×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة : لماذا خلقنا الله

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:17531

إِنْ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، الْزَمُوا تَقْواهُ في السِّرِّ وَالعَلَنِ، أَدِيمُوا مُلاحَظَةَ أَمْرِه، وَالقَيامَ بِشَرْعِهِ، وَاجْتَنِبُوا كُلَّ ما يُبْعِدُكُمْ عَنْهُ مِنْ سَيِّئِ القَوْلِ وَالعَمَلِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران: 102 .
عِبادَ اللهِ، أَتَدْرُونَ ما هُوَ أَوَّلُ نِداءٍ نادَى اللهُ تَعالَى بِهِ الخَلْقَ في القُرْآنِ؟ وَما مَوْضُوعُ ذَلِكَ النِّداءِ؟ وَما غايَتُهُ وَحِكْمَتُهُ؟
يَقُولُ اللهُ تَعالَى في أَوَّلِ نِداءٍ في كِتابِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} البقرة: 21 ، فَهُوَ نِداءٌ لَكُمْ يا بَنِي آدمَ خَصَّكُمْ بِهِ؛ لِكَرِيمِ مَنْزِلَتِكُمْ وَشَرِيفِ مَقامِكُمْ، وَلِعُلُوِّ كَعْبِكُمْ فِيما فَرَضَهُ عَلَيْكُمْ مِنَ التَّكالِيفِ وَالتَّكْرِيمِ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} الإسراء: 70 ، َكرَّمَكُمُ اللهُ، وَفَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الخَلْقِ، فَكانَ أَوَّلُ نِداءٍ في القُرْآنِ مُوَجَّهًا لَكُمْ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 21 ، ناداكُمُ اللهُ وَأَمَرَكُمْ بِعِبادَتِهِ الَّتي هِيَ غايَةُ خَلْقِكُمْ، وَمَقْصُودُ إِيجادِكُمْ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات: 56 ، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} الملك: 2 ، هَذا هُوَ مَوْضُوعُ النِّداءِ؛ إِنَّهُ أَمَرَكُمْ بِعبادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، أَمَرَكُمْ بِأَنْ تَكُونُوا للهِ عَبِيدًا طائِعينَ مُمْتَثِلينَ لأَمْرِهِ، مُحِبِّينَ مُعَظِّمِينَ لَهُ، قائِمِينَ بِشَرْعِهِ مُنْتَهِينَ عَمَّا نهاكُمْ عَنْهُ، هَذا هُوَ مَوْضُوعُ الاخْتِبارِ، هَذا هُوَ مَوْضُوعُ الغايَةِ وَالمَقْصُودُ بِالخَلْقِ، نَجاحُكَ، فَلاحُكَ، صَلاحُكَ، سائِرُ ما تَأْمَلُهُ مِنَ السَّعاداتِ في  الدُّنْيا وَالآخِرَةِ إِنَّما يَتَحَقَّقُ، وَتُدْرِكُ مِنْهُ بِقَدْرِ ما تَمْتَثِلُ هَذا الأَمْرَ الإِلَهِيَّ الرَّبَّانِيَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 21 .
سَلْ نَفْسَكَ: أَيْنَ أَنْتَ مِنَ امْتِثالِ هَذا الأَمْرَ الإِلهِيَّ؟ ما هِيَ مَنْزِلَتُكَ في عِبادَةِ اللهِ؟ هَلْ أَنْتَ مُحَقِّقٌ لهذا الأَمْرَ الَّذي أَمَرَكَ اللهُ تَعالَى بِهِ في أَوَّلِ نِداءٍ في القُرْآنِ، وَبَيَّنَ لكَ أَنَّهُ الغايَةُ وَالمقْصُودُ مِنْ خَلْقِكَ وَإِيجادِكَ؟
سَلْ نَفْسَكَ: حَتَّى تَعْرِفَ مَدَى نَجاحِكَ وَفَلاحِكَ وَصَلاحِكَ؛ فَإنَّهُ لا فَلاحَ وَلانَجاحَ وَلا سَعادَةَ وَلا طُمَأْنِينَةَ وَلا سَكَنَ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ؛ إِلاَّ بِقَدْرَ ما يُحَقِّقُ الإِنْسانُ مِنْ هَذِهِ الغاياتِ.
العِبادَةُ لَيْسَتْ قِيامًا بِفَرْضٍ فَرَضَه اللهُ عَلَيْكَ يَنْتَفِعُ مِنْهُ، بَلِ العِبادَةُ قيِامٌ بِما فِيهِ صَلاحُكَ، وَنَجاحُكَ، بِما فِيهِ سَعادَتُكَ وَطُمَأْنِينَتُكَ، أَنْتَ الرَّابِحُ مِنْ كُلِّ طاعَةٍ وَعِبادَةٍ، وَأَنْتَ الخاسِرُ بِتَرْكِكَ كُلَّ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَمَرَكَ اللهُ تَعالَى بِهِ امْتِثالاً، وَنَهاكَ عَنْهُ تَرْكًا.
فَتِّشْ يا أَخِي: فتِّشْ في سُلُوكِكِ وَعَمَلِكَ الظِّاهِرِ وَالباطِنِ، السَّرِّ وَالعَلَنِ فِيما بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ، وَفِيما بَيْنَكَ وَبَيْنَ الخَلْقِ، هَلْ أَنْتَ مُحَقِّقٌ لهذا الأَمْرِ الإِلهِيِّ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 21 ؟
إِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ سَعادَةً، وَلَنْ تُدْرِكَ نَجاحًا، وَلَنْ تَفُوزَ بِرِضا اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَلَنْ تَدْخُلَ الجَنَّة إِلاَّ بَتَحْقِيقِ هَذا الأَمْرِ الإِلهيِّ.«أَعْدَدْتُ لِعبادي الصَّالحينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَىَ قَلْبِ بَشَرٍ»مسلم(189).
إنَّ نَيْلَ ذَلِكَ لا يَكُونُ بِنَسَبٍ، وَلا يَكُونُ بِصُورَةٍ، وَلا يَكُونُ بِجاهٍ، وَلا يَكُونُ بِمَنْزِلَةٍ وَمَكانَةٍ عِنْدَ الخَلْقِ، إِنمَّا يَكُونُ ذَلِكَ بِقَدْرِ تَحْقيقَكِ لِلعِبادَةِ وَالطَّاعَةِ، بِقَدْرِ قِيامِكَ بِما أَمَر الله ُ- عَزَّ وَجَلَّ -، وَتَرَكَكَ لما نَهَى عَنْهُ - سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ -، أَنْتَ الرَّابِحُ مِنْ طاعَةِ اللهِ؛ »يا عِبادِي إِنَّما هِيَ أَعْمالُكُمْ أُحْصيها لَكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ»مسلم(2577(.
الطَّاعَةُ تَنْتَفِعُ بها أَنْتَ حاضِرًا وَمُسْتَقْبَلاً، عاجلاً وَآجِلاً، وَالمعْصِيَةُ تَجْنِي سَوْأَتَها إِنْ لمْ تَتُبْ مِنْها في الحاضِرِ وَالمسْتَقْبَلِ، فَكُنْ طائِعًا للهِ مُفَتِّشًا لِقَلْبِكَ وَعَمَلِكَ وَسُلُوكِكَ، ناظِرًا في حَقِّ اللهِ تَعالَى في ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَبْشِرْ؛ فِإِنَّهُ مَنْ صَدَقَ في الإِقْبالِ عَلَى اللهِ يَسَّرَ اللهُ لَهُ الخَيْرَ، اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} العَنْكُبُوتُ: 69  يَعْنِي: بَذَلُوا جُهْدًا في الطَّاعَةِ، وَالإِحْسانِ، وَيُرْيدُونَ الخَيْرَ وَالبِرَّ، وَيَسْعَوْنَ لَهُ طاقَتُهُمْ وَجُهْدَهُمْ {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} العَنْكَبُوتُ: 69 ، أَيْ: لَيُيَسِرَّنَّ اللهُ لهُمُ الطَّرِيقَ المُوصِلَ إِلَى الخَيْرِ وَيُعِينُهُمْ عَلَيْهِ.
فالهِدَايَةُ نَوْعانِ: يَدُلُّكَ عَلَى البِرِّ وَالطَّاعَةِ وَالإِحْسانِ، وَيُعْطِيكَ مِنَ القُدْرَةِ وَالقُوَّةِ وَتَحبيبِ الإيمانِ وَتَكْرِيهِ الكُفْرِ وَالفُسُوقِ وَالعِصْيانِ ما يَجْعَلُكَ تَقُومُ بِما أَمَرَكَ اللهُ تَعالَى بِهِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ، يا رَبَّ العالمينَ، يا اللهُ اسْتَعْمِلْنا فِيما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوءَ وَالفَحْشاءَ.
أَقْولُ هَذا القَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظْيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفُرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
}
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} الأنعام: 1 ..أَحْمَدُهُ {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} القصص: 70 .
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، شَهادَةً تُنَجِّي قائِلَها مِنَ النَّارِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتبَّعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْمَلُوا بِطاعَتِهِ؛ فَأَنْتُمْ في دارِ ابْتِلاءٍ وَاخْتِبارٍ يَرَىَ اللهُ تَعالَى مِنْكُمُ الصَّادِقَ مِنَ الكاذِبِ، المؤْمِنَ مِنَ المنافِقِ، مَنْ صَدَقَ في إِقْبالِهِ وَجَدَ مِنْ رَبِّهِ خَيْرًا عَظْيمًا؛ «مَنْ تَقَرَّبَ إِلَّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِراعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَّي ذِراعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعًا، وَمَنْ أَتاني يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»البُخارِيُّ(7405), وَمُسْلِمٌ(2675(.
فَضْلُ اللهِ كَبِيرٌ وَعَطاؤُهُ جَزِيلٌ، يَكْفِي أَنْ تَصْدُقَ مَعَ اللهِ لِتَنالَ عَطاءَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة: 119 ، اصْدُقُوا في إِقْبالِكُمْ عَلَيْهِ، وَسَيَفْتَحِ اللهُ لَكُمْ مِنْ الرَّحماتِ، وَالعَوْنِ، وَالهِدايَةِ، وَالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ، وَالسَّعادَةِ وَالبَهْجَةِ، وَالنَّصْرِ وَالحمايَةِ، ما يَكُونُ عَوْنًا لَكُمْ عَلَى عُبُورِ هَذِهِ الدُّنْيا بِسلامٍ، وَعَلَى بُلُوغِ دَارِ السَّلامِ يَوْمَ العَرْضِ وَالنُّشُورِ، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} الشعراء: 88 - 89 .
أَيُّها المؤْمِنُونَ، عِبادَ اللهِ، إِنَّنا مُخْتَبَرُونَ مُمْتَحَنُونَ، وَلا نَجاةَ لَنا إِلاَّ بِأَنَّ نَلِجَ هَذا الحِصْنَ العَظِيمَ المنِيعَ؛ إِنَّهُ حِصْنُ العِبادَةِ الذِّي مَنِ اعْتَصَمَ بِهِ، وَلجَأَ إِلَيْهِ؛ وُفِّقَ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، يَقُولُ اللهُ تَعالىَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الحج: 77 .
نَدَبَكَ اللهُ لِعباداتٍ، ثُمَّ فَتَحَ لَكَ أَبْوابَ الخَيْراتِ، فَخُذْ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ بِنَصِيبٍ، وََجِدَّ في كُلِّ ما يُصْلِحُ قَلْبَكَ، وَاسْتَثْمِرْ مَواسِمَ البِرِّ وَالخَيْرِ؛ أَيَّامُكَ مَعْدُودَةٌ، وَأَنْفاسُكَ مَحْدُودَةٌ، وَسُرْعانُ ما يُغادِرُ الإنْسانُ، صِحَّتُكَ، عافِيَتُكَ، مالُكَ، قَوَّتُك، جاهُكَ، وَلَدُكُ، أَمْلاكُكَ، كُلُّها سَتَذْهَبُ، أَوْ سَتَذْهَبُ أَنْتَ عَنْها، فَالنَّاسُ إِذا انْقَطَعَت آجالهُمُ ْتَبِعَهُمْ ثَلاثُةُ: مالُ، وَأَهْلُهُ، وَعَمَلٌ، يَرْجِعُ اثْنانِ وَيَبْقَى واحِدٌ، يَرْجِعُ الأَهْلُ وَالمالُ، لا سَبِيلَ إِلَى اصْطِحابِهِ مَعك إِلَى الدَّارِ الآخِرَةِ، وَيَبْقَى العَمَلُ، وَالعَمَلُ قَرِينٌ لا يَنْفَكُ عَنْكَ: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ} الإسراء: 13  يعني: عمله {وَكُلَّ إِنْسَانٍ} الإسراء: 13  أَنا وَأَنْتَ {أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} الإسراء: 13  لَيْسَ هُناكَ انْفِكاكٌ عَنْهُ {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} الإسراء: 13 ، لَيْسَ هُناكَ كُلْفَةٌ في التَّفْتِيشِ وَالتَّصَفُّحِ، مَنْشُورٌ يُمُدُّ، ما يَكُونُ مِنْ سِجِلاِّتِ عَمَلِكَ، بِدُونِ عَناءٍ تَقِفُ عَلَى أَعْمالِكَ: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} الإسراء: 14 ، فدَوِّنْ خَيْرًا تَجِدْهُ يَوْمَ القِيامَةِ، وَتَوَقَّ شَرًّا تَفْرَحْ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ.
أَماَّ إِذا مَلأْتَهُ بِالسَّيِّئاتِ فَلا تَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَكَ، السَّيِّئَةُ شَرُّها عائِدٌ إِلَيْكَ، {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} الإسراء: 15 .
اللهُ - جَلَّ في عُلاهُ - غَنِيٌّ عَنَّا، وَعَنْ كُلِّ ما يَكُونُ مِنْ عِبادَتِنا، إِذا صَلَّيْتَ فَتُصَلِّي لِنَفْسِكَ، أَنْتَ المسْتَفِيدُ، اللهُ لَنْ يَزِيدَ في مُلْكِهِ مِنْ صَلاتِكَ شَيْءٌ: «يا عِبادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُوني، يا عِبادِي إِنَّما هَيِ أَعْمالُكُمْ أُحْصيها لَكُمْ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ» تَوْفِيقٌ وَتَسْدِيدٌ وَإِعانَةٌ مِنَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَاصْطِفاءٌ «وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ»مسلم(2577) خَلَّى اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ نَفْسِكَ فَقَعَدَتْ بِكَ عَنِ البِرِّ وَالطَّاعَةِ.
نَحْنُ نُقْبِلُ عَلَى مُوسِمٍ مُبارَكٍ، فِيهِ خَيْراتٌ كَثِيرَةٌ، النَّاسُ يَسْتَقْبِلُونَهُ بِهُمُومٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَقْبِلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ مُعْتادٌ، مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَقْبِلُهُ عَلَى أَنَّهُ فَتْرَةُ تَغْييرٍ وَتَحَوُّلٍ، مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَقْبِلُهُ عَلَى أَنَّهُ مُوسِمٌ يُغَيِّرُ فِيهِ نَمَطَ  حياتِهِ، وَالرَّابِحُ هُوَ مَنِ اسْتَقْبَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مَزْرَعَةٌ، وَمَوْسِمُ اسْتِثْمارٍ لِتَجارَةٍ مَعَ اللهِ لَنْ تَبُورَ، تِجارَةٌ مَعَ اللهِ لَنْ تَخْسَرَ بِالصِّيامِ إِيمانًا وَاحْتِسابًا، وَالقِيامُ إِيمانًا وَاحْتِسابًا، وَتِلاوَةِ القُرْآنِ في آناءِ اللَّيْلِ وَآناءِ النَّهارِ، وَالسَّعْيِ في كُلِّ ما يُقَرِّبُ إِلَى العَزِيزِ الغَفَّارِ.
اسْتَقْبِلُوهُ بِتَوْبَةٍ؛ فَإِنَّ خَيْرَ ما تُسْتَقْبَلُ بِهِ الصَّالحاتُ أَنْ تَتَوبَ إِلَى اللهِ، كَمْ هِيَ سَيِّئاتِكَ أَخِي؟ إِلَى مَتَى تُصرُّ عليها؟ أَلَيْسَ جَدِيرًا بِنا وَنَحْنُ نَدْخُلُ مَوْسِمًا عَظيمًا أَنْ نَتَهَيَّأَ؟!
أَنْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَأْتُوا إِلَى هَذا المسْجِدِ تَهَيَّأْتُمْ بِاغْتسالٍ، وَتَطيُّبٍ، وَتنَظُّفٍ، وَتَغْييرِ مَلابِسَ؛ لِتُقْدِمُوا عَلَى طاعَةٍ بِأَبْهَى ما تَسْتَطِيعُونَ مِنْ إِمْكانٍ، وَمَنْظَرٍ، وَطِيب حالٍ، ادْخُلُوا رَمَضانَ بَتَوْبَةٍ صادِقَةٍ؛ يُعِينُكُمُ اللهُ بِها عَلَى الطَّاعاتِ وَالإِحْسانِ، تُوبُوا إِلَى اللهِ مِنْ سَيَّئات أَعْمالِكُمْ.
وَالتَّوْبَةُ لَيْسَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اللهِ فِيها وَسِيطٌ، إِنَّما هِيَ خُطْوَةٌ بِقَلْبِكَ، تَرْجِعُ بِها إِلَى رَبِّكَ، اسْتَغْفِرْ وَيَكْفِي ما مَضَى مِنْ سَيِّئِ العَمَلِ، اسْتَغْفِر وَاندمْ عَلَى ما أَسْلَفْتَ مِنْ قُصُورٍ وَتَقْصِيرٍ في حَقِّ رَبِّكَ، وَفي حَقِّ الخَلْقِ؛ فَسَتَجِدُ انْشِراحًا وَبَهْجَةً، يَكْفِيكَ أَنَّ اللهَ يَفْرَحُ بِكَ إِذا تُبْتَ، فَاللهُ يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ إِذا أَقْبَلَ عَلَيْهِ، وَكَمْ هِيَ السَّيِّئاتُ الَّتي تَوَرَّطْنا فِيها في السِّرِّ وَالعَلَنِ، لا تَقُلْ: أَنا ما عِنْدِي شَيْءٌ، كُلُّنا نُخْطِئُ، «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ».أَخْرَجُهُ: التّْرْمِذِيُّ(2499), وَحَسَّنَهُ الأَلْبانِيُّ, وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ للاختلاف في حال راويه:علي بن مسعدة الباهلي, وقال ابن حجر في البلوغ ح(1477): سَنَدُهُ قَوِيٌّ , تُبْ إِلَى اللهِ بِصِدْقٍ، حاسِبْ نَفْسَكَ عَلَى ما كانَ مِنْ تَقْصِيٍر، وَارْجُ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - التَّوْبَةُ وَالعَفْوُ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ - جَلَّ في عُلاهُ - لا يَتَعاظَمُهُ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ، فَهُوَ يَغْفِرُ الدَّقِيقَ وَالجليلَ، الصَّغيرَ وَالكَبيرَ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} الزمر: 53 ، فَتَقَدَّمْ بخُطْوَةٍ إِلَى رَبِّكَ تائِبًا إِلَيْهِ، صادِقًا في الإِقْبالِ عَلَيْهِ، وَأَبْشِرْ، وَاللهِ لَنْ يُخَيِّبَكَ اللهُ، سَيَفْتَحُ لَكَ مِنْ أَبْوابِ الرَّحماتِ وَالخَيْراتِ وَالإِعانَةِ، وَالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ؛ ما تَكُونُ لَذَّتُهُ وَسُرُورُهُ وَبَهْجَتُهُ أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ وَخَطِيئَةٍ.

اللَّهُمَّ خُذْ بِنواصِينا إِلَى ما تحُِبُّ وَتَرْضَىَ، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوءَ وَالفَحْشاءَ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى الطَّاعَةِ وَالإِحْسانِ، وَاصْرِفْ عَنَّا السَّيِّئَةَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا كُلَّها دِقَّها وَجِلَّها، صَغِيرَها وَكَبِيرَها، عَلانِيَتَها وَسِرَّها.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِوَجْهِكَ الكَريمِ، وَكَلِماتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ ما أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ، أَنْتَ تَكْشِفُ المأْثَمَ وَالمَغْرَمَ.
اللَّهُمَّ لا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، وَلا يُهْزَمُ جُنْدُكَ، وَلا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ، سُبْحانَكَ وَبِحَمْدِكَ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ.
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى الطَّاعَةِ وَالإِحْسانِ.
رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسنا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ، يا ذا الجَلالِ والإِكْرامِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلادَنا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ، اللَّهُمَّ مِنْ أَرادَ المسْلِمينَ بِسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيْهِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينا وَمِنْ خَلْفِنا، وَعَنْ أَيْمانِنا وَعَنْ شَمائِلِنا، وَمِنْ فَوْقِنا، وَنَعُوذُ بِكَ أَنْ نُغْتالَ مِنْ تَحْتِنا.
اللَّهُمَّ إِناَّ نَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرِّ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمْرنا إِلَى ما تحُِبُّ وَتَرْضَى، خُذْ بِنَواصِيهِمْ إِلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، هَيِّئْ لَهُمْ بِطانَةً رَاشِدَةً تَدُلُّهُمْ عَلَى الخَيْرِ، وَتَأْمُرُهُمْ بِهِ.
اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنْ بِلادِنا وَعَنِ المُسْلِمينَ كُلَّ بَلاءٍ وَشَرٍّ وَفِتْنَةٍ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، اللَّهُمَّ عَمِّرْ بِلادَ المسْلِمينَ بِالخَيْراتِ يا حَيُّ يا قَيُّومُ.
اللَّهُمَّ إِناَّ نَسْأَلُكَ أَنْ تُعيذَنا مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ يا رَبَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَوْسِمَ رَمَضانَ خَيْرًا وَبِرًّا وَبَرَكَةً وَصَلاحًا عَلَيْنا وَعَلَى المسْلِمينَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.
اللَّهُمَّ بَلِّغْنا رَمَضانَ وَارْزُقْنا فِيهِ صالحَ الأَعْمالِ، اللَّهُمَّ بَلِّغْنا رَمَضانَ وَارْزُقْنا فِيهِ صالحَ الأَعْمالِ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا فِيهِ عَلَى القِيامِ والصِّيامِ إِيمانًا وَاحْتِسابًا، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى الصِّيامِ وَالقِيامِ إيمانًا وَاحْتِسابًا، اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوازِيننا، وَاغْفِرْ بِهِ زَلَّتَنا، وَأَعِنَّا عَلَى ما تُحِبُّ وَتَرْضَى يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.
أَقُولُ هَذا القَوْلَ، وَأَسْأَلُ اللهَ العَظيمِ أَنْ يُعِينَني وَإِيَّاكُمْ عَلَى الرَّشَدِ وَالبِرِّ، وَأَنْ يُرِيَنا في أَنْفُسِنا وَالمسْلِمينَ ما نُحِبُّ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف