قوله تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}.
هذه الآية الكريمة تدل بظاهرها على أن معية الله خاصة بالمتقين المحسنين، وقد جاء في آيات أخر ما يدل على عمومها, وهي قوله: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم}, وقوله:{وهو معكم أين ما كنتم}, وقوله: {فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين}, {وما تكون في شأن} الآية. والجواب: أن لله معية خاصة ومعية عامة, فالمعية الخاصة بالنصر والتوفيق و الإعانة, وهذه لخصوص المتقين المحسنين كقوله تعالى:{إن الله مع الذين اتقوا}. وقوله: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم}. الآية, وقوله: {لا تحزن إن الله معنا}. ومعية عامة بالإحاطة والعلم؛ لأنه تعالى أعظم وأكبر من كل شيء, محيط بكل شيء, فجميع الخلائق في يده أصغر من حبة خردل في يد أحدنا وله المثل الأعلى, وسيأتي له زيادة إيضاح في سورة الحديد - إن شاء الله - وهي عامة لكل الخلائق كما دلت عليه الآيات المتقدمة.
(سورة بني إسرائيل)
قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}.
هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأن الله تعالى لا يعذب أحدا حتى ينذره على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام, ونظيرها قوله تعالى: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}, وقوله تعالى: {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون}, إلى غير ذلك من الآيات, ويؤيده تصريحه تعالى بأن كل أفواج أهل النار جاءتهم الرسل في دار الدنيا في قوله تعالى: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا} الآية. ومعلوم أن (كلما) صيغة عموم, ونظيرها قوله تعالى:{وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا} إلى قوله تعالى: {قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} فقوله: {وسيق الذين كفروا} يعم كل كافر, لما تقرر في الأصول من أن الموصولات من صيغ العموم, لعمومها كلما تشمله صلاتها كما أشار له في مراقي السعود بقوله:
وقد تلا الذي التي الفروع *** صيغة كل أو لجميع.
ومعنى قوله: (وقد تلا الذي الخ..): أن (الذي), و(التي) وفروعها صيغ عموم ككل وجميع, ونظيره أيضا قوله تعالى: {وهم يصطرخون فيها} إلى قوله: {وجاءكم النذير} فانه عام أيضا؛ لأن أول الكلام {والذين كفروا لهم نار جهنم} وأمثال هذا كثيرة في القرآن مع أنه جاء في بعض الآيات ما يفهم منه أن أهل الفترة في النار,كقوله تعالى:{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}, فإن عمومها يدل على دخول من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عموم قوله تعالى:{ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما}, وقوله تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}. وقوله:{إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا} الآية. إلى غير ذلك من الآيات. اعلم أولا: أن من يأته نذير في دار الدنيا وكان كافرا حتى مات اختلف العلماء فيه هل هو من أهل النار لكفره أو هو معذور لأنه لم يأته نذير؟ كما أشار له في مراقي السعود بقوله:
ذو فترة بالفرع لا يراع *** وفي الأصول بينهم نزاع.
وسنذكر إن شاء الله جواب أهل كل واحد من القولين, ونذكر ما يقتضي الدليل رجحانه...