×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (100) صلاة الاستسقاء سنن وأحكام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:3797

المقدم:بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلًا وسهلًا بكم مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم الدين والحياة والتي يسعد بصحبتكم فيها من الإعداد والتقديم محدثكم عبد الله الداني ومن الإخراج الزميل مصطفي الصحفي.

يسرني كذلك أن أرحب في بدء هذه الحلقة مستمعينا الكرام بضيفي وضيفكم الدائم في هذا البرنامج فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه في كلية الشريعة بجامعة القصيم المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم سلام عليكم ورحمة الله أهلا وسهلا بكم شيخنا.

الشيخ:-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبا بك أخي عبد الله حيا الله الإخوة والأخوات، نسأل الله تعالى أن يجعله لقاء نافعًا مباركًا.

المقدم:-اللهم آمين، أهلًا بفضيلة الشيخ وأهلا بكل المستمعين والمستعمات الذين يستمعون إلينا الآن عبر أثير إذاعتنا إذاعة نداء الإسلام من مكة المكرمة في برنامج "الدين والحياة" وحديثنا بإذن الله تعالى في هذه الحلقة عن الاستسقاء، وصلاة الاستسقاء.

فالاستسقاء مستمعينا الكرام يشرع إذا أَجدَبَت الأرض وانقطع المطر، أو غارت مياه العيون والآبار، أو جفَّت الأنهار، أو نقص ماؤها أو تغير بملوحة وقحط الناس من قلة الماء ونحو ذلك، سنتحدث بإذن الله تعالى عن صلاة الاستسقاء وأحكامها وسننها بإذن الله مع فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح ونذكركم أيضًا في بدء هذا اللقاء بأرقام التواصل لمن أراد أن يطرح ما لديه من استفسار أو يشاركنا في هذه الحلقة على الرقم 0126477117 والرقم الآخر 0126493028 ويمكنكم كذلك مستمعينا الكرام مراسلتنا بواسطة الواتس أب على الرقم 0500422121 وعبر هاشتاج البرنامج "الدين والحياة" على توتير على بركة الله نبدأ هذه الحلقة.

شيخ خالد عندما نتحدث عن صلاة الاستسقاء وأحكامها وسننها لعل من المناسب أن نبدأ حديثنا في هذه الحلقة بتعريف الاستسقاء ما هو وما مفهومه؟

الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياك الله أخي عبد الله وحيا الله الإخوة والأخوات وأسأل الله أن يجعله لقاء مباركًا.

فيما يتعلق بموضوع حلقتنا وهو الحديث عن هذه الصلاة المشروعة التي اتفق علماء الإسلام على مشروعية الاستسقاء سواء كان بصلاة أو بغير صلاة.

 وعامة العلماء على مشروعيتها بالصلاة [الشافعية، والمالكية، والحنابلة. المجموع للنووي:5/64، المغني:2/297] ، وخالف في ذلك أبو حنيفةفقال يكفي الدعاء. [السنة عند أبي حنيفة الدعاء والاستغفار، أما الصلاة مع ذلك فهي مباحة، وصاحباه اختلفوا: فمحمد يراها سنة بصلاة وبغيرها، وأبويوسف اختلف النقل عنه. شرح العناية1/440] 

 على كل حال الاستسقاء هو: طلب السقي ونزول المطر من الله –عز وجل- ومشروعية ذلك أي مشروعية دعاء الله –عز وجل- وسؤاله أن ينزل المطر مما دلت عليه الأدلة في الكتاب والسنة، فإنه لا يأتي بالمطر إلا الله –عز وجل- وبالتالي سؤال المطر من الله –عز وجل- هو المشروع لكل من رغب فيما عند الله –عز وجل- من خير وفضل وأمطار تحصل بها للناس مقاصدهم ومعاشهم.

إذًا الاستسقاء هو طلب السقي طلب نزول المطر من الله –عز وجل-.

 الحديث عن الاستسقاء قد يظن بعض الناس أنه حديث عن أمر عبادي مَحضٌ يتقرب فيه الإنسان إلى الله –عز وجل- في وجود الشكر وكصلاة النافلة وغير ذلك من العبادات المشروعة.

 والحديث عن الاستسقاء حديث عن أمر مهمٌّ وهو اللجوء إلى الله –عز وجل- في حصول مادة الحياة وهي الماء، فالله –عز وجل- قال في محكم كتابه: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ[الأنبياء: 30] فالماء هو الذي به تحصل الحياة للبشرية.

ولذلك ضرورة  الماء للناس ضرورة واضحةٌ جليَّة دلت عليها الأدلة في الكتاب والسنة، وهو مما لا غنى بالناس عنه ولهذا جعل الله تعالى من آياته ودلائلِ عظيمِ قدرته تنزيلَ الأمطار، فنزول المطر والمجيء به هو من دلائل عظيم قدرة الله –جل وعلا- فهو الذي ينزل هذا الماء، الذي تخرج به الثمرات والتي يحصل به للناس ما يؤملون من الأرزاق قال الله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً[البقرة: 22] قال في دلائل آياته واستحقاقه للعبودية وحده لا شريك له قال: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ[البقرة: 22] فالله –جل وعلا- من آياته ودلائل قدرته وعظيم ما له من الحكم والأسرار والدلائل والبراهين في خلقه إنزال المطر، ولا يقدر أحد على نيل ذلك إلا بالله –عز وجل- فلا يأتي بالمطر إلا الله جل في علاه.

ولذلك كان من مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو جل في علاه نزول المطر قال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ[الأنعام: 59] فعنده –جل وعلا- مفاتح الغيب قد بينها –جل وعلا- في قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ[لقمان: 34] عندما ذكر ما استأثر به من دلائل قدرته وعظيم انفراده –جل وعلا- بذلك.

ولهذا ينبغي أن يعلم أن الاستغاثة وطلبها لا يكون إلا منه فقد اختص بعلمها واختص بإنزالها ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ[لقمان: 34] ولذلك لا يُسأل المطر إلا الله، وسؤال المطر عند الضرورة والحاجة وجدب الأرض وقحط السماء هو مما شرعه النبي –صلى الله عليه وسلم- لأمته وسنَّه للأمة بفعله –صلى الله عليه وسلم- في مواطن عديدة، سواء كان ذلك في خطبة الجمعة[ صحيح البخاري:1013، صحيح مسلم:897/8، سيأتي نصه قريبا]  أو كان ذلك في صلاته وخروجه بأصحابه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم لصلاة الاستسقاء[ صحيح البخاري:1025، صحيح مسلم:894/4، يأتي نصه قريبا].

إذًا عرفنا أن الاستسقاء هو طلب نزول المطر من الله –جل وعلا-، وهو من العبادات والقربات التي يحصل بها للناس خيرٌ كثير؛ فإن نزول المطر به حياة الناس، به نزول مادة حياتهم التي بها ينعمون وبها يعيشون كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ[الأنبياء: 30].

فلذلك ينبغي أن يُعرف قدر هذه الصلاة؛ لأن كثيرًا من الناس عندما يسمع الأمر، أمر ولي الأمر بصلاة الاستسقاء، أو يسمع دعاء الداعيين في خطب الجمعة بنزول الغيث يظن أن هذا يعني أمرٌ عاديٌّ يعني أمر عبادي يفعل فقط تعبدًا لا لضرورة الناس إليه وعظيم حاجتهم إلى مضمونه.

أخي الكريم النبي –صلى الله عليه وسلم- شرع لأمته –صلى الله عليه وسلم- الخروج للاستسقاء ولذلك نحن في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى سنتحدث عن أحكام هذه الصلوات وما يتعلق بها من الآداب وما كان عليه عمل النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في شأن هذه الصلاة.

 النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج بأصحابه ودعا الله –عز وجل- بين أيديهم وهم ينظرون إليه –صلى الله عليه وسلم- وهم يشاركون كما جاء في الصحيحين من حديث عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد قال: «رَأَيْتُ النبيَّ يَومَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، قالَ: فَحَوَّلَ إلى النّاسِ ظَهْرَهُ، واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِداءَهُ، ثُمَّ صَلّى لَنا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِما بالقِراءَةِ».[صحيح البخاري:1025، صحيح مسلم:894/4]

فالخروج لصلاة الاستسقاء وطلب قطر السماء مما شرعه النبي –صلى الله عليه وسلم- بنفسه واعتنى به، ورصده ونقله أصحابه -رضي الله تعالى عنهم-؛ فلذلك ينبغي أن يُعرَف لهذه العبادة وهذه الطاعة قدرها، وقبل أن نتحدث عن أحكامها نقف عند ما يقال من أسباب منع القطر من السماء.

الله تعالى جعل من آياته تصريفَ الأمطار على نحو من منته ونافذ قدرته جل في علاه، فالله –سبحانه وتعالى- أنزل المطر، وأنزله جل في علاه بمقدار، هذا المقدار وفق ما تقتضيه حكمته قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ[المؤمنون: 18] أي بتقدير، فلا ينزل إلا بقدر الله وبقدر أسكناه في الأرض أي فحفظناه في الأرض ﴿فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ إنا على حفظه وصيانة لينتفع به الناس لقادر ﴿وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ لكن من رحمته أنه يحفظ هذا الماء للناس لينتفعوا به وفق ما تقتضيه حكمته جل في علاه.

لهذا ينبغي أن يعلم أن نزول المطر من السماء لا يكون إلا بإرادة الله تعالى، وبتقديره وبقدر يحصل به للناس المصلحة، لو زاد لفسدت أحوال الناس، ولو قلَّ لفسدت أحوال الناس، وهذا يخفى على كثير من الناس أن هذا الإنزال إنزال بقدر فإنه –سبحانه وتعالى- لا يمسك عن الناس ما يحيَون به وما تصلح به أمورهم دون حكمة، بل يمسك ذلك بحكمة، فهو يعطي بحكمة، ويمسك بحكمة، وله في ذلك –جل وعلا- الحكمة البالغة فقد قال تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ[الرعد: 8].

فينبغي أن يعلم العباد عظيمَ الحكمة في هذا العطاء، وفي ذلك الإمساك، وأنه لا يكون إلا لما فيه مصلحةُ العباد وما فيه خيرهم.

 ولهذا من آياته –سبحانه وبحمده- إمساك هذه الأمطار في أماكن وإنزالها في أماكن، لكن ينبغي أن يعلم أن له في ذلك الحكمةَ البالغة، وليس في ذلك إلا ما يحقق الخير والمصلحة للعباد.

 فالله –عز وجل- له الحكمة البالغة في كل أفعاله كما قال تعالى في محكم كتابه: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا[الإنسان: 30].

فمن رحمته –جل وعلا- أنه يعطي ويمنع ويصرفه بين العباد على نحو من الرحمة والحكمة قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا[الفرقان: 48] ما فائدة هذا الماء؟ ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا[الفرقان: 49] نحيي به الأرض، ونحيي به النباتات، ونحيي به المخلوقات ﴿وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا[الفرقان: 49].

ولذلك العطاء للناس متفاوتون، ولذلك يقول: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ[الفرقان: 50] أي ميز الله تعالى بين العباد في قدر المطر الذي ينزل بهم ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾[الفرقان: 51] أي لتحصل الذكرى والاعتبار بهذا الإعطاء وذاك الإمساك، فالعطاء لحكمة والإمساك لحكمة وكلاهما لا يخلو من رحمته -جل في علاه-.

لهذا ينبغي للعباد أن يعلموا أن إمساك المطر عن بقاع الأرض، أو عن بعض بقاع الأرض وإعطاء المطر لبقاعٍ إنما هو وفق علة اقتضتها حكمته جل في علاه، وليس ذلك لما يمكن أن يستدل به على محبة الله للخلق أو عدم محبته، فالدنيا يعطيها الله تعالى من لا يحب، كما أنه يمسك الدنيا عمن يحب وعمن لا يحب كما قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِوَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ[الفجر: 15- 16] فقال الله تعالى: ليس الإعطاء لمحبة، وليس الإمساك لعدم محبة وعدم رضا عن العبد، لكن الله –جل وعلا- يبتلي عباده بهذا وذاك لينظر ما يقومون به من حقوقه في العطاء والإمساك، فالله تعالى يبتلي العباد في السراء والرخاء، ويبتليهم بالضراء والشدة ليرى -جل في علاه- حال العباد في تحقيق الطاعة في السراء، وفي تحقيق الطاعة في الضراء، ولا يفوز في هذا إلا أهل الإيمان الذين إذا أصابتهم سرَّاء شكروا، وإذا أصابتهم ضراء صبروا قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له»[صحيح مسلم:2999/64].

فكان العبد بين صبر وشكر، شكر على الإنعام والإحسان والسراء، وصبر على الضراء والمكروه، وإن من أسباب منع القطر من السماء إعراضَ الناس عن الله –عز وجل- فإن الإعراض عن الله –عز وجل- موجبٌ لأنواع من الابتلاء التي الفائدة فيها للناس ليتذكروا ويتعظوا ويعتبروا كما قال الله –جل وعلا-: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا[الروم: 41]

 فإن مما ينبه الله تعالى له عباده إليه أن ينزل بهم بعض ما يكرهون ليصحِّحوا المسار ويعاودوا الطريق المستقيم، ويلزموا الهدي القويم، ويجافوا ويبعدوا عن كل ما يكون سببًا لبعدهم عن الله –عز وجل- وعدم قيامهم بحقه.

ولهذا دعا النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على أقوام من المشركين بإمساك القطر من السماء، ففي الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه مما دعا به النبي –صلى الله عليه وسلم- على فئة من المشركين أنه قال: «اللَّهمَّ اجعَلْها سِنينَ كسِنينِ يوسُفَ»[صحيح البخاري:2932، صحيح مسلم:675/294]

 فهذا الدعاء حُفظ عنه –صلى الله عليه وسلم- وكان دعاء على قوم أشركوا بالله –عز وجل- وعاندوا الرسول –صلى الله عليه وسلم- ولم يقوموا بحق الله –عز وجل- وبحق رسوله، بحق الله بتوحيده، وحق رسوله –صلى الله عليه وسلم- بالإيمان به واتباعه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

لهذا دعا عليهم فكان ذلك منبِّهًا لهم ولهذا لما وقع ما وقع من أن الله تعالى استجاب لرسوله في هؤلاء المشركين فأمسك عنهم قطر السماء، جاءه أبو سفيان فقال يا محمد: إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا أي بسبب دعوتك عليهم أن يمسك الله تعالى عنهم قطر السماء، فادعوا الله لهم فقال: الله تعالى ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ[الدخان: 10] ذاك أنهم كانوا من شدة ما أصابهم مما نزل بهم من إمساك القطر من السماء والجوع أن أحدهم كان ينظر إلى السماء فيرى دُخانًا لشدة الجوع الذي أصابهم والقلة التي نزلت بهم، كما جاء ذلك في وصف عبد الله بن مسعود حيث قال:" إن قريش أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي –صلى الله عليه وسلم- فأخذتهم سَنة حتى هلكوا وأكلوا الميتة والعظام.

فجاء أبو سفيان إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- وقال ما قال من سؤاله أن يدعو الله تعالى لهم بالغيث.[صحيح البخاري:1020،صحيح مسلم:2798/39]

 فالمقصود أن الله تعالى قد يبتلي عباده بأنواع من البلاء لينبههم إلى ما ينبغي أن يكونوا عليه من الطاعة والإحسان، ويراجع الله –عز وجل-، ولهذا ترجم البخاري –رحمه الله- في بيان ما يكون من أسباب منع القطر من السماء، فقال –رحمه الله- في صحيحه: باب انتقام الرب –جل وعز- من خلقه بالقحط إذا انتهكت محارم الله.[قال البدر العيني:وَقعت هَذِه التَّرْجَمَة هَكَذَا فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَحده خَالِيَة من حَدِيث وَأثر، قيل: كَأَنَّهَا كَانَت فِي رقْعَة مُفْردَة أهملها الْبَاقُونَ، وَالظَّاهِر أَنه وَضعهَا ليذكر فِيهَا أَحَادِيث مُطَابقَة لَهَا، فعاقه عَن ذَلِك عائق، وَالله تَعَالَى أعلم.عمدة القاري:7/37]

فأشار –رحمه الله- بهذه الترجمة إلى أن العباد إذا أعرضوا عن الله –عز وجل- من رحمته بهم ولطفه بهم أن ينبههم إلى ذلك بما يكون من حبس المطر الذي يجعلهم يفكرون ويلجئون إلى الله، كما جرى واقعًا في دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- على المشركين الذين امتنعوا من الإيمان، وحرموا رسول الله فدعا عليهم فكانوا أن جاءوا إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- يطلبون منه أن يدعو الله تعالى أن ينزل لهم القطر من السماء، أنك تأمر بطاعة الله كما قال أبو سفيان وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا فادعوا الله لهم.

ولذلك يذكر أهل العلم أن المعاصي على وجه العموم من أسباب منع القطر من السماء، وقد جاء في ذلك جملة من الأحاديث وإن كان أفرادها لا يستقيم من حيث الإسناد، يعني لا تخلو من ضعف لكن يصلح الاستشهاد بها في مقام الاستئناس بما جاءت به السنة مما دل عليه عموم الآيات الدالة على أن الإيمان والتقوى يجلب الخيرات، وأن الفسق والفجور والكفر والعصيان يحجب عن الناس الخير، فجاء في سنن ابن ماجه عن ابن عمر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال:« لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين ونقص المكيال».

 والميزان المقصود به الغشُّ في المعاملات التي تكون بين الناس، فمن العقوبات التي تنزل بالناس بسبب فشوِّ الغش بينهم في معاملاتهم المالية وفي عدم استقامتهم على ما أمر الله تعالى به على العدل والصدق والبيان أن يؤخذوا بالسنين أي بالقطر، وذكر سببًا آخر قال:« ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا قطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا».[سنن ابن ماجه:4019، وصححه الحاكم: المستدرك4/582, ووثق رجاله الهيثمي. مجمع الزوائد:9615]

فكان من أسباب منع القطر من السماء تطفيف المكيال والميزان، منع الزكاة الواجبة في الأموال كل ذلك مما يوجب للناس التعامل والاعتبار، لكن ليس لازمًا يعني ينبغي أن يُعلم أنه ليس هذا ملازمًا؛ لأن الله –عز وجل- له في الكون حكمٌ، قد يكون هذا السبب، وقد يكون الناس على استقامة وصلاح وخير ويمنع قطر من السماء، كما جرى في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- فقد جاء في الصحيح أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يخطب يوم الجمعة فدخل رجل والرسول –صلى الله عليه وسلم- قائمًا يخطب فاستقبل رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم- قائمًا وهو في خطبته فقال يا رسول الله هذا الرجل دخل المسجد والنبي يخطب فخاطبه مباشرة فقال يا رسول الله: "هلكت المواشي، وانقطعت السبل فادعوا الله يغيثنا"[صحيح البخاري:1013، صحيح مسلم:897/8]فكان منع القطر من السماء في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- ولذلك استسقى –صلى الله عليه وسلم-.

