بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
قال الحافظ بن حجر –رحمه الله- تعالى في كتاب الصيام:
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: من صام يومَ الشكِّ فقد عصى أبا القاسمِ –صلى الله عليه وسلم- ذكره البخاري تعليقًا ووصله الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فهذا الحديث مما يتعلق بصيام يوم الشك، ويوم الشك هو اليوم الثلاثين من شهر شعبان الذي يحول دون رؤية الهلال غيم أو قتر بمعنى أنه ليلة الثلاثين يكون هناك مانع من رؤية الهلال إما غيم أو قتر فلا يرى الهلال، فيصبح الناس في يوم الثلاثين على هذه الحال وهو مما يشك فيه هل هو من رمضان أو من شعبان بناء على امتناع إمكانية الرؤية لوجود مانع.
هذا اليوم هو يوم الشك وفي صيامه للعلماء أقوال بناء على ما جاء من أحاديث وآثار.
حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه قال فيه: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم. وهذا يدل على أن صيام هذا اليوم مما نهى عنه رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن وصف العمل بالمعصية لا يكون إلا لما جاء فيه نهي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
عمار رضي الله تعالى عنه لم يذكر نص النبي –صلى الله عليه وسلم- في نهيه إنما بين أنه معصية، وقد جاء ما يبين النهي بلفظ النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضانَ بصَوْمِ يَومٍ ولا يَومَيْنِ»صحيح البخاري (1914)، ومسلم (1082) وصوم يوم هو يوم الثلاثين، فالنهي وارد عن النبي –صلى الله عليه وسلم- باللفظ في حديث أبي هريرة ووارد بالنقل المعنوي في حديث عمار رضي الله تعالى عنه.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم صيام يوم الشك فيمن صامه احتياطًا لرمضان، فذهب الحنابلة وهذا مما انفردوا به إلى وجوب صوم يوم الشك فيما إذا حال دون رؤية الهلال ليلة الثلاثين غيم أو قتر لكن لا يسمونه شكا لأن الشك عندهم فيما إذا لم يكن غيم أو قتر، أما إذا كان في مانع فهنا لا يشك فيه لأنه يصام احتياطًا وتغليبًا للاحتياط لرمضان وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «فاقدروا له»صحيح البخاري (1900)، ومسلم (1080) واستدلوا بأدلة عديدة المهم أنهم لا يعدونه يوم شك في هذه الحال.
فالشك عند الحنابلة فيما إذا لم يكن هناك مانع من الرؤية ولم يرى ولم ينقل من رآه، ففي هذه الحال يعدونه شكًا على كل حال جمهور العلماء على أن اليوم الذي تتعذر فيه الرؤية لوجود مانع من غيم أو قتر هو يوم الشك الذي نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن صيامه وهذا هو الصحيح وهو الذي عليه أهل التحقيق من أهل العلم فيما يتعلق بتعيين يوم الشك وحكمه وأنه لا يجوز صيامه احتياطًا لرمضان، لكن لو صامه الإنسان لأجل معنى آخر غير احتياط رمضان كأن يصومه في صيام معتاد أو في قضاء واجبه، فإنه لا حرج عليه في ذلك لان النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضانَ بصَوْمِ يَومٍ ولا يَومَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ».
فأذن النبي –صلى الله عليه وسلم- في صيام يوم الشك لمن كانت هذه حاله أن يكون له ورد معتاد، أو أن يكون له ما تبرأ به ذمته من صيام كأن يصوم قضاء أو يصوم نذرًا أو يصوم كفارة ونحو ذلك، وهذا الحديث فيه من الفوائد أن العبادات توقيفية فكما أن الله أمرنا بالصيام وجعله قربه نهانا عن الصيام في أيام فنحن عبيد لله في أمره، عبيد لله في نهيه فكما أن الله يأجرنا على الفعل كذلك يأجرنا على الترك وكما أنه يعاقب من ترك الواجب فهو أيضًا يعاقب من فعل ما نهى عنه فالعبد ينبغي أن يستحضر هذا المعنى فيما يأتي ويذر أنه عبد لله –عز وجل- فيما أمر به وفيما نهى عنه.
وهو دليل أيضًا على أن العبادات توقيفية فإن المرجع فيها فعلا وتركًا إلى قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي عظيم قدر المعصية عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم حيث أنه لم يزد على أن قال في النهي عن صوم يوم الشك فقد عصى أبا القاسم، وينبغي أن يستحضر الإنسان مثل هذه المعاني التي تزجر النفس عن ارتكاب المحرم فإن استحضارك أنك إذا فعلت المحرم عصيت الله وعصيت رسوله –صلى الله عليه وسلم- كان هذا حاملًا لك على ترك المعاصي كما أنك إذا فعلت واجبًا تذكر أنك مطيع لله –عز وجل- في ذلك مطيع للنبي –صلى الله عليه وسلم- فيما أمر فيكون هذا أعظم لأجرك وأعون لك في القيام بما أمرت به وننتهي عما نهيت عنه وفيه ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- بكنيته حيث قال: عصى أبا القاسم ولم يقل رسول الله ومعلوم أن أبا القاسم هو رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهذه كنيته وهي كنية خاصة به في حياته –صلى الله عليه وسلم- فلم يكن يكن بها أحد غير رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بل قد قال –صلى الله عليه وسلم-: «تَسمَّوْا باسْمي، ولا تَكَنَّوْا بكُنْيَتي»صحيح البخاري (110)، ومسلم (2134) .
أما بعد موته –صلى الله عليه وسلم- فإنه لا حرج في التكني بكنيته والتسمي باسمه ولا حرج في اجتماعهما أن يتسمى بالاسم ويكنى بالكنية على الراجح من أقوال أهل العلم.
اللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علما يا عليم وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.