×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة(113) السفر آداب وأحكام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2774

المقدم: في هذه الحلقات مستمعينا الكرام من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، وضيفنا الدائم فيها هو فضيلة الشيخ "خالد المصلح" أستاذ الفقه في "جامعة القصيم"، وعضو "لجنة الإفتاء في منطقة القصيم" فضيلة الشيخ خالد السلام عليكم، وأهلا وسهلا، وحياك الله معنا في بداية هذه الحلقة.

الشيخ:- السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبا بك أخي وائل، وأهلا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، وأسأل الله أن يجعله لقاء نافعًا مباركًا.

المقدم:- اللهم آمين، فضيلة الشيخ -بمشيئة الله تعالى- سيكون حديثنا في هذه الحلقة، سنتحدث عن السفر، عن بعض آدابه وبعض أحكامه، شريعتنا الإسلامية وديننا الحنيف اتَّسم بسمات كثيرة، وتفرد وتميز بأمور كثيرة لم تكن لغير هذا الدين الحنيف من الشرائع السابقة، ترفع الحرج وتدفع المشقة، وتقدر الضرورة والحاجة، وتلتمس العذر وتراعي أحوال الناس في أداء التكاليف الشرعية والعبادات.

 ومن هذه السمات والميزات التفريق بين المسافر والمقيم، حديثنا -بمشيئة الله تعالى- في هذه الحلقة فضيلة الشيخ عن بعض الآداب والأحكام التي ينبغي على المسافر مراعاتها والعناية بها.

فضيلة الشيخ أريد أن نبدأ بالحديث، اسمح لي أن نقسم الحديث في هذه الحلقة إلى جزأين.

 سنتحدث في الجزء الأول عن بعض الآداب المتعلقة بالسفر والمسافر.

 وسنتحدث في الجزء الآخر -بمشيئة الله تعالى- عن بعض الأحكام التي ينبغي على المسافر أن يعرفها وأن يعتني بها ابتداء. فضيلة الشيخ نريد أن نتحدث عن بعض الآداب، عن بعض السنن والمستحبات والأدعية هل هناك سنن مخصصة للمسافر في سفره؟

 الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة لك أخي وائل وأحيي المستمعين والمستمعات، وأسأل الله تعالى أن يكون هذا البرنامج وهذا اللقاء نافعًا مباركًا.

بما يتعلق بموضوع السفر، السفر هو من الحوائج الفطرية الطبيعية لبني آدم في كثير من أحيانهم، ولما نقول: الطبيعية، فنحن نقصد أن مقتضيات الحياة تقتضي، ومتطلبات الحياة تقتضي أن ينتقل الإنسان من مكان إلى مكان، ويتحول من منزل إلى منزل، ولا يختلف في هذا بشر عن بشر، ولا زمان عن زمان، فمفارقة الأوطان مما جرى عليه حال الإنسان وعمله من سالف الزمان، وبالتالي السفر مما يقترن بطبيعة الحياة البشرية، ولما كانت الشريعة المباركة شريعة شاملة لأحوال الناس وتحقق العبودية لله –عز وجل- في كل أحوال الناس في سفرهم وإقامتهم، وفي صحتهم ومرضهم، وفي منشطهم ومَكرَهِهم كان موضوع السفر محلَّ عناية في الأحكام الشرعية، سواء كان ذلك في الآيات القرآنية أو كان ذلك في ما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث والمنقول عنه قولًا وعملًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

السفر يختلف باختلاف الباعث إليه، وفي الجملة السفر يُكْسِب الناس أنواعًا من المصالح، ويحقق أنواعا من الأغراض يمكن تَلَمُّسُها فيما ذكره الشافعي –رحمه الله- في بيتين وجيزين قال

 

تَغَرَّبْ عنِ الأوطانِ فِي طلبِ العُلَا

                                 وسافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمسُ فوائدِ

(تفرج هم) هذه الفائدة الأولى، (واكتساب معيشة) هذه الثانية، (وعلم) هذا الثالث، (وآداب) هذا الرابع، (وصحبة ماجد) هذا هو النفع أو الفائدة الخامسة من فوائد الأسفار، وبالتالي نعرف أن البواعث على السفر مختلفة بالنظر لاختلاف الفوائد المجنية، فقد يسافر الإنسان لتفريج همٍّ أو كشف غمٍّ أو إزالة ضائقة.

 قد يسافر الإنسان لاكتساب معيشة وتحصيل مطلوب وهو المشار إليه في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُالملك: 15، وقد يسافر لتحصيل معارف وعلوم سواء كانت علومًا شرعية، أو علومًا مما يحصل به طيب معاش الإنسان واستقامة حياته، يسافر أيضًا لاكتساب الآداب والفضائل، وهذا من المعاني التي قد تخفى على بعض الناس في مقاصد الأسفار، فالإنسان أحيانًا يسافر من مكان إلى مكان ليس لغرض إلا أن يكتسب فضلًا أو أدبًا أو مصاحبة من يستفيد منه في سلوكه وتقويم أخلاقه.

أيضًا صحبة الأخيار هي من مقاصد الأسفار، فإذا سافر الإنسان مع صاحب فاضل، صاحب يزيده قربًا إلى الله –عز وجل- وصلاحًا في معاشه كان ذلك مما يدرك به المقاصد، والشافعي –رحمه الله- له أبيات في هذا المعنى منها قوله

سافر تجد عوضًا عمن تفارقه

                            وانْصَب فإن لذيذالعيش في النَّصَب

ثم ذكر من مضار الجمود في المكان وما ترتب عليه من الآفات يقول –رحمه الله-: 

إني رأيت وقوفَ الماء يفسِدُه

                              إن ساح طاب وإن لم يجرِ لم يَطِبِ

وذكر جملة من أشياء التي لو وقفت لكان في وقوفها وعدم تحركها نقص قال بعد ذلك

والتّبر كالتّرب ملقى في مواطنه**والعود في أرضه نوعٌ من الحطب

فإن تغرَّب هذا عز مطلبه   ***   وإن تغرَّب هذا عز كالذهب 

العادات المتصلة بالسفر عديدة، منها ما يكون قبل السفر، ومنها ما يكون في أثنائه، ومنها ما يكون بعده.

 فالآداب التي ينبغي أن يراعيها الإنسان في سفره عديدة، ويمكن أن نشير إلى أنواع من الآداب في هذه المواضع الثلاثة: ما يكون قبل السفر، وما يكون في أثنائه، وما يكون بعده، وثمة أحكام أيضًا شرعية تتعلق بالسفر نشير إليها -إن شاء الله تعالى- في حديثنا في هذا اللقاء المبارك.

فيما يتصل بالآداب، الأساس هو أن يعرف الإنسان أن سفره لا يخرجه عن عبادة الله –عز وجل-، يعني السفر ليس هو خروجًا عن رِبْقَة العبودية، فالإنسان عبدٌ لله –عز وجل- في كل أحواله، عندما نذكر في هذا المعنى أنه من الناس من إذا خرج عن مكانه المألوف أو موضعه المعتاد يتوسع في أنواع من الأعمال والتصرفات التي لا تكون في مكان إقامته؛ بالنظر إلى أنه غريب ولا يعرف، وبالتالي ما يكون منه لن يكون موضعًا لنقد أو عتاب أو نحو ذلك، وهذا غياب عن المعنى الذي ينبغي أن نتذكره دائمًا أننا في حِلِّنا وترحالنا وفي كل أحوالنا، نحن عبيد لله –عز وجل- يجب علينا أن نستحضر ما يكون من حقه، وما يكون من الفضائل التي نُدِبْنا إليها.

مما ينبغي أن يراعى في آداب السفر أن يكون الباعث على السفر باعثًا حميدًا، وذلك بأن يحقق شيئًا من المكاسب والمصالح التي أشرنا إليها في أول الحديث من تفريج همٍّ أو اكتساب معيشة وعلم، أو آداب أو صحبة ماجد، أو نحو ذلك من المقاصد التي تُقصد بالأسفار، وأن يبعد في سفره عن أن يكون قاصدًا شيئًا رديئا أو مطلبًا غير حميد، فإن ذلك مما يخرجه عن حد الاستواء والاستقامة في سفره.

من الآداب التي ينبغي أن يستحضرها الإنسان في سفره أن يبدأ سفره بذكر الله –عز وجل-، وذكر الله –عز وجل- هو شعار المسافرين في ارتفاعهم ونزولهم، وذلك أن الإنسان فقير إلى الله –عز وجل- في كل أحواله، في حِلِّه وترحاله، وفي حال خروجه عن المعتاد في إقامته، هو محتاج إلى مزيد قرب من الله –عز وجل- يحقق له الحفظ، يحقق له الصيانة، يبعد عنه الأخطار، يقيه الشرور والأضرار، فإن خروج الإنسان عن الحال المعتادة يكون به عرضة لآفات وعواقب يتطلب معها أن يكون قريبًا من الله –عز وجل- بذكره.

ولهذا كان الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يذكرون الله –عز وجل- في أسفارهم، فإذا علوا شَرَفًا يعني مكانًا مرتفعًا كبَّروا، وإذا نزلوا مُنخفِضًا سبَّحوا، وكانوا يرفعون أصواتهم بالذكر حتى قال لهم النبي –صلى الله عليه وسلم- «ارْبَعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصمًّا ولا غائبًا»صحيح البخاري (2992)، وصحيح مسلم (2704) ، والذكر ملاحظ أنه مشروع من ابتداء الإنسان وشروعه في سفره، فإنه إذا ركب دابته كبَّر الله –عز وجل- وذكره بما هو أهله من الثناء والحمد بحمده على ما يسر، فكان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا ركب دابَّته قال: «سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون» ثم ذكر الذكر المحفوظ في حال السفر من الدعاء الذي ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم- حيث جاء عنه فيما رواه ابن عمر في الصحيح أنه كان يقول: «اللَّهمَّ إنّا نسألُكَ في سفرِنا هذا البِرَّ والتَّقوى، ومن العملِ ما تحبُّ وترضى، اللَّهمَّ هوِّنْ علينا سفرَنا، واطْوِ عنّا بُعدَهُ، اللَّهمَّ إنّا نعوذُ بك من وَعَثاءِ السَّفرِ، وكآبةِ المُنقلَبِ، وسوءِ المنظرِ في الأهلِ والمالِ والولدِ»صحيح مسلم (1342)