الذي أريد أن أنبه إليه أنه بعض الناس عندما يمنع القطر من السماء يجعلونه في سبب واحد، وهو مثلا التقصير أو المعصية أو ما إلى ذلك، وإن كانت أسبابًا تؤدي إلى هذه النتيجة لكن ليس ذلك بلازم، فقد يكون الناس على خير وعلى صلاح وعلى استقامة ويبتليهم الله تعالى بذلك رفعةً في درجاتهم وليلجئوا إليه ويظهروا الفقر له –سبحانه وبحمده- هذه تنبيهات تتعلق بما يُذكر من أسباب منع القطر من السماء.

 نحن بحاجة إلى استذكارها أن نقوِّم مسارَنا أن نصحح أعمالنا، أن نبتعد عما يغضب ربنا وأن نرجوا من الله –عز وجل- البركات والخيرات.

وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ[الأعراف: 96]

فبركات السموات وبركات الأرض مفتاحها ما ذكر الله تعالى من الإيمان والتقوى، وضد ذلك موجب للإمساك لهذه البركات ولذلك قال: ﴿وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[الأعراف: 96] أي فلم تفتح عليهم بركات السماء والأرض، نسأل الله أن يشملنا بعفوه وأن يغفر لنا الخطأ والزلل وأن يرزقنا من بركاته.

المقدم:-شكر الله لكم فضيلة الشيخ، نحن مستمرون معكم مستمعينا الكرام في برنامجكم الدين والحياة، حديثنا مستمر أيضًا عن الاستسقاء سنن وأحكام مع فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أرقام التواصل 0126477117 و 0126493028،أما رقم الواتس أب فهو 0500422121 يمكنكم كذلك مشاركتنا عبر التغريد في حساب أو هاشتاج البرنامج على توتير "الدين والحياة"

فاصل قصير نعود بعده إلى مواصلة هذه الحلقة تفضلوا بالبقاء معنا.

حياكم الله من جديد مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم الدين والحياة، وحديثنا مستمرٌ في عنوان هذه الحلقة، وموضوعها عن الاستسقاء سنن وأحكام مع فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح حياكم الله شيخ خالد وأستأذنكم في فتح باب الاتصالات للمستمعين الكرام

الاتصال الأول من الأخ عبد الله الخالدي اتفضل أخي عبد الله.

المتصل:-سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم:- عليكم السلام ورحمة الله.

المتصل:-في نقطة بودي أستفسر عنها بالنسبة ورد في القرآن الكريم قصة الجنة، هؤلاء منعوا الصدقات وعاقبهم الله تعالى[أصحاب الجنة الذين ذكر الله قصتهم في سورة القلم] ، أيضًا حديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام اسق حديقةَ فلان أو اسق مزرعة فلان، فكان يوزع المال على ثلاثة أقسام[صحيح مسلم:2984/45، والقصة يأتي ذكرها قريبا]، أود تعليق الشيخ على هذا الأمر.

أيضًا النقطة الأخرى الضعفاء والبهائم هل ورد في هذا شيء في الشرع الكريم؟ وأود أن يحث شيخنا الكريم على الجميع لصلاة الاستسقاء غدا، وفقه الله للخير.

المقدم:- شكر لك أخي عبد الله الاتصال الثاني من محمد بن حائر تفضل أخي محمد.

المتصل:- السلام عليكم مثل ما تفضل شيخنا جزاه الله خير قال أنه منع الزكاة من يعني أنا أرى ذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين، أنا ودي أن يكون هناك تذكيرٌ، لأن الناس يصير بعضهم ينسي، يعني مثلًا من بداية هذا العام مثلًا من واحد يذكر الله كل عام هل دفعت زكاتك؟ يعني الجميع له حساب بالبنك هذه أنا أرى أنها

 المدارس أنا ما أدري لأن أنا بودي أن تكون الشئون الإسلامية معتنية بالمدارس، هل هناك المدرسة فيها يقوم صلاة الاستسقاء؛ لأن الصغار هما اللي يفهموا، وإن شاء الله أنهم غدًا تستجيب يعني أكثر من غيرهم هؤلاء عندهم ذنوب يعني هما ما يحتاج عسى الله يرحم فالصغار والرضع أنا سمعت بحدا.

المقدم:- شكر الله أخ محمد، الاتصال الثالث عبد العزيز الشريف اتفضل أخي عبد العزيز.

المتصل:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله يا أستاذ عبد الله كيف حالك؟

المقدم:- حياك الله.

المتصل:- أحييك وأحي الشيخ، بارك الله فيكم وفي هذا البرنامج الطيب والنافع، صلاة الاستسقاء بارك الله فيكم ذهب فيها كثير من الناس بحجة أنها متوفرة وأن الماء لم تنضب وأن الماء يكفي فما داعي لهذه الصلاة، كما يقول بعض الناس فما توجيه الشيخ لهؤلاء الناس؟

الأمر الثاني بارك الله فيك أصبحت الصلاة الآن تصلى في المساجد، لا يرون لروحانيتها، تصلى في الصحراء عندما كان يخرج الناس الصغار والكبار، الشيوخ وغيرهم وقد يقودوا بهائمهم في هذه الأمور فالآن باتت للأسف الشديد كأنها صلاة مخفية لا روح فيها، ولا أحد يحضرها فما هو توجيه الشيخ بارك الله فيه على أن نعود لصلاة الاستسقاء كما كانت على عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم:- شكرا لك أخي عبد العزيز الاتصال الرابع من الأخ محمد بن مسعود أتفضل أخي محمد.

المتصل:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المقدم:- عليكم السلام حياك الله.

المتصل:- حياك الله أخي، وحيا الشيخ أقول: أين نكثر من الاستغفار والتوبة؟ والأمر الثاني نحاول نساعد المساكين من أرامل وأيتام ومساكين لآخر ذلك هذا ما نقدر، والأمر الأخير اللي يستطيع أنه مثلا يروح مكة والمدينة يصلي فيها الاستسقاء هذا جيد.

المقدم:- شكرا لك حياك الله شيخ خالد قبل أن نأتي إلى أسئلة الإخوة المستمعين هنا يعني نقطة كنتم تفضلتم بذكرها أو الإتيان عليها قبل هذا الفاصل، وهي تتعلق بأن نزول المطر ليس دليلًا على المنع من نزول المطر وإمساك المطر عن قوم معينين، لا يعني ذلك أن بالضرورة أنهم واقعون في ذنوب وغارقون فيها، في المقابل ربما هناك سؤال يطرحه البعض وهي ربما أحيانًا قد تكون على هيئة شبهة، وهذا السؤال أو هذه النقطة حول أولئك القوم الذين ليسوا على الإسلام، وهم ينعمون بهذه الخيرات كما يروج هذه الأسئلة، وهذه النقاط يعني بعض الناس ويودون يعني أن يكون هناك إجابة حولها.

الشيخ:- أخي الكريم هو الله –جل وعلا- عندما ذكر نعمته بالمطر ذكر أن هذا الإنزال لحكمة ورحمة فقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ[الفرقان: 48]يعني المطر رحمة ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا[الفرقان: 48- 49] ثم قال: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا[الفرقان: 50- 51] الله –عز وجل- صرف هذا الماء بين الناس لتحصل الذكرى ويحصل الاعتبار، والله –جل وعلا- جعل الأرض على أنماط مختلفة صحاري وأراضي قد تشحُّ فيها الأمطار، وجعل منها أراضي المطرُ لا يتوقف عنها في كل العام، وجعل منها أراضي تصيبها الأمطار في حين دون حين، ولكن الذي يشترك فيه بنو آدم في زماننا هذا أن الجميع يشكو من قلة المطر بالنسبة لما كان عليه حالهم من قبل.

وأنا قد قرأت عن إحصائيات للأمطار في بلاد نحن نراها كثيرة الأمطار، أن نسبة المطر فيها بل وأن الثروة المائية فيها أصبحت مهدَّدةً بالشح في الأمطار، حتى إن هؤلاء سنُّوا من الأنظمة والتدابير ما يخفِض ويقلِّل استعمالَ الماء للمحافظة على الثروة المائية ولتحقيق الأمن المائي، وبالتالي الجميع يشكو من قلة المطر، كل هذا الكوكب يشكو من قلة الماء الذي به الحياة، عندما يقول قلة الماء نحن نتكلم عن الماء الذي ينزله الله –عز وجل- من السماء؛ لأن به تحصل الحياة.

أما الماء الذي في الأرض الذي يكون من البحار، نحن نعلم أن ثلاثة أرباع الأرض أو يزيد قليلًا معمور بالماء، لكن هذا الماء لا يحصل به ما ذكر الله تعالى من الحياة التي تكون بإنزال الماء من السماء الذي لا يأتي به إلا الله –عز وجل-، ولذلك الجميع يشكو لكن الشكوى متفاوتة، ونحن في كل الأحوال نحتاج أن نعرف أن الله قد يفتح لبعض عباده وبعض الخلق من الفتوحات والعطاء، وليس هذا بدليل على رضاه كما أنه -جل في علاه- يمنع عباده من أمور وليس هذا بدليل على عدم الرضا وعدم القبول وعدم الطاعة، فهذا ليس معيارًا، العطاء والمنع ليس معيارًا لصحة الديانة وعدمها.

إنما المعيار الحقيقي الذي يحاكم به الناس هو مدى التزامهم بما يُجريه الله تعالى عليهم من الأحوال في النعمة وفي العطاء والمنع وفي السراء والضراء، إذا حقق العبد طاعة الله في العطاء والمنع فهو فائز، إذا حقق طاعة الله في السراء والضراء فهو المؤمن الذي يمدح، ولا يضره ما تعتريه من أحوال الدنيا؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً[الأنبياء: 35] لو كان الإنسان قد فتح عليه من العطاء ولم يحقق الطاعة والإحسان، فإنه لم يحقق مرضات الله –جل وعلا- ولن ينفعه بل كان هذا العطاء سببًا لمؤاخذته ومعاقبته، ولذلك قال تعالى في محكم كتابه: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ[المؤمنون: 55- 56]، هذا قوله –جل وعلا- في قوم أعرضوا عن طاعة الله واشتغلوا بالدنيا عن الإقبال عليه، فينبههم أن هذا العطاء ليس دليلًا على الرضا ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ[المؤمنون: 55- 56] يعني لا يعلمون أن هذا ليس دليلًا على الرضا.

المقدم:- ولعله استدراج كذلك أيضًا.

الشيخ:- ولعله استدراج وقال تعالى أيضًا في سورة آل عمران: ﴿لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ[آل عمران: 178] فالعطاء ليس دليلًا على الرضا.

المقدم:- إذا كان بالإمكان نجيب بشكل سريع على بعض النقاط التي ذكرها المستمعون الكرام خاصة فيما يتعلق بالصدقة وقصة أصحاب الجنة الذين يعني مُنعوا وحُرموا من تلك النعمة بسبب إمساكهم عن الصدقة وعن الزكاة وعن ما أمر الله به.

الشيخ:- هو ما في شك الإحسان إحسان العبد يستوجب إحسان الرب، كلما اشتغل الإنسان بالإحسان كان ذلك موجبًا لإحسان الله –عز وجل- إليه، ولهذا جاء في قصة ما رواه الإمام مسلم في صحيحه من قصة الرجل الذي سمع هاتفًا في السماء يقول: اسق حديقة فلان هذا بسبب إحسانه أنه بين سبب ذلك بأنه كان ما يخرجه من الأرض يقسمه إلى ثلاثة أشياء إلى ثلاثة أقسام ما يخرج منها فيتصدق بثلثه، ويأكل ثلثه، ويرد ثلثه فيها، وهذا الحديث في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن رجلا في فلاة في صحراء يمشي سمع صوتًا في السحابة اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب أي انصرف ومال فأفرغ ماءه في حوضه فإذا ذلك المكان استوعبت الماء كله فتتبع الماء يعني الماء ما نزل على الحديقة إنما في جبل أو في مرتفع أو في وادي، ساق الله تعالى هذا الماء إلى مكان الرجل حيث تتبع الماء فإذا رجل قائم على حديقته يحول الماء الذي نزل من السماء وساقه الله تعالى إليه بمسحاته فقال يا عبد الله ما اسمك؟ فقال: فلان للاسم الذي سمعه في السحابة، فقال يا عبد الله لما تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السماء الذي هذا ماؤه يعني في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق  حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ فقال: أما إذا قلت هذا يعني بما أنك قلت لي هذا وهذه بشرى، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثًا.[ صحيح مسلم:2984/45]

ولذلك من أسباب نزول القطر من السماء الإحسان إلى الخلق، ولذلك أنا أوصي إخواني وأخواتي ونحن نستقبل صلاة الاستسقاء يوم غدٍ بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وفقه الله إحياء لسنة النبي –صلى الله عليه وسلم- وتعرضا لفضل الله –عز وجل- أوصيهم بالحرص على الصدقة بكل ممكن ولو كان قليلًا، الصدقة باليسير عند الله عظيمة إذا وافقها إخلاص وصدق رغبةٍ.

كذلك الاستغفار من أسباب نزول القطر من السماء والله تعالى قد قال في محكم كتابه: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا[هود: 52] ، فينبغي أن يكثر الناس من الاستغفار في بيوتهم، وفي صلواتهم، وفي تنقلاتهم وأحوالهم استعتابًا وطلبًا للعفو من الله –عز وجل- وأن يبسط لنا من رزقه وفضله وإحسانه ما يسد حوائجنا من الماء الذي لا حياة لنا إلا به.

المقدم:- مشتاقة للجنة تسأل هل على المرأة صلاة الاستسقاء؟ أو هل تصلي؟

الشيخ:- المشروع في صلاة الاستسقاء أن يخرج الجميع صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا، ويسألوا الله تعالى من فضله، ومن لم يتمكن من شهود المواطن التي يجتمع فيها الناس للصلاة فإنه يدعو الله –عز وجل-، وقد قال بعض أهل العلم إن صلاة الاستسقاء تشرع جماعة وفرادى. [هذا مذهب أبي حنيفة، فالخطبة  والجماعة عنده ليست مسنونة ولاممنوعة بل مباحة، واستدل باستسقاء عمرtبعم النبيrالعباسt. انظر شرح العناية على الهداية بهامش فتح القدير1/440]

والآن فيما يتعلق بالمدارس تقام الصلاة والحمد لله، وهذا تشكر عليه وزارة التعليم للتنبيه الناس إلى هذه السنة وإنفاذًا لما وجه إليه خادم الحرمين الشريفين وليُّ الأمر فيما يتعلق بإقامة هذه الصلاة، وتسهيلًا للناس أن يقيموا الصلوات في مدارسهم.

ما يتعلق بما ذكره بعض المداخلين من الإخوة أنه يعني يصلى في المساجد، الصلاة في المساجد يصار إليها عند الحاجة، والحاجة في بعض المناطق من برودة أو بعد أماكن الصلاة خارج المدن تستدعي مثل هذا ولذلك الأمر واسع، ويصلي الناس في المساجد، ويحصل بذلك التعرف، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- بفضل الله استسقى في المسجد بخطبة الجمعة، وهذا يدل على مشروعية الاستسقاء في المساجد إذا دعت إلى ذلك حاجة وكان في يوم الجمعة.

المقدم:-الذهاب للحرمين لصلاة الاستسقاء؟

الشيخ:- ليس هذا من المشروع أن يقصد الإنسان الحرمين لأجل هذا، بل يستسقي في بلده، ويسأل الله تعالى من فضله، وكل أهل بلده يخرجون إلى الأماكن التي حُدِّدت للصلاة، ويتعرضون لفضل الله –عز وجل- ويسألونه من فضله.

ونقول: إخواني وأخواتي من المهم أن نستشعر عظيم فقرنا إلى الله –عز وجل- فإنه لا يستجلب الخير بمثل إظهار الفقر إليه، ولذلك قال العلماء في صفة خروج الإنسان لهذه الصلاة: أنه يخرج متخشِّعًا متواضعًا متضرِّعًا، ويخرج معه أهل الدين والصلاح والشيوخ والصبيان المميزون بل بعض أهل العلم قال: يخرج الناس بدوابهم لإظهار الفقر لله –عز وجل- والله كريم. [ في مسألة خروج الدواب هذا قول الحنفية، وهو قول للشافعية، وعند الشافعية أيضا أنه لا يستحب ولا يكره. وعند المالكية والحنابلة، وهو قول ثالث للشافعية: يكره. انظر حاشية الطحاوي ص361، المجموع للنووي5/66-71]

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يغيث بلادنا، وأن يرزقنا من فضله.

 وأنبه الجميع إلى العناية بهذه الصلاة والعناية بالخروج، ومن لم يخرج لعارض أو لسبب فليستغفر وليدع الله –عز وجل- في مكانه، وليأمن على الأدعية المنقولة عبر وسائل النقل.

 أسأل الله –عز وجل- ألا يخيب رجاءنا فيه بسوء أعمالنا، وأن يرينا في أنفسنا وبلادنا وولاتنا ما يسرنا.

المقدم: شكر الله لكم فضيلة الشيخ وبارك فيكم وفي علمكم.

إذًا مستمعينا الكرام بهذا وإياكم نكون قد وصلنا إلى ختم هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم الدين والحياة، كان فيها ومعنا ضيفنا الدائم في هذا البرنامج فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم.

 الشكر كذلك موصول إليكم على حسن استماعكم وإصغائكم لنا في هذا اللقاء على أمل أن يتجدد هذا اللقاء معكم وبكم في حلقة الأسبوع المقبل في مثل هذا الوقت بإذنه –سبحانه وتعالى- حتى الملتقى بكم نستودعكم الله، وتقبلوا تحياتي أنا عبد الله الداني وزميلي مصطفي الصحفي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93792 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف