بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا وسهلًا بكم مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، يصحبكم في إعدادها وتقديمها محدثكم/ عبد الله الداني، وينفِّذها على الهواء لكم الزميل/ مصطفى الصحفي.
يسرني في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام أن أرحب بضيفي وضيفكم الدائم في هذا البرنامج فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح عضو الإفتاء في منطقة القصيم، وأستاذ الفقه بكلية الشريعة في جامعة القصيم، سلام عليكم ورحمة الله، حيَّاكم الله يا شيخ خالد.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حيَّاكم الله، ومرحبًا بكم، وأسأل الله أن يجعله لقاءً نافعًا مباركًا.
المذيع: اللهم آمين.
مرحبًا بفضيلة الشيخ، ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام في بداية هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة"، حديثنا –بإذن الله تعالى- عن "خصائص شهر رجب"، يمكنكم التواصل بالاتصال على الرقم 0126477117، والرقم الآخر 0126493028، والرسائل النصية أيضًا عبر الواتساب على الرقم 0500422121، شاركونا أيضًا عبر هاشتاج البرنامج الدين والحياة، وكذلك أيضًا يمكنكم الاستماع إلينا ومتابعتنا في هذه الحلقة بواسطة البث المباشر على قناة إذاعة نداء الإسلام على اليوتيوب، وكذلك أيضًا عبر حساب الشيخ على تويتر، وكذلك أيضًا عبر حساب الشيخ خالد المصلح على البيريسكوب، يمكنكم أن تستمعوا إلينا أيضًا كذلك مستمعينا الكرام عبر التطبيق المخصص للإذاعات والقنوات التليفزيونية في تطبيق "اسمع وشاهد" الذي يُتاح عبر الهواتف الذكية المحمولة.
إذًا مستمعينا الكرام حديثنا –بإذن الله تعالى- في هذه الحلقة عن "خصائص شهر رجب"، هذا الشهر الذي يُقصد بمعناه وهو ما جاء من الرجوب بمعنى التعظيم، وهو من الأشهر الحُرم، حدثت فيه معجزة الإسراء والمعراج، هذا يُذكِّرنا أيضًا بحديث النبي –صلى الله عليه وسلم- عندما قال في حديثٍ مشهور: «ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حُرُم، ثلاثةٌ متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضَر الذي بين جمادى وشعبان»[صحيح البخاري:ح3197]، هذا أول الأشهر التي هي مُحرَّمة، حرَّمها الله –سبحانه وتعالى- بنص القرآن الكريم عندما قال –سبحانه وتعالى-: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ التوبة:36 .
هذا هو موضوعنا مستمعينا الكرام، وستكون –إن شاء الله- محاورنا مختلفة ومتعددة تحت هذا الموضوع، نسعد بمتابعتكم ومشاركتكم لنا من خلال هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة".
شيخ خالد، عندما نتحدث عن خصائص شهر رجب، في البداية إذا كان هناك من توضيح فيما يتعلق بشهر رجب.
لعل البعض أحيانًا قد يتخيل إليه أو يُخيَّل إلى بعض الناس أن هناك فضائل لهذا الشهر، وربما هذه فرصة إلى أن ندخل في تصحيح بعض الأفكار المغلوطة عن هذا الشهر وما فيه.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد،
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك يا أخ عبد الله، وحيَّا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله أن يجعله لقاءً نافعًا ومباركًا.
بادئ ذي بدءٍ نحتاج إلى الحديث عن مقدمة حول ما يتعلق باصطفاء الله –تعالى- واختياره شيئًا من خلقه بنوعٍ من الاختصاص ونوعٍ من الاصطفاء.
الله –جلَّ وعلا- أخبر في كتابه بأنه –جلَّ في علاه- يخلق ما يشاء، فهو –سبحانه وبحمده- له الخلقُ والأمر، له الملك –جلَّ في علاه-، يهب من يشاء ويمنع من يشاء، وقد قال –سبحانه وبحمده-: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ القصص:68 ، أي: لم تكن الخِيَرةُ للخلقِ فيما يتعلق بما يصطفيه الله ويختاره، يقول –جلَّ في علاه-: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ القصص:68 ، فالاختيار كله لله –جلَّ وعلا- في كل شأنٍ من الشئون، وفي كل أمرٍ من الأمور، وفي كل قضاءٍ من الأقضية، لا مُعقِّب لحكمه ولا رادَّ لقضائه –سبحانه وبحمده-؛ ولهذا يستحضر المؤمن أنّ الله –عز وجل- هو الذي يهب من يشاء ما يختص به، فليس ما يتعلق بالخصائص للأزمان أو الأماكن أو الأشخاص أو الأحوال أو الأعمال، ليس أمرًا يقترحه الناس ويبتكروه أو يبتدعوه، بل هو وفق ما كان من اصطفاء الله –تعالى- واختياره، ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ القصص:68 ، فليست الخِيَرة للناس ولا للخلق في شأن من الشئون، أي: ليس لهم الاختيار الذي لم يُمنحوه، أما ما مُنحوه من الاختيار فالله –تعالى- قال: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ البلد:10 ، ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ الإنسان:3 .
فالناس لهم الاختيار فيما وهب الله –تعالى- لهم الاختيار، لكن فيما يتعلق بالاصطفاء والاختصاص والفضائل هذه لا يمكن أن يكون للناس فيها اختيار، بل هي إلى الله –جلَّ وعلا-؛ لأنها لا تكون إلا عن تمام علمٍ وكمال خبرةٍ ونفاذ أمرٍ وقدرة؛ فلذلك يقول ربك –جلَّ في علاه-: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ القصص:68 ، وقد اصطفى الله –تعالى- من خلقه أشياء: اصطفى زمانًا، اصطفى مكانًا، اصطفى أشخاصًا، اصطفى من الإنس، اصطفى من الملائكة كما قال –تعالى-: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ الحج:75 ، فالاصطفاء والاختيار فعله –جلَّ في علاه- فيما شاء، وربك –جلَّ في علاه- أعلم بمن اهتدى، وهو أعلم بالمتقين –سبحانه وبحمده-، ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ الأنعام:124 ، وهذه الاصطفاءات يكمن فيها من الحكمة والرحمة وتمام العلم ما يتبين لأولي الأبصار وأولي العقول والفكر.
الله –عز وجل- خلق الزمان، وأخبر –جلَّ في علاه- عن عدته في كتابه، فقال –جلَّ وعلا-: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ التوبة:36 ، أي: في قضائه وحكمه الذي حكم به وقضى به –جلَّ في علاه-، ﴿يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ التوبة:36 ، فهذه العدة لهذه الأشهر التي يتفق عليها البشرية هي من صنع الله –عز وجل-؛ ولذلك لا تختلف الأشهر باختلاف الأديان واختلاف الأزمان، ما تزيد على اثني عشر شهرًا، وكذلك الأيام ما تزيد على سبعة أيام، مما يدل على ما أخبر الله –تعالى- به من أنّه حكم وقضى بهذا الحكم القدريِّ الكوني الذي جرى عليه الخلق، ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ التوبة:36 ، أي: هذا هو العمل المستقيم، ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ التوبة:36 ، ثم بعد ذلك قال: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ التوبة:36 .
هذه الأربع من الاثني عشر شهرًا الله –تعالى- اصطفاها واختارها، وخصَّها بخصائص أن جعلها مُحرَّمة، ولا يعني هذا أنّ هذا التحريم لا تتميز به هذه الأشهر عن بقية شهور الزمان، ولا يعني ألا يكون لغير هذه الأشهر من الخصائص ما ليس لها، فمثلًا: مُحرَّم فيه عدد من الخصائص تزيد على كونه شهرًا حرامًا؛ فأفضل الصيام بعد صيام رمضان صوم شهر الله المُحرَّم، لكن هذا لا يأتي في ذي القعدة، ولا يأتي في ذي الحجة، ولا يأتي في رجب.
المقصود أنّ... رمضان على سبيل المثال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ البقرة:185، فخصَّه الله بإنزال هذا النور المبين، وهذه ليست في الأشهر الحُرم.
فالمقصود أنّ هذه الأشهر خصَّها الله بأنها حُرم، ومعنى أنها حُرم: أي أنّ لها حُرمةً، وأنّ لها منزلةً، وأنّ لها تعظيمًا يجب أن يعيه الناس وأن يوفوه حقه.
هذه الأشهر الحُرم أربعة بيَّنها رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيما ثبت عنه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الصحيحين في حديث أبي بكر –رضي الله تعالى عنه-: قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا»، هذا البيان النبوي بيَّن فيه –صلى الله عليه وسلم- عدة الأشهر، وأنها عادت في ذلك الزمان تلك السنة في حجة الوداع إلى ما كانت عليه يوم خلق الله السماوات والأرض من اتساق الأشهر؛ لأنه حصل تلاعب في الأشهر من الجاهليين بتقديم شهر على شهر، وتأخير شهر عن شهر، عاد انتظام الأشهر في السنة الأخيرة من حياته –صلى الله عليه وسلم- إلى النحو الذي كانت عليه يوم خلق السماوات والأرض «السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حُرُم»، ثم بيَّن النبي –صلى الله عليه وسلم- هذه الأربعة لبيان اختصاصها بالتحريم، «ثلاثةٌ متواليات: ذو القعدة»، وهو الشهر الحادي عشر من الأشهر الهجرية، «وذو الحجة»، وهو آخر شهر من أشهر السنة الهجرية، «والمحرَّم»، وهو الشهر الأول من أشهر السنة الهجرية، ثلاثة أشهر متواليات هذه من الأشهر الأربعة الحرم. ثم قال: «ورجب مُضَر الذي بين جُمادى وشعبان»[سبق]، وإنما خصَّه بالذكر وميَّزه بمزيد بيان لانفراده حتى يتميز عن غيره من الأشهر؛ لأنه شهر منفرد.
فتلك الأشهر الثلاثة المُحرَّمة فرد، ورجب شهرٌ فرد ليس له شريك في التحريم مما قبله ولا مما بعده، فقبله جمادى وهو شهرٌ حلال وشعبان وهو شهرٌ حلال.
خصَّ الله هذا الشهر بعدد من الخصائص، أبرز خصائصه: تحريمه، فإن الله –تعالى- حرَّم هذا الشهر كما بيَّن ذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في قوله: «ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان»، وإنما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «رجب مُضَر» لأجل أن يميَّز هذا الشهر عن رجب ربيعة، وهما قبيلتان من قبائل العرب، كانت ربيعة تجعل التحريم في شهر رمضان، ورجب اسمٌ لما يُعظَّم؛ ولذلك هذا الاسم يُستفاد منه معنى التعظيم من اسمه؛ لأن رجب في اللغة مأخوذ من رجبَ الرجل رجبًا أي إذا هابه وعظَّمه، فهذا الشهر سمِّي بهذا الاسم لتوارُثِ تعظيمه عبر الأجيال والقرون، فسمَّوه بهذا الاسم تعظيمًا له بتحريمه، والحفاظ على حرمته من القتال، وغير ذلك مما يُعظَّم به هذا الشهر.
إذًا «رجب مُضَر» لتمييز هذا الشهر عن رجب ربيعة وهو رمضان؛ ولذلك زاد النبي –صلى الله عليه وسلم- في التوضيح والبيان فقال: «الذي بين جمادى وشعبان»؛ ليقطع الطريق على الالتباس بأن يكون المقصود برجب رجب ربيعة الذي هو شهر رمضان، فشهر رمضان ليس من الأشهر الحُرم.
إذًا هذه الخاصية الأولى من خصائص هذا الشهر أنه شهرٌ حرام، ومقتضى هذا التحريم أن يُصان هذا الشهر عن ظلم النفس فيه؛ فإن الله –تعالى- قال في محكم كتابه: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ التوبة:36 ، وقوله –جلَّ وعلا-: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ التوبة:36 إما أن يكون عائدًا إلى كل الزمان وهي الاثنا عشر شهرًا، وهذا معنًى صحيح؛ فإن الظلم منهيٌ عنه في كل الزمان، وإما أن يكون المقصود تأكيد تحريم هذه الأشهر على غيرها، فقال –جلَّ وعلا-: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ التوبة:36 ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ﴾ التوبة:36 يعني في هذه الأشهر الحُرم ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾ التوبة:36 ؛ وذلك لما خصَّها الله –تعالى- به من مزيد عناية، فالمحرمات على سبيل المثال: الزنا، السرقة، أكل المال بالباطل، وما إلى ذلك، هي محرمة في كل الزمان، لكن يعظُم تحريمها في هذه الأشهر لأجل أن الله –تعالى- خصَّها بالذكر في قوله –جلَّ وعلا-: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ التوبة:36 ، فينبغي أن يحافظ الإنسان على نفسه في هذه الأشهر بأن يتخفف من الذنوب والسيئات، ولا يفعل ذلك إلا من عظَّم ما عظَّمه الله –عز وجل-، فإن تعظيم ما عظَّمه الله –عز وجل- هو فرعٌ عن تعظيمه، وبه يدرك الإنسان الخير العظيم والفضل الكبير والسبق البيِّن، قال الله –تعالى-: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحج:32 ، فهي دليل على التقوى وصلاح القلب واستقامته، وقد قال الله –جلَّ وعلا-: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ الحج:30 ، خيرٌ له في العاجل، وخيرٌ له في الآجل.
فمما يختص به هذا الشهر الذي نحن اليوم في أول أيامه، وهو الشهر السابع من أشهر السنة الهجرية: أن يحافظ الإنسان فيه على نفسه في التخفف من السيئات والذنوب، والعجيب أنّ هذا المعنى مع كونه دلَّ عليه القرآن في قوله –جلَّ وعلا-: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ التوبة:36 ، وتواردت عليه كلمات أهل العلم في تنبيهاتهم، إلا أنّ كثيرًا من الناس يجعل هذا الشهر كغيره من حيث صيانة النفس وتوقِّي السيئات والبعد عن المحرمات، فلا يميز بين رجب ولا جمادى ولا شعبان ولا رمضان ولا غيره، بل هو كسائر الأشهر لا يكفُّ فيه نفسه عن إساءة ولا عن غلط، بل بعضهم يُحدث فيه من أنواع الإحداثات والبدع والمخالفة لهدي النبي –صلى الله عليه وسلم- ما هو من انتهاك حرمة هذا الشهر؛ لأن انتهاك الحرمة -حرمة هذا الشهر- يكون بالشرك، يكون بالبدعة، يكون بالنفاق، يكون بسائر المعاصي والسيئات والذنوب.
إذًا أبرز ما في هذا الشهر، وأصح ما في هذا الشهر من خصائص أنه شهرٌ مُحرَّم، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم.
الثاني: أنه ينبغي حفظ النفس فيه عن الخطأ والذنب والمخالفة تعظيمًا لشعائر الله –عز وجل.
هل هذا الشهر له خصائص فيما يتعلق بزيادة صيام، تخصيص قيام، تخصيص هذا الشهر بعملٍ صالح غير سائر الأشهر؟
الجواب على هذا يمكن أن يُستفاد من كلام ابن حجر –رحمه الله-، وابن حجر العسقلاني الشافعي قاضي قضاة مصر في القرن التاسع الهجري كتب كتابًا نفيسًا جمع فيه فضائل ما يتعلق بشهر رجب، يعني جمع كل ما جاء من الأحاديث التي فيها ذكرُ فضائل هذا الشهر وما فيه من خصائص.
انتهى –رحمه الله- في كتابه، انتهى –رحمه الله- إلى نتيجة وهي أنه لم يثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في فضائل هذا الشهر حديثٌ صحيح من حيث فضل صيامه، أو من حيث فضل قيامه، أو من حيث فضل تخصيصه بعمل معين، عبارته بوضوح في نهاية المطاف بعد أن طوَّف بين الآثار والأحاديث الواردة قال: "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيءٍ منه، ولا في قيام ليلةٍ مخصوصةٍ فيه حديثٌ صحيحٌ يصلح للحجة"[تبيين العجب:ص119]، فلم يرد فيه شيءٌ من الخصائص المتعلقة بعظيم الأجر في صيامه، أو عظيم الأجر في قيامه، أو ما إلى ذلك مما يتصل بالأعمال الصالحة فيه.
بعد هذه المقدمة التي تبيَّن فيها باختصار أنّ رجب من أشهر الله التي اصطفاها واختارها بالتعظيم، وأنّ فضائله في تحريمه واعتقاد حرمته، وتحريمه يقتضي منع بدء الاقتتال فيه، وكذلك يقتضي أن يصون الإنسان نفسه عن السيئات والخطايا، ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ التوبة:36 .
ثمة قائمة من الأعمال والأمور التي انتشرت بين الناس مما تتعلق بهذا الشهر، نمر عليها بنوعٍ من الاختصار استعراضًا لما شاع في أذهان بعض الناس حول هذا الشهر المُحرَّم شهر رجب، أسأل الله أن يرزقنا وإياكم تعظيم شعائره.
المذيع: بارك الله فيكم.
لعلنا –إن شاء الله- نستعرض هذه الأغلوطات أو هذه الأفكار الخاطئة عن شهر رجب بعد أن نأخذ هذا الفاصل الذي نستأذنكم فيه شيخ خالد، ونعود أيضًا كذلك للاستماع إلى أسئلة ومشاركات المستمعين الكرام.
إذًا مستمعينا الكرام فاصل قصير نعود بعده لمواصلة برنامجكم "الدين والحياة" وحديثنا عن "خصائص شهر رجب"، فتفضلوا بالبقاء معنا.
عدنا من جديد مستمعينا الكرام إلى برنامجكم "الدين والحياة"، هذا البرنامج الأسبوعي الذي يأتيكم عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، وأيضًا ضيفنا الدائم الذي يصحبنا في هذه الحلقة هو فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المُصلح.
موضوعنا اليوم كما نوَّهنا عنه في بداية هذا اللقاء عن "خصائص شهر رجب"، وأرقام التواصل الرقم 0126477117، ورقم الواتساب 0500422121.
الاتصال الأول معنا من عبد العزيز الشريف، حيَّاك الله يا عبد العزيز.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حيَّاك الله.
المتصل: حيَّاكم الله يا أستاذ عبد الله، كيف حالك؟
المذيع: بخير، الله يحفظك.
المتصل: شكر الله لك هذا البرنامج الطيب، وبارك الله فيك.
المذيع: اللهم آمين، وإياك، حيَّاك الله، يا هلا.
المتصل: نُحيِّك ونُحيِّ فضيلة الشيخ.
بالنسبة لشهر رجب، شهر رجب هذا من الأشهر الحُرم، والأشهر الحُرم بيَّن الله فضلها وثوابها، الآن صيام شهر رجب هل فيه محظور شرعي كونه من الأشهر الحُرم حيث أنّ هناك من السلف من كان يصوم هذه الأشهر: رجب، والمُحرم، وذو القعدة، وذو الحجة، ومنهم من يسرد رجب وشعبان ورمضان، فهل لهذا أصل في الشريعة؟
الأمر الثاني: لماذا كثُرت الأحاديث عن شهر رجب؟ لماذا بالذات هذا الشهر؟ نجد هناك العتيرة، ونجد هناك صلاة الرغائب وغيرها مربوطة بشهر رجب، هل لهذه مزية وأنّ لهذا الشهر مزية أخرى؟ وهل لارتباط الإسراء والمعراج في هذا الشهر له أصل؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: شكرًا لك أخي عبد العزيز.
الاتصال الثاني من أم عائشة، تفضلي يا أم عائشة.
المتصلة: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصلة: يا شيخ، ما هو أفضل شيء نفعله في شهر رجب لو سمحت؟
المذيع: طيب في سؤال ثاني؟
المتصلة: لا.
المذيع: شكرًا لكِ أم عائشة.
شيخ خالد، ربما الأسئلة في نفس السياق الذي كنتم تودون الحديث عنه ونوَّهتم عنه بشكلٍ... يعني بإلماحة قبل الفاصل، وهو يعني ما يدور على ألسنة الناس ويدور في مجالس الناس فيما يتعلق بأنّ هناك فضائل لشهر رجب، فهل هذا الشيء صحيح سواءً فيما يتعلق بتخصيصه بصيامٍ، أو بعمرة، أو بأي عملٍ من الأعمال الصالحة؟ لأن البعض ربما يربط أيضًا مسألة الإسراء والمعراج بهذا الشهر، فيتناقلون هذه الأحاديث التي تكون في كثيرٍ منها –كما تفضلتم- مكذوبة وموضوعة عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، تفضل يا شيخ.
الشيخ: هو –أخي الكريم- فضائل الشهر يعني باختصار كما جاء في المقدمة فضائل الشهر ليست متعلقة بما يختاره الناس، إنما فضائل الشهر بما ثبت في النص؛ لأن الفضائل ما هي بمحل اقتراح يقترح الإنسان فيها ما يشاء وما يختار، إنما الفضائل تُرجع فيها إلى الأخبار، هذه القضية لا بد أن تكون واضحة، وقد نبَّهت إليها في حديثي الأول، وبالتالي كل من يقول في عمل من الأعمال إنه محل فضل في هذه الأشهر، في شهر رجب، لا بد أن يقيم على ذلك دليلًا، والدليل هو ما دلَّ عليه الكتاب والسنة، فالفضائل تُستفاد مما جاء في الكتاب والسنة وأجمع عليه علماء الأمة، ما عدا هذا ينبغي أن يتوقف فيه الإنسان، وألا يُثبت فضيلةً بغير بينةٍ ولا برهان، هذه قضية تأصيلية تتعلق بالفضائل في هذا الشهر وفي غيره.
فيما يتصل بالصيام، تقدَّم أنه ليس ثمة دليل يدل على فضيلة صيام هذا الشهر، ولكن هذا لا يعني أنه لا يجوز صيامه، لكن الكلام على أنّ هذا الشهر لم تثبت فيه أحاديث في بيان فضله وأجره وما يتعلق بفضيلة العمل فيه، وكونه من الأشهر الحُرم هذا لا يدل على أنه مما يُخصُّ بالصيام؛ لأن الأشهر الحُرم لها أحكام، وليس من أحكامها الصيام، وقد جاء في شهر مُحرَّم ما بيَّن النبي –صلى الله عليه وسلم- فيه فضله.
أمّا ما يتصل بصيام الأشهر الحُرم، وهو الذي أشار إليه الأخ أنه ورد الترغيب في صيام الأشهر الحُرم ورجب منها بالاتفاق، وبالتالي ورد في فضل صيام رجب يعني يدل على فضيلة صيام رجب، الكلام أنه لم يثبُت في فضيلة هذا الشهر على وجه الخصوص، أمّا ما يتعلق بصيام الأشهر على وجه العموم –الأشهر الحُرم- فقد جاء فيه جملة من الأحاديث، منها حديث الباهلي: أنّ النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «صُم من الحُرم واترك»[سنن أبي داود:ح2428، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود:ح419]، والحديث رواه أحمد وأبو داود، ولفظ أحمد: «صُم من الحُرم وأَفْطِر»[مسند أحمد:ح30323]، لكن ليس في ذلك حديثٌ بيِّنٌ صحيح.
وقد جاء في النسائي والمسند ما قد يدل على أنّ رجب مما كان فيه عملٌ بالصيام حديث أسامة: قلت: يا رسول الله، لم أركَ تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم في شعبان، قال: «ذاك شهرٌ يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ ترفع فيه الأعمال..»[مسند أحمد (21753)، وقال محققو المسند: إسناده حسن] إلى آخره، الحديث في إسناده مقال من حيث كون شعبان محل رفع الأعمال، لكن استدلوا به من جهة أنه قال: «يغفل الناس عنه»، غفلة الناس عنه ليس لعدم الصيام فيه؛ لكن لأن شهر رجب مُحرَّم يكف الناس فيه أنفسهم عن الخطأ والمعصية، وشهر رمضان شهر مبارك يجتهد الناس فيه بأنواع الطاعات، ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- هذا الوصف لشهر شعبان: «ذاك شهر يغفل الناس عنه»، ثم قال –صلى الله عليه وسلم- ما قال فيما يتعلق بشهر شعبان.
المقصود: أنّ مجيء الفضيلة في صيام الأشهر الحُرم لا شك أن رجب منها، فما ذكره الفقهاء من استحباب صيام الأشهر الحُرم هذا جاء به ما تقدَّم من حديث ذكرته، لكن هذا ليس خاصًّا برجب، والكلام عن هل لرجب خاصية في الصيام أو لا؟ الجواب: ليس له خاصية كما تقدم، أمّا كونه شهر من الأشهر الحُرم فهذا هو وسائر الأشهر مما يستوي فيه الندب في قوله: «صُم من الحُرم واترك»، وفي لفظ الإمام أحمد: «صُم الحُرم وأفطر».[سبق]
المذيع: جميل.
الشيخ: هذا ما يتعلق بالصيام، فيما يتعلق بما خُصَّ بهذا الشهر، يعني هناك عدد من الأعمال والأحوال قيل: إنها من خصائص هذا الشهر، ويجعلها بعضهم من فضائله، على سبيل المثال: ما ذكره بعض الناس من أنّ هذا الشهر هو شهر الإسراء والمعراج، هذا قال به بعض أهل العلم: إنه قد وقع في شهر رجب الإسراء بالنبي –صلى الله عليه وسلم-، وهو من أفضل ما جرى له في معراجه –صلى الله عليه وسلم-، وهو من آيات الله العظمى، وأنّ ذلك كان في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، لكن هذا ليس له مستندٌ صحيح، يقول ابن رجب –رحمه الله- ورُوي بإسنادٍ لا يصح عن القاسم بن محمد: "أنّ الإسراء بالنبي –صلى الله عليه وسلم- كان في سابع وعشرين من رجب"، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره.[لطائف المعارف:ص95].
وقد قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله-:" كان هؤلاء كلهم من الكبراء من أهل الاختصاص في نقد الروايات وحفظها، فابن حجر يقول: "ذلك القول عن بعض القُصاص"، يعني ليس له أصلٌ يُستند إليه أنّ الإسراء كان في هذه الليلة، وبالتالي ما يفعله بعض الناس من تخصيص ليلة السابع والعشرين بالقيام أو بالاحتفال وإظهار السرور ليس له أصل، بل هو من المُحدثات والبدع، وقد نصَّ على ذلك جماعة من أهل العلم قديمًا وحديثًا، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: "وأمّا اتخاذ مواسم غير المواسم الشرعية؛ كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يُقال أنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب ونحو ذلك، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها، والله تعالى أعلم"[الفتاوى الكبرى4/414]. وقال ابن النَّحاس: "وكل ذلك –يعني الاحتفال بالإسراء والمعراج- بدعٌ عظيمةٌ في الدين ومُحدثات أحدثها إخوان الشياطين مع ما في ذلك من الإسرافِ في الوقيد والتبذير وإضاعة المال"[تنبيه الغافلين:ص380]، وعلى هذا تواطأت كلمات أهل العلم، على سبيل المثال: من علماء مصر: الأئمة الأعلام الشيخ محمد رشيد رضا يقول عن الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، قال: "لا شك في أنّ ما ذكرتم من البدع، وأنّه ليس من شعائر الإسلام في شيء، أما محوه وإبطاله فيُراعي فيه الحكمة والموعظة الحسنة واتقاء الشقاق والتفريق بين المسلمين".
فالمقصود أنّه ليس ثمة خاصية لهذا الشهر بكونه شهر الإسراء والمعراج، بل هو شهرٌ كسائر الشهور، ولو ثبت، لو قدَّرنا أنه ثبت مع أنه ما في أصل لهذه القصة، فإنه لا يستوجب هذا تخصيص رجب بشيءٍ من الفضائل أو شيءٍ من الاحتفالات أو نحو ذلك.
مما يتعلق برجب ما يكون في أوله من صلاة تسمى صلاة الرغائب، وهذه الصلاة أحدثها بعض الناس، وأوردوا فيها حديثًا موضوعًا لا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، هو مكذوب على النبي –صلى الله عليه وسلم-، زعموا فيه: "أنه ما من أحدٍ يصوم يوم الخميس –أول خميس من رجب، يعني الخميس القادم- ثم يصلي في ما بين العشاء والعتمة -يعني ما بين العشاء وآخر الليل- اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة بالفاتحة مرة و﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ القدر:1 ثلاثًا...[الموضوعات لابن الجوزي:2/124] إلى آخر ما جاء في صفتها من قراءةٍ وتسبيح، هذه بدعة قبيحة كما يقول النووي –رحمه الله-، صلاة الرغائب التي تكون في أول ليلة جمعة من ليالي رجب يقول عنها الإمام النووي وهو من مذهب الشافعي: "هي بدعةٌ قبيحةٌ مُنكرةٌ أشد الإنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والإعراض عنها وإنكارها على فاعلها"، وهكذا قال غيره من أهل العلم.
فيما يتعلق بتخصيص رجب بما يُعرف بالعتيرة، وهي ذبيحة تُذبح في هذا الشهر، ويزعمون أنها من مواطن التقرب إلى الله –تعالى-، ذبيحة كانت تُذبح في العشر الأول من رجب وهي كانت في الجاهلية، جاء الإسلام فأبطلها؛ ولذلك المحققون من أهل العلم على أنّ كل ما ورد مما يتصل بالذبيحة التي تكون في رجب مما نفاه النبي –صلى الله عليه وسلم- ونهى عنه، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-: أنّ النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا فَرَعَ ولا عَتِيْرَةَ»[صحيح البخاري:ح5473]، والفَرَع هو ما يُتقرب به من ذبح أول نتاج الدابة، فالفرع أول النتاج كان يُنتج لهم فيذبحونه، يعني لمّا تلد الماعز الشاة أو يلد البعير أو البقرة، أول مولود يُذبح تقربًا هذا اسمه الفرع، «لا فرعَ ولا عَتِيرة»، والعتيرة هي ما كان يُذبح في أول رجب ويسمونها الرَجَبِيَّة، اتفق العلماء على أنها مما يُسمى بالعتيرة، وثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- النهي عنها ونفيها في قوله –صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة: «لا فرعَ ولا عتيرة».
فإذًا لا يُخصُّ رجب بشيءٍ من الذبائح لعدم الدليل على ذلك.
أيضًا مما يتعلق بتخصيص بعض الناس رجب بشيءٍ من الأعمال الصالحة العمرة في رجب، يحرص بعض الناس على تخصيص رجب بالعمرة، وقد يستدل بعضهم بما جاء في البخاري من حديث ابن عمر –رضي الله تعالى عنه- حيث قال: "إن النبي –صلى الله عليه وسلم- اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب"، لكنّ هذا الحديث ليس بالصحيح، قالت عائشة –رضي الله تعالى عنها-: «يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرةً –يعني النبي صلى الله عليه وسلم- ما اعتمر عمرةً إلا وهو شاهد، وما اعتمر في رجبٍ قط»[صحيح البخاري:ح1776]، لم يعتمر النبي –صلى الله عليه وسلم- في رجب مطلقًا، فلم يثبت في فضيلة العمرة في رجب حديث لا من حيث فعله، ولا من حيث الندب إليه من قوله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
هذه بعض الأمور التي يُنبَّه إليها، بعض الناس أيضًا يخص رجب بالزكاة، وهذا أيضًا لا أصل له، فالزكاة إنما تكون وقت وجوب الزكاة كما قال الله –تعالى-: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ الأنعام:141 .
المذيع: جميل، أحسن الله إليكم.
نتواصل معكم مستمعينا الكرام ومع فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المُصلح في هذه الحلقة وموضوعها عن "خصائص شهر رجب"، أرقام التواصل 0126477117، والرقم الآخر 0126493028، ورقم الواتساب 0500422121.
لدينا اتصال من محمد بن مسعود، تفضل أخي محمد.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: زادكم الله من فضله.
المذيع: وإياك، حيَّاك الله.
المتصل: بسم الله، والحمد لله، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.
جاء عن حبر الأمة وترجمان القرآن أنه قال: "﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ التوبة:36 في كلهن، ثم اختصَّ من ذلك أربع أشهرٍ فجعلهن حرامًا وعظَّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم"[تفسير الطبري:14/238]، أمّا الحديث الذي لعله ذُكر: «صُم من الحُرم واترك» قال في إسناده ابن حجر قال: "في إسناده من لا يُعرف".
أمّا النقطة المهمة –كما ذكر الشيخ- يعني البدع والخرافات لا تجوز في أي شهر، حتى في رمضان لا تجوز، وهناك أقوال أخرى في فضل شهر رجب، قال أبو بكر الورَّاق البلخي: "شهر رجب شهر الزرع، وشعبان شهر سقي الزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع"، وأيضًا قال: "مثل شهر رجب مثل الريح، ومثل شهر شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان كالمطر، فمن لم يزرع في رجب ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟!"، وأخيرًا قال بعضهم: "السنة مثل الشجرة، وشهر رجب أيام توريقها، وشعبان أيام تفريعها، ورمضان أيام قطفه"[لطائف المعارف لابن رجب:ص121]، هذا ما ورد في فضائل رجب، وأخيرًا أقول: لعله شهر رجب مدخل أن نستعد لرمضان من الآن.
شكر الله لكم، وبارك الله فيكم.
المذيع: شكر الله لك أخي محمد.
إذا كان هناك من تعليق شيخ خالد؟
الشيخ: مثل ما ذكر ينبغي أن نعتني بأن نضبط الفضائل بالنصوص، أمّا قال فلان، وقال فلان، ونقل فلان هذا بحر لا ساحل له، والمرجع في إثبات فضيلة عمل أو فضيلة شيء من الأشياء دينيًّا هو النص من الكتاب ومن السنة وما أجمع عليه علماء الأمة، ما عدا هذا ينبغي ألا يُلتفت إليه، لا من الأقوال ولا من الأعمال، إنما الفضيلة لا بد فيها من نص، لمّا تقول مثلًا: بر الوالدين في رجب له أجر، فيه أجر عظيم، طيب يا أخي من أين هذا الكلام؟ هل في دليل؟ بر الوالدين فضيلة وعمل صالح ومن أفضل الأعمال، كل هذا معروف، لكن كونك تقول: إنه في رجب فيه خاصية، مزيد أجر على هذا العمل المعين، هنا لا بد أن تأتي بدليل.
المذيع: جميل.
لكن لماذا –يا شيخ خالد- تكثُر هذه الأكاذيب وتُنسب إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- خاصةً في شهر رجب؟ يعني ربما هو هذا الشهر من أكثر الأشهر مما أُلصق فيها بالنبي –صلى الله عليه وسلم- أحاديث هي مكذوبة، وذُكرت وقيلت على أنها خُصَّ بها هذا الشهر –شهر رجب؟
الشيخ: هو –يا أخي الكريم- شهر رجب السبب في كثرة ورود كلمات أو أقاويل في فضائله وفضائل بعض أعماله أنه شهر مُعظَّم، من اسمه هو شهرٌ ذو عظمةٍ وهيبة، وهذا الشيء قديم من قبل الإسلام، ما جاء الإسلام بتقليل تعظيم هذا الشهر، لكنّه جاء ببيان أوجه التعظيم وما يكون به تعظيم هذه الشعائر؛ لأن تعظيم ما عظَّمه الله ليس إلى آراء الناس وعقولهم وآرائهم، بل يُرجع فيه إلى ما دلَّ عليه الكتابُ والسنة.
المذيع: ولا يعني حسن النية –يا شيخ- أن يكون العمل سائغًا وإن كان صالحًا بأن يخص الإنسان أو يخرج عن السنة ويخص هذا الشهر بأعمالٍ صالحة ويقول: إن نيتي سليمة وغير ذلك.
الشيخ: لا، هو على كل حال النية الصالحة لا تُصحح العمل، يعني العمل مطلوب فيه أمران:
- أن يكون لله خالصًا، وهذا يتعلق بالنية.
- وأن يكون على وفق السنة قائمًا، وهذا يتعلق بالظاهر وعمل الجوارح.
كون الإنسان يُصوِّب عمل الجوارح لصلاح النية هذا غلط، وإلا كان كل من فعل فعلًا على خلاف الشريعة ونيته صالحة كان عمله صحيح.
الرجل الذي دخل والنبي –صلى الله عليه وسلم- جالس، ثم جاء فصلَّى الرجل ركعتين، ثم جاء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فسلَّم عليه فرد عليه السلام، ثم قال له: «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ»[صحيح البخاري:ح757]، ما تكلم النبي عن نيته وأنه هذا ما قصد إلا خيرًا ولا صلَّى إلا يطلب ما عند الله، وبالتالي عمله صحيح، لا، قال: «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ»، وقال –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ»[صحيح البخاري:ح2697]، وهذا يدل على ضرورة العناية بأن يكون العمل وفق هدي النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فلا يكفي حسن النية، حسن النية يُنظر إليه من جهة أنه لا يُثرَّب على صاحبه حتى يُعلَّم، لكن لا يُصوِّب العمل، هذه قضية لا بد أن يُنتبه إليها: أن سوء النية يُفسد العمل، وحسن النية لا يصلحه، لكن ينبغي أن يكون مُنبِّهًا لإتقان العمل حتى يكون مقبولًا.
المذيع: إذا كان هناك فرصة –يا شيخ- تتفضلون بما تودون أن تختموا به هذه الحلقة إضافةً إلى مسألة ما يتعلق بتعظيم الأشهر الحُرم، ومنها هذا الشهر.
إذا كان هناك من توجيه للناس فيما يتعلق باجتناب المعاصي والإكثار من الحسنات والطاعات دون أن يكون هناك خاصية أو مزية معينة.
الشيخ: أخي الكريم، أيها الإخوة والأخوات، أسأل الله أن يعمُر عمري وعمركم بطاعة الله –عز وجل-، نحن في هذه الحياة الدنيا في دار تزود، ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ البقرة:197 ، لا يختلف يومٌ عن يوم، ولا زمانٌ عن زمان، ولا مكانٌ عن مكان عن هذه الحقيقة، لا تتخلف هذه الحقيقة عن كل الزمان، نحن في دار ليست دار قرار، دار رحيل، لكن من الفطنة والانتباه أن ينظر الإنسان لزمانه، وينظر أفضل ما فيه من أوقات وأوجه قربات وما خصَّه الله –تعالى- به ليتقرب إلى الله –تعالى- بذلك، هذه من المهمات التي ينبغي أن يعتني بها الإنسان، فليس صحيحًا أن يمشي الإنسان في طريق سفره لا يميِّز بين الأماكن التي يمر بها من حيث نشاطه في سفره ومن حيث تخفيفه في سفره، ينبغي أن نعتني بالزمان حتى لا يظن الظان أنه والله هذا الزمان ما في فرق بينه وبين غيره، يعني بعض الناس يقول: طيب لماذا أنتم تتكلمون عن خصائص رجب وعن الأشهر الحُرم؟ نتكلم حتى نعرف ما يكون مما نتزود فيه إلى ربنا –جلَّ وعلا- وفي سيرنا إلى الله –عز وجل-.
مهمتنا –أيها الإخوة والأخوات- في هذه الحياة الدنيا هي طاعة الله وعبادته، مهما اشتغلنا بغير ذلك فإننا لن ننال السعادة، ولن نحقق المقصود، مقصود الوجود: تحقيق العبودية للرب المعبود الواحد الأحد الفرد الصمد –جلَّ في علاه-، فبالتالي من المهم أن نعي زماننا وفضائله، وما فيه من خصائص حتى نجدَّ ونجتهد في سيرنا إلى الله.
ما أسرع ما تنقضي أيامنا! بالأمس كنا نودِّع السنة الماضية والحج ورمضان، ها نحن الآن ما بيننا وبين مواسم الخير: رمضان وحج وانتهاء السنة إلا أشهر معدودة، هذا الزمان المتقارب السريع الذي تأخذ الإنسان فيه الدهشة من سرعة مُضيِّه، أمس جمعة وغدًا تأتيك الجمعة، ما بين غمضة عين وانتباهتها تجد أنّك أدركت ما كنت تنتظر، ينبغي أن نجتهد فيه في طاعة الله، وأن نتقرب إلى الله، وأن نعمره بالخيرات، وأن نتخفف من السيئات، ومن الفرص أن نُعظِّم ما عظَّمه الله مثل هذا الشهر المُحرَّم شهر رجب بطاعة الله –تعالى- فيه على الوجه الذي شرعه –جلَّ في علاه-.
أسأل الله أن يستعملني وإياكم في طاعته، وأن يجنبنا وإياكم معاصيه، وأن يرزقنا في هذا الزمان مرضاته؛ إنه بكل جميل كفيل.