وهذا الذكر يقوله في شروعه في السفر في ذهابه، وكذلك عند رجوعه فإذا رجع كان –صلى الله عليه وسلم- يقولهن، ويقول: زائدًا على ما تقدم «تائبون عابدون لربنا حامدون»صحيح البخاري (1797)، وصحيح مسلم (1342)، هذا الذكر من الآداب التي ينبغي أن يستحضرها الإنسان عند خروجه في سفره؛ لما فيه من المعاني الجليلة والمطالب العالية التي يتحقق بها للإنسان سلامة النفس والمال والأهل في السفر في أثنائه، وكذلك في إدراك المقاصد من سفره بتحصيل مطالبه وإدراك حاجته التي سافر من أجلها، سواء كانت الحاجة حاجة مشروعة، أو حاجة مأذونًا فيها، أو كانت حتى يعني نزهة وفسحة؛ فإن الإنسان إذا دعا بمثل هذه الأدعية بارك الله له في سفره، وشرح صدره، وأعانه على إدراك غايته من سعة الصدر وتغيير النمط المعتاد في الحياة الذي يجدد نشاطه، ويجعله يدخل مدخلًا مختلفًا عما كان.

هذا ما يتصل بالسفر في آدابه

من آدابه في الآداب التي تكون سابقة أيضًا في السفر: الحرص على صحبة الأفاضل في السفر، يعني تجنَّبْ صحبةَ من يكون عبئًا أو يكون سببًا للوقوع في الشر أو الوقوع في مكروه فينتقي في سفره من يكون عونًا له على الخير، من يكون له عونًا على تحقيق غايته من السفر ومقصوده، ولهذا ينتخب من الأصحاب من يكون عونًا له على إدراك مقصوده وبلوغ غايته في سفره، ولهذا أكد النبي –صلى الله عليه وسلم- على ألا يسافر الإنسان وحده لاسيما في الأماكن التي يكون الإنسان فيها في الطرقات عرضة لما يمكن أن يكون من الشرور والآفات.

ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عمر كما جاء ذلك في البخاري «لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ ما في الوَحْدَةِ ما أعْلَمُ، ما سارَ راكِبٌ بلَيْلٍ وحْدَهُ»صحيح البخاري (2998)  يعني من الأضرار والعوارض التي يقع فيها من الشرور ما قد لا يقوى الإنسان على دفعه ما أعلم ما سار راكب بليل وحده، وهذا ندب إلى انتقاء الأصحاب الذين يكونون عونًا للإنسان في تحقيق غرضه، طبعا الأيام هذه غالب الأسفار ما يكون الإنسان منفردًا، إما يكون في ركب إما في طائرة، وإما في وسائل النقل الحديثة، وحتى الطرقات التي يطرقها الناس في أسفارهم في الغالب لا تكون خالية من مصاحبين في الطريق، فالوحدة غير متحققة في غالب أسفار الناس اليوم، بخلاف السفر السابق، كان الإنسان في البرية وحده ليس معه أحد، وليس الطريق بمسلوك على نحو يندفع فيه الذي ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم- من حديث ابن عمر: «لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ ما في الوَحْدَةِ ما أعْلَمُ، ما سارَ راكِبٌ بلَيْلٍ وحْدَهُ«

لكن كون الإنسان يرافق في سفره من يكون عونًا له على بلوغ غايته وإدراك مقصوده، وتحصيل ما يؤمل من هذا السفر، فإن ذلك أدعى لتحقيق المصلحة.

المقدم:- فضيلة الشيخ قبل أن ننهي الشق المتعلق بالآداب في حلقتنا هذه المتعلقة بآداب السفر وبعض أحكامه أريد أن نتكلم عن نقطة فضيلة الشيخ هل يمكن أنه من الحسن أن يُخلِص العبد النية لله –عز وجل- حتى ولو كان مسافرًا لسفر له والتنزه مثلا كأن ينوي أن يدخل السرور على أهل بيته مثلا، أو أن ينوي التعلم وغيرها من الأمور التي تصلح بها النية؟ 

الشيخ:- ما في شك أن صلاح النية أمر يعين على إدراك غايته ومآربه، لهذا من المهم في السفر أن يعتني الإنسان بسلامة القصد لعله يقصد في سفره محرمًا، وهذا على وجه الوجوب، وإما على وجه الاستحباب، فهو أن يقصد بهذا السفر الاستعانة به على تحقيق الخير له وأسرته من إدخال السرور، أو قطع السآمة والملل أو ما إلى ذلك من المقاصد التي تحوِّل الأعمال العادية إلى عبادة، فبالنية الصالحة يتحول العمل الذي هو من العادات أو من حتى المباحات إلى كونه طاعة وعبادة، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما يأتيه الإنسان مما يشتهي أو يحب قال: «في بُضْعِ أحدِكم صدقة»صحيح مسلم (1006)  فجعل إتيان الإنسان لما يحب وما يشتهي موضعًا للأجر إذا كان ذلك بنية صالحة، ومن كفاية نفسه وتقويتها على الطاعة، وقطع السآمة عنها، هذا مما ينبغي أن يلاحظ.

 وبالتأكيد أن من نوى هذه النية كان مأجورًا لكن ينبغي أن يكون له بما لا يُوقِع في محرَّم أو يفتح باب الاشتغال عن الطاعة، وما يجب على الإنسان في حق الله –عز وجل-.

فاللهو المأذون فيه هو ما كان من طبيعة الإنسان ومقتضياته، معاشه الذي أشار إليه قول النبي –صلى الله عليه وسلم- لحنظلة: «ساعة وساعة»[صحيح مسلم:ح2750/12]، لكن ألا تكون هذه الساعة تُنتهك فيها المحرمات، أو تكون سببًا للوقوع في ترك الواجبات.

المقدم:- قبل أن نذهب إلى فاصل فضيلة الشيخ هناك نقطة أيضًا نريد أن نتحدث عنها وهي متى نطلق على سفر أنه سفر معصية؟ هل إذا طرأت عليه معصية أثناء سفره؟ أم إذا نوى ابتداء بنية السفر أنه سيعصي الله –عز وجل- في سفره، هذا متى نطلق على هذا السفر أنه سفر معصية؟ 

الشيخ:- ما كان الحامل عليه طلبَ ما حرم الله –عز وجل-، أما إذا كان السفر مباحًا أو حتى سفر طاعة لكن تخللته مخالفات، فهذا بمقتضي طبيعة الإنسان، ولا يسمى السفر سفر معصية، إنما سفر المعصية ما كان الباعث عليه الحامل إليه هو تحصيل مقصود محرَّم، إما من شرب خمر أو سرقة مال أو اعتداء على عرض أو غير ذلك من المحرمات الشرعية، يعني وما سافر إلا لأجل هذا، هذا مقصوده في السفر فإذا كان كذلك فإنه محرم، ومثل أيضًا أن يسافر إلى مواطن الفتن والشرور التي تكثر، حتى لو قال: أنا ما نويت أفعل هذه المحرمات، لكنه عرض نفسه لما يجب عليه أن يصون عنه في إتيانه أماكن الشبه ومواضع الريب ومواقع الفساد، فهذه مما يكون السفر فيها محرمًا.

المقدم:- اسمح لي فضيلة الشيخ أن نذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة، بعدها نكمل الحديث -بمشيئة الله تعالى- عن الجزء الذي سنتحدث عنه فيما يتعلق بأحكام السفر.

مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة، بعدها نكمل الحديث فابقوا معنا.

أهلا وسهلا بكم -مستمعينا الكرام- مجددًا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، والتي نتحدث فيها عن "السفر آداب وأحكام"، ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الدكتور "خالد المصلح" أستاذ الفقه بـ"جامعة القصيم" وعضو "لجنة الإفتاء في منطقة القصيم"، فضيلة الشيخ أهلا وسهلا بك مجددًا.

الشيخ:- حياك الله مرحبا وسهلا بك.

المقدم:- حياك الله فضيلة الشيخ في هذا الجزء سنتحدث -بمشيئة الله تعالى- عن بعض الأحكام المتعلقة بالسفر، والتي ينبغي على المسافر أن يراعيها وأن ينتبه لها، وأن يعتني بها وهي من الرُّخَص التي رخصها الله –عز وجل- للمسافر متعلقة بالصلاة، متعلقة بالصيام، وبعض أحكام الطهارة.

أيضًا لدينا بعض المسائل المتعلقة بها والاستفسارات التي وصلت من المستمعين الكرام.

نبدأ فضيلة الشيخ ببعض الأحكام المخصصة والتي هي خاصة بالمسافر حال سفرة.

الشيخ:- أخي الكريم ابتداء فيما يتعلق بالأحكام، حكم السفر نفسه، وهذا مما تجري فيه الأحكام، السفر مثل ما ذكرت هو عمل عادي في الأصل يحتاجه الناس وبواعثه عديدة، حكمه تجري فيه الأحكام الخمسة:

-قد يكون سفرًا واجبًا كما لو كان سفر لأداء فريضة الحج، أو لصلة رحم يجب وصلها.

- قد يكون مستحبًّا، وذلك في سفر لتحصيل المطالب التي ندب إليها الشارع كالسفر لصلة الأرحام، والسفر للحج والعمرة لغير الراشدين، والسفر في طلب العلم غير الواجب، سواء كان من علوم الشريعة أو من غيره من العلوم الأخرى.

- قد يكون سفرا مباحًا ليس في أحكام الوجوب والاستحباب، وهو ما يسافر فيه الإنسان لمصالحه التي أذن الله تعالى فيها.

- قد يكون مكروهًا، وذلك كسفره لما يخشى معه الوقوع في محرم، أو أن يخالف في سفره ما ينبغي أن يكون عليه مما لا يوقعه في الإثم، لكن يوقعه في النهي غير الجازم.

- النوع الخامس من الأنواع: فيما يتعلق بأحكام السفر ما يكون من السفر المحرم أو سفر المعصية، وهو الذي تكلمنا عن شيء منه قبل قليل، وهو ما يكون الباعث فيه معصية الله –عز وجل- هذه خمسة أحكام تنتاب السفر، وينبغي الإنسان أن يتأمل أين هو في هذه القائمة من الأحكام، هل سفره واجب؟ هل سفره مستحب؟ هل سفره مباح؟ هل سفره مكروه؟ هل سفره محرم؟ 

وينبغي أن يحرص على اجتناب ما كان محرمًا من الأسفار، وما كان مكروهًا؛ فإن ذلك يوقعه فيما يُكره من غضب الله –عز وجل- أو مقاربة ما نهاه عنه -جل في علاه-.

مما يتعلق بأحكام السفر أيضًا، ما يتصل بالسفر إلى مواطن يتعرض فيها الإنسان إلى مهلكة أو إلى خطر، وهنا ينبغي له أن يتجنب ذلك، وهو مما حرمه الله تعالى عليه، لقول الله تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِالبقرة: 195.

 من المسائل التي تتعلق بآداب السفر وأحكام السفر أن يكون على علم بما يتصل بأهم أعماله وهي الصلاة، فإن الله تعالى أذن للمسافر بالقصر فقال –جل وعلا-: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِالنساء: 101.

 وهذا حكم يشمل السفر الواجب والسفر المستحب، وكذلك السفر المباح، وأيضًا السفر المكروه.

 واختلف العلماء فيما يتعلق بالقصر في حال السفر المحرَّم؛ فذهب جمهور العلماء[الشافعية(المجموع3/434)، والمالكية(مواهب الجليل2/487)، والحنابلة(المغني2/193)] إلى أنه لا يُترخَّص بالقصر في وسائل رُخَص السفر في السفر المحرم، فلا يحل له القصر، ولا يحل له الجمع لأجل مشقَّة السفر، إذا كان سفره محرمًا، هذا مذهب جمهور العلماء، وهو نوع من الردع الذي به يقوِّم الإنسان نفسَه، ويصلح غرضه؛ إذ إن السفر المحرم إذا عدل فيه الإنسان نيَّته وصحح قصده فإنه يكون بذلك مأذونًا له في أن يترخص برخص السفر، فهو نوع من التأديب الذي يعينه على أن يقوِّم نفسه ويراجع خطاه إلى ما ينبغي أن يكون عليه من سلوك الصراط المستقيم، وعدم المضي فيما يفسد دينه ودنياه.

ولذلك من سافر، أحيانًا قد يستَزِلُّه الشيطان، أو يغويه صاحب شرٍّ وفساد، فيدعوه إلى سفر محرم، ثم يفتح الله تعالى عليه في أثناء سفره، بأن يندم ويتوب ويحب المراجعة إلى الطريق القويم، فهنا يقال له: من بداية توبتك تترخص برخص السفر، أما قبل ذلك فجمهور العلماء أن الإنسان لا يعان على معصية الرحمن بتسهيل ما يكون من رخص السفر، سواء كان مما يتعلق بقسم الصلاة، أو كان متعلقًا بالصوم، أو غير ذلك من رخص السفر المعهودة.

فيما يتعلق بالصلاة، السفر له تأثير في جوانب:

 الجانب الأول: فيما يتعلق بقصر الرباعية، وهي صلاة الظهر والعصر والعشاء فإنه جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا سافر صلى ركعتين، الرباعية يصليها ركعتين، أما الفجر والمغرب فلا يطرأ عليهما تغيُّر في السفر، وهذا محلُّ اتفاق بين أهل العلم، لا خلاف فيه من حيث الأصل، وأن قصر الصلاة في السفر رخصة تصدق الله تعالى بها على عباده، وتفضل بها عليهم؛ لأن السفر مظنَّة مشقة توجب التخفيف، وكان من التخفيف أن قصر عدد الركعات من أربع إلى ركعتين في الصلاة الرباعية.

الناحية الثانية:- مما يتعلق بالرخص المتصلة بالصلاة أن يجمع بين الصلاتين إذا احتاج إلى ذلك، الأصل في الجمع في السفر أنه مباح سواء دعت إلى ذلك حاجة أو لم تدع، لكن إن دعت إلى الجمع حاجة فإنه يكون مستحبًّا حينئذ.

إذًا الأصل جواز الجمع ولو لم تكن حاجة، لأن السفر مظنة وجود الحاجة، والشريعة تعتبر احتمالية وجود المشقة فتُقِيم الاحتماليةَ مقامَ التحقق، فترخص في بعض ما يكون من الأحكام ومنه الجمع، فيجوز الجمع للمسافر مطلقًا لكن متى يكون ذلك مسنونًا؟ أي متى يسن له الجمع؟ إذا احتاج إلى ذلك، وإلا فالسنة أن يصلي كل صلاة بوقتها.

فيما يتعلق بالقصر يقصر المسافر إذا صلى إمامًا، وكذلك إذا صلى منفردًا، فإنه يقصر الرباعية، لكن لو صلى خلف مقيم فجمهور العلماء[الحنفية(نصب الراية مع حاشية الشلبي1/213)، والمالكية(حاشية الكبير للدردير1/365)، والشافعية(المجموع4/356)، والحنابلة(المغني2/209)]على أنه يجب عليه أن يتم صلاته، ولا فرق في هذا بين أن يدرك الصلاة من أولها أو يدركها في أثنائها، أو يدركها في آخرها لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّما جُعِلَ الإمامُ لِيُؤْتَمَّ به»صحيح البخاري (378)، وصحيح مسلم (411).

  فإذا دخل الإنسان مع الإمام المقيم في أول الصلاة، فإنه يتم صلاته الرباعية التي دخل في صلاة الظهر مع إمام مقيم، فإنه يجب عليه أن يتمَّ الظهر أربعًا، ولا يجوز له القصر في قوله عامة أهل العلم، ولا فرق في ذلك بين أن يدرك الصلاة من أولها، أو أن يدرك الصلاة في أثنائها، أو قبل السلام في قول جماهير العلماء، وبالتالي متى ما ائتم المسافر بمقيم فإنه يتم صلاته أربعًا، وهذه مسألة بعض الناس تخفى عليه ويظن أنه يحللهالقصر إذا صلى خلف إمام مقيم، وقام الإمام لتتمة الصلاة في ركعتين أو ما إلى ذلك تجده يجلس أو إذا جاء مثلا في أثناء الصلاة وأدرك معه ركعتين سلم معه، هذا من الخطأ الذي يقع فيه بعض المصلين جهلًا، والصواب أنه إذا ائتم بمقيم فإن الواجب عليه أن يتم.

المقدم:- فضيلة الشيخ في مسألة القصر والجمع هل هناك شروط لقصر الصلاة وجمعها، شروط معينة للمسافر مثل: مدة السفر وغيرها من هذه الشروط المتعلقة بأحكام السفر؟

الشيخ:- الأثر في السفر ما ذكره الله تعالى ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِالنساء: 101  وقد ذكر الفقهاء -رحمهم الله-، والآية مطلقة لم تقيِّد ذلك بزمن إنما بحال السفر، ولم تقيد ذلك بمسافة إلا أن الفقهاء -رحمهم الله- ذكروا في السفر الذي يترخص فيه برخص السفر أوصافًا من حيث المسافة، فجمهور العلماء قيدوه بأن يكون السفر أكثر من ثمانين من حيث المسافة أكثر من ثمانين كيلو[مذهب المالكية(شرح مختصر خليل2/56)، والشافعية(المجموع4/323)، والحنابلة(الإنصاف للمرداوي2/223)]، ومن حيث المدة أن يكون على سفر وألا ينوي الإقامة في مكان أكثر من أربعة أيام.

هذا ما ذكروه فيما يتعلق بالمسافة.

 والمدة فيما يتعلق بالمسافة الصواب: أن المسافر يقصر في كل ما عدَّه الناس سفرًا، بلغ هذا القدر أو لم يبلغ هذا القدر، هذا الراجح من أقوال أهل العلم فيما يتعلق بمسافة السفر[مذهب الظاهرية(بداية المجتهد1/168)، وبعض الحنابلة(مجموع الفتاوى15/12)، واختاره ابن قدامة(المغني2/190)، وابن تيمية(مجموع الفتاوى15/24)، والشوكاني(السيل الجرار:ص188)]، فلو كان سفره دون الثمانين كيلو، لكن معروف ومعدود في عرف الناس أن الخارج إلى هذا المكان أو إلى هذا الموضع يعدُّ سفرًا، فإنه يأخذ حكم المسافر، إذ إن النبي –صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه أنه كان يقصر في أقل من هذه المسافة، وبالتالي الحكم دائر على ما عُدَّ في العرف سفرًا من حيث المسافة.

أما ما يتعلق بالمدة فجمهور العلماء على أنه إذا نوى المسافر الإقامة في مكان أكثر من أربعة أيام، فإنه يأخذ حكم المقيم[مذهب الشافعية(المجموع4/361)، والمالكية(مواهب الجليل2/504)، ورواية عن أحمد(مجموع الفتاوى17/24)]

والمسافر من حيث مدة السفر له أحوال: 

أن يكون عالمًا بمدة إقامته، فإن كانت دون أربعة أيام فما دون فإنه يترخص برخص السفر.

 إذا كان أكثر من أربعة أيام، فإنه يكون في حكم المقيم فلا يترخص بالقصر ولا بالجمع، هذا إن كان يعلم مدة إقامته، فإن كانت دون الأربعة أيام فما دون فهو في حكم المسافر يجوز له القصر والجمع، إذا كان أكثر من أربعة أيام فهو في حكم المقيم لا يقصر ولا يجمع.

أما إذا كان غير محدد، كان في سفر غير محدد الإقامة، يأتي مكان وما يدري يجلس فيه يومين ثلاثة، أو مرتبط بعمل ولا يدري متى ينقضي العمل، ففي هذه الحال يقصر مادام أنه ينوي إقامة أكثر من أربعة أيام.

 هذا ما يتعلق بمدة السفر، وثمة قول وهو من حيث الأدلة له ما يعضده، وهو أنه لا يتقيد بمدة سواء السفر نوى إقامة أربعة أيام أو أكثر، فإنه يقصر مادام مسافرًا، واستدلوا بفعل النبي –صلى الله عليه وسلم- في فتح مكة وفي تبوك، وفي مواضع عديدة ذكروها، وقالوا: ليس ثمة ما يحدد مدة السفر ليكون فيصلًا في بيان المدة التي يجوز للمسافر أن يقصر فيها، وما لا يجوز أن لا يقصر فيه إذا نوى إقامة في مكان أو نوى السفر مدة من الزمان وهذا القول إلى الصواب أقرب، والله تعالى أعلم.

المقدم:- فضيلة الشيخ فيما يتعلق بصلاة الجمعة للمسافر هل تجب عليه صلاة الجمعة؟

الشيخ:- فيما يتعلق بالجمعة إذا كان في مكان يسمع فيه النداء، فالأفضل بالاتفاق أن يجيب النداء وأن يصلي لا خلاف بين العلماء أنه إذا كان نازلًا في مكان تقام فيه الجمعة أن الأفضل له أن يصلي مع الناس في قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِالجمعة: 9.

وأما ما يتعلق بالوجوب فجمهور العلماء[الحنفية(فتح القدير لابن الهمام2/62)، والمالكية(شرح مختصر خليل2/80)، والشافعية(المجموع4/485)، والحنابلة(المبدع لابن مفلح2/131)] وقد حكي بعضهم الإجماع على أنه لا يجب على المسافر جمعة[نقله الزرقاني عن مالك(شرح الزرقاني على الموطأ1/391)، وحكاه ابن قدامة(2/250)]، لكن ينبغي أن يعلم أن الإجماع هو فيما إذا كان الإنسان في مسير، أما إذا كان نازلًا بمعنى أنه نزل في مدينة، سافر إلى مكة أو إلى الرياض أو إلى بلدة من البلدان تقام فيها الجمعة، فهذا محل خلاف، الاتفاق على أن الأصل لم يُجِب النداء، وأما إجابته على وجه الوجوب.

 فجمهور العلماء على أنه لا يجب، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجب عليه إذا لم يكن هناك ما يمنعه لعموم الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِالجمعة: 9  فهذه خطاب لكل أهل الإيمان، ومنهم المسافر المقيم النازل في بلد تقام فيه الجمعة.

المقدم:- فضيلة الشيخ الأخ أبو فيصل يسأل عن حديث: «الراكبُ شيطانٌ، والراكبان شيطانيان، والثلاثة رَكْبٌ»[سنن أبي داود:ح2607، وسنن الترمذي:ح1674، وقال:حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، يسأل يقول: هل يشير هذا الحديث إلى تحريم السفر لما دون الثلاثة؟

الشيخ:- لا ليس تحريمًا، أولًا هذا فيما إذا كان الإنسان في مكان منفرد، مثل ما ذكرنا فيما جاء في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ ما في الوَحْدَةِ ما أعْلَمُ، ما سارَ راكِبٌ بلَيْلٍ وحْدَهُ»[سبق] أي منفردًا، فهذا موافق للحديث السابق في المعنى من أنه يكره الانفراد في السفر إذا كان مَظِنَّة الانفراد الذي لا يكون معه أحد، أما ما يتعلق بالسفر اليوم الغالب لا يكون ثمة راكبٌ منفردًا، وهذا ليس دليلًا على التحريم إنما هو تحديد وتمثيل من السفر على هذه الصفة، وهي أن يكون الإنسان منفردًا دون من يرافقه مما يعينه ويتقوى به على مقصوده في السفر، فقوله: «الراكب شيطان، والراكبان شيطانيان، والثلاثة ركب»سنن أبي داود (2607)، والترمذي (1674)، وقال حديث حسن . هذا فيما إذا كان الطريق غيرَ مسلوك، وذلك أنه فيما يتصل بالانفراد والقلة تسلط الشيطان على الإنسان في حال الانفراد أقوى منه إذا كان معه غيره، وبالتالي ندب النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى أن يكون السفر فيه رفقه، فجاء في هذا الحديث حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي قال: «الراكبُ شيطانٌ، والراكبانِ شيطانانِ، والثلاثةُ ركبٌ«

فالمنفرد بسفر حاله على هذا النحو من التنفير النبوي، وهو ما تقدم «لَوْ يَعْلَمُ النّاسُ ما في الوَحْدَةِ ما أعْلَمُ، ما سارَ راكِبٌ بلَيْلٍ وحْدَهُ» فالمقصود هو إعانة الإنسان على توقي أخطار السفر والبعد عما يضر، اليوم مثل ما ذكرنا سفر الناس بالطائرات، سفر الناس بالقطارات، سفر الناس بوسائل النقل المشتركة، بل حتى إذا كان راكبًا في سيارته منفردًا في طريق مسلوك، لا يعد منفردًا لوجود من يصاحبه في سلوك هذا الطريق.

المقدم:- فضيلة الشيخ هناك مسألة يبدو أنه فاتنا الحديث عنها وهو ما يتعلق بالمسح على الخفَّين للمسافر.

الشيخ:- هذا مما يتعلق برخَص السفر،من رخص السفر عندنا رخصتان لم نتحدث عنهما:

- الصوم وحِلُّ الفطر للمسافر، وهذا بالنص في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَالبقرة: 184 .

- الأمر الثاني فيما يتعلق بالسفر: هو فيما إذا كان الإنسان محتاجًا إلى المسح على خفيه، وقد ذكره –جل وعلا- في قوله –سبحانه وبحمده- في آية المائدة ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًاالمائدة: 6  فذكر التيمم وهو من رخص السفر أيضًا المتعلقة بالصلاة، وذلك أن السفر مظنة عدم وجود الماء، أما المسح على الخفين فذكره الله تعالى في قوله –جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِالمائدة: 6 .

وهذا لا يختص بالسفر، لكن الذي يختص بالسفر هو الرخصة في طول مدة المسح، فإنه يختلف المسافر عن المقيم في طول مدة المسح، فالمقيم يمسح يومًا وليلة، والمسافر يمسح ثلاثة أيام بلياليها، وقد جاء ذلك في حديث علي -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- جعل في المسح للمقيم يومًا وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها.صحيح مسلم (276)  فدل هذا على أن السفر موجب لطول مدة المسح، وهو رخصة للمسافر.

المقدم:- فضيلة الشيخ يمسح حتى على الجوارب الخفيفة التي لا يمشى عليها، هل يمسح عليها أيضًا؟

الشيخ:- بالنسبة لصفة الممسوح ليست مقيدة بصفة محددة، بل شاملة لكل ما يستر القدم، لكن ينبغي أن يلاحظ أن يكون ساترًا لمحل الفرض، أن يكون مما يثبت بنفسه، وأن يكون مما يمكن المشي عليه، هذه ثلاثة أوصاف ينبغي أن تلاحظ فيما يمسح عليه، سواء كان من جلد أو كان من غير الجلد.

المقدم:- فضيلة الشيخ ذكرنا في بداية الحديث مسألة ألا يكون السفر محرَّمًا، هل هناك أحوال يكون فيها السفر محرمًا على الإنسان؟ مثل سفر المرأة بدون محرم على سبيل المثال، أو أيضًا ذكرنا على سبيل الكراهة سفر الإنسان لوحده ليلًا هل هناك أحوال يكون فيها السفر حرامًا؟

الشيخ:- نعم هناك أحوال يكون السفر فيها حرامًا فيما إذا كان السفر غرضُه وغايته ومقصوده محرمًا كما تقدم، وكذلك إذا كان السفر يفضي إلى مخالفة ما أمر الله تعالى به، مثل ما إذا سافرت المرأة من غير محرم مع احتمالية وجود الخطر، أو أن تكون منفردة في غير ضرورة، ومثله أيضًا أن يكون السفر مما يخالف فيه الإنسان حكمَ الله –عز وجل- فهذا بمعنى مثلا أن يخالف ما أمر الله تعالى به من طاعة ولاة الأمر في الجهات التي لا يسافر إليها، فهنا من السفر المحرَّم لكونه خالف فيه ما أمر به من طاعة ولاة الأمر في ألا يسافر إلى هذه الجهات أو إلى هذه البلدان، وهذا معروف في حق كل من أراد سفرًا ما هي الجهات التي لا ينبغي أن يسافر إليها أو التي لا يؤذن له بالسفر إليها.

المقدم:- فضيلة الشيخ أختم بسؤال الأخ أبي يحيي يسأل يقول: هل يجوز للمسافر دخول وزيارة الكنائس ونحوها في الدول التي يسافر إليها، وأيضًا يسأل هل تجوز الصلاة في أماكن العبادة كالكنائس؟

الشيخ:- هو إذا مرَّ بها وصلى فلا بأس بالصلاة، ويطلب فيها أماكن بعيدة عن التصاوير أو التي فيها ما قد يشعر بتعظيم غير الله –عز وجل-، أما قصدها فهو مما يعرض فيه الإنسان نفسه للفتنة فينبغي البعد عنها، وإذا حضرها في غير مواسم التعبد فلا بأس إذا كان للمعرفة والاطلاع على أنه اليوم فيما يتعلق بالمعرفة والاطلاع يمكن للإنسان أن يدرك ذلك سواء كان ذلك في هذه المواضع أو غيرها من خلال النقل الذي أحيانًا ينقل ويصور الشيء إذا ذهب إليه الإنسان لم ير ما صور من دقة التصوير وشموله وإظهاره لجوانب قد لا يدركها هو بدهاء، فإذا لم يكن له حاجة فينبغي البعد.

كما أوصي عموم إخواني في سفر سواء في الداخل أو الخارج إلى أن يتحلوا بالصبر، وأن يتحلوا بالأخلاق الفاضلة وأن يكونوا رسل خير وبِرٍّ يعكسون صورة المسلم الذي يتقي الله –عز وجل- في حِلِّه وترحاله وفي كل أحواله، وكذلك أن يكونوا بريدًا مباركًا في إظهار فضائل البلد الذي ينتمي إليه؛ لأنه في كثير من الأحيان أخطاء الأفراد تنسب للبلدان، فإذا أخطأ الإنسان في أمر من الأمور وتصرف من التصرفات، غالبًا يقع في نوع من الظلم ألا يحصر هذا في تصرف الفرد والشخص، بل يعمم على كل أهل هذا الجنس أو على كل أهل هذه الجهة، فينبغي أن يكون حريصًا لاسيما ونحن نشهد الذين يحرصون على إبراز صورة غير إيجابية وليست حقيقية تعكس ما عليه أهل هذه البلاد المباركة من فضل وخير وبر وصلاح، واحترام للأنظمة ومحافظة على القيام، وبعده عن كل ما يكون من مواطن الشبه والرياء، ولهذا تجد أن التوصيات من الجهات المختصة بالسفر تؤكد على معاني ينبغي مراعاتها في تجنب مواطن الفساد، وتجنب المناقشات والمجادلات التي لا يعلم نهاياتها ولا مصلحة في الخوض فيها، إذ إن الإنسان مقصوده بهذا السفر واضح وجلي وهو التلويح عن نفسه أو في الحاجات المباحة التي يقضي بها حاجته وحاجة أهله، فينبغي ألا يخرج عن هذا المقصود بمثل هذه التصرفات التي قد تعود عليه أو على بلده بسمعة غير سوية.

المقدم:- شكر الله لك، وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور الأستاذ خالد المصلح أستاذ الفقه في جامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء في منطقة القصيم شكرا جزيلا فضيلة الشيخ.

الشيخ:- بارك الله فيكم، وأسأل الله لي ولكم التوفيق، وأن يحفظنا في حلنا وترحالنا، وأذكِّر إخواني بضرورة العناية بتقوى الله في كل الأحوال، فالله –جل وعلا- مطَّلِع عليك في حِلِّك وترحالك، فاحفظ الله في كل حالك، فأسأل الله أن يوفقني وإياكم للبر والتقوى، وأن يسددنا، وأن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وأن يبلغنا ما نؤمل في أنفسنا وأهلينا وبلادنا وولاتنا، ووفق الله الجميع إلى ما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91541 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87252 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف