قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" التوبة تصح من ذنب مع الإصرار على ذنب آخر إذا كان المقتضي للتوبة من أحدهما أقوى من المقتضي للتوبة من الآخر أو كان المانع من أحدهما أشد وهذا هو القول المعروف عند السلف والخلف . وذهب طائفة من أهل الكلام كأبي هاشم إلى أن التوبة لا تصح من قبيح مع الإصرار على الآخر قالوا : لأن الباعث على التوبة إن لم يكن من خشية الله لم يكن توبة صحيحة، والخشية مانعة من جميع الذنوب لا من بعضها وحكى القاضي أبو يعلى وابن عقيل هذا رواية عن أحمد لأن المروذي نقل عنه أنه سئل عمن تاب من الفاحشة وقال: لو مرضت لم أعد لكن لا يدع النظر فقال أحمد : أي توبة هذه قال جرير بن عبد الله سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال : «اصرف بصرك ». والمعروف عن أحمد وسائر الأئمة هو القول بصحة التوبة، وأحمد في هذه المسألة إنما أراد أن هذه ليست توبة عامة يحصل بسببها من التائبين توبة مطلقا لم يرد أن ذنب هذا كذنب المصر على الكبائر فإن نصوصه المتواترة عنه وأقواله الثابتة تنافي ذلك وحمل كلام الإمام على ما يصدق بعضه بعضا أولى من حمله على التناقض لاسيما إذا كان القول الآخر مبتدعا لم يعرف عن أحد من السلف ، وأحمد يقول : إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام وكان في المحنة يقول:"كيف أقول ما لم يقل؟". واتباع أحمد للسنة والآثار وقوة رغبته في ذلك وكراهته لخلافه من الأمور المتواترة عنه يعرفها من يعرف حاله من الخاصة والعامة . وما ذكروه من أن الخشية توجب العموم . فجوابه أنه قد يعلم قبح أحد الذنبين دون الآخر، وإنما يتوب مما يعلم قبحه. وأيضا فقد يعلم قبحها ولكن هواه يغلبه في أحدهما دون الآخر فيتوب من هذا دون ذاك كمن أدى بعض الواجبات دون بعض ؛ فإن ذلك يقبل منه". "مجموع الفتاوى" ( 10/320- 321).