×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح
مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2661

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

فلا ريب أيها الإخوة والأخوات بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأحيي الجميع في هذا اللقاء، لا ريب أيها الإخوة والأخوات أن الغضب حالة تعتري الإنسان في كثير من الأحيان، وهي صفة تورد الإنسان مخاطر عديدة تتعلق بدينه وتتعلق بدنياه، ولهذا الحديث عن الغضب وكيف يتعامل الإنسان مع الحالات التي يستثار فيها بأي نوع من المثيرات، ومن الأمور المهمة لإصلاح المعاش وإصلاح المعاد، لتحقيق الحياة الطيبة وتحقيق السلامة مما تخشى عاقبته وشرِّه في الآخرة، ولهذا جاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يستوصيه أي يطلب منه وصية، فقال يا رسول الله: أوصني، وبالتأكيد أن هذا الرجل طلب من النبي –صلى الله عليه وسلم- شيئًا ينتفع به في دينه ودنياه، في العاجل والآجل، فالنبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: مقالة موجزة مختصرة تجمع له كل ما يأمِّله من صلاح معاشه ومعاده، قال له –صلى الله عليه وسلم-: «لا تَغْضَب».[صحيح البخاري:ح6116]

هذه الوصية الموجزة المختصرة التي أوصى بها النبي –صلى الله عليه وسلم- هي من أهم ما ينبغي أن نتواصى به أيها الإخوة والأخوات لاسيما ودواعي الاستثارة في حياة الناس في هذا العصر الذي كثرت فيه الضغوط، وتنوعت فيه التحديات، وأحاط بكثير من الناس جمع كبير من الهموم والضغوطات، هو مما ينبغي أن نتواصى به وأن نحرص عليه، ولك أن تسمع لصيغة السؤال الوارد على النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى تعرف قيمة هذه الوصية.

يعني معرفة قيمة الوصية يتبين من صيغة ما ورد في طلبها، فقد جاء في سنن الترمذي أن رجلًا جاء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله: "علمني شيئًا ولا تكثر علي لعلي أعيه" فهو طلب وصية موجزة، وصية مختصرة، في رواية أخرى قال: "يا رسول الله دُلَّني على عمل يدخلني الجنة، ولا تكثر علي"، فطلب عملًا يكون طريقًا له إلى الجنة يوصله إلى ما يحب الله تعالى ويرضى في الدنيا؛ ليفوز في الآخرة بالجنة، فإن الجنة نتيجة لمقدمة، الجنة ثواب الله –عز وجل- لأوليائه الصالحين كما جاء في الصحيح «أَعْدَدتُ لعباديَ الصالحين ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بَشَر»[صحيح البخاري:ح3244] لكن هذا الوعد ليس لكل أحد، وليس عطاء بلا مقابل، بل إن الله تعالى جعل الجنة جزاء للصالحين، وثوابًا على أعمال عباده المتقين، فمن حقق تلك المقدمات -بفضل الله ورحمته وحسن عطائه- يعطيه الله تعالى ما وعده من الجزاء بالجنة، فهذا الرجل طلب وصية مختصرة موجزة، لا يكون فيها كلام كثير، توصله إلى سعادة الدنيا وإلى الجنة، توصله إلى القيام بأمر الله في الدنيا الذي يوصله إلى الجنة في الآخرة، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا تغضب»[سنن الترمذي:ح2020، وقال:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، ردد مررًا –صلى الله عليه وسلم- هذه الوصية على الرجل تأكيدًا لمعناها، فهذا الرجل طلب من النبي أن يوصيه هذه الوصية الموجزة الجامعة لخصال الخير، لتستقيم أحواله، فردد عليه هذه الوصية مرارًا «لا تغضب»، «لا تغضب»، «لا تغضب»، وهذا يدل على أن الغضب هو مفتاح الشرور، ولذلك قال العلماء: الغضب جُماع الشر، والتحرز منه جُماع الخير، يعني بقدر ما تسلم من الغضب تنال من الخير، وبقدر ما يفوتك السلامة من الغضب، بقدر ما تتورط فيه، بقدر ما يصيبك من الشر، لهذا نحن بحاجة إلى أن نعيد النظر في سلوكنا وأخلاقنا، ومدى تحقيقنا لهذه الوصية، فإن قوله –صلى الله عليه وسلم- :«لا تغضب»ليس نهيًا منه عن مقتضى الجِبِلَّة مما يصيب الإنسان من الانفعال، هذا شيء لا يملكه الإنسان، لكن الوصية النبوية في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «لا تغضب»هي ألا ينفعل للغضب، ولا يتأثر به، ولا يستجيب لما يمليه عليه من الفورة والانتقام.

ولهذا قال العلماء في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا تغضب»أنه يحتمل أحد قولين:

 إما أن يكون مراده الأمر بالأسباب التي توجب حسن الخلق والبعد عن كل ما يكون من موجبات الغضب.

 والثاني: قيل: إن معنى الغضب ألا تعمل بمقتضى الغضب إن حصل لك، بل جاهد نفسك وأبعد نفسك عما تقتضيه هذه الحال من أقوال أو أعمال تكون عواقبها ردعه، والصواب أن كلا المعنيين صحيح في قوله –صلى الله عليه وسلم- «لا تغضب»، فإنه وصية بأخذ طيب الخصال التي يتوقى بها الإنسان الغضب، كما قال تعالى ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَالأعراف: 199 وهذا جماع خصال الخير وطيب الأخلاق.

 والأمر الثاني الذي يشمله قوله –صلى الله عليه وسلم- «لا تغضب»هو أن يبعد نفسه بالمجاهدة، وإبعاد النفس وأخذ الأسباب التي تسكن غضبه، ولا يكون منفعلًا لغضبه بل يملك نفسه عند الغضب، ويحجز نفسه عند الغضب، وقد ذكر الله تعالى في النبيين، فهذا موسى -عليه السلام- وهو من أولي العزم من الرسل، غضب لما رأى قومه على ما رأى من عبادة العجل قال: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَالأعراف: 154 إلى آخر الآية.

المقصود أن الغضب له فَورة وله سكتة، له حضور وله خفاء ينبغي للإنسان أن يستحضر في حال غضبه ما يمكن أن يكون سببًا لتوقي شر هذا الغضب، ولذلك رتب الله تعالى الأجر العظيم على أن يملك الإنسان نفسه إذا غضب، فقال تعالى في وصف أوليائه وعباده قال: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَالشورى: 37 سبحان الله العظيم.

نتأمل المقدمة والنتيجة، شر غاضب المتوقع ماذا؟ إذا غضب الإنسان أن ينتقم أو على الأقل أن يأخذ بحقه، لكن النتيجة جاءت على العكس في الطرف الآخر، وهو التجاوز والصفح والستر لمن وقع منه خطأ في حق أَوجَبَ غضبك، ولهذا قال: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَالشورى: 37.

 هذه مرتبة يا إخواني وأخواتي مرتبة عالية جدًّا لا يبلغها الإنسان بمجرد الأمان، ولا بمدح خصلة الصبر والحلم وطيب الأخلاق، إنما يبلغها بعون الله –عز وجل-، ثم بالمجاهدة والمثابرة والحرص على أن يبعد الإنسان نفسه عن أسباب الانفعال، وإذا وقع في شيء من الانفعال تحلى بطيب الخصال، التي تحجزه وتمنعه من أن ينفر غضبه، بل تحمله على المرتبة العالية من الإحسان إلى الخلق، وهو ما ذكره في قوله: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَالشورى: 37 وفي الآية الأخرى قال: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَآل عمران: 134، والغيظ هو شدة الغضب.

وتنبه إلى هذا التعبير القرآني الكريم الذي يبين عظيم المعالجة التي يجريها الإنسان حتى يخرج من وطأة غضبه، وحضور فورة نفسه قال: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَآل عمران: 134 الغيظ موجود، والغيظ يكاد يطفح، يكاد يخرج عن حيز الكتمان إلى الظهور بقول أو عمل أو معاملة أو تصرف، لكن هو يدافع ذلك ويغالبه بكظمه ومنعه من الخروج ومحاصرته، وعلى العكس من هذا يخرج خلاف ما اعتلجت به النفس من الغيب ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِآل عمران: 134، يخرج العفو الموجب للتجاوز والصفح وعدم المؤاخذة على الإساءة، ثم قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَآل عمران: 134.

هذا يدل دلالة واضحة أن هاتين الخصلتين:

- كظم الغيظ وهو أن يملك الإنسان نفسه ساعة الغضب.

- والعفو في مثل هذه الأحوال هو الإحسان الذي يحبه الله –عز وجل- ويحبه أهله، وإذا أحب الله تعالى العبد بلَّغه خيرًا عظيمًا، وسدده في سمعه وفي بصره وفي تصرفاته وفي تنقلاته وفي كل شئونه، وكان له في المضايق معينًا، وكان له في المطالب مسارعًا في إيجازها وتحقيقها، كما جاء في الصحيح «فإذا أحببتُه كنت سَمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها ورجلَه التي يمشي بها» وكل هذا عونًا وتسديدًا وحفظًا وصيانة، ثم قال: «ولئن استنصرني لأَنصُرنَّه، وإذا استعاذَني لأُعيذَنَّه».[صحيح البخاري:ح6502] 

إذًا من الضروري أن يبعد الإنسان نفسه عن الغضب وآثاره، وإذا وقع في شيء مما يُغضبه لِيستحضرْ هذه المعاني الكريمة، الغضب لن يبلِّغك خيرًا إذا أنفذت مقتضاه دون رشد وبصيرة وعقل، بمعنى أنه لما تنفعل لحالات غضبك، تستجيب لحالات الغضب في قول، أو في عمل أو في معاملة، أو في بطش وعقاب، فاعلم أنك قريب من الخطأ، قريب من الشر، وقلَّ أن تسلم غالبًا من سقطة أو ذلة، فلهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا يقضي القاضي وهو غضبان»[صحيح البخاري:ح7158] لماذا؟ لأن غضبه حالة من الفورة، حالة من العمى الذي يشوش الرؤية فلا تتضح الأمور وتختلط الحقائق، ولا يبصر الإنسان مواقع الهدى.

وهذا يعتري كل النفوس الصالحة وغير الصالحة، المؤمن وغير المؤمن، كل النفوس إذا اعتراها الغضب تشوَّشت، ولهذا فيما قصه الله تعالى في شأن موسى -عليه السلام- قال: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَالأعراف: 154، الألواح هي ما كتب الله تعالى به لموسى -عليه السلام- التوراة، وقد كتبها الله بيده جل في علاه –سبحانه وبحمده-، أكرم الله تعالى موسى بهذه الألواح التي فيها الكتاب المنزل عليه، لما جاء لقومه وجدهم يعبدون العجل، ورأى ما رأى من حال الناس بعد غيابه أصابه من الغضب ما حمله على إلقاء الألواح الشريفة العالية الكبيرة المنزلة، ثم تطور الأمر أيضًا إلى تصرف آخر وهو ما ذكره الله تعالى في قوله: ﴿وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِالأعراف: 150، هذا التصرف ناتج عن شدة ما أصابه –عليه السلام- من غضب لله كان سببه أن قومه عبدوا العجل، وخرجوا عن توحيد رب العالمين، لكن انظر كيف كان التصرف عندما انتهى تأثير الغضب على موسى -عليه السلام-، قال الله –جل وعلا-: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَالأعراف: 154 التي فيها الهدى والنور، فيها مواقع البر والطاعة والإحسان، فيها الخروج من المضايق والوصول إلى كل ما يكون سببًا للخير ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ﴾  انظر ﴿وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَالأعراف: 154.

وجاء التصرف السليم في طلب المخرج من تلك الواقعة الشديدة، ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًاالأعراف: 155 إلى آخر ما ذكر الله تعالى فيما فعله موسى -عليه السلام- عندما وقع من قومه ما وقع من عبادة العجل، وأصابه الغضب بما رآه مما خالفوه فيه بعد ذهابه ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِالأعراف: 150.

هذا كله ناتج عن الغضب، لكن لما سكت عن موسى الغضب ماذا جرى؟ جرى الاستفسار والخروج من الأزمة بهداية الله –عز وجل- ورحمته التي أوصلتهم إلى بِرِّ الله –عز وجل- وفضله، كما قال الله –جل وعلا- فيما قصه من شأن هذا الواقع.

المقصود أن الغضب أمر يصيب النفوس ويَنزل بها، ونحن نحتاج أن نحسن التعامل في حالات الغضب، حتى نسلم من آثاره، حتى نخرج من ضغطه وإلحاحه الذي يوقعنا في كثير من الاشتعالات.

إذا تأملنا في حياتنا التي نعيشها نجد أن الناس في الغضب على درجات وليسوا على درجة واحدة، فمن الناس من ينفعل سريعًا، من الناس من يكون عنده سرعة استجابة لغضبه، فيصدر منه قول قبيح أو يصدر منه قول غير مناسب، أو يصدر منه فعل أحيانًا قد يكون عواقبه وخيمة.

 هو لا يسلم غاضب من الندم، كل من استجاب للغضب لابد أن يناله شيء من الندم، هذه قاعدة مضطردة قد يتفاوت هذا في الناس بقدر ما يكون من انفعالهم وتأثرهم واستجابتهم لدواعي الغضب، فكلما حاصر الإنسان تلك الدواعي التي توقع في الغضب كانت ندامته أقل، ويفوز ويسلم أولئك الذين ذكر الله تعالى ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَآل عمران: 134، وكذلك في قوله: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَالشورى: 37 أي يتجاوزن ويصفحون.

الغضب في جملته هو انفعال، والانفعال إذا كان فيما يتعلق بأمور المعاش سُمِّي غضبًا، وأما ما يتعلق بحقوق الله –عز وجل- فهذه قد توصف بأنها غضب، ومن العلماء من قال: ينقسم الغضب إلى محمود، ومذموم وحملوا ما يقوم من انفعال الإنسان فيما يتعلق بالغيرة على حدود الله والقيام بشرع الله والقول بالمعروف والنهي عن المنكر، حملوها على أنه نوع من الغضب المحمود، وفسروه بنظير ما جاء في قول عائشة –رضي الله عنها- «ما ضرب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- شيئا قطُّ بيده ولا امرأةً ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه»[صحيح مسلم:ح2328/79].

 هنا حجز الغضب في حدود الشخص، إلا أن ينتهك شيئًا من محارم الله فينتقم لله، فيغضب لله –عز وجل-، غضب لله.

لكن هذا الغضب الذي لله –عز وجل- يجب أن يكون على نحو ما تمليه الشريعة، على نحو ما أمر الله تعالى به، فليس الإنسان أن يمضي ما يتعلق بجهالاته على وفق ما تقتضيه رغبته وهواه وما يحب وما يشتهي، بل يضبط ذلك بما أمر الله تعالى، وبما أمر رسوله –صلى الله عليه وسلم-، وإذا ضبط هذا كان ذلك مما لا يدخل فيما نهى عنه النبي –صلى الله عليه وسلم- وليس من الغضب المذموم.

والنهي هنا هو عن الغضب المتبادل، يعني عندما يذكر الغضب فالذي يتبادر إلى الذهن هو انفعال الإنسان لأمر يتعلق بشخصه، بمعاشه، وأما ما يتعلق بأمر دينه فهذه غيرة تسمى الغيرة لله –عز وجل-، وهي محمودة.

أنا ما يحضرني نصٌّ واضح في إضافة الغضب للنبي –صلى الله عليه وسلم- أو في مجيئه في سياق المدح، ولكن هو الغيرة على محارم الله والانفعال لأمر الله –عز وجل- وأمر رسوله بإقامة الشعائر «من رأى منكم منكرا فليغيرْه بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»[صحيح مسلم:ح49/78].

 هذا ما يظهر لي فيما يتعلق بتقسيمات الغضب، والأمر في هذا قريب إذا أدرك الإنسان أن الغضب الذي يمدح هو ما كان مضبوطًا بالشرع، ما كان حاملًا للإنسان على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس الغضب الذي يشتد به الإنسان فيخرج عن حدود الشريعة في تصرف أو قول أو عمل.

وهناك عدد من التدابير التي جاءت الوصية بها لتحقيق هذا التوجيه النبوي في قول النبي –صلى الله عليه وسلم- «لا تغضب».

 جدير بالمؤمن أن يعتني بهذا الأمر وأن يتنبأ إليه؛ لأن ذلك مما يحقق له المقصود الشرعي.

- من المهمات التي يدرك بها الإنسان البعد عن الغضب هو أخذه بوصية النبي –صلى الله عليه وسلم- «لا تغضب»أن تكون هذه الوصية حاضرة في ذهنه، في كل مقاماته التي تكون فيها دواعي الغضب، تظهر فيها الأسباب، فيتذكر وصية النبي –صلى الله عليه وسلم- فيكتم ويكظم غيظه.

- تذكُر الأجر المرتَّب على كظم الغيظ، وعدم الانفعال للغضب من الأسباب التي تعين على نفي الغضب ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَالشورى: 37 ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَآل عمران: 134.

- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌآل عمران: 200 وفيما جاء في الصحيحين من حديث سليمان بن سرج –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- سب عنده رجلان والصحابة جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبًا قد أحمر وجهه، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-:«إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»[صحيح البخاري:ح3282]، الاستعاذة بالله من الشيطان من المهمات، طبعا أحيانًا عندنا يقال لإنسان مثل هذا: استعذ بالله من الشيطان، قد يقولها غير واع لها وقد لا يقولها، وقد يستكبر عنها كما جرى من هذا الرجل، حيث قال له الصحابة: ألا تسمع ما يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "إني لست بمجنون" يعني فلا أحتاج أن أقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

- من الأسباب التي يتوقى بها الإنسان من الغضب أن يغير من حاله بحيث أن لا يصدر منه تصرف يكون سببًا للشر ويندم عليه، فإذا كان قائمًا يقعد، إذا كان قاعدًا يضطجع، لماذا؟ لأن هذا فيه كبح للنفس عن الانفعال للغضب بتصرف، ولهذا جاء أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال كما في المسند من حديث أبي سعيد: «ألا إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أفما رأيتم من حُمرة عينه وانتفاخ أوداجه» قال:«فمن أحسَّ من ذلك شيئا»يعني إذا أحسست بالغضب «فَلْيلْصَق بالأرض»[سنن الترمذي:ح2191، ومسند أحمد:ح11587، وحسنه الترمذي]يعني يقرب من الأرض، وجاء التصريح في حديث أبي ذر «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإذا ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع»[سنن أبي داود:ح4782، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح:ح5114] لماذا هذا التحول؟ هذا التحول لأجل أن يمنع نفسه من التصرف الذي قد يندم عليه، هذه العلة في هذا الأمر بالجلوس إذا كان قائمًا، والاضطجاع إذا كان قاعدًا، ليحبس نفسه عن أن يصدر منه شيء يكرهه.

ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في الفتنة «القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي»[صحيح البخاري:ح3601] كل هذا للبعد عن أسباب الغضب.

من أسباب حجب الغضب أيضًا هذا الحصار الفعلي، في حصار أيضًا قولي بأن يسكت، قال النبي –صلى الله عليه وسلم- «إذا غضب أحدكم فليسكت»[مسند أحمد:ح2136، وصححه الألباني في الصحيحة:ح1375 ] كررها ثلاث مرات –صلى الله عليه وسلم- وهذه وصية في غاية الأهمية لحجب الإنسان عن أن يصدر عنه من القول ما لا يرضاه، ما لا يحبه، ما لا يختاره ممن يمكن أن يكون له عواقب.

يا أخي أكثر ما يقع من الطلاق والشر يعني هو بسبب إطلاق الإنسان عند الغضب.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق واصرف عنها سيئها، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، ولا يصرف عنا سيئها إلا أنت، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

المادة السابقة

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف