بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.
قال الحافظ ابنُ حجر –رحمه الله- تعالى في بُلوغ المَرام.
كتاب الصيام :وَعَنْ حَفْصَةَ أُمِّ اَلْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا-, عَنِ اَلنَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ اَلصِّيَامَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ)) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ, وَمَالَ النَّسَائِيُّ وَاَلتِّرْمِذِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ وَقْفِهِ, وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ. أبو داود:2454, الترمذي:730, والنسائي4/196. واللفظ للنسائي.
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ: ((لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنَ اَللَّيْلِ)).سنن الدارقطني:2214 , وابن ماجه:1700.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوثِ رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
هذا الحديثُ - حديث حفصة رضي الله تعالى عنها - جاء نظيره عن ابن عمر وعن عائشة، وهو في مسائلِ نيةِ الصيام وفيه جملة من المسائل:-
المسألة الأولى:- وجوبُ النيةِ للصوم وهذا ما عليه جماهيرُ العلماء ودلَّت عليه الأدلَّةُ في الكتاب والسنة؛ فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- رتَّب الصيامَ على نيةٍ سابقة فقال –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ اَلصِّيَامَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ»، وهذا يدلُّ على أنه لابد في الصوم من نيةٍ.
وأدلة وجوب النية في الكتاب والسنة كثيرة.
أما المسألة الثانية:- فهي ما هي حقيقةُ النية التي لابد منها في الصوم وغيرِه من الأعمال؟
لا يصلح عملٌ إلا بِنية، وحقيقة النية هي عَزمُ القلب وقصدُه وإرادتُه، هذه حقيقة النية، فالنية ليست شيئًا يفعله الإنسان بِبَدنه أو ينطِق به بلسانِه، إنما هو شيءٌ وَقَر في قلبه وهو عزمُه وقصده وإرادته، ويكفي في هذا أن يَخطُرَ على قلبه أنه صائم غدًا، فلا يحتاج في ذلك إلى مزيد أمرٍ من قول أو عمل.
المسألة الثالثة:- وجوبُ النيةِ لصيام الفَرد فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «لا صِيامَ لِمَنْ لَم يَفرِضْه مِنَ اللَّيلِ» وقال –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ اَلصِّيَامَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ»، فدلَّ هذا على أنه يجب في صيام الفرض أن يبيَّتَ له النية، وذلك بأن ينويَ ليلًا أنه صائمٌ غدا.
الحديث عامٌّ يشمَل الفرضَ والنفلَ فلماذا قيد الحكمَ بالفرض دون النفْل؟ يعني لماذا قلنا: أنه يجب في صيام الفرض أن ينوي والحديث عام يشمل صيامَ الفرض والنفل؟
الجواب: على هذا أنه سيأتي أحاديثُ دالةٌ على جواز الصيام في نية النهار فيما يتعلَّق بالنفلِ، وهذا هو الراجح في قول العلماء في مسألة صيام النفل أنه يصحُّ بنيةٍ من النهارِ.
المسألة الرابعة:- متى تكون النيةُ هل تكون أولَ الليل، أو آخر الليل، أو قبل غروب الشمس؟
الليل مبدَؤه من غروبِ الشمس إلى طلوع الفجر فقوله –صلى الله عليه وسلم-: «لا صِيامَ لِمَنْ لَم يَفرِضْه مِنَ اللَّيلِ» يدلُّ على أن النيةَ ينبغي أن تكون بين غروب شمسِ الليلةِ السابقةِ وطلوعِ الفجر، وهذا الذي عليه جماهير العلماء، فلو أنه نوى قبلَ غروبِ الشمس، نوى الآن أن يصومَ غدًا قضاءً على سبيل المثال هل تُجزئ هذه النية؟
جمهور العلماء على أن هذه النية لا تُجزئ؛ لأنَّها قبل غروب الشمس، فلابد أن ينويَ بعد غروب الشمس، وذهب الإمام أحمدُ في قول أنه إذا استصحَبَ النيةَ ولم ينقُضْها فإنها تَنفَعه ولو كانت قبل غروب الشمس، وهذا القول أرفقُ، وهو الأظهر؛ لكونه في حكمِ من نواه ليلًا حيث أنه لم ينقُض نيتَه.
المسألة الخامسة:- هل لابُدَّ في صيام رمضان من نيَّةٍ لكلِّ يوم أم يكفي أن ينوي أول الشهر في أول ليلة من رمضان أنه صائمٌ الشهرَ كلَّه؟
للعلماء في هذا قولان:
جمهورُ العلماء على أنه لابدَّ في كلِّ ليلة من ليالي رمضان أن ينويَ صيامَ غدٍ
وذهب الإمام مالك –رحمه الله- وهو روايةٌ في مذهب الإمام أحمد إلى أنه يُجزئ أن ينويَ أول ليلةٍ صيامَ الشهرِ فلا يحتاجُ إلى أن يجَدِّد النيةَ كل ليلة، وهذا ما لم ينقُضْ هذه النيةَ، ما لم يُفطر بعذرٍ أو بلا عذر، فإن أفطر بعذرٍ كسفر يحتاج إلى أن يجدِّد النية، وإن أفطَر لمرضٍ يحتاج إلى أن يجدد النية، المرأة إذا حاضَت تحتاج إلى أن تُجدد النيةَ بعد انقضاء حَيضِها.
لكن إذا لم يكُن قطع، فإنه لا يحتاج إلى أن يجدِّد النية َكل ليلة.
هذه جملة من المسائل التي ذكرها العلماء رحمهم الله في مسائل النية مستفادةٌ من هذا الحديث, وتأتي بقيةُ المسائل إن شاء الله تعالى في قراءتنا القادمةِ وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.