×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (97) وكان بين ذلك قواما

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:3128

المُقدِّم: كما يسرُّني في بداية هذه الحلقة، مستمعينا الكرام أن أُرَحِّبَ بضيفي وضيفكم الدائم في هذا البرنامج، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، فالسلام عليكم ورحمة الله، وأهلًا وسهلًا بكم شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي عبد الله، حيا الله الإخوة والأخوات، المستمعين والمستمعات، نسأل الله أن يجعله لقاءً نافعًا مباركًا.
المُقدِّم: اللهم آمين.
حياكم الله شيخ خالد، وحيا الله المستمعين والمستمعات الذين يستمعون إلينا الآن عبر هذه الحلقة التي تمتد بنا وبكم -بإذن الله- نحو ساعة من الآن، في حديثٍ شيقٍ وماتعٍ سيكون -بإذن الله تعالى- عن موضوعٍ مهم هو حدث الساعة وحديثها، وهو أيضًا حديث المجالس الآن.
حديثنا مستمعينا الكرام في هذه الحلقة عن:
"
ترشيد الإنفاق وحُسْنِ التدبير".
سنتكلم -بإذن الله تعالى- عن رؤية الشريعة الإسلامية لمثل هذا الموضوع الهام، والتي فِعْلًا الشريعة الإسلامية لم تدع مجالًا، أو مكانًا، أو أي قضيةً، أو شاردة أو واردة إلا وأوجدت لها الحلول الناجعة، والطرق السليمة.
حديثنا -بإذن الله تعالى- هو كما ذكرنا عن: "ترشيد الإنفاق وحسن التدبير".
وأرقام التواصل مستعينا الكرام لمن أراد أن يتفاعل معنا، ويطرح ما لديه من أسئلة: 0126477117 والرقم الآخر: 0126493028
أما الرقم المخصص لاستقبال الرسائل النصية عبر الواتس أب فهو: 0500422121
كما يمكنكم كذلك مستمعينا الكرام مشاركتنا بالتغريد على هاشتاج البرنامج "الدين والحياة" على تويتر.
شيخ خالد! عند بداية الحديث عن مثل هذا الموضوع الذي ربما يدور الحديث حوله كثيرًا في مجالسنا هذه الأيام، وربما عندما نأتي إلى هذا الموضوع المهم نجد أنَّ الشريعة الإسلامية المطَّهرة لم تترك شيئًا إلا وأتت عليه ولم تُهْمِلْهُ أبدًا مهما كان، خصوصًا فيما يتعلق أيضًا بمناحي الحياة، وما يهم الناس في شئون حياتهم، وتسيير معاشهم.
"
حُسْن التدبير وترشيد الإنفاق"
كيف لنا أن نفهمه من منظور الشريعة الإسلامية؟
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المُقدِّم: وعليكم السلام ورحمة الله.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فهذه القضية -قضية ترشيد الإنفاق- هي قضية جاء ذكرها في القرآن في أكثر من موضع، والله -جلَّ وعلا- لم يترك شيئًا في الكتاب فيما يُصْلِح معاش الناس ومعادهم إلا وذكره في مُحْكَمِ كتابه، ومن ذلك ما يتعلق بالأموال، فإن الله تعالى ذَكَرَ فيها من أسباب الصلاح وحُسْن الإدارة ما هو كفيلٌ بحفظ هذه الأموال، فعندما نقرأ قوله -جلَّ وعلا-: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا[النساء:5].
يتبيَّن أنَّ الله -سبحانه وتعالى- نهانا عن كل ما يكون سببًا لفساد الأموال، بل سَمَّى أموال من يتولى الإنسان مالَه من الأيتام وذوي القربى.
المُقدِّم: شيخ خالد لعل هناك ضعفًا في الصوت أو ترددًا في الصوت، لعلنا نعاود الاتصال بكم من جديد شيخ خالد؛ حتى يكون هناك نقاء في الصوت.
مستمعينا الكرام نتواصل معكم في هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، وحديثنا عن: "ترشيد الإنفاق وحُسْنِ التدبير"، فهذه الشريعة الإسلامية السمحاء المطَّهرة كما ذكرنا في بداية هذه الحلقة أنها  لم تُهْمِل شيئًا، بل أتَتْ على كل ما أو أتت بكل ما يَهُمُّ الإنسان المسلم، سواءً فيما يتعلق بعباداته أو معاملاته، وكذلك أيضًا فيما يتعلَّق بينه وبين ربه -سبحانه وتعالى-، وأيضًا بينه وبين الناس، وأتت أيضًا بكل ما يتعلق بحُسْنِ تدبير الإنسان المسلم لأموره وتسيير معاشه، وأوضحت كيف يُمْكِن للإنسان أن يجعل إنفاقه إنفاقًا سليمًا مُرَشَّدًا بعيدًا عن الإسراف أو التقتير؟ أيضًا فهي شريعةٌ معتدلة، شريعةٌ أتت بالاعتدال والوسطية والسماحة.
نعود إلى فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح.

 شيخ خالد! لعلكم بدأتم في مقدمةٍ حول منظور أو حول ترشيد الإنفاق وحُسن التدبير من منظور الشريعة الإسلامية، كيف لنا أن نفهمه من هذا الجانب؟
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيما يتعلق بهذه القضية كما ذكرت قضية الإنفاق، قضية تولى الله -عزَّ وجلَّ- التنبيه إليها في محكم كتابه؛ لأنها قضية يَصْلُح بها معاش الناس، كما أنها سبب لاستقامة دينهم، فإن الله -عزَّ وجلَّ- فرض في الأموال حقوقًا، وهذه الحقوق لا يمكن أن يُؤْتَى بها إلا على الوجه الذي تُحْفَظُ به وتُصَان، كما أن معاش الناس لا يقوم إلا بصيانة الأموال وحِفْظِها؛ ولهذا جاءت الشريعة في مقاصدها الكبرى، وكُلِّياتها العُظْمَى بحفظ المال، فإن حفظ المال من المقاصد الكُبْرَى والضرورات التي دارت عليها أحكام الشرائع، ومنها شريعة الإسلام؛ ولهذا ذمَّ الله تعالى في كتابه المطففين، ونهى عن الفساد في المال، وأمر -جلَّ وعلا- بحفظه من الضياع في نحو قوله تعالى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا[النساء:5].
وهذه الآية بيَّنت حُكْمًا وذكرت تعليلَه، وبيَّنت كيف يتصرف الإنسان في مال غيره، فضلًا عن ماله؟ حيث إنه جعل مال الغير بمنزلة مال النفس في الحفظ والصيانة، فقال: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ[النساء:5]
وهذه الآية لا يُقْصَد بها المال الذي يعود للإنسان بالقصر والتحديد، إنما يُقْصَدُ بذلك كلُّ مالٍ يتموَّله الإنسان سواءً كان من مال نفسه، أو كان من مال غيره؛ ولهذا ينبغي أن يُعْرَف أن قضية حفظ المال، حسن التدبير، حسن التصريف في الأموال، مما جاءت الشريعة به بوجهٍ بيِّنٍ ظاهرٍ لا إشكال فيه، وقد جعل الله تعالى من صفات عباد الرحمن أنهم أهل إنفاق، وهذا يُبَيِّن أنَّ النفقة والإخراج هي من الصفات التي يتصف بها عباد الرحمن، لكن الله -جلَّ وعلا- ذكر في صِفَةِ إنفاقهم أنه قال -جلَّ وعلا-: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا[الفرقان:67].
فحديثنا اليوم في هذه الحلقة هو: كيف نُحَقِّق القَوام الذي ذكره الله تعالى في خصال عباد الرحمن؟ كيف نَبْلُغ هذه الخَصلة التي هي من خصال الثناء والمدح، والتي أثنى الله تعالى على أهلها في قوله: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا[الفرقان:67]، أي نفقة في كل وجهٍ من أوجه الإنفاق، سواءً كان ذلك في الضروريات، أو في الحاجِيَّات، أو في التَحْسنيات، سواءً كانت النفقة على النفس، أو النفقة على الغير، سواءً كانت النفقة في مالٍ خاص، أو في مالٍ عام.
يقول الله تعالى: ﴿لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا[الفرقان:67].
فتجنبوا هاتين الخصلتين، وكلاهما مذموم، وكما قيل:
(وَقَصْدُ كِلَا طَرَفَي الأمور ذَمِيمُ)، فحيث ما قَصَد الإنسانُ طرفًا من الأطراف وقع فيما يُذَمُّ عليه، فالإسراف مذموم، كما أن التقتير مذموم، والمطلوب هو التوسط الذي اتسمت هذه الشريعة، وكان خيارًا عدولًا، كما قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا[البقرة:143]، فالوسط هو: العدول والخيار.
وقد قال الله تعالى في مُحكَمِ كتابِه فيما ينبغي أن يكون عليه الإنسان في إنفاقه، قال: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ[الإسراء:29]، وهذا التقتير، ﴿وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ[الإسراء:29] وهذا الإسراف، وعاقبة هذين الطريقين قال الله تعالى: ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا[الإسراء:29]
فالعاقبة في كلا الطرفين في طرف البخل في الإنفاق والتقتير، وفي طرف التبذير والإسراف وإفساد المال وإضاعته، عاقبة هذا وذاك أن يقع الإنسان في مَواطِن اللوم وفي مواقع الحسرة؛ ولذلك قال: ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا[الإسراء:29].
فلأجل أن نُحَقِّق القِوَام الذي اتصف به عباد الرحمن، ونَسْلَم من موقع اللوم والحسرة، نحن فيما يتعلق بموضوع الترشيد عندنا تحدثنا قبل قليل عن الوسطية أشرت إلى نقطة مهمة أحب أن أُؤكِّد عليها، وهي: أن حديثنا عن الترشيد ليس ناتجًا عن ظرف معين، أو وضع اقتصادي معين، إنما هو سِمَة ينبغي أن يتصف بها المسلم في كل أحواله، في حال الغنى وفي حال الفقر، في حال السَّعة وفي حال الضيق، في حال الوفرة وفي حال القلة، لا يختلف سلوك المؤمن عن الاقتصاد والتدبير والتوسط، في كل أحواله، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا[الفرقان:67]، ولم يَقْصِر هذا في حالٍ دون حال، بل هذه صفة أصيلة في مسلك وطريق عباد الله أهل الإيمان، ﴿لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا[الفرقان:67]
هذه نقطة مهمة؛ لأجل ألا يُقَال: هذا الموضوع يُحْتَاج إليه فقط عند القلة، وعند الضوائق الاقتصادية ونحو ذلك.

بل هذا يُحْتَاج إليه في كل حال.
وحسن التدبير والتوفيق إلى الترشيد والتوسط، حال الغنى ضمانة أن يكون الإنسان على حال اعتدال في حال القلة والفقر؛ ولذلك ينبغي أن ننطلق في فهمنا لهذا الموضوع أننا نتحدث عن خَصْلة نحتاجها في كل أحوالنا، في حال السعة وفي حال الضيق، وفي حال الغنى وفي حال الفقر، وفي حال القلة وفي حال الكثرة.
فيما يتعلق بالأرزاق ثمَّة جانب لابد من التأكيد عليه فيما يتصل بالترشيد وفيما يتصل بكسب المال، المال هو رزق الله -عزَّ وجلَّ-، والله تعالى قد قال في مُحْكَمِ كتابه: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ[الذاريات:22].
 
وقال -جلَّ وعلا-: ﴿وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[العنكبوت:60].
وقد تكفَّل الله تعالى برزقِ الجميع كما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ[هود:6].
هذه النصوص تؤكد أن الإنسانَ يجب أن يتعلق قلبه بالله -عزَّ وجلَّ-، وليس بما في يده من أرزاق وأموال؛ فإن ذلك لن يُغْنِي عنه شيئًا مهما كثُر في يده، ومهما قلَّ في يده، فإن القلب المعلق بالله -عزَّ وجلَّ- هو مفتاح الغِنى، وهو الكَنْز الذي إذا فاز به الإنسان استغنى عن كل عَرَض، وكان ما في يده وسيلة لتحقيق مقاصده وإدراك مطالبه دون أن يكون عِبْئًا عليه وثِقَلًا عليه، بل سيكون ذلك عونًا له في تحقيق طاعة الله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ»[مسند أحمد:ح17763، ومستدرك الحاكم:ح2926، وصححه على شرط الشيخين. وقال الذهبي: صحيح]؛ لأنه يُطِيع الله تعالى فيه وقلبه معلقٌ بالذي بيده ملكوت كل شيءٍ وهو يُجِيرُ ولا يُجَارُ عليه، المَلِك الذي قال -جلَّ في علاه-: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ[الذاريات:58]
مما ينبغي أن يُسْتَحْضَر عند هذا الأمر أن الأرزاق مقسومة، فإنه قد كُتِب رزق كل إنسان قبل...
المُقدِّم: طيب. انقطع الاتصال بالشيخ، ولعلنا نعاود الاتصال به من جديد.
حتى أن يعود معنا الشيخ هو حديثٌ كان في هذه الحلقة ومستمر حول "ترشيد الإنفاق وحُسْن التدبير"، وقد حدَّث أيضًا فضيلة الشيخ الدكتور: خالد المصلح عن أن هذا الترشيد لا ينبغي أن يكون مرتبطًا بزمنٍ دون آخر أو بظرفٍ دون غيره، وإنما هذا الترشيد يُطالَب به الإنسان المسلم في حياته كلها مهما اختلفت ظروفه.
ومن الأفضل للإنسان أن يكون مُرَشِدًا للإنفاق خصوصًا في حال يُسْرِه أو في حال إعساره؛ حتى يعينه هذا الترشيد على مواجهة أي ظروفٍ قد تطرأ لاحِقًا -لا قدر الله-.
نتواصل معكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، ونسعد دائمًا وأبدًا باستماعكم لنا في هذه الحلقة، وكذلك أيضًا عبر هذا البرنامج الذي هو ضيفنا الدائم فيه فضيلة الشيخ الدكتور: خالد بن عبد الله المصلح.
من جديد نحييكم ونرحب بكم، نتواصل معكم في هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، حديثنا مستمر مع فضيلة الشيخ الدكتور: خالد المصلح عن: "ترشيد الإنفاق وحُسْن التدبير".
حياكم الله من جديد شيخ خالد.
وقبل أن نستكمل الحديث لعلَّ من المناسب أن نأخذ بعض الاتصالات الواردة إلينا، ونستمع إلى استفتاءاتهم، واستفساراتهم، ثم نواصل الحديث بإذن الله تعالى.
الاتصال الأول من الأخ: محمد من الحائل، تفضل يا أخ محمد.
 
المتصل: السلام عليكم.
المُقدِّم: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: والله جزاكم الله خيرًا، أنتم ومن استمع لهذا البرنامج.
المُقدِّم: وإياك، اللهم آمين.
المتصل: أنا عندي بعض التجارب، وما أدري شيخًا عزيزًا، الآن يعني التجارب الآن الإنسان إذا بغى يتصدق مثلًا من حسن التدبير، يعني يبغي يتصدق مثلًا، خليني أقول لك عدد مثلًا من البطانيات وقت هاالبرد، وإيش يمنع أنه يخليه للأبناء ويقوم ويأخذ حِقَّاته القديمة ويعطيها للمغسلة؛ لآن الأبناء قبل كل شيء في ذمتك قبل الآخرين، هذا من حسن التدبير.
أنا أعرف لي صاحب مدير على مقام القسم بالشرطة، عندهم ناس يتوقفون، وعندهم غطيان للسجن هذا عدد على ما الموقوفين، يأخذ عشرة عندهم مثلًا عشرين بطانية كذا، لا هو حط أربعين بطانية، عشرين يوديه للمغسلة؛ لأن يجلس فيه اللي على ما قال الآن الذي كذا، واللي يشرب الدخان، والرجل اللي على ما قال ما يحب الأمور هذه، فيكون هذا من حسن التدبير، فأرى أن الأفكار الطيبة هذه تفتح الأبواب المُغَلَّقة التي تكون مع الآخرين.
المُقدِّم: وصلت رسالتك يا شيخ محمد، شاكر فضلك، وشاكر اتصالك معنا في هذه الحلقة.
وأيضًا الاتصال الآخر من الشَّيْماءِ، تفضلي يا شيماء، شيماء؟ شيماء تسمعينا؟
أنتِ على الهواء يا شيماء.
طيب، إلى أن تُجَهَّز الاتصالات أيضًا الأخرى معنا، لعلنا نعود إلى الشيخ خالد، حياك الله من جديد، شيخ خالد.
الشيخ: الله يحييك، مرحبًا.
المُقدِّم: تفضل إذا كانت هناك نقطة كنت تود إكمالَها قبل أن نأتي إلى النقطة، يعني حسن التدبير في الإنفاق كذلك أيضًا في الصدقة.
تفضل يا شيخ خالد.
الشيخ: نعم، هو يا أخي الكريم حسن التدبير لا يقتَصِر فقط على الإنفاق في معاش الإنسان، بل حتى في العبادات؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فَكُلُوا وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ».[علقه البخاري في صحيحه مجذوما بصحته، ترجمة حديث رقم:5783]
«كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا».
والصدقة طاعة لله -عزَّ وجلَّ-، وأمر فيها -صلى الله عليه وسلم- بالترشيد، وتَجَنُّب الإسراف، وتَجَنُّب المعنى الآخر وهو أن يكون ذلك على وجه الخُيَلاء، وطلب مدح الناس ومراءاتهم.
المقصود أن الترشيد حتى في الطاعات والعبادات، فيما يُنْفِقُه الإنسان على أوجه الخير والبر هو مأمورٌ فيه بالاقتصاد، فكيف فيما يتعلق بسائر أوجه الإنفاق؟!
لابد أن سائر أوجه الإنفاق حقيقٌ بأن يتحلَّى فيها الإنسان بالرشد وعدم السفه.
المُقدِّم: نعم. يا شيخ، تقديم الأقربين يا شيخ فيما يتعلق بالنفقة والتصدق عليهم، قبل أن يكون هناك اِلْتِفَات إلى مَنْ هم أبعد من هؤلاء الأقارب في الصدقة والزكاة.
الشيخ: هو بالتأكيد، الله -جلَّ وعلا- قدَّم في الإحسان عمومًا وذكر في أوجه الإنفاق ذوي القربى قبل غيرهم، فقال -جلَّ وعلا- في مُحْكَمِ كتابه: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى﴾ [البقرة:83]
قدَّم القُرْبَى فيمن يستحق الإحسان بعد الوالدين، ثم قال: ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ[البقرة:83]، ثم عمَّ الإحسان الجميع فقال: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا[البقرة:83]
وفي الآيات الأخرى قال -جلَّ وعلا-: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ[البقرة:177]، فذكر في إيتاء المال وإخراجه ذو القربى قبل غيرهم.
وفيما إذا حضر القسمة، قال تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا[النساء:8]
فتقديم ذوي القُرْبَى جَلِيٌّ في القرآن، وفي آيات الإنفاق.
وقد بيَّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ النفقة على ذوي القربى برٌّ وصلة، وهذا معناه أنها تزيد على غيرها من أوجُهِ الإنفاقِ معنًى آخر يُؤْجَرُ به الإنسان وهو تحقيق البر، فالنفقة على القريب هي مما يتحقَّق به البر والصلة، وهذا أجرٌ مضاعف على مجرد البر، يعني يفوز بهذين الفضلَيْن: بفضل الصدقة على وجه العموم، وأنها أيضًا صِلَة يُؤْجَرُ الإنسان على فعلها.
وفيما يتعلق بذوي القربى يبدأ فيهم بالأقرب فالأقرب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: «أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ فَأَدْنَاكَ».[النسائي في المجتبى:ح2532، وصححه الألباني في إرواء الغليل:3/322]
فدلَّ هذا على الترتيب في الإنفاق والإحسان والبر حتى في القُرْبى، ما لم يكن هناك موجِبٌ للتقديم، كأن يكون أكثر حاجة، أو أن يكون ما أشبه ذلك من معايير التقديم الأخرى.
المُقدِّم: جزاكم الله خيرًا.
نتواصل معكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة"، وحديثنا مستمر عن: "ترشيد الإنفاق وحسن التدبير".
أرقام التواصل: 0126477117 والرقم الآخر: 0126493028
رقم الواتس أب: 0500422121
وهاشتاج البرنامج "الدين والحياة".
نعود للاتصالات المستمعين، معنا الاتصال الأول أو الاتصال الثاني من المستمع الأخ عبد العزيز الشريف، تفضل يا عبد العزيز.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المُقدِّم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حياكم الله يا أستاذ عبد الله.
المُقدِّم: أهلًا وسهلًا بك.
المتصل: كيف حالك؟
المُقدِّم: مرحبًا.
المتصل: أحييك، وأحيي فضيلة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله.
المتصل: ما ضابط الترشيد والتدبير في الإنفاق؟ حيث إن في القرآن في قصة إبراهيم: ﴿فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ[الذاريات:26]، مع أنهم قِلَّة.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينفق نفقةَ مَنْ لا يخشى الفقر[حديث مسلم(ح:2312/57) من حديث أنسt، وفيه:"فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ".]، وأيضًا أبو بكر -رضي الله عنه- جاء بكل ماله ووضعه بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعمر جاء بنِصف ماله وهكذا[أخرجه أبو داود في سننه:ح1678،  والترمذي في سننه:ح3675، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، فكيف نضبط قضية الترشيد والتدبير عند الناس -بارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله-؟
 المُقدِّم: جزاك الله خيرًا، شكرًا جزيلًا أخي عبد العزيز على هذا السؤال.
ومن الأخ عبدِ العزيزِ إلى الأخت الشيماء، تفضلي يا شيماء.
المتصلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المُقدِّم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضلي.
المتصلة: يعني أنا كنت عايزة أتكلم في نفس النقطة اللي أخواتي تكلَّموا فيها بالنسبة للصدقة،لو مسلم فقير يجيئه عطاء من عند الله -عزَّ وجلَّ-، هل لو هو بيحب الإنفاق في سبيل الله بسخاء، هل هذا عدم تدبير؟
المُقدِّم: طيب، تسمعين إجابة الشيخ. فيه سؤال ثان يا أخت الشيماء؟
المتصلة: ربنا يبارك فيكم، جزاكم الله خيرًا كثيرًا.
المُقدِّم: شكرًا جزيلًا، اللهم آمين وإياكِ، شكرًا جزيلًا لكِ.
هو ربما يا شيخ أكثر أسئلة الإخوة المستمعين كانت حول الإنفاق أو النفقة في سبيل الله، وهل هناك ضابط معين يا شيخنا في الترشيد والتدبير في النفقة، وفيما يتعلق بالصدقة بالتحديد؟
الشيخ: نعم، هو ألا يُنْفِق الإنسان ما تتعلق به حاجته وحاجة من يعول، هذه هي القاعدة العامة التي يضبط بها الإنسان ما يتصل بأوجه البر والإحسان والصدقة ونفع الآخرين، فيبدأ الإنسان بنفسه وبمن يعول، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان أوجه الإنفاق وطُرِقَه، قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، وَمَنْ تَعُولُ».[أخرجه مسلم بمعناه، ح:997/41، وفيه:«ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ»]
وهذا يدل على: أنَّ البداءة بمن يعولُهُم الإنسان مما يؤجر عليه، وهو حقٌّ لازمٌ فيما يجب عليه؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى»، وهذا حثٌّ على الإنفاق، «وَلِيَبْدَأ أَحَدُكُم بِمَنْ يَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنَى».[صحيح البخاري:ح1427]
وهذا كله ترشيد وبيانٌ أن الإنفاق ينبغي أن يكون على هذا السَّنَن وهذه القاعدة وهي: ألا يُضَيِّع الإنسان من لزمته نفقته ويصرفها على غيره، فيكون ذلك سببًا لقلة ذات يده.

 هذا ما يمكن أن يُقال على وجه العموم في مسألةِ من يَبدأ به الإنسان في الإنفاق.
وقد جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عِنْدِي دِينَارٌ؟»، يعني: عندي مال، والدينار هي عملة معدنية من الذهب، فَقَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل لما قال: «عِنْدِي دِينَارٌ؟ قال: تَصَدَّق بِهِ عَلَى نَفْسِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ بِهِ».[سنن أبي داود:ح1691، ومستدرك الحاكم:ح151، وقال:هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ"]
وهذا يبيِّن أنَّ البداءة في الإنفاق يبدأ بالأوجب نفقة، والأحق عطاء، وما زاد بعد ذلك يضعه فيما شاء من أوجه البر.
وأما ما ذكر أخونا عبد العزيز من أنَّ أبا بكر -رضي الله تعالى عنه- تصدَّق بكل ماله، فهذا لم يُقِرَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- من كل أحد، بل ردَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض مَنْ همَّ بمثل هذا، وأمره بإمساك ماله، ويكون هذا متفاوِتًا حسب ما في قلب الإنسان من تصديق ويقين وتوكل على الله -عزَّ وجلَّ-، ولا يُمكن أن يُقال: إنَّ هذا من الإسراف الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصدقة؛ لأنه لو كان كذلك لنهى عنه، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقرَّ أبا بكر على ما أنفق؛ لعلمه بتمام يقينه، وأنَّ أبا بكر أيضًا -رضي الله تعالى عنه- لم يكن مُتَوَقِّفًا على هذا المال الذي في يديه، بل يرجو من الله خلفًا وعِوَضًا يكفي به نفسه وأهله، ولهذا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر لما جاءه بماله قال: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟»، قَالَ: "أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ".[سبق]
فكان هذا بيانًا أنه أبقى لهم ما يكون في قلبه من عظيم التوكل، واليقين، والتقوى، والإيمان الذي هو مفتاح الأرزاق، كما قال الله -جلَّ وعلا-: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[الطلاق:2-3].
المُقدِّم: أحسن الله إليكم.
أيضًا نقطة مهمة جدًا، ربما يقع فيها كثير من الناس هي عبارة "أَنْفِق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، ويستند إلى هذه المقولة، وبالتالي يصرف كل ما لديه على أمل أن يأتيه المال لاحقًا، وربما يفهم البعض أيضًا مسألة أنَّ الإنسان إذا كان منفِقًا دائمًا فهو موعودٌ بالخلف، ربما هنا النقطة تلتبس على أفهام بعض الناس.
الشيخ: يا أخي شوف، النفقة المأمور بها هي النفقة التي جعلها الله تعالى حقًّا على الإنسان في ماله، سواءً كان لله -عزَّ وجلَّ-، أو كانت النفقة لمن صرف الله تعالى الحق له، وهذا الإمساك عنه مذموم، وقد جاءت النصوص في ذمِّ مِثل هذا، وأنَّ من أَمْسَك؛ أمسك الله تعالى عنه، ومن بذل فإن الله تعالى يخلفه خيرًا؛ ولهذا جاء في الصحيح أن النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ».[صحيح البخاري:ح5352]
«أَنْفِقْ»، أي: فيما أوجب الله تعالى عليك من النفقات من مواضع المال.
«يُنْفِقْ الله تعالى عَلَيْكَ»، يعني: يخلِفُ الله تعالى عليك ما أخرجته في الوجه الذي أُمِرْتَ به.
فـــ "أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب" ليس أمرًا بتبديد المال، يعني إذا كان هذا قصده ألا يُحْسِن الإنسان التصرف، فهذا فهم مغلوط، لكن إذا كان المقصود أنه لا يمنعك خشية الفقر أن تُنْفِق في مواضع الإنفاق المأمور بها، وأن تبذل وترجو من الله الخلف، فهذا المعنى صحيح؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما نقله عن الله -عزَّ وجلَّ- في الحديث الإلهي: «أَنْفِقْ يُنْفِقْ الله عَلَيْكَ».[سبق]
وقد جاء في الحديث أنه: «فِي كُلِّ صَبَاحٍ يَقُومُ مَلَكَانِ، يَقُول أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».[صحيح البخاري:ح1442]
وهذا يبيِّن أنَّ الإنفاق في أوجه البر مما يُرْجَى عاقبته وتُرْجَى حُسن ثمرته في الدنيا قبل الآخرة، فإن الله تعالى يخلف على المنفق خيرًا، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ[سبأ:39].
﴿يُخْلِفُهُ[سبأ:39]، أي: يأتي بِعِوَضِهِ، وقد يكون أضعافًا، والله -عزَّ وجلَّ- كريمٌ منان.
الترشيد يا أخي هو معناه: أن يأخذ الإنسان هذا المال بطيب نَفْس.
هذه من المهمات التي ينبغي أن ننبِّه إليها: أنَّ أخْذَ المال بطيب نفس من أسباب المباركة فيه، وأنَّ مَنْ أخذه.
المُقدِّم: أخذه يا شيخ أو بذله؟
الشيخ: أخذه، أخذه يعني كسبه، أقصد: كَسَبَ المال، ينبغي ألا يكون الإنسان شديد الحرص على الكسب بصورة تجعله على صورة الهَلِع، الهالع الخائف الذي علَّق قلبه بالأسباب، وغابَ عنه أنه ما من دابةٍ إلا على الله رزقها.
يعمل، ويبذِل، لكن دون أن يأخذ هذا المال بشَرَهٍ وشَرَف، وتشَرُّف وسؤال؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعُمَر لما أعطاه شيئًا من المال، كأن يعطيه مما فتح الله تعالى يقول عمر: (أَعْطِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي يا رَسُولَ اللَّهِ)، فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «خُذْهُ»، ثم يقول: «إذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيءٌ وأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ، وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ»، ثم قال: «وَمَا لَا، فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ»[صحيح البخاري:ح1473]، أي: لا تُتْبِع نفسك المال الذي لم يحصل لك ولم يُكْتَب لك، بل ينبغي لك أن تَكُفَّ نظرك عن ذلك، وأن تستغني بما أعطاك الله تعالى عنه، وأن تَضْرِبَ طُرُق الكسب المباح، فإن الغنى حقيقةٌ ليس عن كثرة ما في اليد، إنما الغِنى عما في القلب من الاقتناع والرضا بالله -عزَّ وجلَّ-.
«لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ».[صحيح البخاري:6446]
المُقدِّم: جميل، شيخنا هناك نقطة أيضًا مهمة جدًّا فيما يتعلق بترشيد الإنفاق وحسن التدبير، يعني نقطة تتعلق بأنَّ هناك المال الصالح، «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ»[سبق] «فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ»»[صحيح البخاري:ح1471]،كذلك أيضًا بهذا المال الذي وهبه الله -سبحانه وتعالى- لهذا الإنسان يصل به الرَحِم، يُحْسِن به على المسكين وذي الحاجة، وبالتالي فهو يتقلب من طاعةٍ إلى أخرى، ومن خيرٍ إلى آخر بهذا المال الذي منحه الله -سبحانه وتعالى- إياه، ولا يلتفت في نفس الوقت إلى من يقولون باختلاف مفاهيم، أو ربما أحيانًا تكون هناك نقاط يلتبس فيها الأمر على بعض الناس، فيظنون أن خُلُوَّ يد الإنسان من المال هو خيرٌ له، ربما أيضًا يخلطون فيما يتعلق بهذه النقطة، وكذلك أيضًا بمفهومهم الخاطئ عن الزهد.
الشيخ: هذا غير صحيح، هذا الفهم فهم مغلوط، وهو أن الإنسان يظن أن الديانة مرتبطةٌ بقلة ذات اليد، هذا ليس بصحيح، فجماعةٌ من خيار الصحابة، بل هم من العشرة المبشرين بالجنة، غالب العشرة المبشرين بالجنة هم من الأغنياء، ممن كان عنده مال وفتح الله تعالى عليه في المال، ولم يكن هذا موجبًا لنقصٍ، ولا الفقر والقلة كانت موجبة لمدح؛ الغنى والفقر ليس موجبًا لمدحٍ ولا موجبًا لذم، المدح والذم هو في كيف نتصرف في حال الغنى؟ وكيف نتصرف في حال الفقر؟ أما القلة والكثرة فهذه من البلاء والامتحان الذي يُمْتحن به الناس، كما قال الله -جلَّ وعلا-: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً[الأنبياء:35].
يبلونا الله تعالى بالأرزاق والرخاء، ويبلونا الله تعالى بالقِلَّة والشُّحِّ في المال، وفي كلا الحالين إذا أطعنا الله تعالى وسِرنا على ما أمرنا به -جلَّ في علاه-، فنحن سنحقق ما نرجوه من السَّبْقِ الفوز برضا الله -جلَّ وعلا-.
المُقدِّم: جميل مسألة ترشيد الإنفاق، يا شيخنا يعني أليست نقطة مهمة جدًّا فيما يتعلق بدوام استمرار النعمة، وكذلك أيضًا حفظ النعمة لهذا الإنسان المُرَشِّد لإنفاقه، المُحْسِن في تدبيره؟
الشيخ: بالتأكيد، بالتأكيد إذا كان هناك شُكْر للنعم؛ ولذلك نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إضاعة المال، وأخبر أن هذا النهي نهيٌ إلهي، أي: أن الله تعالى نهانا عن إضاعة المال، وهذا تأكيد لضرورة العناية بالأموال وحِفْظِها، وفي صحيح البخاري: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ»[صحيح البخاري:ح2408]، فليس لأحدٍ أن يُضيع أموال الناس بعِلَّةِ الصدقة، ولا بعلة الإنفاق في سبيل الله، ولا بعلة التوسيع على النفس والأهل، فإن إضاعة المال تختلف عن الكفاية التي أُمِر بها الإنسان في نفسه ومن تحت يده ممن تجب النفقة عليهم؛ ولذلك كان حُسْن التدبير وحُسْنُ النظر هو من أسباب توقي العثرات والضوائق، وليس في معاش الناس أطيب من أن يكون الإنسان حَسَنَ التصرف في نعمة الله التي أمده بها، فيَضَعُهَا حيث أُمِر، ويحفظها من الضياع ومواطن الزلل.
المُقدِّم: في كلمة مختصرة، لعلنا نختم بها شيخ خالد فيما يتعلق بالأوامر الملكية الكريمة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله-، فيما يتعلق بهذه الأموال التي صُرِفت للمواطنين؛ إعانةً لهم على تسيير معاشهم، وتدبير أمورهم، ومواجهة ظروف الحياة والمعيشة في نفس الوقت، ماذا نقول؟ وما هو القول في مثل هذا الأمر في هذه المناسبة؟
الشيخ: هو يا أخي الكريم ينبغي أن يُدرك الجميع أننا نمر بظروف اقتصادية عالمية وخطة أيضًا يعمل عليها ولاتنا، وهي رؤية (عشرين ثلاثين) التي تقود الوطن إلى تحول في موارد اكتسابه، وقِوَام عيشه، وموارد الدخل، وكل هذا بالتأكيد يتطلب أن يُشارك الجميع في تحقيق هذه الرؤية التي هي ضمانة في حَوْل الله، وسببٌ من الأسباب التي يسرها الله تعالى؛ لحفظ مكتسبات البلد، وتأمين الأجيال المستقبلية، ومعالجة العثرات والأخطاء فيما كان عليه حالُ كثيرٍ من الناس في فترات السعة وفترات الوفرة التي مروا بها، لاشك أن هذا يتطلب التفهم لما يصدر من قرارات ولي الأمر، وأن يُقابَل ذلك بالاستجابة والتفهم للظروف التي يمر بها العالم ويمر بها الوطن، ولا ينبغي أن يكون هذا سببًا لأي نوع من أنواع الإنصات للأصوات النشاز التي تُشَكِّك، أو تُشَبِّه، أو تُلْقِي الشائعات التي غرضها وهدفها إشاعة الفوضى، وإفقاد الثقة بين الراعي والرعية.
ومن نعمة الله تعالى علينا أن كان ولاةُ أمرنا من أحنى الناس على شعوبهم في الرفق، وتحقيق الحياة الكريمة، ومعالجة الأمور بما يصير بالوطن والسفينة على نحوٍ من الأمان والوئام، وقطع الطريق على كل المتربصين المفسدين.
فصدور هذه الأوامر الكريمة من خادم الحرمين الشريفين وفَّقه الله بمراعاة حال الغلاة الذي يعيشها الناس بدعم الرواتب بجزء مقطوع، وكذلك بالأوجه الأخرى التي صدرت بها الأوامر، هو من الرفق بالرعية الذي يُرْجَى عاقبته وحُسْن مآله للجميع -إن شاء الله تعالى-، وأرى من هذا ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ».[صحيح مسلم:ح1828/19]
فأسأل الله تعالى أن يرفق بخادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، وهذه الحكومة الساعية في خير هذا الوطن وفي خير الإسلام والمسلمين، وأن يعيننا جميعًا على ما فيه الخير والرُّشد.

 وأنا أقول: لو كانت الأموال التي نُعْطَاها أضعافًا مضاعفة إذا لم نُحْسِن التدبير والترشيد فإننا لن نحقق الكفاية المطلوبة.
المُقدِّم: أحسن الله إليكم. جزاكم الله خيرا.
الشيخ: أسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا، وأن يُرْغِد عَيْشَنا، وأن يعم الجميع بالرخاء والسعة، وأن يجعل ما رزقنا عونًا لنا على طاعته، وأن يوفِّق ولي أمرنا إلى ما يُحِب ويرضى، وأن يُسَدِده في القول والعمل، وأن يجمع كلمتنا على الحق والهدى، وأن ينصر بلادنا على من عاداها، وأن يوفِّق جنودنا المرابطين والمقاتلين ورجال الأمن وكل من سعى خيرًا في هذه البلاد أن يوفِّقه لكل خير، وأن يسدده، وأن يدفع عنا الغلاء والوباء والفساد والشر وأن يجمع كلمتنا على الحق والهدى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المُقدِّم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، شكرًا لكم فضيلة الشيخ.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف