المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحية طيبة في بداية هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة"، عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة في البداية أنقل لكم تحياتي أنا محدثكم "وائل الصبحي"، ومن الإخراج زميلي "خالد الزهراني"، ومن تنسيق المكالمات "عبد الحميد الحربي"، مستمعينا الكرام في هذه الحلقات من هذا البرنامج ضيفنا الدائم فضيلة الشيخ الدكتور "خالد المصلح" في "جامعة القصيم" وعضو "لجنة الإفتاء في القصيم" فضيلة الشيخ أهلا وسهلا، وحياك الله.
الشيخ:- مرحبا بك حياك الله أخي وائل وأهلا وسهلا بالإخوة والأخوات.
المقدم:- حياك الله فضيلة الشيخ خالد في هذه الحلقات من هذا البرنامج التي نناقش فيها موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه، في هذه الحلقة مستمعينا الكرام من "الدين والحياة" نتحدث بعنوان (بين يدي رمضان) أيام قليلة ويحل علينا هذا الشهر الكريم الفضيل، سنتناول عدة نقاط ومسائل وتوجيهات وبيان كيف كان حال النبي -عليه أفضل السلام وأتم التسليم- في استقبال هذا الشهر الكريم.
فضيلة الشيخ خالد أبدأ معك بالحديث عن أحوال الناس في استقبال هذا الشهر الكريم، الناس وأحوالهم وأصنافهم تختلف في استقبال هذا الشهر الكريم الفضيل، لو نتحدث ابتداء عن أحوال الناس في استقبال هذا الشهر الكريم.
الشيخ:- بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية طيبة لك أخي وائل، وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله تعالى أن يبلغني وإياكم رمضان، ويرزقنا فيه صالح الأعمال، وأن يعيننا على الصلاة والقيام إيمانًا واحتسابًا.
شهر رمضان شهر مبارك عظيم، شهر خصه الله تعالى بخصائص قدرية وخصائص شرعية ميَّزته بين سائر الشهور، ولذلك نحن نتحدث في هذه الحلقة عما ينبغي أن يكون عن الإنسان بين يدي هذا الشهر المبارك، لاشك أن شهر رمضان شهر له من المزايا والخصائص ما يستوجب أن تكون النفس متطلِّعة متشوِّفة لبلوغ هذا الشهر تائقة إلى وصوله لتتزود إلى كل ما يكون من أسباب الخير والسعادة والانشراح والبهجة والفوز في الدنيا والآخرة.
فرمضان موسم عطايا، موسم هبات، موسم صالحات، موسم قربى إلى الله –عز وجل-ـ موسم ذكر لا تنتهي الكلمات في توصيف هذا الشهر المبارك الذي خصه الله تعالى بخصائص كبيرة، جاء في صحيح ابن خزيمة، وكذلك في سنن البيهقي وغيرهما أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال في آخر يوم من شعبان: «أيها الناس قد أَظَلَّكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامَه فريضة، وقيامَ ليله تطوعًا ومن أدَّى فيه فريضةً كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن من فطَّر فيه صائمًا كان مغفرةً لذنوبه» إلى آخر الحديثصحيح ابن خزيمة (1887)، والبيهقي في الشعب (3336)، وضعفه الألباني في الضعيفة:ح871 .
المقصود أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بشر وأخبر أصحابه بقدوم هذا الشهر المبارك، وبين لهم جملةً من خصائصه ومزاياه، وما ذكره هذا الحديث وإن كان قد ضعفه بعض أهل العلم لضعف إسناده إلا إن ما جاء فيه غالبه مما جاءت به الأحاديث في ذكر خصائص هذا الشهر، وعظيم فضله، وكبير ما فيه من أبواب الخيرات والبركات، لما ندرك هذا المعنى للشهر ننظر إلى أحوال الناس لاستقبال هذا الشهر.
الناس يعني يختلفون في استقبال هذا الشهر، لكن السواد الأعظم من أحوال أهل الإسلام استقبال الشهر هو التطلع والتشوف لبلوغ هذا الشهر، لاسيما إذا اخترق لاشك أن النفوس تحن لما فيه من خيرات، ما فيه من طاعات، ما فيه من صالحات، ما فيه من روح يملأ الأرواح وبهجة تسكن القلوب، وسكينة تعمر النفوس، هذه المعاني لاشك أنها تجذب النفوس وتشعلها متشوفة لبلوغ رمضان مع هذا الناس متفاوتون من حيث الأحوال في استقبالهم لرمضان.
من الناس من يستقبله كموسم من المواسم التي يتغير فيها نمط حياته، ويتغير فيها برنامجه اليومي، وتدخل عليه متغيرات عديدة في طريقة معاشه، ومنهم إضافة جانب الصيام موجود، لكن ليس حاصلًا في ذهنه البركة التي في الشهر من حيث ما فيه من الخيرات والهبات والعطايا والفتوحات، وبالتالي نفسه ليست بذلك النشاط الذي يعمر تلك القلوب التي عرفت فضل هذا الشهر، وأدركت عظيم ما فيه من خيرات فإنها تتشوف لهذا الشهر وتعزم النية وتعقد العزم على الاستكثار فيه من خيرات، على قيام إيمانًا واحتسابًا على قيامه، إيمانًا واحتسابًا على تحرى ليلة القدر وقيامها إيمانًا واحتسابًا، على الجود والإحسان على البر وصالح الأعمال، على تلاوة القرآن، على كثرة ذكر الرحمة، على لزوم المساجد، على الإحسان إلى الخلق عمومًا، على الصبر على أذى الناس وتحمل قصورهم وتقصيرهم فتجده معمور القلب في هذه المنظومة الواسعة من الأعمال الصالحة.
نفسه تائقة، نواياه عازمة، وقلبه متشوف لملء وعمارة وقته وصحائف أعماله بما يرضي عنه ربه، ولذلك أخي الكريم الإخوة والأخوات أن هذا يكون من نفوس فكرة غاية الوجود وأنه هذا الوجود إنما هو لعبادته وبالتالي لما تأتي الفرص والأزمنة والمواسم التي هي مواسم البر والطاعة يجد الإنسان فيها نفسه نشيطًا مقبلًا مستكثرًا من الطاعات ويعلم أن هذا الزمن لا يدوم، ما أسرع ما تنقضي أيام هذا الشهر، وينفرط عِقْد لياليه حتى يبلغ الإنسان منتهاه، وبعد ذلك يكون إما ممن فاز فيه بالصالحات، وإما أن يكون الآخر،نعوذ بالله ممن خفف ولم يدرك ما فيه من البر والعطاء والخير الذي جعله الله تعالى هذا الشهر محلًّا لكثير منه.
من المهم بين يدي رمضان أن نكثر من التوبة والاستغفار، وأن نستعين الله تعالى بالنية الصالحة والعمل الجازم على الصالحات، وأن نخرج منه فائزين.
هذا من المهمات التي ينبغي أن تسكن نفوسنا أيها الإخوة والأخوات، أن نخطط أن نخرج من هذا الشهر وقد غُفرت ذنوبنا وعَلَت أقدامنا في الصالحات، واستكثرنا من الخيرات، وأن نسلم ممن دعا عليهم النبي –صلى الله عليه وسلم- عندما قال: «رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ»صحيح مسلم (2551) ثم قال في الرواية الأخرى «رغمَ أنفُ امرئٍ أدرَكَ رمضانَ فلم يُغفُرْ لَه»مسند أحمد (7451)، وسنن الترمذي (3545)، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وهذا تنبيه إلى ضرورة العناية بهذا الشهر والاستكثار من كل صالح من الأعمال، بحيث أنه لا يخرج إلا وقد فاز بالخير الكثير.
طبعا هناك من يستقبل هذا الشهر بمعاني أسأل الله أن يعفو عني وعنه وعن كل من عمر قلبه بمثل هذه، يعني اهتمامه بكل من يقضي لياليه في لهوٍ أو فيما أشبه ذلك من العبس الذي ليس هو الغرض من رمضان، ولا أقول عن رمضان إلا أنه شهر التوبة، ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «رغمَ أنفُ امرئٍ أدرَكَ رمضانَ فلم يُغفُرْ لَه» تدخل هذا الموسم وتخرج منه دون مغفرة ليه؟ لأن أبواب المغفرة وأسباب العطاء والهبات كثيرة، لأنك إذا حرمت نفسك من ذلك في هذا الموسم متى يغفر لك؟ متى تدرك الخيرات؟ متى تستعتب؟ لاشك أن ذلك بعيد عمن هذه حاله، نسأل الله أن يقربنا وإياكم الصالحات وأن يعفو عنا القصور والتقصير.
الخلاصة: أحب أن أقول: إن الراشد هو من يكون بين يدي رمضان، قد عزم النية وأحسن القصد بالاستكثار من الصالحات بأداء الفرائض والاشتغال بالنوافل إيمانًا واحتسابًا، نسأل الله أن يعنيننا وإياكم على ذلك.
المقدم:- اللهم آمين، فضيلة الشيخ لو أردنا أن نتحدث عن الاستعداد لشهر رمضان المبارك، الاستعداد بهذا المعنى هل هو عقد النية على العمل الصالح والبذل والعطاء وفعل كل صنوف العبادة والطاعة لله –عز وجل- أم أن الاستعداد له معنى آخر؟
الشيخ:- الحقيقة الاستعداد يأخذ من منحيين:
المنحى الأول: ما ذكرت من أن الإنسان يعزم النية الراشدة الصادقة على العمل الصالح، النية أخي الكريم وأيها الإخوة والأخوات لها تأثير بالغ، النية تفتح أبوابًا مغلقة يدرك بها الإنسان أجرًا عظيمًا وبرًّا كبيرًا بمجرد عزمه الصادق ونيته الخالصة في إدراك الفضل، ولذلك لو نوى الإنسان صالحًا هم بحسنة وعزم عليها ولم يتمكن منها ليه؟ لأجل عارض، لأجل سبب خارج عن إرادته فإن فضل الله تعالى يبلِّغه ذلك، ولو لم يحصل منه العمل، مادام أنه نوى وحيل بينه وبين ما نواه بحائل خارج عن اختياره.
لذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم- عن قوم كانوا قد حبسهم العذر عن موافقة النبي –صلى الله عليه وسلم- في أشد الغزوات مشقَّةً وهي غزوة تبوك، قال: «إن أقوامًا بالمدينة ما سِرتم مسيرًا ولا نزلتم واديًا إلا شاركوكم في الأجر» قالوا: وهم في المدينة يا رسول الله؟ قال: «وهم في المدينة حَبَسَهم العذر»صحيح البخاري (4423) ، فهم قوم لم يخرجوا بأبدانهم، لكن خرجت قلوبهم بالنوايا الصادقة والعزائم الراشدة في أن يشهدوا ذلك المكان الذي حيل بينهم وبينه بما كان من حائل ومانع وهو العجز وعدم القدرة، فكتب لهم الأجر.
كذلك الإنسان الآن لما تنوي أنت الآن إذا أدركت رمضان ستصومه إيمانًا واحتسابًا، وستقومه إيمانًا واحتسابًا وأنت أيضًا ستصوميه إيمانًا واحتسابًا، وتقوميه إيمانًا واحتسابًا، وستقرؤون ما يسر الله لكم من الختمات، وستحافظون على الصلوات، وستحسنون إلى الخلق بما تستحسنون به من كل وجه، وستكفون أذاكم عن الناس.
كل هذه العزائم نوايا صادقة تؤجر عليها، ولو قدر أنه حال بينك وبين رمضان حائل أو عجزت عن شيء مما نويت فلك الأجر، النبي –صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي كبشة الأنماري يقول: «الناس أربعة» وانتبه لهذا الحديث لأنه يبين لك أثر النية في الأجر والوزر «إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: رجلٌ آتاهُ اللهُ علمًا وآتاهُ مالًا فهو يعملُ بعلمِهِ في مالِهِ» هذا الآن الأول: رجل عنده مال وعنده عمل بهذا المال، يعني جمع بين النية الصادقة والعمل الصالح، فالعلم قاده إلى مواطن الهدى وتمكن من العمل.
الثاني رجل يقول: ما عنده مال لكن عنده نية صادقة، «ورجلٌ آتاهُ اللهُ عِلمًا ولم يؤتِهِ مالًا فهو يقولُ لو آتانيَ اللهُ مثلَ ما أُوتِيَ فلانٌ لفعلْتُ فيه مِثلَ ما يفعلُ» هذا ما عنده عمل لكن عنده نية صادقة، عنده عزيمة، عنده رغبة في الخير، عنده همة في الصالح يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: «فهما في الأجرِ سواءٌ» فانظر كيف أثرت النية، بلَّغت الإنسان هذه المنزلة العالية، منزلة الرجل الذي جمع نية صالحة وعلمًا نافعًا وعملًا صالحًا، ذاك أدرك أجر هذا بنيته، في المقابل رجل آتاه الله تعالى مالًا ولم يؤتيه علمًا ، فهو يتخبط بجهله، يصرف أمواله فيما يفسد عليه دينه ودنياه.
فيقول رجل: لو آتاني الله مثل ما آتاه يعني من المال، عملت ما يعمل هذا، هم بالسيئة، وهم بالوزر يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- «فهما في الوزرِ سواءٌ»مسند أحمد (18024)، وسنن ابن ماجه (4228)، وقال الألباني: صحيح لذلك أولى خطوات الاستعداد لرمضان هو أن يملأ الإنسان قلبه بالنية الصالحة، وهذه عزيمة صادقة أن يكون شهره شهرَ خيرٍ وبرٍّ وطاعة وإحسان إيمانًا واحتسابًا، قيام إيمانًا واحتسابًا، صدقة، سائر أبواب الخير التي تشرع للمؤمن في هذا الشهر المبارك.
أيضًا مما يستعد به لرمضان أن يزيل الإنسان العوائق التي تحول بينه وبين الطاعة، أعظم ما يعيق الإنسان عن الطاعة هي سيئاته وخطاياه، فالسيئات أشبه ما يكون بالقيود في الأقدام تعيق الإنسان عن العمل الصالح تثبِّطه عن الخير، تثقل عليه البرَّ وتجعله صعبًا، فكثرة التوبة والاستغفار مما يعين الإنسان على صالح الأعمال، ويحبِّب له الخير وينشِّطه عليه، ويجعله قريبًا منه.
ولذلك من الاستعداد لرمضان إضافة لما ذكرت من العمل الصالح، أن يجتهد في الاستغفار والتوبة إلى الله –عز وجل- وإزالة كل ما يعيقه عن الله –عز وجل- بالرجوع إلى الله، فالصحبة الطيبة احرص عليها، ابعد عن الصحبة الرديئة، كفَّ عن الخطايا والمعاصي والسيئات ولا تؤجل؛ فإن ذلك يعيقك، إذا أجَّلت عاقك ذلك عما تؤمِّل من الخير.
من ثالث ما ينبغي أن يستعد به لرمضان الدعاء، بأن يبلغك الله هذا الشهر المبارك ويرزقك فيه صالح العمل، فإن الدعاء مفتاح للخيرات والأبواب المغلقة التي لا سبيل إلى الوصول إلى ما وراءها من خيرات إلا بصادق الدعوات، ولذلك كان السلف يدعون ستة أشهر اللهم بلغنا رمضان، ويدعون أن يبلغهم الله تعالى رمضان وأن يرزقهم فيه صالح الأعمال.
ولهذا إذا استحضرنا هذه الأمور الثلاثة، استقبال الشهر بالنية الصادقة- كثرة التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله –عز وجل- والإقلاع عن الخطايا- الدعاء الصادق ببلوغ الشهر والإعانة فيه على الطاعة والإحسان، فإننا قد تهيأنا بتهيئة الأساس التي هي منطلق راشد في هذا الشهر المبارك.
رابع ما يستعد به للشهر أن يعرف الإنسان من أحكام الصوم، من فضائل شهر رمضان ما يعين على أداء هذه الطاعات، والقيام بهذه الشرائع على نحو يرضى الله تعالى عنه، ويكون فيه سابقًا بالخيرات عاملًا بالصالحات، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعينني وإياكم على بلوغ الشهر، وأن يبلغنا فيه ذروة الخير في الصيام إيمانًا واحتسابًا، وقيامه إيمانًا واحتسابًا وسائر الطاعات.
المقدم:- اللهم آمين، اسمح لنا فضيلة الشيخ خالد أن نذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة من البرنامج برنامج "الدين والحياة" ثم بعدها نكمل هذا الحديث الماتع تحت عنوان بين يدي رمضان.
مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة بعدها نعاود الحديث، فابقوا معي.
نعاود الترحيب بكم مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة ضيفي الكريم فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء في القصيم فضيلة الشيخ أهلا وسهلا، وحياك الله مجددًا.
الشيخ:- حياك الله مرحبًا بك أخي وائل.
المقدم:- فضيلة الشيخ كنا نتحدث تحت عنوان بين يدي رمضان، يعني هناك مسائل سنتحدث عنها تتعلق بقدوم هذا الشهر الكريم، ومن ضمن هذه المسائل ما يتعلق بمشروعية التهنئة ببلوغ هذا الشهر الكريم، وأيضًا الفرح بقدوم شهر رمضان المبارك.
الشيخ:- ما في شك أن الفرح ببلوغ هذا الشهر المبارك مما يؤجر عليه الإنسان، فإن الفرح بالطاعة والفرح بمواسم الخير من الأماني القلبية التي يؤجر عليها الإنسان، ولذلك كون الإنسان يسرُّ إذا بلغ الشهر الذي فيه المغفرة، الذي فيه الصلاة، الصيام، القيام، الذكر، الدعاء، كل هذا تخطيط من الفرح بنعمة الله وفضله الذي أمر به في قوله: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾يونس: 58 هذا الفرح يدل على صحة إيمان وصدقه وصحة الرغبة في الخير وذلك مما يؤجر عليه بلا شك.
أما ما يتعلق بالتهنئة في شهر رمضان، التهنئة بالكلمات الطيبة هي من الأمور المباحة، وقد استحبها بعض الفقهاء استنادًا لما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه بشر أصحابه بقدوم الشهر حيث قال: «أظلَّكمْ شهرٌ عظيمٌ شهرٌ مباركٌ»سبق .
وهذا نوع من زفِّ البشرى للمسلمين بإدراك هذا الموسم، ونوع من السرور والتهنئة، هكذا استدل لمشروعية التهنئة بعضُ أهل العلم، والذي يظهر لي والله تعالى أعلم، أنه يجوز التهنئة ولا حرج في ذلك، وهي من الخير الذي إذا قاله الإنسان يرجى أن يكون خيرًا له ولمن يهنئه؛ لأن التهنئة بمعنى دعا له بالبركة، بارك الله لكم في الشهر، وأعانكم فيه على الصيام والقيام ونحو ذلك من الأدعية المباركة.
ولو لم يرد فيه أصل عن النبي –صلى الله عليه وسلم- فإن القاعدة عند الفقهاء أن التهنئة بالشهور والأيام والأعوام من العادات التي ترجع إلى العرف والعادة، وهي مما لا حرج فيه -إن شاء الله تعالى-.
خلاصة الأمر: أن الفرح بمقدم الشهر عبادة، وأن التهنئة به من المباحات، وهي من الكلمات الطيبات، وحتى على القول بأنه لا يشرع التهنئة كما قال ذلك بعض أهل العلم، إذا هنأك أحد فإنك تجيب على تهنئته، فإذا قال لك أحد: بارك الله لك في الشهر أو مبارك عليكم رمضان أو نحو ذلك يجيب؛ لأن هذا من التحية التي تدخل في عموم قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾النساء: 86 .
المقدم:- شيخ خالد هذا فيما يتعلق بمشروعية التهنئة ببلوغ هذا الشهر الكريم، خاصة وأنه موسم عبادة وموسم طاعة يفضل عن غيره من الشهور والأيام بأن ميَّزه الله –تبارك وتعالى- على غيره من الشهور، وجعله شهر القرآن وشهر الخير والبركة، فضيلة الشيخ يعني قبل أن نبدأ بالحديث وبالكلام عن مسألة الترائي ورؤية هلال شهر رمضان المبارك، نتحدث عن أن النفوس في شهر رمضان المبارك تكون متَّقدة ومُقبِلة على الخير والطاعة والبركة؛ لأن الناس تكون في أجواء إيمانية، تكون في أجواء عبادة، في أجواء ذكر لله –تبارك وتعالى- صيام وقيام وقراءة للقرآن، وهذا مما يعين المسلم على العبادة والطاعة في هذا الشهر الكريم.
إذا لم يُكثِر ولم يجتهد في العبادة في هذا الشهر الكريم فمتى يجتهد المسلم؟
الشيخ:- هذا الشهر المبارك حقيقة شهر يكثر الله تعالى فيه من أبواب الخير وأبواب البر والإعانة على الصالح ما يقطع عذر كل معتذر في أن يقعد عن الصالحات، يعني من قعد عن الخير في رمضان فإنه سيقعد عنه في غيره من باب أولى؛ لأن النفوس مثل ما تفضلت تجد من الإقبال والرغبة والحرص والقوة في الإقبال على الله –عز وجل- ما يجعلها حَرِيَّة بأن تبادر إلى كل صالحة وتغادر كل سيئة، وتأخذ بالرشد وتبعد عن كل ما يكون من أسباب الغي.
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ»صحيح مسلم (1079) هذا خبر أن حدثًا كونيًّا، حدثا قدريا يتزامن مع هذا الشهر المبارك، يتزامن مع مجيء هذا الشهر المبارك يعني بدخول شهر رمضان تحصل هذه الوقائع الثلاث: تفتح أبواب الجنان نسأل الله من فضله، وتغلق أبواب النيران هذان أمران يتعلقان بالحسنات والسيئات، ففتح أبواب الجنان إيذان بنشاط النفوس وإقبالها على الخير، وعظيم ما يكون في هذا الموسم من طاعات، تفتح له أبواب الجنان، وتفتيح أبواب الجنان يدل على تنوع أنواع الخير، صيام، وصلاة، وذكر، وجهاد، وصدقة وسائر أنواع البر.
فأبواب الجنان لكل باب عمل من الأعمال الصالحة كما دلَّ عليه حديث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في ذكر أبواب الجنة والأعمال الصالحة التي تكون لتلك الأبواب، ففتح أبواب الجنان إيذان بأنه يدخل الإنسان في الخيرات من كل باب، ومن كل جهة.
ولذلك تفتح أبواب الجنان في هذا الموسم المبارك، وإغلاق أبواب النيران إيذانٌ بالزهد في السيئات، والتقلل منها، والبعد عنها، وألا يُقبِل الإنسان عليها.
طبعا فتح أبواب الجنان وغلق أبواب النيران كما ذكرت هو إيذان بتيسر الطاعات والزهد في السيئات، هناك أكبر داعي يدعو إلى السوء والشر: الشيطان وذريته هؤلاء هم الذين تكفلوا بالإغواء واجتهدوا في الصد عن سبيل الله بكل سبيل ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾الأعراف: 16- 17 .
فلا تجد أكثرهم عابدين بسبب هذا القعود الذي تكفل به الشيطان هو وذريتُه، ولهذا يعان المؤمن في هذا الشهر المبارك بأن يُكفى عنه كيد الشيطان، تصفَّد الشياطين تُغلُّ وتسلسل بحيث لا يكون لها من التأثير كما يكون في سائر الزمان، وهذا عون من الله للعبد في أن يُقبل على الله –عز وجل- بالطاعة والإحسان، فيكون هذا من العون الإلهي لكل راغب في الخير مقبلٍ على الله –عز وجل- أن يعان وأن ييسر له ما يكون سببًا لبلوغه ما يأمل من الصالحات والخيرات.
ويدرك الإنسان بذلك فضلًا عظيمًا، ولهذا في هذا الحديث وغيره عند الإمام أحمد وغيره، بعد أن أخبرنا النبي –صلى الله عليه وسلم- بتفتيح أبواب الجنة وتغليق أبواب النار وتصفيد الشياطين قال: «يا باغيَ الخيرِ أقبل ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر»سنن الترمذي (682)، وحسنه الألباني حتى ينقضي رمضان، هذا إيذان بأنه شهر تنشط فيه النفوس وتقبل على الصالحات، تقبل على الخيرات، تقبل على طاعة الله –عز وجل- وتنصرف عن الردى والسوء والشر والفساد.
إذ أنه أُعين من الله –عز وجل- بإعانتين:
- التنشيط على الصالحات.
- وكف العدو الذي قعد على الصراط ليصدَّ الناس عن سبيل الله، «يا باغيَ الخيرِ أقبل، ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر، وللَّهِ عتقاءُ منَ النّارِ، وذلك في كل ليلة» اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
المقدم:- اسمح لنا فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أن نذهب إلى فاصل ثاني في هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة"، بعدها سنتحدث -بمشيئة الله تعالى- عن مسألة الترائي، رؤية هلال شهر رمضان المبارك، اسمح لنا شيخ خالد أن نذهب إلى فاصل ثاني في هذه الحلقة بعدها نكمل الحديث وإياكم مستمعينا الكرام فاصل قصير بعدها نعاود الحديث ابقوا معنا.
نعاود الترحيب بكم مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه في جامعة القصيم وعضو لجنة الإفتاء في القصيم فضيلة الشيخ أهلا وسهلا، وحياك الله مجددًا.
الشيخ:- حياكم الله، مرحبا بكم أخي وائل، وأهلا وسهلا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، حياكم الله.
المقدم:- حياكم الله فضيلة الشيخ نتحدث في هذه الحلقة تحت عنوان (بين يدي رمضان) ونحن على مَقربُة من قدوم هذا الشهر الكريم الفضيل، مُقبِلون بعد أيام قليلة على دخول هذا الشهر الكريم شهر رمضان المبارك فضيلة الشيخ نتحدث عن مسألة الترائي رؤية الهلال، وهي التي بها يدخل شهر رمضان المبارك، هذه الرؤية هي التي تحدد دخول الأشهر، وبالتالي تحديد أيام العبادة كرمضان والحج، فارتبطت هذه الرؤية بعبادات، والعبادات هذه من أركان الإسلام كالصيام والحج.
فضيلة الشيخ نتحدث عن مسألة الترائي رؤية الأهلة ودخول الأشهر.
الشيخ:- الله –عز وجل- يقول: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾البقرة: 189 هذا خبر من الله –عز وجل- أن هذه الأهلة أهمُّ ما فيها ومن أهم مقاصدها هو ما يتصل بمعرفة دخول الشهور وبدايتها، النبي –صلى الله عليه وسلم- قد علق الصوم بالرؤية فقال –صلى الله عليه وسلم-: «صوموا لرؤيتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ» ثم قال –صلى الله عليه وسلم-: «فإن غُمَّ علَيكُم» يعني وجد ما يمنع من رؤية الهلال من غيم أو غبار أو قَتَر أو حائل يحول دون رؤية الهلال «فاقضوا له»، وفي رواية مسلم «فعدُّوا ثلاثينَ»، وفي رواية البخاري «فأكْمِلُوا عِدَّةَ ثَلاثِينَ»، وفي حديث أبي هريرة في صحيح البخاري قال: «فأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبانَ ثَلاثِينَ»صحيح البخاري (1909)، صحيح مسلم (1080) .
فبين هذا أن صوم رمضان لا يكون إلا عن يقين، إما بالرؤية، وإما بإكمال العدة، فلا يصام رمضان إلا برؤية معتبرة، وإما بإكمال عدة شعبان ثلاثين، كما بينه حديث ابن عمر، وحديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، وبالتالي استحب العلماء ترائي الهلال بمعنى طلب رؤية الهلال لمعرفة دخول الشهر من عدمه، وقد نص على استحباب ذلك فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة.[المغني:3/6، فتح القدير2/313]
وذلك أن الناس كانوا يتراؤون الهلال زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو وسيلة لعبادة وإقامة شعيرة سواء كان ذلك في الصيام أو كان ذلك في الحج، أو غير ذلك من الشعائر التي ترتبط بمعرفة الأهلة، وفيما رواه أبو داود وغيره من حديث ابن عمر قال: تراءى الناس الهلال يعني في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فصام، فأمر الناس بصيامه"[سنن أبي داود:ح2342، ومستدرك الحاكم:ح1541، وقال:صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "] فدل هذا على أن طلب رؤية الهلال كان من الأعمال التي يستحبها الناس ويفعلها الناس زمن النبي –صلى الله عليه وسلم-.
وقد ذكر فقهاء الحنفية أن طلب رؤية الهلال فرض كفاية[المسالك في شرح موطأ مالك:4/165]، يعني واجب على الأمة جميعها إذا قام به من يحصل به العلم بالهلال كان ذلك مؤديًا لما يجب على الأمة جميعًا، وأما فقهاء الحنابلة فهم يرون أن ترائي الهلال مستحبٌّ.[المغني:3/6]، فيستحب للناس أن يتراءوا الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، لكن بالتأكيد أن الترائي لابد أن يكون عن علم، وقد روت عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يحتفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ويقول: «صوموا لرؤيتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ«[سبق]
وهذا يدل على اعتنائه –صلى الله عليه وسلم- بطلب رؤية الهلال لشعبان احتياطًا لرمضان، وكذلك طلب رؤية هلال رمضان لأجل أن يصوم على النحو الذي شرع الله –عز وجل- «صوموا لرؤيتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ»، والله تعالى قد قال: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾البقرة: 185 وشهود الشهر إنما يكون بترائي هلاله، ولهذا تندب عندنا في هذه البلاد المباركة الجهات ذات الاختصاص من المحكمة العليا وأصحاب الفضيلة والمختصون في المحاكم يتقبلون شهادة الناس برؤية الهلال فيتهيأ الناس وينتدب جماعات من أهل هذه البلاد المباركة لرؤية الهلال، حتى يدخل الناس الصوم وهم على بصيرة فيما يستقبلون من شهر يرجى فيه الخير والبر والعطاء والإحسان.
فترائي الهلال مشروع وهو من أهل الاختصاص يعني العارفين برؤية الهلال، والحمد لله عندنا من المراكز والجهات الموثوقة ما يطمئن الإنسان على القيام بهذه المقدمة للشهر المشروعة، وهي ترائي الهلال على ما ذكرنا قبل قليل، فيكون هذا -إن شاء الله تعالى- محققًا للمقصود الشرعي من طلب رؤية الهلال.
المقدم:- فضيلة الشيخ لدينا مسألتان:
وهي هل تقبل شهادة الشخص الذي من عامة الناس الذي يكون قد رأى الهلال، وهو من غير المختصين؟.
الشيخ:- يعني كل من أخبر برؤية الهلال وهو عارف بالهلال أي عارف بمطالعه؛ لأنه هذا لا يلزم أن يكون دارسًا، وهذا من رحمة الله أن الهلال يرى في السماء، يبصره حديث البصر الصغير والكبير والذكر والأنثى، ولهذا ما شرط النبي –صلى الله عليه وسلم- في رؤية الهلال شروطًا زائدة، بل لما أخبر ابن عمر النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه رأى الهلال قَبِل منه خبرَه ورتَّب عليه الصيام حيث قال ابن عمر رضي الله عنه: «تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول اللهِ ﷺ أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه»سنن أبي داود (2342)، قال الألباني: إسناده صحيح وفي الحديث الآخر، وهو حديث ابن عباس، وهو في السنن «أن أعرابيًّا جاء إلى النبيِّ ﷺ فقال: إني رأيت الهلالَ، فقال: أتشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ؟ قال: نَعم، قال: أتشهدُ أن محمدًا رسولُ اللهِ؟ قال: نَعم، قال: فأذِّنْ في الناسِ يا بلالُ أن يصوموا غدًا»سنن أبي داود (2340)، وسنن الترمذي (691)، وضعفه الألباني، قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم فالنبي –صلى الله عليه وسلم- قبل شهادة هذا الرجل مع أنه لا يعرفه، وإنما اكتفى منه بوصف الإسلام وظاهر الصدق في الإخبار بأنه رأى الهلال.
ولهذا إذا رأى الإنسان الهلال يذهب إلى الجهات التي عينت في المحاكم الشرعية ليخبر بما رأى، وسيتولى القضاة وأصحاب الفضيلة في هذه المواقع يتحققون من صحة رؤيته، وعليه يترتب الأمر الذي يتعلق بثبوت الشهر بعد رفعه إلى الجهات ذات الاختصاص، ولكن ينبغي للناس ألا يعجلوا قبل أن يصدر الخبر من ولي الأمر؛ لأن الناس تبع لولاة أمورهم، فلا يستعجل بنشر الأخبار أنه رأي وأنه غدا رمضان، لأن هذا ليس من الأفراد، إنما هذا لابد أن يمضي وفق التراتيب الشرعية الإدارية التي يفصل عنها الأمر الذي يثبت به الشهر، نسأل الله أن يبلغنا وإياكم رمضان، وأن يرزقنا فيه صالح الأعمال.
المقدم:- فضيلة الشيخ أحد المستمعين الكرام أرسل في مسألة الترائي يسأل عن حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أحصوا هلالَ شعبانَ لرمضانَ»سنن الترمذي (687)، والبيهقي (7940) هذا الحديث الذي ورد في صحيح الترمذي يسأل يقول: ألا يشير هذا الحديث ولو من بعيد على الاعتماد على الحسابات الفلكية مع الترائي؟
الشيخ:- مسألة الحسابات الفلكية مسألة حكي فيها إجماع أهل العلم على عدم اعتبار الحساب في إثبات الهلال، بمعنى أنه لا يعتبر الحساب في إثبات الأهلة، إنما المعتبر هو الرؤية، وهذا لا يعني ألا يستفاد من الحساب في معرفة الأشهر والأهلة، لكن لا يعتمد؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «صوموا لرؤيتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ» والله –عز وجل- يقول: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾البقرة: 185 .
والإجماع منعقد على الشهود هنا الرؤية، والحساب يستفاد منه في مسألة إذا أتى من يخبر برؤية الهلال وأهل الحساب يقولون: لا يمكن أن يُهلّ الهلال بمعنى أنه سيغيب الهلال وسيغرب القمر قبل الشمس في هذه الحال لا يمكن أن يرى الهلال، إذا غرب القمر قبل الشمس فإنه لا يمكن أن يرى الهلال، فلو جاء شخص وقال: رأيت الهلال وهو في وقت يقول أصحاب الحساب أنه لن يرى، لا يمكن أن يرى لتقدم غروب الشمس وغروب القمر على الشمس.
ففي هذه نوقن أن الرجل أخطأ بشيء خلاف الصواب، وأنه ليس مطابقًا للواقع، إنما هو توهُّم، ما نكذِّبه لأنه الأصل عدم الكذب، لكن نقول: رأيت شيئًا غير الهلال، يعني قد يرى شيئًا ويتوهم أنه الهلال وليس هو الهلال، أما الهلال فلا يمكن أن يرى بناء على ما أفاد الحاسبين، لكن لو قال الحاسبون: إن الهلال سيولد قبل غروب الشمس هل يثبت بهذا دخول الشهر ولو لم يره الناس؟ لم يثبت عن أحد من فقهاء الإسلام أنه يعتمد الهلال في مثل هذا، بل حكي ابن هبيرة الإجماع فقالوا: اتفقوا على أنه لا اعتبار بمعرفة الحساب والمنازل في دخول وقت الصوم على من عرف ذلك، ولا على من لا يعرف وهذا إجماع قديم وهو مبين أن الأصل اعتبار الرؤية، وهذا لا يناقض، لا ينافي الاستفادة من الحساب وما إلى ذلك.
لكن القضية أن الهلال هو ما رآه الناس، لا ما وُجد في السماء ولم يره الناس، فهو يرجع إلى قضية فقهية، إلى قضية شرعية، وأيضًا احتمالية ولادة الهلال قبل غروب الشمس تقع كثيرًا، لكن يوجد ما يمنع من الرؤية وبالتالي هم معذورون في عدم الاعتبار هذه الولادة للهلال قبل غروب الشمس، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «صوموا لرؤيتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ» وأخبر إن غم علينا، ما قال يعني: اذهبوا للحاسبين، واسألوا متى يولد، وهل ولد أم لم يولد؟ بل قال: فاقدروا له وفي الرواية الأخرى «فأكْمِلُوا عِدَّةَ ثَلاثِينَ»سبق فالدين مبني على اليسر والسهولة، ومن يسره وسهولته أنه لم يكلف الناس في مثل هذه العبادات العامة والشعائر التي تتعلق بأمور المسلمين، لم يعلقها بعلم يختص به أفراد، فالحساب لا يتقنه إلا أفراد من الناس، بخلاف الرؤية التي يدركها الصغير والكبير والعالم والجاهل والذكر والأنثى، فبالتالي مناط الحكم على الرؤية، ويستفاد من الحساب في حال النفي لا في حال الإثبات.
المقدم: شكر الله لك شيخ خالد المصلح، وكتب الله أجرك، وأسأل الله –سبحانه وتعالى- أن يجعلنا من الذين يستمعون القول ويتبعون أحسنه، شكر الله لك فضيلة الشيخ خالد المصلح.
الشيخ: بارك الله فيكم، وأسأل الله –عز وجل- أن يبلغني وإياكم رمضان، وأن يرزقنا فيه صالح الأعمال، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما يحب ويرضى، وأن ينصر جنودنا المقاتلين، وأن يقر أعيننا بالأمن والإيمان والسلامة والسلام في هذا الشهر المبارك وأن يعم الخير سائر بلاد المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.