المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بكم مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة" والتي تأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.
نحييكم ونرحب بكم في هذه الحلقة ويسعد بصحبتكم في الإعداد والتقديم محدثكم عبد الله الداني، وينفذ هذه الحلقة على الهواء زميلي مصطفي الصحفي، كما يسرني أن أرحب بضيفي وضيفكم الدائم في هذا البرنامج فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم.
السلام عليكم ورحمة الله وحياكم الله شيخنا.
الشيخ:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبا بك، حيا الله أخي عبد الله، وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:- مرحبا بكم، ومرحبا بكل المستمعين والمستمعات الذين يستمعون إلى أثيرنا في هذه الساعة خلال ما نقدمه وفي هذا البرنامج وحديثنا -بإذن الله- سيكون عن النصيحة في ضوء حديث المصطفي –صلى الله عليه وسلم- «حقُّ المسلم على المسلم سِتٌّ»[صحيح مسلم:ح2162/5]، ثم ذكرها.
وهذه الحقوق للمسلمين بعضهم على بعض فيما بينهم.
وأيضًا هناك في بعض طرق هذا الحديث خمس بحذف النصيحة[صحيح البخاري:ح1240]، حديثنا اليوم في هذه الحلقة مستمعينا الكرام في هذا البرنامج بالتحديد في قول المصطفى –صلى الله عليه وسلم-: «وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له» صحيح مسلم (2162) خاصة في هذا الموضوع بالتحديد نتحدث عن مسألة النصيحة وأنها حق من حقوق المسلمين على بعضهم.
الشيخ خالد عندما نستحضر هذا الحديث قبل أن ندخل في موضوع النصيحة، ذكر هذه الأصناف أو هذه الحقوق التي تجب على المسلمين بعضهم على بعض، ما هو المدلول الذي يمكن أن نخرج به من خلال هذا الحديث، ثم ندلف إلى حديثنا وصلب محاورنا في هذه الحلقة النصيحة.
الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبا بك أخي عبد الله وأهلًا وسهلًا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسال الله أن يجعله لقاءً مباركًا.
فيما يتصل بهذه القضية (قضية الحقوق) الشريعة المباركة وهذا الدين المطهر أنزله الله تعالى لإصلاح ما بين الخلق وربهم بأداء حقه وإصلاح ما بينهم ليستقيم معاشهم، فجعل الله تعالى الحقوق قائمة على أصلين:
الأصل الأول:- حق الله تعالى على العباد.
والأصل الثاني:- حقوق العباد فيما بينهم والشريعة جاءت بإقامة هذين الأمرين، وقد قرن الله تعالى بينهما في كتابه في موارد عديدة من الآيات المطهرة، فأمر الله تعالى بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهذان عنوانان لما يتصل بحقوق الله وبحقوق الخلق.
فإقام الصلاة الذي أمر الله تعالى به هو لأجل إقامة حقه، فأصل حقه –جل وعلا- بعد توحيده هذه الصلاة التي تُصلح ما بين العبد وربه ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ العنكبوت: 45.
وصلاح ما بين الإنسان والخلق يشير إليه أمره بالزكاة التي هي حق الله تعالى في المال ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ التوبة: 60 .
وهذا الأصل مما يبذله الإنسان لغيره دون أن يرقب من الغير مكافأة أو جزاء أو نفعا يرجع إليه بهذا البذل، ذاك أن الصدقة والزكاة تخرج لسدِّ حاجة هؤلاء، وسد هذه الحوائج المذكورة في الآية دون أن يرجو الإنسان منها مقابلًا معجلًا في الدنيا، إنما أجره وثوابه عند الله –عز وجل- ويلقاه المؤمن بما أعده الله تعالى لعباده الصالحين مما لا عَينَ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
خلاصة هذه النقطة هي: أن حقوق الخلق جزء أصيل من أحكام الشريعة ومن فرائضها؛ وذلك أنه لا يستقيم معاش الناس إلا بإقامة الحقوق؛ ولذلك يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ النساء: 58، ومن جملة هذه الحقوق ما ذكره النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث الشريف الذي ذكر فيه جملة من الحقوق تمثل أصول الحقوق التي تتطرق إليها معاملة الناس على وجه مستمرٍّ، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال -رضي الله تعالى عنه-: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ خَمْسٌ» صحيح البخاري (1240)، وصحيح مسلم (2162)، لكل من كان لأهل الإسلام بأي صفة كان، وعلى أي حال كان دون نظر إلى أصل، وإلى حال من الديانة والاستقامة، لأي اعتبار إلا أنه مسلم «حقُّ المسلم على المسلم» هذا حق يفرضه الإسلام على أهل الإسلام فيما بينهم «ردُّ السلام، وعيادةُ المريض، واتِّباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس» وفي رواية مسلم قال: «حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ سِتٌّ» صحيح مسلم (2162) وذكر فيها قوله –صلى الله عليه وسلم-: «وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له»، «إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عليه» وهذا في الحديث الأول «وإذا دَعاكَ فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له، وإذا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ» صحيح البخاري (1240)، وصحيح مسلم (2162) .
فثمة تطابق بين الحديثين أو الروايتين في ذكر الحقوق التي بين أهل الإسلام، لكن زادت رواية مسلم:«وإذا استنصحك فانصح له».
إذًا هذه الحقوق هي للإصلاح، ولإقامة العلاقة بين المسلم وإخوانه على وجه مستقيم.
مما ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث من حقوق: حق النصيحة، وحق النصيحة للمسلم هو مما دلت عليه النصوص المتوافرة في الكتاب والسنة فهو داخل في عموم قول الله –عز وجل-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ النساء: 58 فهو من الأمانة التي أمر الله تعالى بأدائها. هذا نص عام يدل على هذا الحق.
كذلك قوله –جل وعلا-: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾ التوبة: 71 الأدلة كثيرة،لا نستطيع أن نستوعبها ذكرًا فيما يدل على أن النصيحة بين أهل الإسلام هي من حقوق بعضهم على بعض، وهي من الأمور التي أمر الله تعالى بها ورسوله.
من خصوص ما ورد في ذلك قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «الدِّينَ النَّصيحةُ»، من حديث تميم الدارمي، فيما رواه مسلم «قالوا: لمَن يا رسولَ اللهِ؟ قال: للهِ، وكتابِه، ورسولِه، وأئمةِ المؤمنين، وعامَّتِهم، وأئمةِ المسلمينَ وعامَّتِهم» صحيح مسلم (55).
وقد جاء قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فيما جاء في الصحيح من حديث جرير بن عبد الله أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ذكر في البيعة في بيعته: "بايَعَنا –صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم".[صحيح البخاري:ح57]
ثم النصوص في ذلك واضحة في وجوب بذل هذا الحق لكل مسلم، ويتأكد هذا المعنى عندما يطلب المؤمن النصيحة من أحد، يعني هنا تكون الأمور على وجه مؤكد وزائد على مجرد الأمر العام؛ لأن ثمة ما هو خاصٌّ، وهو استنصاح المسلم لأخيه أي طلب النصيحة منه وهذا يقتضي مزيد عناية؛ لأن النصح المأمور في صلة المسلم بالمسلم عام، ويشمل ما إذا استنصحك أحد، وكذلك ما إذا لم يستنصحْك، يعني حتى لو لم يستنصحك ورأيت أن أخاك بحاجة إلى تقويم، إلى توجيه، إلى إرشاد، لا تنتظر أن يطلب منك ذلك، بل تبادره بذلك؛ لأنه من الحقوق التي تكون بين أهل الإسلام دون طلب ودون سؤال، وذلك أن هذه الحقوق بها تستقيم أحوال الناس، وبها تصلح أمورهم.
هذا ما يتصل بعموم الحق الذي بين المسلمين، وكذلك الحق الذي يكون بين المسلم وأخيه فيما يتعلق بالنصح.
المقدم:- أحسن الله إليكم، نتواصل معكم فضيلة الشيخ في هذا البرنامج، نتواصل أيضًا مع مستمعينا الكرام في برنامجهم "الدين والحياة"، وحديثنا مستمر عن النصيحة.
أرقام التواصل لمن أراد أن يتفاعل معنا، وأن يطرح ما لديه من استفسار حول مسألة النصيحة، وحول هذا الحديث الشريف الذي ذكر فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- بعضًا من حقوق المسلمين على بعضهم، يمكنكم ذلك مستمعينا الكرام بالاتصال على الرقم 0126477117 والرقم الآخر 0126493028 ويمكنكم أيضًا مراسلتنا عبر الواتس أب على الرقم 0500422121 وكذلك أيضًا عبر هاشتاج البرنامج الدين والحياة على توتير.
فاصل قصير بعده نعود لمواصلة هذه الحلقة، تفضلوا بالبقاء معنا.
حياكم الله من جديد مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، وحديثنا مستمر عن النصيحة، وأيضًا نرحب من جديد بضيفنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد ابن عبد الله المصلح.
حياكم الله شيخ خالد، وإذا كان بالإمكان أن نأخذ مجموعة من الاتصالات، ثم أيضًا نجيب عما يرد فيها من استفسارات وأسئلة، ونواصل أيضًا حديثنا الذي بدأتموه بالتقديم بحديث النبي –صلى الله عليه وسلم- «وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له».
الاتصال الأول معنا من الأخ عبد العزيز الشريف، تفضل عبد العزيز.
المتصل:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله.
المتصل:- حياك الله يا سيد عبد الله كيف حالك؟
المقدم:- أهلا وسهلا، بخير، أبشرك.
المتصل:- أحييك، وأحي فضيلة الشيخ، وبارك الله فيكم، وفي البرامج الطيب، كما تعلم فضيلة الشيخ أن النصيحة تختلف من حال إلى حال، ومن شخص إلى آخر، الزوج مع زوجته كيف ينصحها؟ كذلك الأب مع أبنائه كيف يوجه لهم النصيحة؟ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم- «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» صحيح البخاري (893)، وصحيح مسلم (1829) وأيضًا يقول الإمام أحمد –رحمه الله-: التغافل يعني تسعة أعشار العافية، كما قال يعني.[أخرجه البيهقي في الشعب:ح8028بسنده إلى عثمان بن زائدة قال:عُثْمَانَ بْنَ زَائِدَةَ، يَقُولُ: " الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ "، قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: " الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، كُلُّهَا فِي التَّغَافُلِ "]
كيف الإنسان ينصح فيوقت، ويغض الطرف عن بعض الأمور إذا حصل بعض المخالفات والتجاوزات فكيف بحال الأب مع أبنائه، مع زوجته؟
أيضًا الأب والأم هما السبب في وجودك بعد الله –سبحانه وتعالى-، ويحصل منهم بعض الأخطاء، وبعض التجاوزات فكيف الابن ينصح لأبيه ولأمه؟ وفق قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «الدِّينُ النَّصيحَةُ»[صحيح مسلم:ح55/95].
وجزاكم الله كل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- شكرا لك عبد العزيز.
الاتصال الثاني من المستمع محمد من حائل، تفضل.
المتصل:- السلام عليكم.
المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله حياك الله.
المتصل:- جزاكم الله خيرًا، شيخنا والمستمعين أنا طال عمرك وجهة نظري بس أسأل الشيخ هل الصحيح الآن أنا أرى أن هناك قصورًا في القول بالمعروف والنهي عن المنكر بالذات، الآن يحصل لك وأنت ماشي مع الشارع المحل الفلاني يعلن عن كذا لكن نشوف شيء يخص هذه الأمور هو موجود عندنا نقص صراحة، يعني على بوابات المدارس على المدارس الحكومية ما الذي يمنع هذا؟ أنا مستغرب على مدخل المدينة من الشوارع الرئيسية من الخارج وكل المجتمع يحب الخير قد تكون بعض الأفكار.
المتصل:- طيب -إن شاء الله- الشيخ سمع سؤالك، وإن شاء الله يجيب عليك، شكرا لك أخي محمد.
شيخ خالد قبل أن نجيب على سؤالي المستمعين الكريمين هنا نقطة مهمة وملمح من هذا الحديث الشريف «وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له»، هذا الحديث بيان هذا الحق الأصيل للمسلم على أخيه، وهو حق النصيحة، لكن ما صحة من يقول بأن النصيحة تكون واجبة إذا طُلبت؟ أما إذا لم تطلب وإنما أريد بها بذلها ابتداء فهي في حكم المستحب، فيعني السؤال يكون حول بذل النصيحة ابتداء وبذل النصيحة إذا طُلبت هل هناك فرق بين الأمرين في حكمهما الشرعي؟
الشيخ:- طبعا بينهما فرق، يعني النصيحة ابتداء قد تكون واجبة، وقد تكون مستحبة، يختلف الأمر باختلاف موضوع النصيحة، ويختلف باختلاف المنصوح، ويختلف الأمر باختلاف الحال، وباختلاف حال الناصح، ثمة اعتبارات عديدة في الموضوع، لكن فيما يتعلق بالنصح الواجب هو فيما يكون وسيلة لتحقيق واجب أو من فعل أمر أو ترك نهي، هذا هو الواجب من النصيحة بمراتبه التي ذكرها النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن ما يتعلق بما إذا استُنصح الإنسان، لاشك أن هنا إذا استُنصح الإنسان الأمر يختلف، ونحن حديثنا ليس عن النصيحة على وجه الإجمال عمومًا في كل الأحوال، إنما على النصيحة إذا استنصح الإنسان.
لأن هذه القضية قضية مغفول عنها، قد لا يقدر الإنسان قدرها بالنظر إلى الأمانة التي أُنيطت بالإنسان فيما إذا استنصح، وهو ما يسمى بالاستشارة والمشورة وما إلى ذلك هو دائر على هذه القضية، موضوع النصيحة موضوع متِّسِع، طويل الذيل، كثير الشعب، لكن لأجل أن نخرج بنقاط مفيدة ومحددة بهذا البرنامج المختصر نحن نتحدث بالتحديد عن المشاورة والمشورة وما الذي يجب على الإنسان إذا استشير في أمر؟
المقدم:- يعني الأمر هذا الذي يُستشار فيه لا يكون فقط محصورًا في أمر ديني مثلا أو في فتوى أو في غيرها، وإنما ربما يكون في كل الأمور؟
الشيخ:- نعم المشاورة التي تتعلق بما يستشار فيه الإنسان مما يتصف بمصالح دينه، وبما يتصف بمصالح دنياه فليس خاصًّا بمقام استشارة في الأمور الدينية.
الاستشارة هي نوع من طلب النصيحة، ولذلك يرد في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له» وينبغي أن يعرف أن الاستشارة وطلب الرأي من أهل الرأي وأرباب الفكر وأصحاب التجارب هو مما يعلو به قدر الإنسان، وتسمو به منزلته، وليس ثمة من يعلو عن حاجته إلى نوع من الاستشارة، ولو كان أحد يستغني عن أن يستشير لكان سيدُ الورى -صلوات الله وسلامه عليه- أحق الناس بذلك؛ فإنه ممدود بالوحي من السماء، ومع ذلك الله –عز وجل- يقول له: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ آل عمران: 159 أمره بأن يستشير أصحابه -صلوات الله وسلامه عليه- في شأن من الشئون، وهي قاعدة في الاستشارة فيما يمكن أن يُتوصَّل إليه بإدارة الفكر، وإدارة النظر وتقليد الأوجه، التأمل الذي من خلاله يصل الإنسان إلى مبتغاه من الرأي النصيح، الرأي السليم، الرأي السديد الذي يدرك به مطلوبه، ويأمن به من يفهم.
ولذلك من الحزم أن لا يبرم الإنسان أمرًا، ولا يمضي عزمًا إلا بمشورة صاحب رأي وفكر، وبعرضه على ذي عقل راجح يسدد الخلل، ويقوِّم المعوَجَّ، ويشير إلى مواطن العثار، ومواطن الصواب.
ولهذا أمر –صلى الله عليه وسلم- بالمشورة ليسن ذلك للأمة، ولأجل أن يدرك -صلوات الله وسلامه عليه- من آراء أصحابه ما يكون سببًا لإدراك المطلوب، وقد قيل: المشورة حصن من الندامة، وأمان من الملامة، ولذلك ينبغي أن لا يلزم الإنسان أمرًا إلا وهو قد قلَّبه ونظر فيه، طبعا الأمور التي يتولاها الإنسان ويأتيها في حياته ليست على مرتبة واحدة، ولا على حال واحدة، بل هي درجات ومراتب، والمشورة إنما تكون فيما يحتاج إلى رأي، يعني لن يستشير الإنسان مثلا أحدًا، لن يستشير الإنسان غيره في الذهاب إلى العمل، لن يستشير الإنسان أحدًا في أكل أو شرب يأكله في طعام معتاد، المشورة لا تدخل في كل قضية.
إنما تدخل فيما يحتاج فيه الإنسان إلى رأي، إلى تسديد من مهمات الأمور، وطوارق الحوادث ومبادئ القضايا التي قد يكون لها ما بعدها من الثمار والنتائج.
والمشورة ينبغي أن لا يأنف عنها الإنسان مهما بلغ من المعرفة والمنزلة والرأي، ينبغي ألا يستبدَّ برأيه، بل يشاور أصحاب الرأي وأصحاب النظر الذين يدرك من خلالهم ما يؤمّل، ولذلك قيل: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار؛ وذلك أن المشورة هي في الحقيقة كشف لخواصٍّ قد يغيب عنها بصر الإنسان، الإنسان بطبعه ضعيف، قال الله تعالى: ﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ النساء: 28 هو ضعيف في فكره، ضعيف في نظره، ضعيف في سائر شأنه، وهذا الضعف يتقوى برأي نصيح أو نصيحة حازم، ولذلك قال الشاعر:
إذا بلغ المشورة فاستعن
يعني إذا وصل الأمر إلى أن تستشير فاستعن في استشارتك برأي نصيحة أو نصيحة حازم، ولا تجعل الشورى عليك غضاضة، يعني لا تشعر أنه إذا استشرت فهذا نقص في حقك أو نزول بمرتبتك أو إعلان لضعفك، بل هو في الحقيقة قوة ومزيد تمحيص يوقفك على خواص ما تدركها بنظرك أو يعزز رأيك حتى لو كانت المشورة موافقة لما رأيت.
فهذا يعطيك نوعا من القوة في الإقدام على ما تقدم عليه، فإن الخواص قوة للقوادم، لذلك من الضروري أن يعتني الإنسان بمقام المشورة والنصيحة وهنا الخطاب لشخصين:
الأول: المستشير المستنصِح.
والثاني: المستشار الناصح.
وكلاهما يتحمل مسئولية، أما ما يتعلق بالمستشير الذي يطلب النصيحة تقدم بيان أهمية هذا الأمر، وأنه لا يتضمن طلبُك النصيحة أيَّ نقص في حقك، بل إنما هو نور تضيفه إلى ما عندك من معارف عقل، تضيفه إلى عقلك، تصل به إلى ما تؤمل من الخير.
لكن من المهم فيما يتعلق بالنصيحة أن ينظر الإنسان فيمن يستنصح، وقبل أن نذكر أو نتحدث بإجمال عن خصال المستشار والمستنصَح، لاشك أن طلب النصيحة أمانة، بمعنى أنه إذا جاءك شخص يستنصحك في أمر فثق تمامًا أنك قد اؤتمنت، وقد اصطفاك واختارك من بين الناس لتدلَّه على الخير، ليس من الديانة، ولا من المروءة، ولا من طيب الخصال، ولا من كريم الشيم أن يخون الإنسان أخاه في نصيحته إذا استنصح؛ فإن ذلك إثم، قال الله –عز وجل-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ النساء: 58 ، وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ»، وذكر منها:«وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له»، وقال: «الدِّينَ النَّصيحةُ» وقال: «مَن غشَّ فلَيسَ منّا» صحيح مسلم (101) .
ولذلك من الضروري أن يعي الإنسان شريف المقام وعظيم المسئولية إذا استنصحه أحد، وهنا يعني من العدل أنه الإنسان لا يتكلم إلا بما يعلم، يعني إذا استنصحك شخص في أمر فإنه ليس من الصواب، ولا من الحكمة، ولا من العدل أن تُقدِم على نصح أو قول وأنت لم تحط به علمًا، أو ليس عندك المعنى، يمكن أن تعتذر، وأن تقول: والله يا أخي أنا أشكرك على ثقتك، لكن من مقتضى الأمانة، وتقديرًا لهذه الثقة أنا أعتذر؛ لأن ما عندي معرفة بهذا الأمر، ليس عندي تصور واضح.
وإن كنت تعرف من يمكن أن يفيده تشير عليه، استشر فلانًا، تدله على طريق يوصله إلى غاية إذا كنت لا تعرف.
هذه المقدمة مهمة جدًا؛ لأن النصيحة ليست مرتبة يتبوؤها الإنسان لأجل أن يشار إليه بالبنان، أو يقال: فلان مستشار، أو فلان يحسن الإشارة، أو فلان صاحب رأي، إنما ينبغي يعرف أنها أمانة، وأن الله سيسأله، وأن هذا من حق أخيه عليه أن ينصحه، ومن النصح له أن يقول لا أعرف فيما لا يعرف ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ الإسراء: 36 .
إذًا من مقتضيات قوله –صلى الله عليه وسلم-: «وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له» يجب عليك أن تنصح لأخيك، ومن نصحك لأخيك أن تعتذر عندما لا يتضح لك صواب رأيك، أو ليس ثمة ما يمكن أن تضيف إليه في أمر؛ لأنه قد يستشيرك الإنسان في شيء ليس من اهتماماتك ولا من معرفتك، ويتوقع أن تحسن في هذا الجانب، ولكن ما عندك معرفة في هذا.
فمن الأمانة أن تعتذر «لا يؤْمِنُ أحَدُكم حتى يُحِبَّ للناسِ ما يُحِبُّ لنفْسِه» أخرجه بهذا اللفظ أحمد (13875)، وفي صحيح البخاري (13)، وصحيح مسلم (45) بلفظ: لأخيه لكن فيما يتعلق بالاختيار، من تستشير؟ هنا لابد أن نضع بعض الإضاءات ومواصفات المستشار؛ لأن الاستشارة غرضها الوصول إلى الصواب، الوصول إلى الصح في التصرف، أو في القول، أو في العمل، أو في الاختيار، وبالتالي من المهم أنه يراعي الإنسان بعض الصفات المهمة التي توصله إلى غايته وغرضه فيما يتعلق بالمشورة.
أول ما يكون من الخصال التي يجب أن يعتني بها من يطلب الاستشارة من أحد أن يستشير من كمُل عقله، كمل عقله ليس ثمة كامل في البشر، البشر كلهم يعني من النقص ما هو من مقتضيات بشريتهم، لكن الكلام في الكمال هنا الكمال النسبي، يعني أن يكون شخصًا، أن يكون المستشار شخصًا ذا عقل، عرف برجاحة الرأي، وسلامة العقل، فإنه بكثرة العقل الذي تضاف إليه التجارب، تضاف إليه المعارف والممارسة يقوى الإنسان.
ولذلك جاء في الأثر: {استرشدوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا}[أخرجه القضاعي في مسند الشهاب(1/61). وقال الألباني في الضعيفة(ح617): موضوع]، وهذا وإن كان لا يثبت من حيث الرواية لكنه من حيث المعنى صحيح، أن الإنسان يسترشد العاقل وإذا استرشد العاقل رشد، وأصاب الخير، بخلاف من يستنصح الجاهل فإنه لن يدرك إلا عصبة في الرأي وخلل في النتيجة.
ولذلك قال عبد الله بن الحسن لابنه محمد: احذر مشورة الجاهل وإن كان ناصحًا.[التذكرة الحمدونية:3/334] لأنه يعني نصحه إذا لم يكن متأهلًا فإنه لن يوصل لنتيجة؛ لأنه لابد من صدق في إرادة الخير ومعرفة بالخير، فلا يكفي أن يكون محبًّا لك، ناصحًا لك، راغبًا في أن تصل للخير، لكنه لا يعرف الخير، مثل تمامًا لو جئت تسأل شخصًا، تسأله عن طريق مكة مثلا، وهو يحب لك الخير وحريص على أن تصل إلى غايتك ومطلوبك لكن ما يعرف الطرق، فإذا دلك وأشار عليك في هذه الحال فقد توهك، لجهله بالخير المطلوب.
ولذلك من المهم أن تسأل صاحب معرفة عالمًا، وأن ينعطف على هذا أيضًا أن يكن محبًّا ناصحًا، فإن المودة تحمل الإنسان على الإشارة بالخير، ولهذا قيل: لا تشاور إلا الحازم غيرَ الحسود. انتبه: الحازم يدلك على الخير، لكن إذا كان يمنعه من الدلالة مرض في قلبه، من حسد أو كراهية خير، فإنه لن يوصلك إلى مطلوبك، بل سيدلك على خلاف مطلوبك لما في نفسه من آفة.
ولذلك من المهم أن يكون المستنصَح من قام فيه رجاحة العقل والتجربة والمعرفة والمحبة، محبة الخير، وهذا يجمع أن يكون المستشار صاحب تقوى، وهنا ما أجمل ما يدرك الإنسان إذا وفِّق إلى مستشار صاحب ديانة وتقوى، وصاحب عقل وتجربة، وصاحب ودٍّ ونصحٍ ومحبة للخير، وهذه الثلاث مقومات أخي عبد الله! أيها الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات! هذهالثلاث مقومات من أعز ما يكون في صفات المستشارين؛ لأنه قد يكون صاحب ديانة لكن ما صاحب عقل وتجربة، قد يكون صاحب ديانة وصاحب تجربة لكن في ظل حسد يغلبه عن أن يدل على الخير، لذلك لابد من اكتمال هذه الصفات حتى يصل الإنسان إلى مبتغاه من الرأي النصيح والمشورة الكاملة، يضيف بعض العلماء بعض الخصال الأخرى في الحقيقة هي مشمولة بما تقدم: أن يكون سليم الفكر، وفارغ البال وهذا بالتأكيد أنه يعني لما تأتي تشاور شخصًا مشغولًا فإنه سيسلك الموضوع بطريقة عاجلة بحيث أنه ما تصل إلى مبتغاك، يعني لا يقلِّب النظر، لا يعطي الموضوع حقه.
ولذلك من المهم ألا تشاور مشغولًا؛ لأنك لو أتيت تشاور مشغولًا فإن المشغول يبرر نفسه لك، فإنه لن يوصلك إلى المطلوب؛ ولذلك لا يقضي القاضي وهو غضبان، ولا يقضي القاضي وهو جائع أو عطشان؛ لأن هذا يشوش الفكر ويمنع الإنسان من أن يمحض النظر الذي يوصله إلى الرأي السديد؛ ولذلك من المهم أن تبحث عن مشير ذي نصح ومقدرة، ينظر في أمرك بنوع من التؤدة.
من الأمور التي يذكرها بعض أهل العلم في صفات المستشار: ألا يكون ما يستشار فيه له فيه غرض، فإن الأغراض جاذبة بمعنى ألا يكون تاجرًا، وأنت تاجر تأتي تشاوره في تجارة تنافس تجارته، هنا يعني مهما كان، قد يُغلب، وقد يكتم، وقد لا يكون على المستوى المطلوب للنصح، ولذلك ينبغي ألا يكون المستشار يستشار في أمر ينافسه، أو قد يوهمه شيء من النقص؛ وذلك لما في الأنفس من الحاجات والأغراض والأهواء التي قد تحول دون الكمال في تلك النصيحة.
خلاصة الأمر أنه المستشار ينبغي أن يكون صاحب ديانة وتقوى، نسأل الله تعالى أن يري أهل التقوى من خواص الأمور وعواقبها ما يصدق عليه قوله –جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ الأنفال: 29 أي ما تميزون به بين الحق والباطل، بين مواقع الفضل ومواقع الرداء.
الثاني من الشروط للمستشار أن يكون كامل العقل، أو صاحب عقل وتجربة.
الثالث: أن يكون محبًّا معروفا بمحبة الخير للناس؛ ذلك أن محبة الخير تحمل الإنسان على أداء النصيحة على وجه مكتمل بيِّن.
هذه جملة من الأمور فيما يتعلق بموضوع الاستشارة وأهميتها والثبات الذي ينبغي أن ينظر إليها.
المقدم:- مادام أننا أتينا أيضًا في بداية الحلقة على موضوع النصيحة، لعله كان من سؤال الأخ عبد العزيز في بداية الحلقة أن هناك يعني أحيانًا قد تكون هناك نصيحة موجهة للأب، أو الأم، أو للابن كذلك، أو الزوجة أو العكس كذلك، أيضًا هناك بعض الظروف التي تحول أحيانًا دون تقديم المشورة أو النصيحة أيًّا كانت، كيف يمكن التعامل في مثل هذه الحال؟
الشيخ:- هذا الموضوع موضوع نصيحة الزوجة والأولاد يتصل نوعا ما بحديثنا، لكن كما ذكرت أنه هذا منفصل، نحن نتكلم عن النصيحة في مقام الاستشارة، أو النصيحة في مقام تقويم الخطأ، وحتى سؤال الأخ الآخر فيما يتعلق بتقويم الأخطاء والخلل فيما يتعلق بمسلك الولد أو الزوجة، أو في مسلك العموم عموم المسلمين، هذه أمور يعني بالتأكيد أنها من النصيحة الواجبة، والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ التحريم: 6 ويقول: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾+++ التوبة: 71 .
فهؤلاء ينصحون بالحق الذي فرضه الله –عز وجل- بلطف ورفق، وأحيانًا قد يحتاج الإنسان إلى أن يتأني، وأن يفرز مراتب الحسنات والسيئات حتى يأمر بما يناسب الحال، ولا يكون منفرًا، ولا يكون سببًا للصدِّ عن سبيل الله من حيث لا يشعر، ولذلك ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عالمًا بما يأمر، عالمًا بما ينهى، أن يكون صبورًا، أن يكون حليمًا، كل هذه خصال ضرورية في سياق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
المقدم:- نأخذ اتصال الأخ عبد الله الخالدي، تفضل عبد الله.
المتصل:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم:- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل:- بارك الله في جهودكم، ووفق الله الشيخ العزيز، بالنسبة للنصح هو أحد الأبواب التي قد تستخدم بطريقة خاطئة، كثير من الناس لا يتقبل النصح، قد يأتي طالب علم أو صاحب خبرة ولا يستطيع إيصال فكرة النصح الصحيح؛ لعدد من الأسباب: قد لا يكون الناصح صادقًا، أو قد يكون شديدًا وقويًّا بالنصح أيضًا، الحماسة قد ترفع على النصح فتؤثر في الموضوع، أحيانًا نبدأ بالحكم على الشخص عندما ننصحه، نقول: أنت فيك كذا، وفيك كذا فهذه تؤثر فيه بشكل كبير، أيضًا النصيحة بدون علم كما ذكر شيخنا العزيز وفَّقه الله، أيضًا النقطة الأخيرة هي النصيحة بقصد تصيُّد الأخطاء، أو بقصد الانتقام، هذه تؤثر في النصح، أريد تعليق شيخنا على هذا الأمر.
المقدم:- شكرا لك أخي عبد الله،الاتصال الثاني محمد بن مسعود، تفضل يا محمد.
المتصل:- السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
المقدم:- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل:- أخي حيا الله الشيخ، عندما نذكر الحديث:« الدين النصيحة»[سبق] فيتبادر إلى الذهن التوجيه والإرشاد والخير، وهذه نعم المعاني هذه، ولكن النصيحة معناها العام أعمق من ذلك، كما ذكر ابن دقيق العيد في تاريخه الحديث قال: "ومعنى النصيحة في اللغة: الإخلاص"[شرح الأربعين النووية:ص52]، فإذا مثلا نبغي نفهم الحديث «الدين النصيحة» «لله» طيب، كيف النصيحة؟ اللي هو الإخلاص لله –عز وجل-، فالنصيحة معناها في اللغة: الإخلاص، وأيضًا إذا عاملنا الناس بالإخلاص ينشأ عن ذلك الإحسان إليهم، وأيضًا حب الخير لهم والأمانة، فإذا مشينا على هذا المبدأ لعله يكون فيه الخير الكثير، وهكذا حديث «الدين النصيحة» «لله» أي: الإخلاص لله –سبحانه وتعالى-.
المقدم:- جزاك الله خير أخي محمد، وشكرا على اتصالك، وعلى هذه المداخلة، إذا كان هناك من تعليق مختصر حول هذين الاتصالين شيخ خالد.
المتصل:- أخي الكريم يعني واضح أن ذكر «إذا استنصحك فانصح له» ذهب بأذهان المستمعين والمستمعات إلى موضوع النصيحة من حيث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما إلى ذلك، وهذا بالتأكيد موضوع مهم، ونحن نحتاج إلى الحديث عنه، وما ذكره الإخوان من ضرورة العناية بالنصيحة، وأن تكون على نحو من التعامل الذي يبلِّغ الإنسان الغاية والمقصود، لاشك أن هذا صحيح يعني من المهمات، لكن أعود وأقول: نحن نتحدث عن المشورة «إذا استنصحك فانصح له» يعني إذا طلب أحد منك مشورة في أمر فما الواجب عليك؟
الواجب عليك بذل غاية ما تعلمه من الخير له، وإبعاده عن الشر، ينبغي أيضًا في موضوع الاستشارة ألا يرى الإنسان غضاضة على نفسه فيما إذا أشار على أحد وأخذ بغير رأيه؛ لأنه أحيانًا يأتيك من يستشيرك لأن هذا الذي استشارك يعني عندما يطلب منك رأيًا ينتفع به وليس شيئًا يلتزم به، يعني الفتوى في حكم ديني ليست مما يلزم المستفتي ذلك أن الفتوى بيان وإرشاد وليست مُلزِمة للمستفتي؛ لأنه يمكن أن يسأل غيرك ويأخذ ليتضح له خلاف صواب رأيك بسؤال غيرك من أهل العلم.
فكذلك المشورة، المشورة يعني هي نوع من الاستبصار، فإذا استبصرك إنسان واستشارك فلا تجد في نفسك غضاضة أن يكون قد أخذ برأي غيرك، أو لم يأخذ بكل ما ذكرت له، وبالتالي مهمة المستنصح المستشار مهمته أن يبين بكل ما يستطيع من معرفة ونصح وبيان الخير للمنصوح المستشير ويحذره من الشر.
هذا هو المطلوب ما وراء ذلك من قبول هذه الإشارة، من عدمها ليس إلى الإنسان وليست مطلوبة منك، إنما هي شيء فتوحات من الله –عز وجل-، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
المقدم:- نقطة أخيرة ممكن نختم بها هذا اللقاء، وهي خاصة فيما يتعلق بأولئك الذين امتهنوا مهمة الاستشارة أو الرد على الاستشارات، وهم المستشارون في أي من الأماكن، أو في أي منصب كان من المناصب سواء الرسمية، أو تلك التي أحيانًا تكون في مؤسسات المجتمع المدني وغيرها، ما هو الواجب عليهم خاصة فيما يتعلق بالاستشارات الأسرية خاصة؟ وأنه يترتب عليها أحيانًا قد تكون استشارة أحيانًا قد تكون خاطئة أو غير دقيقة بُنيت على معلومات غير دقيقة مثلا، أو أنها يعني كانت ناقصة فيما بنيت عليه ربما تتسبب في هدم أسرة أو تشتتها، وكذلك أيضا ما ينعكس هذا الأمر بشكل سلبي على المجتمع بأكمله.
الشيخ:- يعني أنت بالتحديد أنه الكلام في الاستشارات كلام واسع، ويتعلق بالمستشار الاقتصادي، المستشار الاجتماعي، يعني الاستشارات في أجواء القضاء، استشارات كثيرة نحن تكلمنا عن الاستشارة الطوعية ليست الاستشارة الوظيفية، أما الاستشارة الوظيفية ينطبق عليها نفس الكلام لكن يضاف إليها أنه أمانة من جهة ولي الأمر أو من الجهة التي ولتك هذا الأمر، فيجب عليك أن تراعي الآن إضافة إلى حق الله –عز وجل- حقَّ المسلم على المسلم، ينبغي أن تراعي حق الجهة التي نصَّبتك ووضعتك في هذا المنصب.
ما يتعلق بالاستشارات الأسرية، الحقيقة أننا نحتاج إلى حلقة مستقلة في الحديث عنها؛ لأنه فعلا ثمة ما ينبغي أن ينبه إليه في هذا الأمر، وأنه المستشار والمستشير ينبغي أن يكونوا على حذر فيما يتعلق بالقضايا الأسرية؛ لأنه في الغالب القضايا الأسرية عندما تأتي استشارة تأتي من طرف، والطرف في كثير من الأحيان إنما يعرض وجهة نظره، قد لا يعرض حقائق ووقائع يعني تختلط الحقائق والوقائع بوجهة النظر، فتجد مثلا المرأة أو الرجل يستشير يقول: هي فعلت كذا، وهو فعل كذا، ثم إضافة إلى حكاية الأفعال تأتي انطباعاته، وتأتي آراؤه وتحليلاته ويختلط الأمر.
ولذلك من المهم أن يتريث الإنسان، وألا يعطي في القضايا الخصومات، قضايا التي فيها أكثر من طرف ينبغي المشورة والتحقق من صحة ما أدلى به المستشير حتى لا تكون طرفا أو سببا فيما ذكرت: خراب أُسَر أو وقوع إشكالات أو نحو ذلك، أحسن الله إليكم.
المقدم:- الأخ أحمد الحموي كان يسأل عن مسألة النصح؟ التوفيق بين النصح وحديث: «مِن حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يعينه»[سنن الترمذي:ح2317، ومسند أحمد 1732، وقال محققو المسند: حسن لشواهده]، لعلنا إن شاء الله نخصص حديثا أو حلقة أخرى للحديث عن النصيحة بمفهومها العام والشامل.
ونقدم الشكر الجزيل لكم فضيلة الشيخ في ختم هذا اللقاء على ما تفضلتم به من حديث كان حول المشورة وحديث النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه: «وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له» شكر الله لك، وإلى أن نلقاكم -بإذن الله- الأسبوع المقبل وأنتم على خير.