×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة: حسن التدبير وترشيد الإنفاق.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:8021

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى؛ فَتَقْوَى اللهِ خَيْرُ ما تُسْتَجْلَبُ بِهِ الخَيْراتُ، وَتُسْتَدْفَعُ بِهِ البَلِيَّاتُ.
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُالطلاق:2-3مَخْرَجًا مِنَ الأَزَماتِ وَالضَّوائِقِ وَالكُرُبَاتِ, وَرِزْقًا حَسَنًا يَعِيشُ بِهِ في دُنْياهُ، يَبْلُغُ بِهِ مَرْضاةِ رِبِّهِ، وَيَكُونُ بِهِ مُكْتَفِيًا بِما أَعْطاهُ اللهُ تَعالَى مِنَ الخَيْرِ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الخَلْقِ.
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُالطلاق:2-3.
أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ, الأُمَمُ كُلُّها يُصِيبُها ما يُصِيبُها مِنْ بَلاءٍ، بِحِكْمَةٍ عَظِيمَةٍ، وَعِلَّةٍ خَفِيَّةٍ تَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَرَبُّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًاالإنسان:30
فالأُمَمُ تُصابُ بِالخَيْرِ وَتُصابُ بِالشَّرِّ، يَبْتَلِيها اللهُ تَعالَى بِالعَطاءِ وَالمَنْعِ، بِالغِنَى والفَقْرِ، بِالسَّعَةِ وَالضِّيقِ، بِكُلِّ أَنْواعِ ما يُبْتَلَى بِهِ الخَلْقُ، فَلِلَّهِ في ذَلِكَ حِكْمَةٌ، كُلُّها تُصابُ بِذَلِكَ، مُؤْمِنُها وَكافِرُها، كُلُّها تُصابُ بِذَلِكَ؛ ابْتِلاءً وَاخْتِبارًا، كَما قالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلا-: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةًالأنبياء:35.
تَمَرُّ الأُمَمُ بِضَوائِقَ اقْتِصادِيَّةٍ، وَقَدْ تُحِيطُ بِها ظُروفٌ قاسِيَةٌ، مِنْ غَلاءِ مَعِيشَةٍ، أَوْ شُحِّ مَواردَ، أَوْ قِلَّةِ ذاتِ يَدٍ، أَوْ فَقْرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، يُنَوِّعُ اللهُ عَلَى عِبادِهِ صُوُرَ البَلاءِ؛ لِيَسْتَخْرِجَ بِذَلِكَ مَكْنُوناتِ النُّفُوسِ، مِنَ الطِّيبِ وَالخُبْثِ، وَالصَّلاحِ وَالفَسادِ.
﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً[الأنبياء:35]، أَيْ: اخْتِبارٌ، يَخْتَبِرُكُمُ اللهُ تَعالَى أَيُّها النَّاسُ بِالشَّرِّ وَهُوَ: الشِّدَّةُ، يَبْتَلِيكُمُ اللهُ تَعالَى بِها، وَبِالخَيْرِ وَهُوَ: الرَّخاءُ، وَالسِّعَةُ، وَالعافِيَةُ، في نُفُوسِكُمْ، فيَفْتِنُكُمْ بِذَلِكَ.
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "نَبْتَلِيكُمْ بِالشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ، وَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ، وَالغِنَىَ والفَقْرِ، وَالحَلالِ وَالحَرامِ، وَالطَّاعَةِ وَالمَعْصِيَةِ، وَالهُدَى وَالضَّلالِ".تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ(18/440), فَيَبْتَلِي اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- النَّاسَ بِما يُحِبُّونَ، وَبِما يَكْرَهُونَ؛ يَخْتَبِرُهُمْ بِذَلِكَ، وَهَذا كُلُّهُ لاسْتِخْراجِ ما في نُفُوسِهِمْ مِنْ حالٍ يَراها اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فيُثِيبُ بِها الطَّائِعينَ، وَيَبْتَلِي بِها وَيُعاقِبُ بِها الخارِجِينَ عَمَّا أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِهِ في ذَلِكَ البَلاءِ.
رَوى الإِمامُ البُخارِيُّ في صَحيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ-: «أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَطْعِمُهُ؛ فَبَعَثَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى نِسَائِهِ؛ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَصْحَابِهِ: «مَنْ يُضِيفُ هَذَا؟»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ: أَنَا يا رسول الله. فَانْطَلَقَ ذلك الرجل بهذا الضَّيْفِ الَّذي اسْتَطْعَمَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَجِدْ عِِنْدَهُ وَفي بُيُوتِهِ ما يَطْعَمُهُ، انْطَلَقَ مَعَ هَذا الصَّحابِيِّ الأَنْصارِيِّ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَقَالَتْ: مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي. فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ -أي: أَنِيري سِراجَكِ-، وََنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا العَشَاء. فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا؛ فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلانِ مَعَه، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا ذلكَ الأَنْصارِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ لَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ أُوْحِيَ إِليَّ بما صَنَعَ هَذا الرَّجُلُ بِضَيْفِ رَسُولِ اللهِ -صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِيثارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلادِهِ بِطعامِ وَعَشاءِ أَوْلادِهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ لِلرَّجُلِ –لِلأَنْصارِيِّ-: «ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ مِنْ فِعَالِكُمَا»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعالَى قَوْلَهُ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَالحشر:9. أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ (3798), وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِنَحْوِهِ (2054).

نَعَمْ أَيُّها الإِخْوَةُ، هَذا سَيِّدُ الوَرَى لَيْسَ في بَيْتِهِ إِلَّا الماءُ، وَكانَ يَرْبِطُ بَطْنَهُ مِنَ الجُوعِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَيْسَ هَذِهِ دَعْوَةً لِلفَقْرِ، وَلا لِتَرْكِ العَمَلِ، بَلْ هُوَ إِخْبارٌ بِواقِعٍ؛ لِيَكُونَ لَنا فِيهِ أُسْوَةٌ، فَقَدْ كانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ ما فَتَحَ مِنْ أَنْواعِ الفُتُوحاتِ إِلَّا أَنَّهُ كانَ طائِعًا للهِ في كُلِّ أَحْوالهِ، قَائِمًا بِما يُحِبُّ وَيَرْضَى، فابْتَلاهُ اللهُ بِقِلَّةِ ذاتِ اليَدِ، وَكانَتْ هَذِه غالبَ حالِهِ، وَابْتَلاهُ اللهُ بِما جاءَ بِهِ مِنَ الأَمْوالِ الَّتِي سَيقَتْ إِلَيْهِ، فَكانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يبَخْلُ بِها على أحد، بل جاءه مال فقال: «مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُدًا لِي ذَهَبًا، يَأْتِي عَلَيَّ لَيْلَةٌ أَوْ ثَلاَثٌ، عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ إِلَّا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا». أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ ح(6268), أَيْ: وَضَعْتُهُ في حوائِجِ النَّاسِ، وَلَمْ أُبْقِ مِنْهُ شَيْئًا.
وَاللهُ تَعالَى يَقُولُ في مُحْكَمِ كِتابه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ[البقرة:155]، ثُمَّ يَقُولُ فِيما يَنْبَغِي أَنْ يُقابِلَ بِهِ ذَلِكَ: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ[البقرة:155].
فَلا يُقَابَلُ البَلاءُ وَلا يُقَابَلُ نَقْصُ الأَرْزاقِ وَالثَّمراتِ بِمِثْلِ الصَّبْرِ الَّذي يُحَقِّقُ بِهِ الإِنْسانُ طاعَةَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَيْسَ الصَّبْرُ عَمَلًا سَلْبِيًّا، بَلِ الصَّبْرُ عَمَلٌ إِيجابِيُّ يَقُومُ عَلَى مُرْتَكَزاتٍ، وَيُحَقِّقُ بِهِ الإِنْسانُ هَناءَ عَيْشِهِ، وَكِفَايةَ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ كَما قالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا».أخرجه التِّرْمِذِيُّ ح(2346), وَقالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ..
الَّلهُمَّ أَغْنِنا بِحَلالِكَ عَنْ حَرامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ, الَّلهُمَّ أَرْغِدْ عَيْشَنَا، وَارْزُقْنا مِنْ وَاسِعِ فَضْلِكَ ما يُغْنِينَا عَمَّنْ سِواكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.
أَقُولُ هَذا القَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:

الحَمْدُ للهِ مالِكِ المُلْكِ، بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ، لَهُ الحَمْدُ في الأُولَى وَالآخِرَةِ، يُنْعِمُ كَثِيرًا، لَهُ الحَمْدُ في السَّماواتِ وَالأَرْضِ، يُعْطِي عَطاءً جَزِيلًا، لَهُ الحَمْدُ، يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ، لَهُ الحَمْدُ، يَرْزُقُ عِبادَهُ، فَما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها، لَهُ الحَمْدُ، تَكَفَّلَ بِالأَرْزاقِ، وَأَغْدَقَ العَطاءَ، وَتَوالَتْ نِعَمُهُ، وَتَوافَرَتْ عَطاياهُ، فَلَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ، أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ، ظاهِرُهُ وَباطِنُهُ، لا نُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ هُوَ كَما أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى، واعْلَمُوا أَنَّ مَخْرَجَ الِإنْسانِ مِنْ كُلِّ كُرَبِهِ، وَمِنْ كُلِّ ضَائِقَةٍ، بِتَقْوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَلَيْسَ ثَمَّةَ مَخْرَجٌ يَسْعَدُ بِهِ الإِنْسانُ في دُنْياهُ، وَيَفُوزُ بِهِ في أُخْراهُ، إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ تَعالَى في السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَفي الضِّيقِ وَالسَّعَةِ، وَفي الغِنَى وَالفَقْرِ، وَفي كُلِّ حالٍ مِنْ أَحْوالِهِ، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ تَعالَى نِعْمَ ما تَزَوَّدَ بِهِ العَبْدُ، ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى[البقرة:197].
عِبادَ اللهِ، إِنَّ ضَوائِقَ الأُمُورِ الَّتي تَنْزِلُ بِالنَّاسِ تَكْشِفُ مَعادِنَهُمْ، وَتُبَيِّنُ مَكْنُوناتِ صُدُورِهِمْ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُقَابِل البَلاءَ بِالصَّبْرِ فَيَكُونُ مَأْجُورًا عَلَى صَبْرِهِ، مُوَفَّقًا في طَرِيقِ الخُرُوجِ مِنْ ضائِقَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَابِلُ الضَّوائِقَ بِالجَزَعِ وَالضَّجَرِ، وَبِالتَّأَفُّفِ وَسَيِّءِ القَوْلِ وَالعَمَلِ، فَهَؤُلاءِ لا يَزِيدُهُمْ ضَجَرُهُمْ وَلا ضِيقُهُمْ إِلَّا سُوءًا وَشَرًّا، وَالمؤْمِنُ بَصِيرٌ بما يُخْرِجُهُ مِنَ الضَّوائِقِ بِنُورِ كِتابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- الَّذِي يَتْلُوهُ وَيَسْمَعُهُ صَباحَ مَساءَ، وَاللهُ -جَلَّ وَعَلا- يَقُولُ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ[البقرة:155]، ثُمَّ يَقُولُ جَلَّ وَعَلا: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ[البقرة:155]، أَيْ: عَلَى ما أَصابَهُمْ مِمَّا يَكْرَهُونَ.
وَالصَّبْرُ لَيْسَ اسْتِسْلامًا لِلقَدَرِ المَكْرُوهِ، بَلْ الصَّبْرُ هُوَ ما يُقَابَلُ بِهِ القَدَرُ لِتَحَمُّلِ البَلاءِ وَما يُكْرَهُ، وَلِطَلَبِ ما يَخْرُجُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الضِّيقِ، كَما قالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ- لماَّ رَجَعَ بِالنَّاسِ عَنِ الشَّامِ وَقَدْ نَزَلَ بِها بَلاءُ الطَّاعُونِ، فَقالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: "أَتَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ يا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لَيْتَ غَيْرَكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ! نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ".البخاري(5729), ومسلم(2219).
فَنَحْنُ نَفِرُّ مِنَ الأَقْدارِ المَكْرُوهَةِ إِلَى الأَقْدارِ المَحْبُوبَةِ، وَكُلٌّ بِقَضاءٍ وَقَدَرٍ كَما قالَ تَعالَى في مُحْكَمِ كِتابِهِ: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ[القمر:49].
أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ الأَزماتِ تُقَابَلُ بِالصَّبْرِ، وَتُقَابَلُ بِأَعْمالٍ يَقُومُ عَلَيْها الصَّبْرُ، وَمِنْ أَعْظَمِ ما يَنْبَغِي أَنْ نُقَابِلَ بِهِ ما يَكُونُ مِنْ ضِيقٍ في عَيْشِنا، أَوْ تَغَيُّرٍ في أَحْوالِنا، أَنْ نُقابِلَ ذَلِكَ بِتَقْوَى اللهِ وَالصَّبْرِ وَالاسْتِغْفارِ وَالتَّوْبَةِ، وَقَدْ يَقُولُ قائِلٌ: ما أَثَرُ ذَلِكَ؟ أَثَرُ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ يَدْفَعُ بِالطَّاعَةِ عَنِ الإِنْسانِ كَثيًرا مِمَّا يَكْرَهُ، وَلَيْسَ مَعْنَى هَذا أَنْ يَقْتَصِرَ الإِنْسانُ عَلَى هَذا السَّبَبِ، بَلْ هَذا سَبَبٌ، وَلا بَد أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ مِنَ الأَسْبابِ ما يَكُونُ سَبَبًا وَطَرِيقًا وَوَسِيلَةً لِتَحْصِيلِ المقْصُودِ، وَالخُروجِ مِنَ الضَّوائِقِ، وَتَجاوُزِ المصائِبِ الَّتي تُحِيطُ بِالِإنْسانِ وَتُخْرُجُهُ مِمَّا يَكْرَهُ.
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ ما يُقَابَلُ بِهِ نَقْصُ الأَرْزاقِ وَضِيقِها بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفارِ، وَالأَوْبَةِ إِلَى اللهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى ما نَزَلَ، أَنْ يُقَابِلَ الإِنْسانُ ذَلِكَ بِحُسْنِ التَّدْبِيرِ، فَإِنَّ حُسْنَ التَّدْبِيرِ أَعْظَمُ ما تُقَابَلُ بِهِ الضَّوائِقَ المادِّيَّةَ.
دَبِّرِ الْعَيْشَ بِالْقَليلِ لَيَبْقَى    فَبَقَاءُ الْقَلِيلِ بِالتَّدْبِيرِ
فَكَمْ مِنْ إِنْسانٍ دَبَّر أُمُورَهُ عَلَى خَيْرٍ، في اقْتِصادٍ، وَحُسْنِ نَظَرٍ، وَتَوَسُّطٍ بَيْنَ الإِسْرافِ وَالتَّقْتِيرِ، فَفَازَ بِذَلِكَ في تَجاوُزِ مُشْكِلَتِهِ، وَحُسْنِ مَعاشِهِ، وَالخَرُوجِ مِنْ ضَوائِقِهِ، فَكانَ ذَلِكَ مُبَلِّغًا إِيَّاهُ ما يُؤَمِّنُهُ مِنَ الكِفايَةِ، فَإِنَّ طَمَعَ النَّاسِ في كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيانِ إِلَى ما يَتَزَيَّنُونَ بِه أَكْثَرَ مِمَّا يَكْفِيهِمْ أَوْ يَسُدُّ حاجَتَهُمْ؛ وَلِهَذا يَنْبَغِي للِإنْسانِ أَنْ يَنْظُرَ في طَرِيقَةِ صَرْفِه، وَفي طَرِيقَةِ مَعاشِهِ، وَأَنْ يُعِيدَ النَّظَرَ في كَثِيرٍ مِنْ أمُورِهِ؛ فَإِنَّ إِسْرافَهُ في السَّعَةِ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى ضِيقِ يَدِهِ في القِلَّةِ، وَإِلَى تَحَيُّرِ حالِهِ في العَوَزِ؛ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الإِنْسانُ مُرَشِّدًا في إِنْفاقِهِ، مُتَوِسِّطًا فِيما في يَدِهِ، وَأَنْ يُدَبِّرَ أُمُورَهُ عَلَىَ أَحْسَنِ حالٍ، وَهَذا سَيِّدُ الوَرَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانَ يَدَّخِّرُ قُوتَ أَوْلادِهِ لِسَنَةٍأَخْرَجَ ذَلِكَ البُخارِيُّ ح(5357)، وَهَذا مِنْ أَخْذِ الأَسْبابِ الَّتي يُدْرِكُ بِها الِإنْسانُ المطالِبَ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُدَبِّرَ الإِنْسانُ مَعاشَهُ عَلَى أَحْسَنِ حالٍ؛ قالَ -جَلَّ في عُلاهُ-: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَالأعراف:31.فجديرٌ بالمؤْمِنِ أَنْ يَأْخُذَ بِهِذِهِ الوَصِيَّةِ الإِلَهِيَّةِ، وَقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُوا، واشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخْيلَةٍ».أخرجه أحمد(6694), بإسناد حَسَنٍفَحُسْنُ التَّدْبِيرِ في المالِ عَقْلٌ وَرُشْدٌ.
وَاللهُ تَعالَى يَقُولُ في مُحْكَمِ كِتابِهِ: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا[النساء:5].
فَأَمَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِحِفْظِ المالِ، لَكِنْ حِفْظُهُ لا يَعْني حَجْبُهُ عَنِ الحَوائِجِ الأَساسِيَّةِ لمَنْ تَحْتَ يَدِكَ، وَلِنَفْسِكَ، وَلمَنْ تَحْتَ يَدِكَ، بَلْ يَعْنِي التَّوَسُّطَ وَالتَّدْبِيرَ، فَحُسْنُ التَّدْبِيرِ مِفْتاحُ الرُّشْدِ، وَبابُ السَّلامَةِ وَالاقْتِصادِ.
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ، وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ، بَلِّغْنا ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوءَ وَالفَحْشاءَ، اجْمَعْ كَلِمَتَنا عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى، وَادْفَعْ عَنَّا البَلاءَ، وَالشَّرَّ، وَالفَسادَ، وَالغَلاءَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ وَاسِعِ فَضْلِكَ إِيمانًا صَادِقًا، وَيَقِينًا رَاسِخًا، أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ، وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ حِزْبِكَ وَأَوْلِيائِكَ يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ.
الَّلهُمَّ مَنْ أَرادَ بِلادَنا بِسُوءٍ أَوْ شَرٍّ فاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا، وَاحْفَظْ بِلادَنا مِنْ كُلِّ فاسِدٍ وَمُفْسِدٍ يا حَيُّ يا قَيُّومُ، وَاكْتُبْ ذَلِكَ لِسائِرِ بِلاد ِالمسْلِمينَ يا رَبَّ العالمينَ.
الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُوَلِّيَ عَلَيْنا خِيارَنا، وَأَنْ تَقِيَنا شَرَّ أَشْرارِنا.

الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنا إِلَى ما تُحِبُّ وتَرْضَى، خُذْ بِناصِيَتِهِ إِلَى البَرِّ وَالتَّقْوَى، أَعِنْهُ عَلَى ما فِيهِ خَيْرُ العِبادِ وَالبِلادِ، الَّلهُمَّ أَلِّفْ القُلُوبَ بِهِ، وَاجْمَعْ الكَلِمَةَ بِهِ، وَاجْعَلْهُ عَوْنًا عَلَى الطَّاعَةِ، وَاصْرِفْ عَنْهُ بِطانَةَ السُّوءِ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ, اللَّهُمَّ اكْتُبْ مِثْلَ ذَلِكَ لِسائِرِ وُلاةِ المسْلِمينَ حَيْثُ كَانُوا يا حَيُّ يا قَيُّومُ.

رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً، وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النَّارِ، الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف