الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد .
فإن من نعم الله تعالى على العبد أن ييسر له الطاعة والإحسان، فهي مِنَّةٌ من الرحمن على من يصطفي من عباده أن يوفقهم إلى صالح الأعمال، أن يهديهم وأن ييسر لهم الهدى.
ومن نعم الله على عبده أن يستعمله في طاعته وذاك أن الله تعالى إذا تفضل على العبد بأن وفقه للطاعة فتح له من أبواب السعادة والخير والطمأنينة والفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة ما لا يمكن أن يدرك بغير هذا الطريق.
كل السعادات التي يدركها الناس بالملذات والمشتهيات والمحبوبات مما تميل إليه الأنفس، لا يأتي بحجم قطرة فيما يدركه الإنسان من السعادة بطاعة الله عز وجل؛ فالله تعالي يحيي الذين آمنوا وعملوا الصالحات حياة طيبة ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾النحل: 97 هذا وعد من الله –عز وجل- لكل من حقق الإيمان في قلبه، وارتسمه في سلوكه وعمله.
إدراك مواسم البر والخير نعمة يتفضل الله تعالى بها على عباده، هي نعمة وابتلاء، ابتلاء يختبر الله تعالى بها من يسر له إدراك هذا الموسم المبارك، فينظر أيكون فيه من الراشدين العاملين بالصالحات المتزودين بالطاعات أم يكون من الذين فرطوا ولم يأبوه بهذا الموسم وبهذه المنة ففاتهم الخير، فهي بلاء واختبار لك أن يبلغك الله تعالى موسم من مواسم البر فآل الله من نفسك خيرًا.
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاء عنه كما في المسند والسنن من حديث أبي هريرة أنه قال: «رغِمَ أنفُ مَن دخَل عليه رمضانُ ثمَّ لم يُغْفَرْ له»الأدب المفرد (646)، وقال الألباني: حسن صحيح.
هذا بيان عظيم الخسارة التي تنال ذاك الذي يدخل هذا الموسم المبارك، ويخرج منه دون حط السيئات والخطايا وذلك أن رمضان موسم اغتسال من الخطايا والسيئات، تخلي من الرذائل والموبقات يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مَن صامَ رَمضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنْبِه»صحيح البخاري (38)، ومسلم (760) وقال: «من قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر»صحيح البخاري (37)، ومسلم (759) يعني ليل ونهار أسباب المغفرة والعفو ليست مقصورة على زمان، بل في كل الزمان في النهار صيامًا وفي الليل قيامًا ثم يبلغ الفضل غايته والجود منتهاه «مَن قام ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غفَر اللهُ له ما تقدَّم مِن ذنبِه»صحيح البخاري (1901)، ومسلم (760).
لذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: رغم أنف من بلغ رمضان ثم انسلخ ولم يغفر له، لأنه أسباب المغفرة متنوعة ليلًا ونهارًا فإذا فاتته فقد رغم أنف أي لصق بالتراب المخلوط بالرمل دليل على الخسارة وأنه لم يدرك شيئًا، ما يدرك إلا التراب والتراب لا يغني بل يلوث الإنسان ويشوهه إذا أصاب أشرف ما فيه وجهه وبالتالي أيها الإخوة نحن ندرك هذا الموسم الذي تفضل الله فيه علينا بأنواع من المنح والمنن ومن فضله أن مهد السبيل ويسر الطريق للطاعة.
فإذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنان، وإذا جاء رمضان غلقت أبواب النيران، وإذا جاء رمضان صفدت وسلسلت الشياطين، هذه ثلاثة مزايا قدرية إلهية، هبات ربانية للخلق حتى يقدم ويقبل على التزود بالطاعة، تفتيح أبواب الجنان يعني أنه كل عمل صالح سيلقى قبولًا وأن الأعمال الصالحة فيه متنوعة كثيرة فالأبواب مشرعة لكل من أراد خيرًا، المقابل السيئات وهي أبواب النيران لأنها التي تدخل إلى النار غلقت أقفلت، فلا يقتحمها في هذه الحال إلا من عميت بصيرته وفسد قلبه واستحكم الشيطان في الاستحواذ عليه حتى عميت بصيرته.
فتح أبواب الجنان، وإغلاق أبواب النيران معه معين عظيم ثالث وهو أن يكف الله عنك عدوك الشيطان الذي يزين لك السيئات، ويوقعك في الخطايا قد حبسه الله عنك سلسلت الشياطين، صفدت الشياطين فالآن وقوع المعاصي ليس بسبب تزيين الشيطان في غالب ما يكون، إنما يكون بما في النفس من فساد والنفس الإمارة بالسوء وأيضًا شياطين الإنس الذين لا يؤولون جهدًا في تذليل الصعاب ودعوة الناس إلى أنواع من الفساد والشر ما أحتاج كلام كثير، نحن نقبل على موسم عظيم من مواسم البر بدايته من غروب شمس أول ليلة من لياليه.
إذا جاء رمضان، رمضان يأتي بغروب شمس آخر يوم من أيام شعبان، كل الفضائل هي بغروب شمس هذا اليوم، فينبغي أن يجد الإنسان بالطاعة والإحسان وذكر الرحمن وتلاوة القرآن والقيام إيمانًا واحتسابًا والصيام إيمانًا واحتسابًا ولنبدأ ذلك من أول الليالي، ويا إخواني من عود نفسي من أول الوقت على الجد والاجتهاد استمر معه إلى آخر الأيام، ومن فرط في البدايات ثق أنه لن يدرك ما يؤمل في النهايات، أسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيننا وإياكم على الطاعة والإحسان، وأن يستعملنا فيما يحب ويرضى من الأعمال ووصيتي لنفسي وإخواني أن نتعهد أولادنا ذكورًا وإناثًا وزوجاتنا وأهلينا وأصحابنا وأقاربنا بالتواصي بكل ما يقرب إلى الله، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ارزقنا صيام هذا الشهر إيمانًا واحتسابًا، وقيامه إيمانًا واحتسابًا واجعلنا فيه من الفائزين يا ذي الجلال والإكرام وصلى الله وسلم على نبينا محمد.