بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.
قال المصنف –رحمه الله- تعالى: عنِ ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللَّهُ تعالى عنهُما، قالَ: تراءى النّاسُ الهِلالَ، فأخبرتُ النبي ﷺ أنِّي رأيتُه، فصامَ، وأمرَ النّاسَ بصيامِهِ. أخرجه أبوداود في سننه(2342)، وابن حبان في صحيحه(3447), والحاكم (1541). وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه " رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم.
عن ابنِ عباسٍ قال: جاءَ أعرابِيّ إلى النبي ﷺ، فقال: إني رأَيتُ الهلالَ، فقال: أتشهدُ أن لا إله إلا الله، أتشهدُ أن محمدا رسولُ اللهِ؟ قال نعم، قال: يا بلالُ أذِّنْ في الناسِ أن يصوموْا غدا. رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان ورجح النسائي إرساله سنن أبي داود(2340), والترمذي (ح691) ، وابن ماجه(ح1652), والنسائي(ح2113), والحاكم(ح1104) وصححه ووافقه الذهبي. .
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فهذان الحديثان يتعلقان بالشهادة على رؤية الهلال (هلال رمضان) وهما الطريقُ الثالث الذي يثبت به دخولُ الشهر، فالشهر يثبت إما بالرؤية، وإما بإكمال العدَّة كما تقدم في حديث ابن عمر «صوموا لرؤيتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ فإنْ غُمَّ علَيْكُم فأكملوا العدَّةَ ثلاثين» صحيح الإمام البخاري(ح1907). وفي رواية «فاقْدُرُوا له» أخرجه البخاري في صحيحه(ح1900)، ومسلم في صحيحه(ح1080/8). .
والشهادة يمكن أن تُحسبَ طريقًا ثالثًا، ويمكن أن ترجعَ إلى الرؤية؛ لأن الرؤية لا تثبت إلا بشهادة وبإخبار, وبين النبي –صلى الله عليه وسلم- طريق الإخبار في هذين الحديثين.
أما حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه ففيه مسألتان؛
المسألة الأولى:- حكمُ ترائي الهلال المقصود به طلب رؤيته، وهو مما دَرَج الناس عليه لمعرفة مصالحهم وحساب أيامهم كما قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾البقرة: 189 فالناس يتراءون الأهلَّةَ على طبيعتهم لإقامة مصالح معاشهم، وكذلك لإقامة مصالح مَعادِهم فبالأهلة تعرف الشهور، وبمعرفة الشهور تعرفُ أوقاتُ العبادات من الحج وغير ذلك، ولذلك يقول –جل وعلا-: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾البقرة: 189 وترائي الهلال مما جاءت مشروعيتُه في هذا الحديث بإقرار النبي –صلى الله عليه وسلم- الناس على طلب رؤيته حيث قال ابن عمر: تراءى الناس الهلال، وهذا يدل على تناديهم لذلك وعملهم به, ويدل على إقرار النبي –صلى الله عليه وسلم- هذا الأمر.
فدلَّ ذلك على مشروعيته والعلماء في طلب رؤية هلال رمضان لهم قولان:
- منهم من قال: إن طلب رؤيته فرض كفاية، يجب على بعض الأمة أن يطلبوا رؤية الهلال حتى يحصوا العدة.
- وذهب الحنابلة إلى استحباب رؤية الهلال إلى استحباب ترائي الهلال؛ وذلك أن ترائيه مما جرى عليه عمل الناس, فالندب إليه طَبْعيٌّ، وما كان كذلك فإنه مستحب، ولم يأت أمر بذلك على وجه الخصوص، وعلى كل حال إذا لم يتمكَّن الناس من إقامة عباداتهم إلا بالترائي فإنه ينبغي لهم ألا يُخِلُّوا به، فهو عمل الصحابة رضي الله تعالى عنهم على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي أقرهم عليه بل ورتَّب عليه –صلى الله عليه وسلم- صيامَ رمضان فدلَّ ذلك على أنه من المطلوبات الشرعية.
أما المسألة الثانية:- فهي قبول خبرِ العدل الواحد في إثبات شهر رمضان، فإنه إذا أخبر عدل أنه رأى الهلال فإنه يُقبل خبرُه، ولو انفرد بالخبر، وإلى هذا ذهب الشافعية، وهو رواية في مذهب أحمد، وبه قال الحنفية لكنهم قيَّدوه بما إذا كان في السماع عِلَّة، يعني غيم وقَتَر، أما إذا لم يكن علة فإنهم لا يقبلون شهادة الواحد بل لابد أن يشهد به عدد.
هاتان مسألتان في هذا الحديث، وفي حديث ابن عباس في خبر الرجل الأعرابي، الأعرابي يطلق على البدوي الذي يعيش في الصحراء أنه جاء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فأخبره برؤية الهلال فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم قال: أتشهد أن محمدًا رسول الله قال: نعم قال بعد ذلك: فأذِّن يا بلال بالناس أن يصوموا غدًا، فرتب النبي –صلى الله عليه وسلم- على خبر هذا الرجل الصوم وأفاد هذا مسألتين؛
المسألة الأولى:- اعتبارُ خبر الواحد مجهول الحال من أهل الإسلام في إثبات الشهر، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يسأل هذا الرجلَ إلا عن إسلامه، واكتفى بإسلامه عن معرفة عدالته الخفيَّة واكتفى بظاهر الحال؛ فدل ذلك على أن العدالةَ الظاهرةَ تكفي في إثبات الأخبار الدينية ومنه خبرُ رؤية الهلال فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- اعتمده في إثبات رؤية الهلال.
أما المسألة الثانية:- في حديث ابن عباس فهي حكمُ إخبار الإنسان برؤية الهلال، وحكم شهادته بذلك، هذه المسألة نصَّ فقهاء الحنفية على أن من رأى الهلال وجب عليه أن يخبر برؤيته إذا كان لا يثبت الشهر إلا بخبره، وهذا وإن لم ينص عليه بقية الفقهاء على هذا النحو إلا أنه معروف من جهة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وعليه فمن رأى الهلال وكانت الرؤية لا تثبت إلا بخبره فإنه يجب عليه أن يتقدم، بل قال الفقهاء: إن المرأة المخدَّرةَ أي ذات الخِدر التي لا تخرج من بيتها إذا رأت الهلال وجب على زوجها أن يأذن لها بالخروج حتى تشهد برؤيته. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.