المذيع: يسرني كذلك أن أرحب بضيفي وضيفكم الدائم في هذا البرنامج، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: خالد بن عبد الله المصلح؛ أستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، والمشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم، السلام عليكم ورحمة الله، وأهلًا وسهلًا بفضيلة الشيخ.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي عبد الله، وحيَّا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المذيع: أهلًا وسهلًا بكم ومرحبًا بكل المستمعين والمستمعات الذين يستمعون إلينا الآن عبر الأثير إلى هذا البرنامج "الدين والحياة".
حديثنا مستمعينا الكرام في هذه الحلقة عن تفكُّك الأُسر، كذلك أيضًا سوف نتحدث من وحي قول المصطفى –صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ»[سنن الترمذي:ح3895، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]؛ فإنَّ التفكك الأسري مستمعينا الكرام هو: بُعد أفراد الأسرة الواحدة عن بعضهم بعضًا، وعدم ارتباطهم بالأحاسيس والمشاعر والأفعال؛ وهذا التفكك الأسري يؤثر على أفراد الأسرة جميعهم خاصة الأبناء، وكذلك المجتمع؛ وهذا ما سنناقشه -بإذن الله- في هذه الحلقة من وحي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، فهو الذي كان خير الناس لأهله عليه الصلاة والسلام.
شيخ خالد عندما نتحدث عن تفكك الأسر، وفي نفس الوقت نستحضر ما كان عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- في حياته الأسرية، والتي لم تكن تخفى على أي مسلم إذ نقلت بحذافيرها وبصورها كاملة حتى يتأسَّى به المسلمون، كيف يمكن لنا أن نبدأ هذا الحديث حول تفكك الأسر، وأسبابه؟ خاصة فيما يتعلق بترقب الطريق أحيانًا الذي يحصل من بعض الأسر ويؤدي بهم إلى هذا التفكك؟
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير السراج المنير نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أمَّا بعد.
فحياك الله أخي عبد الله، وحيَّا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات في هذه الحلقة التي نتناول فيها التفكك الأسري، فظاهرة تهدد نسيج المجتمعات على وجه العموم، وعلى المجتمع المسلم بوجه الخصوص.
التفكك الأسري إشكالية لا تنحصر في جهة من جهات العالم، ولا في بلد من البلدان، ولا في فئة من الناس، بل هي قضية تؤرِّق جميع المجتمعات بلا استثناء، على تفاوت بين المجتمعات في إدراك خطورة الأمر، وأيضًا على تفاوت بين المجتمعات في مدى ما حصل من تأثر في بناء الأسرة الذي ينعكس على المجتمع.
الأسرة عندما نتحدث عن تفككها، فنحن نتحدث عن تفكك المُكَوِّن الأول لكل مجتمع، فالأسرة هي عماد المجتمع، الأسرة هي قاعدة الحياة الإنسانية، الأسرة هي اللبنة الأساس التي تبنى عليها المجتمعات، معلوم أنَّ الأسرة إذا صلحت واستقام شأنها، وانتظم عقدها، والتأم شعثها سينعكس هذا بالتأكيد على مُخرجات هذه الأسرة، على دور هذه الأسرة في الحياة البشرية، الله –جلَّ وعلا- أشار إلى أنَّ هذه البسيطة التي يعيش عليها الإنسان بدأ فيها حياته بزوجين؛ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾، ثمَّ قال: ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾النساء:1 .
هذه الآية الكريمة تبين أنَّ اللبنة الأولى للبشرية كما هي اللبنة الأولى في كل المجتمعات، وفي كل الأمم هما العنصران الأساس، والمكون الأول لهذه الوحدة البشرية التي بها يجتمع وينتظم حال الناس هي الأسرة؛ لذلك أصبح هذا الموضوع من الموضوعات المهمة التي ينبغي أن تُتناوَل بمفهومها وبعدها الإنساني، وهي لا تختص بشريحة ولا بفئة من الناس، بل هي همٌّ بشري لإنقاذ البشرية؛ لأنَّ دمار الأسر وتفككها يعود على البشرية جمعاء بالوبال والشر، والخروج عن السنن المستقيم، والفطرة التي فطر الله تعالى عليها الناس، هو -جلَّ وعلا- امتنَّ على الإنسان بمنن كثيرة، وجعل من آياته أن خلق لنا نحن البشر من أنفسنا أزواجًا، ولاحظْ الآية التي توحي بعظيم التقارب والامتزاج بين المكوِّنين الأساس للأسرة حيث قال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ﴾الروم:21 ؛ يعني: من جنسكم، ومن ذواتكم أزواجًا لتسكنوا إليه؛ هذا المقصود الأول.
والسكن مبدأ كل نجاح، كل هدوء، كل استقرار، كل طمأنينة، فإنَّ القلق لا يمكن أن يُنتِج شيئًا، ولا يمكن أن يحقِّق نجاحًا، ولا يمكن أن يبني مجتمعًا، ولا يمكن أن يحقق نموًّا، ولا أي أمر من الأمور التي يحصل عليها الإنسان في حياة هنيئة، حياة مستقرة؛ لذلك أول ما ذكر الله –عزَّ وجلَّ- من مقاصد السكن، ثمَّ بعد ذلك ذكر ما يكمِّل هذا السكن، فقال: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾الروم:21 ، فالأساس في الرابطة الزوجية هي السكن الذي يمكن أن تستقر به الأسرة، يمكن أن تبنى به اللبنة الأولى للمجتمع، يمكن أن يحقق الطمأنينة للأفراد المشتركين في هذه المؤسسة الصغيرة، أو اللبنة الصغيرة، أو القاعدة الصغيرة التي يبنى عليها المجتمع بأَسْره.
ولذلك نتكلم عن التفكك الأسري؛ لأننا نفوت المقصود الأساس الذي جعل الله تعالى الرابطة فيه بين الرجل والمرأة، وهما مكونا الأسرة؛ حيث قال: ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾الروم:21 .
النصوص الشرعية جاءت ببيان أصول وأسس لضبط الحياة البشرية بإجمال وبتفصيل، بإجمال في الحياة كلها، وفي جميع مناحيها، وبتفصيل في كل شأن من شؤون هذه الحياة؛ في علاقة الإنسان بالناس، في علاقة الإنسان بالبشر على وجه العموم، علاقة الإنسان بوالديه، علاقة الإنسان بأولاده، علاقة الإنسان بزوجه، وهلمَّ جرًّا في توسيع الدائرة التي يتحقق بمجموع ما جاءت به الشريعة، ما قاله الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾النساء:58 .
التفكك الأسري يضرب كل هذا البنيان، يُخلُّ بكل هذا الانتظام؛ ولذلك يُعدُّ الحديث عن التفكك الأسري من أكبر المشاكل التي إذا تأمَّلتَ وجدت أنها خلف إشكاليات كثيرة في المجتمع سواء كانت إشكاليات اجتماعية، أو إشكاليات شرعية، أو إشكاليات اقتصادية، أو أمنية، أو فكرية، أو سياسية، ما في منحى من المناحي إلَّا وتجد أنَّ هذه القضية تضرب بسهم في تسبيب كثير من الإشكاليات التي يعاني منها البشر؛ ولهذا من المهم أن يُتناوَل هذا الموضوع.
وأقول بكل وضوح: هذه القضية قضية قد تكون في بعض المجتمعات قضية هامشية، لماذا؟ لأنَّهم تجاوزوا التفكك الأسري، أصبح ليس ثمة أسرة، فليس هناك معاناة التفكك الأسري؛ لأنَّ الأسرة غائبة، فليس ثمة ما يسمى أسرة حتى يمكن أن يتحدث عن التفكك الأسري، يحتاجون إلى بناء الأسرة، إعادة تشكيل المجتمع في وضعه الطبيعي، لكن في المجتمعات التي ما زالت الأسر حاضرة؛ وهذا حال غالب البشر؛ لأنه المُجارِي والموافق للفطرة والطبيعة.
نحتاج إلى الحديث عن التفكك الأسري؛ لئلا يصل بنا الحال إلى انعدام الأسرة؛ لأن نهاية المطاف في هذه المشكلة، وخاتمة المشوار في التفكك الأسري هو غياب الأسرة، وإذا غابت الأسرة معنى هذا ضاع المجتمع؛ هذه المقدمة يتبين بها أهمية ما نتحدث عنه في موضوع التفكك الأسري.
المذيع: أهمية هذا الموضوع كذلك أيضًا تنعكس من خلال خطورة هذا الأمر الذي نتحدث عنه، وأهمية أيضًا إيجاد الحلول، أو أهمية إيجاد الأسباب التي تؤدي إلى التفكك الأسري، ومن ثَمَّ أيضًا إيجاد الحلول والعلاج لهذه المشكلة العويصة التي كما تفضلتم -شيخ خالد- أنَّها أساس كثير من المشكلات، وتتفرع منها كثير من المشكلات التي يعاني منها المجتمع، لعله من المناسب أيضًا أن نأتي بعد أن حذرنا من خطورة هذه الإشكالية، وبيَّنا أهمية التطرق إلى خطورة التفكك الأسري، وأنَّه سبب في كثير من المشكلات التي تحصل في المجتمع باختلافها، نأتي إلى نقطة مهمة جدًا، ألا وهي أسباب هذا التفكك الأسري، ترى ما هي هذه الأسباب، وما هي أبرز هذه الأسباب؟
الشيخ: أخي الكريم عبد الله! قبل ما نتحدث عن أسباب هذه الإشكالية، أحب أن أنبِّه إلى أن الحديث عن التفكك الأسري ليس حكرًا على فئة من المجتمع؛ بمعنى أنَّه هي قضية يشترك في مناقشتها، وإيجاد حلولها، ودراستها أطرافها عدة؛ يشترك فيه الإعلام الشرعي، والاجتماعي، والنفسي، والاقتصادي، وكل ما يمكن أن يسهم في معالجة هذه القضية، الحقيقة من المهم، ومن الضروري أن يدلي كلٌّ بدلو في معالجة هذه الإشكالية للمحافظة على القاعدة الأساس التي تبنى عليها المجتمعات، وتسلم بها الأمم، لا شك أن هذه الظاهرة، ظاهرة التفكك الأسري وهي ضعف الروابط بين أفراد الأسرة على نحو يجعلها عثرة، وليست لبنة في البناء، فرق بين أن تكون الأسرة عثرة في بناء المجتمع والوطن، وبين أن تكون الأسرة لبنة في بناء مجتمع ووطن سليم، وبالتالي تلمُّس الأسباب مهم، ولا يمكن في الحقيقة -مهما عددت الأسباب- أن تنحصر الأسباب في جانب من الجوانب، أو في مظهر من المظاهر، الأسباب متعددة، لكن ثمة أمور تشترك فيها هذه الظاهرة.
بالتأكيد إن الإشارة إلى أصول الأسباب قد ينتج عنها تشخيص للمرض، وخطوة في معالجة هذه القضية؛ لأنَّه لا يمكن أن تعالج مشكلة إلَّا بمعرفة أسبابها، كما أنَّه لا يمكن أن تعالج ظاهرة إلَّا بإدراج حقيقتها وتشخيصها.
الأسباب التي تفضي إلى التعثر في أداء الأسرة بدورها، وتعيق بناء الأسرة على نحو سليم متعددة، منها: ما يكون سابقًا لبناء هذه الأسرة، ومنها ما يكون لاحقًا؛ يعني الأسباب محصورة في جانب من الجوانب، أو في مرحلة من المراحل، قد تكون هناك أسباب سابقة، وقد تكون هناك أسباب لاحقة، لكن في الجملة هناك أسباب عديدة؛ أسباب تتعلق بالزوجين، أسباب تتعلق بالظروف الاقتصادية التي يعيشونها، أسباب تتعلق بالظروف النفسية، أسباب تتعلق بطبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه، أسباب تتعلق بالديانة ومدى الاستقامة في تحقيق المطلوبات الشرعية، ثمة أسباب متعددة، لكن عندما نريد أن نتحدث عن الأسباب إجمالًا قد يغيب عنا ذكر مفردات الأسباب، لكن بالنظر إلى واقع الحال أن كثيرًا من الأمور التي تقع بسببها التفكك الأسري هو عدم الالتزام بالتوجيهات الشرعية عمومًا، الله -عزَّ وجلَّ- عندما ذكر أصل البشرية قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ الحجرات:13 ، وقال –جلَّ وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾النساء:1 .
لاحظ في الآيتين ذكر الله -عزِّ وجلَّ- بعد ذكر الخلق وأفراد الجنس من ذكر وأنثى، ذكر الأمر، وأشار إلى التقوى؛ لأنَّها المركب الذي يقي الإنسان الأزمات، يخرجه من مواطن العطب، يقيه الغرق في أنواع من المكروهات التي تحيط به؛ ولذلك الله –جلَّ وعلا- أمر عباده بتقواه في السرِّ والعلن، وأكد على التقوى في مواطن أداء الحقوق سواء كان حق الزوج، أو حق الزوجة، أو حق الأولاد، أو حق الوالدين، أو حق القرابات؛ فالتقوى حاضرة في كل التوجيهات التي جاءت الشريعة بها، التي جاء القرآن بها في أداء حقوق هؤلاء كلهم.
ولهذا جعل النبي –صلى الله عليه وسلم- الخيرية والسبق في مدى ما يحققه الإنسان من خيرية في علاقته الأسرية، قال –صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ»[سبق]؛ هذا الحديث الذي يمر على أسماعنا في مناسبات عديدة يغفل كثير منا عن ترجمته واقعًا عمليًّا؛ فالنبي –صلى الله عليه وسلم- يخبر في هذا عن معيار لقياس مدى السبق في رضا الله –عزَّ وجلَّ-، وفي تحقيق ما يحبه –جلَّ في علاه-، الناس قد يجعلون الخيرية في جوانب عديدة، بعض الناس يجعل الخيرية في مدى إنفاق الإنسان، في مدى لطافته، في مدى إتقانه لبعض الجوانب الحياتية، لكن النبي –صلى الله عليه وسلم- اختصر الأمر بهذا الاختصار الموجز التي يبيِّن عظيم تأكيد القيام بالمسؤولية الخاصة في معاملة الأهل، وأنَّ ذلك مما يتبوأ به الإنسان منزلة في السمو العلو؛ بأن قال –صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ»؛ وهذا يؤكد أن الخيرية ليست في تنظيم، ولا في جوانب عارضة من حياة الإنسان، إنَّما في تحقيقه لأداء الأمانة في أهله «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»[سبق]
ينبغي أن يُستشعر هذا الجانب؛ إنه من أكبر أسباب وقوع الإشكالات في الحياة الزوجية، وفي الأسر هو عدم التزام الأطراف بما أمر الله –جلَّ وعلا- به، فبقدر ما يحقق كلُّ طرف في الأسرة الالتزام بحق الله –عزَّ وجلَّ-، وبأمر الله –عزَّ وجلَّ- سيتحقق للأسرة الالتئام، والاجتماع والإتلاف؛ وذاك يؤدي إلى أنواع من الطمأنينة والسكن، الذي إذا تحقق سادت المودة؛ ولهذا تجد النصوص الشرعية تأمر بحسن العشرة حتى مع الكُره، حتى لو كره الرجل المرأة، أو المرأة كرهت الرجل أمر بالإحسان؛ لأن وجود الكره لا يلغي الحق في العشرة الطيبة، وحسن المعاملة؛ لأن ذلك حقٌّ ثابت لكل من له حقٌّ عليك سواء كان ذلك في حقٍّ عارض، أو في حقٍّ دائم؛ ولهذا قال الله –عزَّ وجلَّ-: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾النساء:19 .
انظر حيث نبه الله –عزَّ وجلَّ- أن كراهية الرجل للمرأة، أو لجانب من سلوكها، أخلاقها، معاملتها لا يسوِّغ له إساءة عشرتها، ولا يسوغ له الإخلال بحقوقه، والنبي –صلى الله عليه وسلم- يقول في توجيه لعلاقة المؤمن بالمؤمنة: «لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً، إِن كَرِه منها خُلُقًا، رَضِي منها آخَرَ»[صحيح مسلم:ح1469/61]؛ تأكيد إلى أن تكون النظرة شمولية، وليست نظرة عمياء، عوراء لا ترى إلَّا جانبًا وتغفل الجوانب الأخرى.
إذًا التزام الأطراف بحسن الصلة مما يؤكد ضرورة بناء الأسرة على مراعاة حق الله –عزَّ وجلَّ-؛ ولهذا يذكر الله –عزَّ وجلَّ- في آيات الطلاق مثلًا، وفي آيات الوفاء بالعهد، وفي آيات تنظيم الحياة الزوجية، يذكر الله –جلَّ وعلا- الميثاق الغليظ، يذكر التقوى، يذكِّر بحقه -جلَّ في علاه-؛ ولذلك يقول –جلَّ وعلا-: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾النساء:35 ؛ الله –عزَّ وجلَّ- يتكلم عن الأعمال وعن المقاصد فيما يتعلق بالعلاقة الأسرية؛ لأنَّ حسن النية وطيب القصد مع بذل الجهد في إحسان العمل يوصل إلى المقصود، إذًا من أكبر أسباب، يمكن المرجع لأكثر أسباب التخلف في تحقيق الوفاق الأسري، الالتئام الأسري هو غياب التوجيهات الشرعية التي بها تستقيم الحياة، وحتى تعرف عظم هذا العقد، يقول الله –جلَّ وعلا- في بيان عظيم هذا الميثاق وقدره، يقول –جلَّ وعلا-: ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾النساء:154 ؛ فجعل الله –تعالى- الرابطة الزوجية ميثاقًا غليظًا؛ أي شديدًا.
ويقول النبي –صلى الله عليه وسلم- في حديث عقبة بن عامر في الصحيحين: «أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ»[صحيح البخاري:ح2721]؛ فالشروط كلها في العقود يجب أن تُصان وتُحفَظ؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾المائدة:1 ، لكن فيما يتعلق بعقد الزوجية الحق في الوفاء بالشروط آكد من سائر أنواع وصور العقود؛ لأنَّه مبني على الثقة، مبني على التوافق الذي يؤدي فيه الإنسان الحق بناء على رقابة الله واستحضارًا للوقوف بين يديه -جلَّ في علاه-؛ هذا سبب من الأسباب التي ينبغي أن تلاحظ؛ إن غياب التوجيهات الشرعية في إنشاء هذه العلاقة، في أداء الحقوق التي تكون بين الزوجين، في معالجة الإشكالات التي تقع إذا غابت هذه التنظيمات الشرعية، والأحكام الشرعية كان ذلك مفضيًا إلى التفكك، وإلى الشقاق وإلى سوء المعاش.
المذيع: أحسن الله إليكم، بارك الله فيكم، نتواصل معكم مستمعينا الكرام عبر هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم: الدين والحياة، وحديثنا مستمر في هذا اللقاء عن التفكك الأسري، يمكنكم التواصل معنا مستمعينا الكرام لطرح لديكم من استفسار، أو إشكالات على الرقم: 0126477117 والرقم الآخر: 0126493028
أو إرسال رسالة نصية على الرقم المخصص للواتس آب على الرقم:0500422121
نأخذ معنا أول اتصال في هذه الحلقة من المستمع: عبد العزيز الشريف من الرياض.
أخي عبد العزيز، السلام عليكم، أحيك أخي في الله.
السائل: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كيف حالك أخي عبد الله؟ شكر الله لكم البرنامج الطيب، أحيك وأحيي فضيلة الشيخ.
غلاء المهور، الزوج قد يستدين لكي يتزوج وبعد ذلك يفكر في سداد هذا الدين، هل غلاء المهور سبب من أسباب التفكك الأسري، إذا عرفنا ضائقة الزوج المالية، وعدم قدرته على تحمل هذه الضائقة، فنجد بعض الأزواج يفكر في دينه، وماذا سيحصل بعد ذلك؟ فيهمل زوجته ويفكر في ذلك، هل غلاء المهور سببٌ في التفكك الأسري؟
الأمر الثاني: بعض الأزواج للأسف الشديد يظل خارج البيت، ويقضي الليالي الطوال مع شباب ومع أصدقاء، وينسى أنَّ له زوجة وأولادًا في البيت، فما هو توجيه الشيخ لهؤلاء؟ وللأسف الشديد حصل بسبب ذلك تفكك أسري، وأيضًا حصلت هناك أمراض نفسية وعصبية بسبب هذا الأمر.
الأمر الثالث: النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ»[سبق]؛ هذه الخيرية ،كيف يكون الزوج عليها؟ وكيف تكون المرأة عليها؟ وهل فقط الزوج هو المطالب أن يكون هو الخير لأهله؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: شكرًا جزيلًا لك أخي عبد العزيز، الاتصال الثاني من المستمع الكريم: محمد أبلوي، تفضل.
السائل: السلام عليكم، كيف حالك أستاذ عبد الله؟
جزاكم الله خيرًا على الموضوع الشيق، وصراحةً المجتمع يعاني كثيرًا من أسباب عدة أهمها وأولها: هو ضعف الوازع الديني، والتفكك الأسري الناتج عنها، وهناك أسباب عديدة؛ غياب الأب، غياب الأم، مشاكل عائلية.
أحب أضيف لو لاحظنا الآن أغلب الأطباء النفسيين، أغلب الأخصائيين الاجتماعيين بدأوا يعملون على تقوية الوازع الديني، والذي يعتبر من أهم الوسائل التربوية الذي يغرس في النفوس أهمية الترابط الأسري، نحن نعرف أن الأسرة هي مجتمع صغير، وأحد دعائم المجتمع الأكبر، وما الأمة إلَّا مجموعة من الأسر تترابط فيما بينها بمبادئ، وقوانين، وأعراف، وتقاليد، الكلمات الثلاثة الأخيرة لو فصَّلْناها تفصيلًا ممكن أن نجد الحل.
والحل باختصار هو تقوية وتعزيز الوازع الديني فقط في الأسرة، وهذا سيحمي مشاكل كبيرة. وجزاكم الله خيرًا.
المذيع: شكر جزيلًا لك أخي محمد.
نعود إلى ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور: خالد المصلح، حياك الله من جديد شيخ خالد، وبالتأكيد نقاط مهمة ذكرها المستمعون الكرام تصبُّ في صلب حديثنا فيما يتعلق بالمحور المخصص لأسباب التفكك الأسري، وكما تفضلتم نقطة مهمة جدًّا استحضار الأوامر الربانية، وأيضًا الأوامر التي وردت في الشريعة الإسلامية لحماية وصيانة هذه الأسرة من أي تفكك، أو أي مهددات قد تتعرض لها، وهو ما أورده الأخ محمد في الاتصال الأخير فيما يتعلق بتعزيز الوازع الديني، وحماية الأسر من ضعف الوازع الديني الذي يؤدي بالتأكيد أيضًا إلى هذا التفكك الذي نتحدث عنه، ونحذر منه في هذه الحلقة.
شيخ خالد: هل مثلًا غلاء المهور، وأحيانًا سوء التدبير في المعيشة، وكذلك أيضًا الإفراط فيما يتعلق بالكماليات في الاقتراض وغير ذلك في الأمور التي تتعلق بالجوانب المالية، هل يُعَدُّ هذا الأمر من قبيل الأسباب التي تؤدي إلى التفكك الأسري؟ من ناحية شرعية شيخ خالد.
الشيخ: نعم، بالتأكيد أخي الكريم الوضع الاقتصادي له تأثير بالغ في موضوع التفكك الأسري؛ لأن مثلما ذكرت: التفكك الأسري هو نتيجة لمقدمات عدة، ولأسباب كثيرة، نحن في أول ما ذكرنا من الأسباب، ذكرنا موضوعًا بما يتعلق بغياب الأوامر الشرعية، التوجيهات الربانية القيام بها يكفل حياة أسرية يتحقق فيها السكن والطمأنينة الذي به يَسعَد الإنسان في داخله، وفي محيطه الصغير ينعكس هذا على حياته، ومعاملاته، وسائر شؤونه.
لا شك أن الوضع الاقتصادي يلقي بظلاله على العلاقة الأسرية، فغلاء المهور على سبيل المثال وهذا قبل الزواج، تكاليف الزواج بأن يدخل الرجل الزواج، وقد أثقل كاهله بديون يحار في وفائها، وتلاحقه؛ لأن الالتزامات التي تأتي بعد الزواج ليست بأقل من الالتزامات التي تكون في مقدمة الزواج، بل هي التزامات دائمة، ومستمرة، وبالتالي من المهم أن يراعي الآباء، وأيضًا الفتيات هذا الجانب، وأن يخرجوا عن بوتقة وضغط الأعراف التي قد تجعل الإنسان لا يحقق الغاية، هو مقبل على سعادة، فتنقلب هذه السعادة إلى شقاء وتعاسة؛ وهذا هو السبب في كون كثير من الشباب الآن يعزف عن المبادرة إلى الزواج، ويتأخر في هذا الأمر لجل ما يكون من التكاليف، وغير هذا عندما يبدأ الشاب والفتاة حياتهما عندما يطمح كل واحد منهما إلى شيء يزيد على الطاقة الاقتصادية الممكنة لهما، فبالتالي ستتأثر حياتهما عدما تكون الفتاة قد فتحت عينها على ما يقدمه الناس، أو ما يقضونه من رحلات، أو كلام الناس، سواء كان المقروء، أو المسموع؛ كلُّ هذا يفضي إلى نوع من إضعاف هذه الرابطة التي ينبغي أن يسعى الأطراف جميعًا إلى توفيقها، إلى تقويتها، إلى توطيدها، إلى البعد عن كل ما هو من أسباب التأثير عليها.
المذيع: نقطة أخرى هي تعتبر من أكثر الأسباب التي تحصل هذه الأيام في البيوت وتتسبب أيضًا بشكل كبير في هذا التفكك الأسري الذي نتحدث عنه في هذه الحلقة، ألا وهو مسألة الأب الحاضر الغائب، أو الأم الحاضرة الغائبة، مسألة الغياب عن البيت، أو تأثير سواء السهر، أو الانشغال بأمور أخرى عن المهمة الأساسية لأحد الوالدين، أو لكليهما؟
الشيخ: الوالدان هما المرتكز الأساس للمحافظة على هذا البناء الصغير، فإذا صلح الأب والأم لا بد أن ينعكس هذا الصلاح على مسيرة هذه السفينة، وعلى استقرار هذا البناء، حتى وإن تعسر بوجود أنواع من الإشكالات في وضع الأولاد من الذكور والإناث إلا إنه الدعامة الأساس الأب والأم؛ ولذلك يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ«[صحيح البخاري:ح1385]
فالأب والأم لهم دور بالغ في تقويم البناء الأسري، وفي المحافظة على هذا الكيان الصغير من كل ما يهدده ويضعف روابطه، وهذا لا يعني أن بقية الأفراد ليس لهم تأثير، لا، الموضوع علاقة متبادلة مشتركة؛ وهذا يجيب على سؤال أحد المداخلين في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ»؛ هل هذا مقصور على علاقة الرجل بالمرأة؟! يعني المرأة ما عليها مسئولية في هذا الموضوع؟
الجواب: لا، هذه خطاب للأزواج «خَيْرُكُمْ، خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ»؛ لعياله، ولرحمه، ولكن أيضًا هو خطاب للمرأة، وخطاب للأبناء، وخطاب للبنات، وخطاب للجميع؛ لأن الأهل هم كل من ينضم إليه الإنسان، فإذا كان الابن بارًّا بوالديه؛ فهو من خير الناس لأهله، إذا كانت الزوجة قائمة بحق زوجها وأسرتها، ورعاية أبنائها؛ هي من خيرنا؛ لأنه خيرنا خيرنا لأهلها، إذًا المعنى مشترك، تحقيق الوئام، والاستقرار، والسكن، والرحمة والمودة ليست مسؤولية على واحد دون غيره، على فرد دون غيره، بل هي مسئولية مشتركة، صحيح أنها مسؤولية متفاوتة؛ الرجال قوامون على النساء، فالمسؤولية على الرجل ليست كالمسؤولية على المرأة، وقد قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾النساء:34 ؛ فالمسؤولية على الرجل ليست كالمسؤولية على امرأة، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾البقرة:228 .
في المسؤولية والأمانة، والواجب، والحق، لكن هذا لا يعني أن تكون المرأة سلبية، أو أن يكون الأبناء سلبيين في مشاركتهم، بل هي مسؤولية مشتركة من الجميع في تحقيق التئام هذه الأسرة واستقرارها؛ ولهذا تجد أن الآية الكريمة جاءت ببيان مشاركة كل طرف من الأطراف في الإصلاح.
فالله –عزَّ وجلَّ- ذكر قصة نوح مع ابنه ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾هود:42 ، وذكر قصة إبراهيم مع أبيه في محاورته وخطابه بالهداية ﴿يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾مريم:44 ، وما إلى ذلك من نصوص القرآن التي تبيِّن أن الاستقامة في الحياة الأسرية ليست مسؤولية طرف مع غياب الأطراف الأخرى، بل هي مسؤولية مشتركة.
من المهم أن ندرك أن الأسباب التي تفضي إلى التفكك الأسري عديدة في هذا الوقت، وإشارتك للوضع الاقتصادي –وفقك الله- هو وضع نقطة على قضية مهمة وهي ضرورة التوافق، والتفاهم في هذا الجانب الذي هو مصدر إشكاليات كثيرة في الحياة الإنسانية، المرأة التي تطمح إلى أن تكون في السماء من جهة المعيشة ينبغي ألَّا تقبل مَنْ تعرف أن دخله صغير، أو أنه استدان لأجل أن يتزوجها؛ لأن هذا لن يتحقق لها، لما جاءت فاطمةُ بنت قيس تسأل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن خُطَّابها وتشاوره في خطابها، قال في معاوية: «صعلوك لا مال له»[صحيح مسلم:ح1480/36]، هي تطمح في شيء، وهذا لا يحقق هذا الشيء الذي تريد، فنبهها إلى أن ما تؤمله في الزواج من هذا الرجل الذي تقدم لها لا يحقق لها الغاية؛ فلذلك ينبغي لكل من الأطراف حتى تكون الأسرة ملتئمة مجتمعة أن ينظر الرجل في المرأة، والمرأة في الرجل من حيث المواصفات، ويحقق الكفاءة التي تضمن إلى حد ما نوع من التوافق، والالتئام والاجتماع الحسن الذي يقي الأسرة التفكك.
هنا سبب أخر: الوضع الإعلامي بكل صوره الحديثة.
المذيع: نقطة مهمة يا شيخ خالد كان يذكرها الأخ جوري بما أننا أتينا إلى جانب الإعلام، إذا كان بالإمكان نأخذها مجملة، يعني يذكر عددًا من الأسباب، ويقول: من ضمنها غياب دور الأم والأب، وغير ذلك إضافة إلى مسألة الإعلام غير الهادف، وأنا أضيف أيضًا مسألة التقنية الحديثة، وثورة الاتصالات.
الشيخ: هو يا أخي الإشكالية ليست فقط في الإعلام غير الهادف، الأمر أبعد من ذلك، الإعلام المدمِّر الذي يبث الأفكار السيئة، الذي يشيع بين الناس كل المعاني الرديئة الذي يوهي صلة الرجل بالمرأة، ويوهي صلة الأب بأبنائه، ويوهي صلة الأبناء بآبائهم وأمهاتهم، لا شك أن هذا يعني أصبح من المؤثرات الرئيسية التي تؤثر على بناء الأسرة؛ ولذلك من الضروري، ومن المهم أن يعتني الجميع بهذا الجانب، فضلًا عن أنه قد أصبح اليوم الحقيقة جميع أفراد الأسرة اليوم كل منهم أصبح في عالم مستقل، مع هذا الانفتاح الإعلامي الذي انهمك فيه الناس بوسائل التواصل، بمشاهدة ما يريدون، بسماع ما يريدون حتى تجد أن المجموعة من أفراد الأسرة؛ أب، وأم، وأولاد، من ذكور وإناث في مجلس واحد وكل منهم في الحقيقة قد كوَّن مجتمعًا مستقلًّا، لا من حيث المتابعة، ولا من حيث السماع، ولا من حيث المشاهدة، ولا من حيث التأثير، وبالتالي كل هذا يتطلب جهدًا عظيمًا حتى نحقق السلامة من آثار هذه الوسائل القصيرة التي أصبحت حاضرة في حياتنا ومؤثرة.
المذيع: نستأذنك شيخ خالد في آخر اتصال معنا، الأخ: محمد بن مسعود، تفضل.
السائل: السلام عليكم، حياكم الله جميعًا، قال الله –عزَّ وجلَّ-: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ آل عمران: 159، والآية الأخرى قال الله –عزَّ وجلَّ-: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾آل عمران:134
أعتقد أن هذه الأشياء التي ذكرت في هاتين الآيتين لو طبقناها في بيوتنا لكل الأمور التفككية ذهبت، ولأصبحنا من المترابطين.
المذيع: شكرًا جزيلًا لك أخي محمد، تفضل شيخ خالد إذا كان هناك تعليق، أو أيضًا يكون في حديث عن أبرز هذه الحلول لما يتعلق بواقع التفكك الأسري.
الشيخ: نحن لم نأت على كل الأسباب، أتينا على بعض الأسباب التي يمكن أن ترجع إليها هذه الظاهرة، وأنا مثلما ذكرت هذه القضية، هي قضية ذات تأثير بالغ، وينبغي أن تُطرَح من زوايا متعددة، وتطرح آراء ورؤى مختلفة لتحقيق الوفاق الأسري، والسلامة من أثار التفكك الأسري الذي بقدر ما يتحقق في المجتمع بقدر ما تتعسر مسيرته، بقدر ما تنتشر فيه الجريمة، ينتشر فيه الخوف، تضعف فيه العلاقات بين الناس حتى يا أخي يضعف الانتماء إلى الوطن، يضعف الانتماء للمجتمع، كل هذا من آثار وأسباب ضعف الرباط الأسري، وشيوع التفكك في هذه اللبنات التي يتكوَّن منها المجتمع؛ لذلك من المهم أن نبحث في الأسباب، ومن خلال معرفة الأسباب يمكن أن نصل إلى النتائج، وإلى الحلول التي يمكن أن نتفادى بها مثل هذا الإشكال.
المذيع: شيخ خالد! هنا نقطة ذكرَتها إحدى المستمعات الكريمات، تقول: السلام عليكم ورحمة الله، جزاكم الله خيرًا، أنا أحب زوجي، ولكن لا أحب طبعه؛ لأن فيه شيئا من الكبرياء، دائما يخاف من الحسد والعين، ولا يرتاح لأحد مهما كانت طيبة هذا الإنسان، رغم أننا أسرة على قدر حالنا، على الراتب الشهري، وليست لدينا أملاك، وأنا أحب الناس وأتوكل على الله؛ لأني لا أعرف ما هي نياتهم.
الشيخ: على كل حال، لن يجد الإنسان شخصًا كاملًا من كل وجه، ووجود الحب بينك وبين زوجك هذا في الحقيقة منطلق إيجابي للمعالجة؛ لأن إذا أحبت المرأة الرجل، أو الرجل المرأة، فإنَّه سيصبر على خطوات العلاج «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ»[ سنن الترمذي:ح2499، وأحمد في مسنده:ح13049، وحسنه الألباني في المشكاة:ح2341]، أحيانًا قد يكون عنده جوانب إيجابية مشرقة، من أجلها أحببتيه، وعنده جوانب سلبية؛ هذه الجوانب السلبية تنقسم إلى قسمين: ما لا يمكن التعايش معه بالكلية؛ فهذا لا يمكن البقاء معه كأن يكون مثلًا شخصًا -يعني: ما أحب أن أدخل في أمثلة يمكن أن يراها بعض الناس تقبل حلًا- المهم إنه ما لا يمكن التعايش معه؛ فهنا لا بد من أخذ التدابير التي تعالج هذه الإشكالية، ولا تفاقمها، ما يمكن التعايش معه أنا أقول: هناك علاجان: علاج تلطيفي، وعلاج وقتي؛ لا بد أن يأخذ وقتًا للوصل إلى النتيجة، المهم لا بد أن تبذل الأسباب وبقدر ما تتملكين هذا الرجل، وتقتربين منه، والعكس كذلك الرجل مع المرأة يمكن التأثير الإيجابي، يمكن تلافي الإشكاليات، والاستعانة بمواقع الإرشاد الاجتماعي الأخلاقي، الأسري؛ كلها من الوسائل التي تحقق الغاية؛ ولذلك نقول: نحن نحتاج إلى إيجاد مراكز لمعالجة المشاكل الأسرية، ونقول: هذه من مسؤولية المجتمع عمومًا، الجمعيات الخيرية، وزارة تُعنَى بالشؤون الاجتماعية، وهناك الحقيقة جهود مبذولة مشكورة في هذا الجانب، لكن لكثرة الإشكاليات الحاصلة، نحن نحتاج إلى مضاعفة الجهود، ولزيادة العطاء في هذا الجانب سواء في الجانب الإرشادي، أو الجانب الإصلاحي في محاولة لمِّ الشمل، وإصلاح ذات البين ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾النساء:114 .
الله يجعلنا وإياكم منهم.
المذيع: شكر الله لكم، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونسأل الله –سبحانه وتعالى- أن يعمَّ بيوتنا بالاستقرار والطمأنينة، وبالترابط، نسأله –سبحانه وتعالى- أن يحفظ ويحمي هذا المجتمع من أي أسباب التفكك الأسري، وأن يديم عليه الخير والنعمة إنَّه ولي ذلك والقادر عليه، شكر الله لكم فضيلة الشيخ على ما تفضلتم في هذا اللقاء.
الشيخ: بارك الله فيكم، وأسأل الله لي ولكم التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: شكرًا لفضيلة الشيخ الدكتور: خالد بن عبد الله المصلح؛ المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم.