما لغفلته عن الله -عزَّ وجلَّ-.
ونماذج ضعف التوكل كثيرة في حياة الناس، هؤلاء الذين يتشاءمون بمقدِّمات لا صلة لها بالوقائع والأحداث، ولا دلالة فيها بالكلية على شيءٍ مما سيكون، هؤلاء هم الذين ذمَّهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجاءت الأحاديث في النهي عن هذا المسلك.
«إِنَّ الْعِيَافَةَ وَالطَّرْقَ وَالطِّيَرَةَ وَالتِّوَلَةَ مِنْ الْجِبْتِ».[سنن أبي داود:ح3907، ومسند أحمد:ح15915، وضعفه الالباني في ضعيف الترغيب والترهيب:ح1794]
وهذا يدل على أنها من المحرَّمات التي ينبغي تَجَنُّبُها، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ».[صحيح البخاري:ح5707]
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصف السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال: «لا يَكْتَوُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون».[صحيح البخاري:ح5752]
فالتطير من معالم غياب التوكل أن يتشاءم الإنسان بمقدِّمات، وحوادث، ومسموعات أو مرئيات، لا صلة لها بما يكون في المستقبل.
وهنا أُشير أنه نحن الآن تروج في كثير من المواقع، وحتى بعض المواقع التي يَسْتَهْجِن الإنسان كيف تنزل إلى هذا المستوى من الكهانة؟!
في كثير من المواقع والقنوات في بدايات الأعوام، سواءً الأعوام الهجرية والميلادية قد يستضيفون بعضَ من يسمونهم فلكيين، أو يسمونهم يعني يطلقون عليهم من الألقاب التي تُخْفِي دجلهم، هم دجالون، لكن يأتون بدجال ويقولون: هذا فلكي، هذا عالم نوراني، هذا صاحب تنبُّؤات.
المقدِّم: أو من يتناقلون يا شيخ يعني مولودًا في برج كذا، فإن من صفاته كذا.
الشيخ: أو التعلق بالأبراج هذه أيضًا قضية أخرى، لكن هؤلاء بما أنه نحن في نهاية عام سنة ميلادية وبداية أخرى يروج مثلها الحديث عن هؤلاء، وماذا يتوقعون في العام القادم من حوادث؟ من هلاك، أو نجاة، أو فوز، أو نجاح، أو اضطرابات، أو ما إلى ذلك، كل هؤلاء يضربون في خَرْصٍ لا يمكن أن يُصَدَّقوا فيه.
المقدِّم: وقد يكذبوا كذبات كثيرة يا شيخ ويصيب ويحدث.
الشيخ: الله -جلَّ وعلا- قد قال: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النمل:65].
علم ما في غدٍ ليس لأحدٍ إنما هو لله، وكما قال تعالى: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان:34].
فالأمر لله، فينبغي قطع كل هذه الأمور التي يتعلق بها الناس بغير الله.
أيضًا الذين يأتون إلى الكُهَّان؛ لطلب العلاج منهم، سواءً كان سحرًا، أو كان حسدًا، أو كان ما كان من الأمراض الروحية النفسية، هؤلاء قال فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَسَأَلَهُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً».[صحيح مسلم:ح2230/125]
وفي الحديث الآخر: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا سَأَلَهُ فَصَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ».[مسند أحمد:ح9536، ومستدرك الحاكم:ح15، وقال:«هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. ووافقه الذهبي]
المقدِّم: نعم. أحسن الله إليكم.
نأخذ آخر اتصال معنا من المستمع محمد. تفضل أخي محمد.
المتصل: السلام عليكم.
المقدِّم: وعليكم السلام ورحمة الله، تفضل.
المتصل: الله يحفظكم شيخ، ودي أسأل سؤالًا للشيخ -الله يحفظ-.
المقدِّم: تفضل يسمعك الشيخ.
المتصل: يا شيخ أحبكم في الله، والله يا شيخ.
الشيخ: أحبك الله الذي أحببتني فيه.
المتصل: يا شيخ بالنسبة لسؤالي طبعًا تعلمون ما يحصل الآن في هذا العالم، والمشاكل حاصله، والأمور المادية، سؤالي يا شيخ: ماذا يُقال لأمثال هؤلاء من الناس الذي تعلَّقوا بالأسباب وتركوا مسبب الأسباب، وتركوا التوكل على الله -عزَّ وجلَّ-؟ ماذا يقال لأمثال هؤلاء؟
لأنهم حقيقة ًعندما يذهب عنهم ما هم متعلقون فيه من أسباب تضيع حياتهم، ويدخلون في قلق وهموم كثيرة ما يعلمها إلا الله -عزَّ وجلَّ-، فماذا يقال لأمثال هؤلاء -بارك الله فيك-؟
المقدِّم: أحسن الله إليك.
شكرًا لك أخي محمد على هذا السؤال المهم. شكرًا لك.
تفضل يا شيخ خالد إذا كان بالإمكان التعليق على هذه النقطة.
الشيخ: والله يعني يقال له ما كنا نتكلم عنه في كل المجلس السابق، يعني نحن تحدثنا عن التوكل وعظيم أثره وكريم ثماره التي يُدْرِكها الإنسان بصدق اعتماده على ربه -جلَّ في علاه-.
«وَلَنْ تَمُوتَ نفسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا»[مسند البزار:ح2914، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:ح1702]، كما قال النبي-صلى الله عليه وسلم-.
المقدِّم: هو يمكن ربما يقصد يا شيخ أيضًا التكاليف المالية الزائدة وغير ذلك مما أحيانًا قد يكون يُثْقِل كاهل البعض؛ وبالتالي يتناقلون رسائل إحباط، ورسائل سلبية، يعني ما هو المناسب في مثل هذه الحال، وفيما يتعلق أيضًا بالتوكل على الله -سبحانه وتعالى-.؟
الشيخ: تذكَّر ما ذَكَره الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾ [البقرة:268].
فينبغي للمؤمن أن يثق بالله، وأن يطمئن قلبه، وهذا لا يعني ألا يُدَبِّر، ولا يعني ألا يُرَتِّب أموره على نحوٍ مما يكون مُرَشِدًا لإنفاقه، مُنَظِّمًا لصَرْفِه، مُبْعِدًا له عن التبذير والإسراف، هذه أمور لا بد منها، لكن ينبغي أن يُعَلِّق قلبه بالله فيما يتعلق برزقه فإنه لن يموت حتى يستوفي كل ما له من الرزق.
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ»، هذه وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: «فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا»، ثم قال: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ».[ مسند البزار:ح2914، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:ح1702]
تذكير أن التقوى مع الاقتصاد، وعدم الشغف بالدنيا والتعلق بها، وتعلق القلب بها.
ما أعظم هذه الوصية الجامعة النافعة النبوية، في مقابلة كل ما يمكن أن يكون من ضوائق الدنيا.
أُعِيدُها بإجمال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ».[سبق]
المقدِّم: أحسن الله إليكم. النقطة الأخيرة بشكل مختصر إن كان تعليق على قوله -سبحانه وتعالى- في قوله على لسان يعقوب -عليه السلام- لبنيه: ﴿لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ﴾ [يوسف:67]
الشيخ: نعم. هذا يتعلق بأخذ الأسباب، قول يعقوب -عليه السلام- لأبنائه: ﴿لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ﴾ [يوسف:67]
لحاجةٍ في نفس يعقوب -عليه السلام-، وقيلت في هذه الحاجة، والله أعلم بذلك: أنه خشي عليهم أن يُصابوا بالعين؛ وذلك لبهائهم، وجمالهم، وبسطة أجسامهم؛ فخشي عليهم، ولعل هذا يكون سببًا.
وعلى كل حال سواءً كان هذا أو كان غير هذا، ولكن أخذ الأسباب بالاحتياط مع ثقة العبد بالله -عزَّ وجلَّ-، وأنه لن يضره إلا ما كتب الله له.
المقدِّم: يعني بعض الناس حين يتعمد يا شيخ مثلًا فيما يتعلق ببعض النماذج مثلًا يتعمد بشكل مستمر على عدم غسل سيارته، بشكل مستمر؛ ومع أنه يقول: أنا أتوكل على الله -سبحانه وتعالى-، لكن لا يريد أن يُبْرِزها بالشكل الذي أحيانًا قد يجذب الأنظار إليها مثلًا، وغير ذلك من بالنماذج التي تكون فيما يتعلق بالأبناء وغيرهم، وإبرازهم بشكل مستمر، وغير ذلك يعني.
الشيخ: شوف يا أخي هو فيه فرق بين الشيء الطبيعي والشيء المُتَعَمَّد الذي فيه نوع من الفَخْر والخُيَلاء، كون الإنسان يخرج مع أولاده ويرونه الناس في الذهاب إلى المسجد، أو في الذهاب إلى المدارس، أو لأمور اعتيادية، هذا ما فيه إشكال ولو ظهر بمظهرٍ ظهرت فيه عليه آثار نعمة الله، لكن أن يُظْهِر الإنسان النعمة على وجه من المباهاة، هنا الخطر الذي يُنَبَّه إليه الناس من أنه قد يصيبكم ما تكرهون لمباهاتكم، ولأجل أنكم تكسرون عيون الناس، وهذا يحصل في برامج التواصل وغيرها التي قد يُظْهِر الإنسان فيها شيئًا لا حقيقة له، وهو عارٍ عنه، فيكون مُتَشَبِّعًا بما ليس عنده، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «المُتَشَبِّع بِمَا لَمْ يُعْطَ كلابِسِ ثَوْبَي زُورٍ».[صحيح البخاري:ح5219]
المقدِّم: أحسن الله إليكم، بارك الله فيكم، وشكر الله لكم فضيلة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدِّم: الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح.
شكرًا جزيلًا لكم فضيلة الشيخ.
شكرًا لكل المستمعين والمستمعات الذين كانوا معنا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج: "الدين والحياة"، التي كان فيها ضيفًا معنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: خالد بن عبد المصلح، أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم.